المخلوقات البحرية عندها آليات وطرق كتير بيدافعوا بيها عن نفسهم، أو على أقل تقدير بتسهل عليهم نمط الحياة في أعماق البحار والمُحيطات، فيه مثلاً مخلوقات بحرية بتستخدم الكهرباء علشان يخوفوا المُفترسين ويبعدوهم زي أسماك الرعاد مثلاً ، وفيه مخلوقات عندها مصابيح ذاتية بتمكنها من إنها تشوف في الأماكن المُظلمة، ومخلوقات تانية عندها أسنان وزعانف قوية وهكذا، لكن في وسط المخلوقات البحرية دي كُلها، فيه نوع من المخلوقات بيستخدموا آلية غريبة جدًا علشان يدافعوا بيها عن نفسهم، زي الحبار والأخطبوط، الحبار من إسمه فهو مخلوق بينتج الحِبر؛ علشان يحمي بيه نفسه من المُفترسين، لكن ياترى إزاي الحِبر ده بيتكون، وإزاي أصلاً بيخوف المُفترسين، وهو هل الحِبر اللي الحبار بينتجه، ينفع نحطه في قلم ونكتب بيه، ولا لاء؟
الحبار غير الأخطبوط
في البداية كده خلينا نفك الإشكالية عن شئ مُهم جدًا وهو إن الحبار مُختلف تمامًا عن الأخطبوط؛ وده لأن فيه ناس كتير بتكون مُعتقدة إن الإتنين مخلوق واحد، لكن الكلام ده غير صحيح.
الأخطبوط والحبار، الإتنين بينتموا لنفس العائلة من الرخويات البحرية، واللي بتُسمى بـ رأسيات الأرجل، وده اللي بيخلي في بعض التشابهات، لكن دا لا يمنع برضو إن كل واحد منهم عنده صفات مُميزة ومُختلفة تمامًا عن الأخر، الأخطبوط مثلاً رأسه بتكون مُستديرة وملساء، في حين إن الحبار رأسه بتكون طويلة وأولها يشبه المثلث، وحتى في طبيعة الأطراف بتاعتهم مختلفة تمامًا، الأخطبوط بيمتلك 8 أذرع بيكونوا مُمتدين من أسفل الرأس، في حين إن الحبار بيمتلك 8 أذرع وبيمتلك كمان زراعين إضافيين بيُطلق عليهم المجسات، وبيكونوا أطول من باقي الأذرع، وبكده الأطراف الكُلية للحبار عددهم عشرة مش تمانية.
وأخيرًا بقى فيه فرق كبير في الحجم بين الإتنين، الأخطبوط بتتراوح أنواعه في الحجم بين سنتيمترات معدودة إلى 9 أمتار فقط كحد أقصى، في حين إن الحبار ممكن في بعض الأنواع طولها بيتعدى الـ 20 متر.
الحبار ملك الحِبر
دلوقتي بقى بعد ماعرفنا الفرق بين الحبار والأخطبوط، خلينا نعرف الوسائل الدفاعية اللي كل نوع منهم بيستخدمها في الدفاع عن نفسه، وتحديدًا آلية إطلاق الحِبر، ونعرف كمان إزاي بينتجوه، وخلونا نبدأ بالحبار.
زي ما بعض المخلوقات عندها غدد بتنتج اللعاب أو العرق، الحبار عنده غُدد خاصة بتنتجله المادة بتاعت الحِبر ، والمادة دي بتكون مكونة من صبغة الملانين والمُخاط وبعض الأحماض الأمينية، وبعد كده بيتم ارسال الحبر وتخزينه في مكان إسمه “كيس الحبر أو الـ INC SAC”، واللي بيكون قريب من نهاية الأمعاء أو فتحة الإخراج، وبيفضل الحبار مُحتفظ بالحبر جوا الكيس ده لحد الوقت المناسب اللي هيتحاجه فيه، وبالفعل لما الحبار بيتعرض لموقف خطير أو يتفاجئ بوجود مخلوق مُفترس قدامه؛ بيضغط فورًا على كيس الحبر من خلال عضلاته، وبتندفع محتويات الكيس للخارج بقوة وبتختلط بالماء وبتكوِّن سحابة ضبابية ضخمة.
والسحابة الضبابية دي بقى بتقوم بأكتر من دور، أول حاجة هي إنها بتحجب الرؤية تمامًا عن المخلوقات البحرية اللي بتعتمد على الضوء المرئي في عملية الرؤية، وبتخليهم مُرتبكين ومش عارفين يتحركوا، وفي اللحظة دي بيكون قدام الحبار فرصة ذهبية بإنه يهرب من المكان؛ لأنه بيبقى مقرر مُسبقًا هو هيندفع في أنهي إتجاه، من قبل أصلاً ما يطلق الحبر من جسمه، وأول ما بيطلق الحبر، بيتجه فورًا في الإتجاه اللي كان محدده.
الحاجة التانية بقى والمُهمة جدًا، هي إن الحِبر بيعزز من ظهور خاصية إسمها “مُحاكاة البلعمة أو الـ Phagomimetic”، الأحماض الأمينية اللي موجودة في الحبر بتخلي ريحة الحِبر وطعمه يكونوا عاملين بالظبط زي طعم الأكل أو الغذاء بالنسبة للحيوانات المُفترسة الموجودة حوالين الحبار، والموضوع ده بيربك المُفترسين جدًا وبيخليهم يهاجموا الحِبر نفسه ويلفوا حواليه ظنًا منهم إن ده أكل، والموضوع ده بيعمل خلل للمُستقبلات الكيميائية عند المُفترسين، وما بيقدروش يحسوا بالحبار وهو بيهرب؛ لأن المكان حواليهم مليان بالروائح والغذاء، بل إنه من الحاجات الطريفة جدًا، هي إن الحبار مش دايمًا بيطلق الحبر على شكل سحابة عشوائية وخلاص، ولكنه في بعض الأحيان بيزود من تركيز المُخاط في الحِبر بتاعه، علشان يقدر يشكله ويخليه يحافظ على قوامه، وبيُطلق فقاعة من الحبر بتبقى شبيهة بالظبط بهيئة الحبار من حيث الحجم والشكل؛ وده علشان يُحبِك الموضوع جدًا ويخلي المُفترس اللي قدامه يشتبك مع الحِبر وينشغل بيه، ظنًا منه إن الحاجة اللي قدامه دي هي الحبار، بل إنه في بعض الأحيان مُمكن يصنع أكتر من شكل وهمي في نفس الوقت؛ علشان يربك المُفترس أكتر وأكتر، ويهرب هو من المكان بسلام، بدون ما المُفترس يحس بيه.
مُحرك نفاث
بعد بقى ما الحبار بيطلق الحِبر بتاعه، فبيكون محتاج لـ وسيلة تبعده عن المكان بسرعة، قبل ما تأثير الحِبر اللي في المياه يختفي، ومن حكمة ربنا سبحانه وتعالى أن الحبار بيمتلك آلية إسمها الدفع النفاث، واللي بيحصل في الآلية دي هو إنه بيمتص المياه من المكان حواليه، وبيخزنها جوا جسمه في كيس عضلي وبعد كده بيطرد المياه دي مرة تانية خارج جسمه بقوة من خلال فتحة ضيقة جدًا، وده بدوره بيديله دفعة قوية للأمام، وطريقة الدفع النفاث دي بتخلي الحبار يقدر بتحرك بسرعة تصل لـ 40 كيلو في الساعة، والسُرعة دي بتكون كافية جدًا إنه يختفي من المكان في اللحظة اللي بيطلق فيها الحِبر، وبالمناسبة الحبار هو أسرع اللافقاريات على وجه الأرض؛ وعلشان كده بيقدر يهرب بسهولة.
حرباء البحر
لحد دلوقتي بقى الخِدع اللي عند الحبار لسه ما إنتهيتش، الحبار عنده قدرة مهولة في التخفي وتغيير لون جسمه، لدرجة إنه أحيانًا بيتم تسميته بـ حرباء البحر، جلد الحبار موجود عليه حاجات أشبه بالبالونات المائية الصغيرة، والبالونات دي بتبقى متقسمة لمجموعات، كل مجموعة منهم بيكون موجود جواها صبغة خاصة بلون مُعين، مجموعة فيها صبغة حمرا، ومجموعة تانية فيها صبغة بني، ومجموعة فيها صبغة صفرا وهكذا.
وبيبقوا مترتبين في الجلد تحت بعض، على هيئة طبقات؛ ونظرًا لأن جلد الحبار يعتبر شفاف، فلما بيعوز يغير لونه إلى لون مُعين، كل اللي بيعمله هو إنه بيخلي البالونات اللي باللون ده تتمدد جدًا، وباقي البالونات تنكمش، وبالتالي اللون ده تحديدًا هو اللي يظهر في الجلد.
الأخطبوط
بالعودة بقى مرة تانية لموضوع الحِبر، خلينا في النهاية نطرح سؤال مُهم، هل الأخطبوط بينتج حبر هو كمان ولا لأ؟ ، في الواقع الإجابة أيوة، بل المفاجئ أن مُعظم رأسيات الأرجل بما فيهم الأخطبوط، وأسماك الـ Cuttlefish، بل وكمان بعض الرخويات زي أرانب البحر بيكون عندهم غدد خاصة بتنتج لهم الحِبر وبيتخزن في أكياس مُعينة، وبيستخدموهم في أوقات الخطر.
بس الحاجة الوحيدة اللي بتفرقهم عن بعض هو لون الحِبر نفسه، يعنى ممكن تلاقي أخطبوط الحبر بتاعه بيكون أسود داكن، في حين إن الحبار لون حبره بيكون مائل للأزرق، وبعض الأنواع التانية حبرهم بيكون لونه بني أو بني مِحمر، طب هل الموضوع متوقف على نوع الحبر وبس؟، في الواقع لأ، فيه إختلافات جوهية تانية زي المواد اللي بيتكون منها الحِبر.
يعني الأخطبوط ذو الحلقات الزرقاء على سبيل المثال Blue-Ringed Octopus، بيخلط الحبر بتاعه بمادة التيترودوكسين Tetrodotoxin، ودي مادة سامة وبتسبب شلل لو دخلت في جسم أي فريسة.
هل مُمكن نكتب بحبر الحبار
في النهاية بقى خلينا نجاوب على السؤال الطريف اللي كُنا ذكرناه في البداية، وهو إننا لو جبنا الحبر بتاع الحبار ده وحطيناه في قلم، فهل نقدر نكتب بيه ولا لأ، الإجابة هي أيوة، الأقلام الحبر العادية اللي بنستخدمها، الحبر اللي جواها بيكون مصنوع من صبغة ملونة ومخلوط عليها أحد السوائل اللزجة، علشان تسهل عملية سيلان الحبر من القلم، بالإضافة لبعض المُثبتات أو المواد اللاصقة؛ علشان تخلي الحبر يثبت على الورقة بسهولة، والشروط دي هنلاقيها موجودة برضو في الحبر اللي بينتجه سواء الحبار أو الأخطبوط؛ وده لأن الحبر بتاعهم زي ماوضحنا بيحتوي على مادة ملونة أو صبغة وهي الملانين، واللي أصلاً تعتبر من أفضل وبيكون مخلوط عليها بعض السوائل والمُخاط؛ وعلشان كده الحبر بتاع الحبار والأخطبوط ماهواش مُجرد حِبر عادي، ولكنه يعتبر أصلاً من أفضل أنواع الحبر.
وبالفعل فيه أشخاص كتير لما بيصطادوا أخطبوط أو حبار، بيفتحوهم وبياخدوا منهم كيس الحبر، وبيستخدموه في التلوين أو في الطلاء.