الديناصورات إنقرضت منذ أكتر من 65 مليون سنة، لكن بالرغم من كده، بنسمع دايمًا إن العلماء عندهم معلومات كتير جدًا عن طبيعية الديناصورات بما فيها نبرة الصوت الخاص بيهم، والحقيقة موضوع الصوت ده تحديدًا محتاجين نحط تحته مليون خط؛ لأنه أمر غريب ومش مفهوم إطلاقًا، الصوت ماهواش حاجة مادية نقدر نلمسها زي الأحافير والهياكل العظيمة، ولكنه مجرد إهتزازات بتنتشر في الهواء، وبتختفي خلال لحظات أو دقائق معدودة.
إزاي قدرنا نستعيد صوت، مر عشرات الملايين من السنين على أخر مرة صدر فيها، وإزاي العلماء عرفوا أصوت الديناصورات بالرغم من إنها إنقرضت، ومفيش حد على وجه الأرض سمع صوتها قبل كده؟

هل صوت الديناصورات في الأفلام حقيقي؟

سلسلة أفلام (الحديقة الجوراسية أو Jurassic Park)، واللي بدأت في عام 1993م، تعتبر واحدة من أشهر السلاسل السينمائية اللي عرضت طبيعة الديناصورات بشكل كبير، وصوت الديناصورات تحديدًا كان أحد الأشياء اللي أخدت منهم مجهود كبير علشان يصنعوا، يعني صوت الديناصور العملاق (تِي ريكس) على سبيل المثال، علشان يقدروا يطلعوه ويبقى مقنع للمُشاهدين؛ عملوا دمج بين زئير نمر حقيقي وبين نهيم فيل، وضخموا نبرة الصوت جدًا علشان تطلع بالنبرة المميزة اللي إتعرضت في السلسلة، ونفس الشئ بالظبط عملوه مع معظم الديناصورات اللي ظهرت بإختلاف أنواعهم، كلهم أصواتهم كانت عبارة عن مزيج بين أصوات الحيوانات المختلفة.
والموضوع مش مقتصر على السينما وخلاص، ولكن حتى الأفلام الوثائقية اللي بتعرض حياة الديناصورات في الماضي، بنلاحظ إن هما كمان بيجسدوا أصوات الديناصورات بطريقة أشبه بصوت الزئير القوي، لكن ياترى هل الديناصورات في الماضي صوتها كان كده فعلًا أو حتى قريب من نبرة الصوت دي ولا لأ؟.

دُور الحفريات

الحقيقة علشان نجاوب على السؤال ده، فأفضل ناس هناخد منهم إجابات هم علماء الحفريات، الحفريات المُتحجرة بتاعت الديناصورات والهياكل العظمية بتاعتهم اللي فضلت محفوظة في باطن الأرض لملايين السنين، كانت المفتاح اللي عرفنا من خلاله كل حاجة خاصة بيهم، عرفنا شكل الديناصورات وأطوالهم وأحجامهم، وكذلك طبيعة الغذاء اللي كانوا بيتغذوا عليه، والأماكن اللي كانوا بيعيشوا فيها.

والموضوع مش متوقف لحد كده، ده إحنا كمان عرفنا تفاصيل دقيقة جدًا زي مثلاً ألوانهم، وشكل وموضع العضلات اللي في أجسامهم، وكمان طبيعة الجلود، وطريق مشيهُم، ومقدار السرعة اللي كانوا بيجروا بيها كمان، والأكثر غرابة من كل ده، هو إننا عرفنا بعض السلوكيات بتاعتهم، زي مثلاً إن معظم الديناصورات كانوا بيعيشوا مع بعض في قطعان أو مجموعات، زي بالظبط الغزلان والمواشي، وغيرهم من الحيوانات البرية الموجودة في عصرنا الحالي، وكل الحاجات دي عرفناها فقط من الحفريات، وكنا إتكلمنا عن الموضوع ده بالتفصيل قبل كده في حلقة (إزاي عرفنا شكل الديناصورات بالرغم من عدم وجود بشر وقتها؟)، هتلاقوها موجودة على القناة.

طيب بقى بما إن العلماء عرفوا كل المعلومات دي من خلال الحفريات، فهل الحفريات هي برده اللي عرفتهم نبرة الصوت بتاعت الديناصورات؟، في الواقع الإجابة آه ولا لأ في نفس الوقت، للأسف الأعضاء اللي بتصنع الصوت عند جميع المخلوقات الحية، بتكون عبارة عن أنسجة لينة أو رخوة، وده زي التجويف الأنفي والحنجرة والأحبال الصوتية، والقصبة الهوائية وغيرهم، طب إيه المشكلة في كده؟، المشكلة ببساطة هي إن الأنسجة الرخوة اللي زي دي، لما الجسم بيتحَجِرْ أو بيتحول لأحفورة، بتبدأ تتحل بسرعة وتختفي ولا تحافظ على قوامها، وده على عكس العظام مثلاً، اللي بتفضل محافظة على نفسها، وبالتالي العلماء كانوا واقفين قدام حيطة سد بخصوص موضوع معرفة صوت الديناصورات؛ لأن أعضاء الصوت الأساسية ماهياش موجودة، وعلشان كده بقى اضطروا إنهم يستعينوا بباقي أجزاء الجسم، علشان يكوِّنوا من خلالها فكرة عن طبيعة صوت الديناصورات، أو حتى الحيز الصوتي اللي كان بينحصر فيه الصوت بتاعهم، أيوة برده يعني عملوا إيه بالظبط؟.
اللي عملوه ببساطة هو إنهم بَصُوا لـ حجم القفص الصدري في الهياكل العظمية والأحافير بتاعت الديناصورات؛ وده لأن القفص الصدري بيدينا إنطباع عن حجم الرئة اللي كانت موجودة جواه، والرئة طبعًا تعتبر المحرك الأول في عملية إصدار الصوت؛ لأنها العضو اللي بيضخ الهواء إلى الخارج، وبعد كده بيشوفوا كمان حجم الحلق والفم، وفتحات التنفس اللي في الأنف، ولما بيقارنوا قياسات الحاجات دي مع بعض، فبيقدروا يخمنوا حجم الحنجرة هتكون عاملة إزاي، وكذلك طبيعة الأنسجة اللي فيها، وبالتالي بيقدروا يخمنوا في النهاية نبرة أو طبقة الصوت بتاعت الديناصورات، لكن طبعًا الكلام ده ما بيكونش دقيق وعلشان كده بيلجأوا لعوامل آخرى إضافية، علشان تساهم أكتر في دعم الفرضيات دي، وأحد العوامل اللي يلجأوا لها هي فكرة القياس.

القياس

القياس هي آلية نقدر نستدل بها على صفات بعض الحيوانات من خلال حيوانات تانية خالص، ولكن بشرط إنهم يكونوا بينتموا لنفس الفصيلة، بمعني إيه؟، يعني لو عرفنا إن الأسد والقطة، الإتنين بينتموا لفصيلة واحدة وهي (السنوريات)، لكننا مثلاً عمرنا ماشوفنا الأسد قبل كده بس شوفنا القطط ودرسنا التشريح الجسماني بتاعهم، ففي الحالة دي نقدر بسهولة إننا نعرف كتير جدًا عن هيئة وطبيعة الأسد من غير ما نشوفه، ولو معانا مثلاً هيكل عظمي أو حفرية للأسد، ففي الحالة دي المعلومات اللي هنعرفها من خلال (القياس) هتكون أكثر دقة.

واللي بنحكيه ده بقى، هو بالظبط اللي حصل مع الديناصورات، لما علماء الأحياء دوروا على إيه أقرب مخلوقات على وجه الأرض، شبيهة نوعًا ما بالتركيب الجسماني للديناصورات، لاقوا إن الزواحف هي اللي بتستوفي الشروط دي بجدارة؛ وعلشان كده بيتم تصنيف الديناصورات بإنها تابعة لـ الزواحف وبيتم تسميتهم كمان بلقب السحالي الكبيرة.

ولو حد شاف قبل كده سحلية (تنين الكُومُودُو) الموجودة في إندونسيا، أو حتى تماسيح المياه العذبة؛ فهيحس فعلاً بمدى التشابه اللي بينهم وبين الديناصورات، والتماسيح تحديدًا مشابهة ليهم جدًا من حيث تركيب العظام.
وده كان الباب اللي العلماء بدأوا منه موضوع (القياس)، واستنتجوا أن الديناصورات مش بيصدروا صوت زئير قوي ولا حاجة زي ما بنشوف في الأفلام، والراجح إنهم كانوا بيصدروا صوت فحيح أو هَسهسة هادية جدًا وترددها منخفض، وده زي الصوت اللي بتصدره التماسيح وبعض أنواع السحالي، ومن المدهش كمان بقى إنه على أقرب تقدير ، فالديناصورات مكنتش بتفتح بوقها أثناء الفحيح؛ وده لأن الغالبية العظمى من الزواحف بتقدر إنها تصدر أصوات وهي قافلة بوقها، الهواء عندهم بيخرج من الرئة عبر البلعوم، وبيتدفق لبرا من خلال الفراغات اللي بين الأسنان عادي جدًا، بدون يفتحوا بوقهم، يعني المشاهد اللي بنشوفها في الأفلام وبنلاقي فيها الديناصورات بتفتح بوقها جامد، وتصدر صوت زئير أو عواء عالي جدًا، فالمشهد ده مليان مُغالطات علمية، وكمان الدراسات الإستنتاجية بتقول إن الديناصورات مكنوش بيصدروا صوت الفحيح ده عمال على بطال كده طول الوقت، ولكن في حالات معينة هي اللي كانوا بيستخدموا الأصوات فيها، زي التزواج مثلاً، أو المواقف اللي بيتعرضوا فيها للخطر.

الباراصورو لوفوس | Parasaurolophus

طيب هل كل الديناصورات صوتها كان عامل زي فحيح التماسيح؟، في الواقع لأ، ديناصور الباراصورو لوفوس Parasaurolophus هو أحد الديناصورات النباتية، اللي كانت موجودة في نهاية العصر الطباشيري.

تم إكتشاف أحافير مُتحجرة للديناصور ده في ولاية نيو مكسيكو في جنوب غرب الولايات المتحدة، والشئ اللي كان ملفت للانتباه بخصوص الباراصورو لوفوس هو شكل الرأس بتاعته، الديناصور رأسه مميزة جدًا وموجود فيها عضمة طويلة، منحنية للخلف، ولما فصحوا جمجمته، إكتشفوا إن فيه تجويف أو أنبوبة بتمتد من فتحة الأنف وبتمشي جوا العضمة اللي فوق الرأس، وبعدين بتلف فيها وبترجع للحلق.

واستنبطوا إن التجويف الغريب ده وظيفته انه بيعزز من حاسة الشم عند الديناصور، علشان يوصل لغذائه بسهولة، وخصوصًا إنه من أكلي النباتات، وإنه كمان كان بيساعده على الغطس بكفاءة أسفل المياه، لكن اللي يهمنا أكتر دلوقتي بخصوص موضوع التجويف دا هو إنه في عام 1995م، متحف نيو مكسيكو للتاريخ الطبيعي والعلوم، حطوا الجمجمة بتاعت الباراصورو لوفوس على جهاز (التصوير المقطعي الـCT scanner)، وعملوا منها نموذج ثلاثي الأبعاد وأضافوا فيه الأنف وتجويف للفم، والقصبة الهوائية، وأحبال صوتية طبقًا لحسابات ومقاسات معينة؛ وده علشان يعملوا محاكاة لصوت الديناصور دا ويعرفوا كان عامل إزاي، وخصوصًا مع وجود التجويف اللي في الرأس.

والمفاجأة كانت إن صوت الباراصورو لوفوس كان عامل بالظبط زي صوت (البوق المُنحني) اللي بننفخ فيه، حاجة كده زي الصوت ده، أضغط هنا.
واللي خمنه العلماء كمان إن ممكن الأنواع المختلفة من الباراصورو لوفوس، يكون كل نوع منهم له نغمة أو سيمفونية معينة خاصة بيه ومختلفة عن الأنواع الأخرى، لكنها برده زي ماوضحنا في حيز النغمات الهادية منخفضة التردد.

قد تكون الديناصورات بكماء!

في النهاية بقى لو أنت لسه مستغرب إن صوت الديناصورات مكنش زئير قوي وشرس زي اللي في مخيلتك، فخليني أصدمك أكتر وأقولك إن ممكن الديناصورات أصلاً تكون ما بتتكلمش ومش بتصدر أي أصوات إطلاقًا، والرأي ده هو كمان مطروح في الوسط العلمي، وفيه علماء وباحثين كتير بيتبنوه؛ وده لأنه زي ماوضحنا، كل الحاجات اللي فاتت كانت مجرد فرضيات مبنية على (القياس) ومفيش أي دليل قوي بيأكدلنا بنسبة 100% صوتهم كان عامل إزاي، وبالتالي بنفس مبدأ القياس ممكن نستنبط إن الديناصورات مكنتش بتصدر أصوات زي الغالبية العظمى من الزواحف، وإنهم مكنوش بيتواصلوا سمعيًا أو من خلال الصوت، ولكن كانوا بيتواصلوا بصريًا، وفيه أدلة كتير بتأيد الموضوع ده وعلى رأسها التركيب الجسماني للديناصورات، جلد الديناصورات كان بيتميز بإحتوائه على ألوان كتير جدًا ومُلفتة للنظر، وكمان القرون والأهداب، والأشرعة اللي على الضهر، كل دي حاجات بتدل على إن سلوك الديناصورات ممكن يكون معتمد أكتر على إستعمال لغة الجسد في التواصل، يعني حاجة كده زي أسلوب الحِرباء أو السحالي في التواصل مع بعضهم، لكن برده لحد دلوقتي الموضوع مازال قابل للنقاش، لحد ما نلاقي دليل ملموس يأكد مزاعم أحد الطرفين أو ينفي مزاعم الطرف الأخر، يعني يمكن مثلاً نكتشف (ديناصور) كامل محفوظ في الجليد ولا حاجة، وموجود بكل أعضائه، وبالتالي نحسم قضية الصوت.
أو على النقيض إننا ممكن نكتشف دليل معين، يثبتلنا مثلاً إن كل اللي العلماء كانوا بيتكلموا فيه خلال السنوات اللي فاتت دي بخصوص الديناصورات هي معلومات خاطئة ومالهاش أي أساس، وأدينا منتظرين لحد مانشوف أحدث الأبحاث العلمية هتوصل لإيه.