الأسد واحد من أكتر الحيوانات المرعبة على وجه الأرض مجرد ظهوره بس كفيل إن الحيوانات كلها تختفي من المكان، لكن على الرغم من إن الحيوانات بنشوف ظاهرة غريبة جدًا بين الأسود وقردة البابون.
قردة البابون بتعمل خطة مُحكمة علشان تعرف تسرق أشبال الأسود، وده بالرغم من إن قردة البابون من المخلوقات الغاية في الذكاء، وذكائها ده بيخليها عارفة كويس العواقب اللي ممكن تحصلها لو وقعت فريسة للأسد أثناء مابتسرق أطفاله، ولكن ده برضه مبيمنعش سِرقتها المُستمرة لأشبال الأسود.

قردة البابون

البابون هي قرود من فصيلة إسمها (سعادين العالم القديم) بتنتمي للرئيسيات، وبتتميز بفم طويل عامل زي فم الكلاب، وبتمتلك أسنان حادة وقوية، والعلماء بيقسموا البابون لخمسة أنواع بيعيشوا كلهم في شبه الجزيرة العربية وأفريقيا، الخمس أنواع دول بيشتركوا في بعض الصفات العامة، لكن في صفات تانية بنشوف فيها إختلاف كبير، فيه أنواع بتوصل فيها أحجام القرود لـ 41 كيوم جرام، بينما بنلاقي أنواع تانية القرود فيها مبتعديش العشرة كيلو جرام؛ وعلشان كده البابون يعتبر من أكبر حيوانات فصيلته، ومفيش غير قرود الماندريل Mandrillus والدريل Drill اللي بتعديه في الحجم، وبعيدًا عن الصفات الظاهرية خلينا نفهم الحيوان ده أكتر، علشان نعرف هو ليه بيسرق أشبال الأسود.

علشان نفهم التصرف الغريب ده، لازم ننسى الصورة التقليدية اللي بنتعامل بيها مع الحيوانات ونخلي في دماغنا إننا بنتعامل مع حيوان ذكي، بل إن ساعات ذكائه بيوصل لدرجات مدهشة، بل أنه فيه تجارب بحثية اكتشف العلماء إن البابونز عندهم القدرة على اكتساب بعض المهارات اللغوية، وبيقدروا على تعلم الكلمات وفهمها في شكل متعاقب ورا بعضها، وهي صفة نادرة جدًا في عالم الحيوان، بخلاف قدرتهم على التواصل والتخطيط واستخدام عدد من الاستراتيجيات الذكية للدفاع عن نفسهم من الحيوانات المفترسة، ناهيك عن حياتهم تحت مظلة اجتماعية مُعقدة ومنظمة بشكل مبهر، وفيه ترابط عاطفي بين جميع الأفراد ورغبة جماعية لحماية أرواح بعضهم البعض.

قردة البابون عندهم القدرة على تنظيم نفسهم، بيتقسموا في مجموعات بيسميها العلماء “الفرق” كل فرقة بتكون مكونة من 20 لـ 100 قرد، والقرود دي مش بس بتقعد مع بعضها في مكان واحد أو بتتجمع بشكل عشوائي.. لا خالص.. القرود دي عاملة مُجتمع صغير، يعني بنلاقيهم بيصطادوا مع بعض، وبيسافروا مع بعض، والذكور بتهتم بحراسة الفرقة بتاعتهتا، وكمان بنلاقي الإناث بتتجمع وبترعى القرود الصغيرة، وكل الحاجات دي كوم وإننا نشوف حيوانات غريبة أو حتى قرود غريبة بتحاول تدخل أراضي الفرقة ده كوم تاني خالص؛ لأن ساعتها القرود بتدافع بكل قوتها عن أرضها وبتكون مستعدة تموت في سبيل حماية أراضيها.

علاقة البابون بالأسود

من الخمس أنواع لقردة البابون، 4 أنواع منهم معروفين بإسم “بابونز السافاناSavanna Baboons “؛ وده بسبب تفضيلهم الحياة في أراضيها بإفريقيا، يعني تقدر تقول عليهم كده عايشين في عرين الأسد نفسه.. ملك السافانا، وبتتنوع الحمية الغذائية للبابون ما بين فاكهة وأعشاب وبذور وجذور ولحاء الأشجار، لكن ليهم كمان في اللحوم، وتلاقيهم بيفترسوا الطيور والقوارض وحتى صغار الثديات الكبيرة زي الظباء والأغنام، وذيولهم مش مُعدة للامساك بفروع الأشجار، ومع ذلك مهاراتهم في التسلق والتنقل من شجرة لشجرة وصعود المنحدرات جديرة بالإعجاب، خصوصًا مع أوزانهم الضخمة، لكن معظم وقتهم على مدار اليوم بيقضوه على الأرض، ومعتادين على قطع مسافات كبيرة على مدار النهار بحثًا عن الطعام، ولجوئهم للأشجار بيبقى غالبًا مقتصر على النوم أو جزء من بحثهم عن الأكل أو للهرب من المفترسين، وطبعًا وجودهم معظم الوقت على الأرض في مملكة الأسود واعتيادهم السفر في مجموعات لمسافات طويلة على مدار النهار بيغري عيون المفترسين عليهم.

وبالرغم من أن البابون عنده صفات جسدية قوية زي الفك وحدة الأسنان وغيرها، إلا أن المواجهات الفردية ضد الأسد نتيجتها بلا شك محسومة لصالح الأسود، وبالرغم من أن شغل العصابات ممكن يرفع من حظوظ البابونز قدام أسد أو فهد صحته مش أد كده، لكن في النهاية الكفة بتميل للقطط الكبيرة، وهنا بيعوض البابون قلة حيلتهم الجسدية بذكاء عقولهم؛ فتلاقيهم عارفين كويس نقاط قوتهم وضعفهم وكذلك نقاط قوة وضعف الحيوانات المفترسة حواليهم، فمثلاً قوة نظر البابون في الليل لا تضاهي الفهود، وعشان كده بيتجنبوا الحركة أثناء الليل على الأرض وبيختاروا أعلى الأشجار والمنحدرات والتلال لتسلقها والنوم في أمان بعيد عنهم وعن غيرهم من الحيوانات المفترسة، كذلك تلاقيهم عارفين الروتين اليومي للأسود وإمتى بيطلعوا للصيد وإمتى وقت الراحة بتاعتهم، وده السبب وراء المشهد العجيب اللي ممكن تشوف فيه قردة البابون قاعدين في عز الظهر بالقرب من الأسود وبيلعبوا وبيمارسوا حياتهم بشكل طبيعي بدون قلق أو خوف؛ وده لأنهم بيكونوا فاهمين إن الأسود بتبقى كسولة في الوقت ده وبتفضل إنها تاخد قيلولة عن أنها تصطاد، وبالرغم من امتلاكهم لأكتر من استراتيجية ذكية للدفاع عن نفسهم واتقاء شر الأسود وغيرهم، إلا إنهم بينفذوا أحد أغرب التصرفات في مملكة الحيوان على الإطلاق، تصرف ما يجيش على دماغ حد.. خطة استباقية لتفادي خطر الأسود تمامًا، وهي أنهم يسرقوا أشبالهم، أو على الأقل ده واحد من التفسيرات اللي اقترحها الباحثين للتصرف الفريد من نوعه لقردة البابون.

القرود عارفة كويس مخاطر الاقتراب من الأسود، حتى عملية سرقة الأشبال اللي ممكن تفتكرها بسيطة القرود بتقعد تخطط لها كويس، بيدرسوا الوضع حواليهم بشكل دقيق، وبيشوفوا تحركات الأم، وبيستنوا لما بتروح تصطاد، أو تلاقي حاجة تشغلها عن الأشبال وبعدين بيروحوا ياخدوا الشبل، ويحتضنوه بين دراعتهم، وبيختفوا من المكان فورًا قبل رجوع الأم، طيب هم ليه برده بيعملوا كده؟، الإجابة على السؤال ده مُمكن نلاقيها في القصة الغريبة اللي حكاها أحد مُرشدين السفاري.

رعاية البابون لأشبال الأسود

قصتنا بتبدأ مع “كورت شولتز Kurt Schultz” مُرشد سفاري ومصور للحيوانات والحياة الطبيعية في شمال وشرق أفريقيا، شوتلز بقاله 20 سنة بيصور الحيوانات بشكل مستمر وبيهتم بيها عن قرب، وفي يوم من الأيام بيصحى شولتز من نومه وبيقرر إنه ينزل ياخد جولة في منتزه “كروجر الوطني Kruger National Park”، ومنتزه كروجر يعتبر واحد من أكبر المنتزهات في جنوب أفريقيا، المهم شولتز نزل المنتزه بالفعل وبدأت جولته وفجأة.. شاف مشهد من أعجب وأغرب المشاهد اللي شافها خلال 20 سنة، كروجر شاف قرد من قرود البابون وهو سارق شبل من أشبال الأسود وبيجري بيه.. الطبيعي في مشهد زي ده، إن القرد يبدأ يضرب الشبل، ويقتله بطريقة عنيفة ووحشة، بس مش ده اللي حصل خالص، القرد فضل ينط من مكان لمكان، ومن شجرة لشجرة وهو معاه الشبل وبعدين وقف على فرع من فروع الأشجار ونيم عليه الشبل، وبدأ يمسح على شعره ويهتم بيه، الغريب إن الرعاية اللي قدمها القرد للشبل ده كانت هي الرعاية نفسها اللي بتقدمها قرود البابون لأطفالها، وفضل زي ما هو لحد ما شولتز بطل تصوير، يعني القرد فضل يتعامل مع شبل الأسد، ولكن للأسف شولتز بيقول إنه حتى مع الإهتمام ده، فإحتمال ضعيف إن الشبل ينجو ويقدر يكمل حياته؛ وده لإن حياة الأسود غير حياة القرود، وصعب الشبل يقدر يتأقلم على حياة البابون.

التفسير الأول

التصرفات الغريبة اللي قرود البابون بتعملها مع أشبال الأسود خلت العلماء يدرسوا الموضوع ده بشكل مفصل علشان يعرفوا إيه السبب الحقيقي اللي بيخليهم يعملوا كده ولحد دلوقتي، فيه إحتمالين، هما اللي مُرجحين عند العلماء.

الإحتمال الأول إن القرود بتحب أشبال الأسود، يعني القرود أول ما بتشوف أسد صغير وشكله جميل وكيوت، بتقرر إنها تاخده بشكل غريزي، بتبدأ القرود تجهز الخطة بتاعتها، وبتروح فعلًا، تاخد الحيوان اللي شكله جميل ده، وتبدأ ترعاه وتهتم بيه.

التفسير التاني

التفسير التاني بقى هو اللي العلماء بيرجحوه أكتر، وهو تفسير ملائم بشكل كبير مع الحياة القاسية في البرية، الحياة اللي فيها يا قاتل يا مقتول، زي ما قولنا قبل كدة قرود البابون ذكية جدًا وبتعرف تحلل المواقف وتحمي نفسها، والموقف هنا ميختلفش كتير، القرود راقبت الأسود وشافت الأشبال وهي بتكبر قدمها وبتتحول لمصدر خطر فقالت خلاص بسيطة، إحنا ناخد الأشبال وهي صغيرة ونموتها، وبالتالي مش هيبقى في أسود كبيرة في المستقبل؛ ودي فعلًا الخطة اللي القرود بتكون حريصة على تنفيذها، وهي سرقة أشبال الأسود في كل الفرص الممكنة، وقتلها بشكل وحشي، وكإنها بتنتقم لنفسها، وبكدة تبقى ضمنت إن الأشبال دي مش هتكبر وعدد الأسود بقى أقل، ونسبة الأمان اللي ممكن تحصل عليها بالإضافة لاحتمال نجاتها بحياتها في الغابة بقيت أكبر.

ولكن في النهاية برضه منقدرش نجزم ونقول إن السبب الوحيد لسرقة الأشبال هو الدفاع عن النفس والخوف من إنهم يكبروا؛ وده بسبب القصص التانية اللي كنا بنشوف فيها الرعاية والإهتمام اللي بيقدمهم البابون لأشبال الأسود، وده بيخلي الاحتمالين اللي قولناهم مطروحين بقوة، أحيانًا القرود بتسرق الأشبال بسبب وجود غريزة أشبه بغريزة التبني، وأوقات تانية بتكون خايفة وعايزة تقتلهم قبل ما يكبروا.