أي حيوان موجود حوالينا له صوت أو نغمة أو وسيلة معينة بيقدر يتواصل بيها مع بني جِنسه اللي من نفس نوعه، أو حتى مع الأنواع المختلفة عنه، يعني مثلاً القطط عندها مواء خاص بيها، الغزلان عندها صوت سَليل ناعم، الفيلة عندها صوت نهيم قوي، وهكذا؛ بل إنه عادي كمان إننا نلاقي حيوانات صوتها قريب من بعض، الأسود والنمور مثلاً الزمجرة بتاعتهم قريبة من بعض نوعًا ما، نفس الشيء مع الكلاب والذئاب، ونفس الشيء برده موجود عند الطيور بإختلاف أنواعها، وفي وسط الأصوات دي كلها بقى مفيش أي مخلوق على وجه الأرض صوته زي البشر، بل إنه حتى مفيش حاجة صوتها قريب من صوت وطريقة اللغة بتاعتنا، إحنا فقط اللي متميزين في النوع ده من التراكيب والأصوات، فـ ياترى إيه السبب في كده، ليه البشر صوتهم مميز عن باقي المخلوقات، وليه الحيوانات مابتقدرش تتكلم زينا؟.
التواصل يختلف عن الكلام
خلينا في البداية نفرق بين التواصل والكلام، التواصل هو حاجة فطرية موجودة عند كل المخلوقات بلا إستثناء؛ علشان يقدروا يعيشوا ويواجهوا العواقب على مدار حياتهم، لو حيوان عاوز يعبر عن إنه جعان أو عطشان أو خايف، أو حتى لو عاوز ينبه باقي الأفراد اللي معاه عن وجود خطر في المكان حواليهم، فـ بيقدر يعمل ده بكل سهولة، وبيبقى فيه أكتر من وسيلة أو أداة ممكن يستخدمها علشان يعمل كده، فيه حيوانات مثلاً بتتواصل بالإشارات وبـ إيماءات الجسم، وفيه حيوانات تانية بتتواصل بالروائح، وفيه حيوانات بتتواصل بالأصوات، وفيه حيوانات بتتواصل بخليط من الأساليب دي كلها، الشاهد إن التواصل هو شئ لابد إنه يكون موجود عند أي مخلوق، بل إنه حتى موجود عند المخلوقات الدقيقة اللي زي البكتريا والفطريات وغيرهم، وكنا اتكلمنا عن موضوع التواصل ده قبل كده بشكل تفصيلي في حلقة (هل الحيوانات اللي من بلاد مختلفة بتتكلم نفس اللغة؟) هتلاقوها موجودة على القناة.
التواصل الصوتي
لحد دلوقتي إحنا متفقين إن جميع المخلوقات عندها أساليب تواصل، اللي يهمنا بقى من الأساليب دي كلها هو التواصل الصوتي، إحنا كبشر بنتواصل عن طريق الأصوات، وبالرغم برضو من أن معظم الحيوانات برده بيتواصلوا عن طريق الأصوات، بس شتان بين صوت الحيوانات في العموم وصوت البشر على وجه الخصوص، يعني لو سمعنا شخص بيتكلم، مهما كان لغته أو لكنته فبشكل أو بأخر بنحس إن الكلام ده كلام بشري.
التراكيب الصوتية بتاعت البشر مختلفة عن أي تراكيب أو أصوات تانية الكلام بيبقى مزيج منظم من الأصوات والمقاطع اللفظية؛ وعلشان كده صوت البشر هو الصوت الوحيد اللي بيتم وصفه على إنه (كلام)، أما باقي الأصوات فهي مجرد (أساليب تواصل)، لكن برده مازال السؤال موجود، ليه الحيوانات ماعندهاش قدرة إنها تتكلم، أو بمعنى تاني إنها تصدر أصوات شبيهة بصوت الكلام اللي عند البشر، إيه اللي بيخلينا نقدر نتكلم بالطريقة دي والحيوانات لأ؟.
إزاي الإنسان بيتكلم
علشان نفهم الموضوع ده، إحنا الأول محتاجين نعرف إيه الشئ المميز اللي موجود عند الإنسان وبيخليه يقدر يتكلم وماهواش موجود عند باقي المخلوقات بما فيهم الحيوانات، مبدئيًا كدا لو بصينا نظرة تشريحية على جسم الإنسان، هنلاقي الجهاز الصوتي عنده في غاية التعقيد، عملية إصدار الصوت بتبدأ من عند الرئتين؛ وده لأن التنفس أو الهواء بشكل عام هو العنصر الأساسي في العملية كلها، لما بنخرَّج هواء الزفير، بتبدأ عضلة الحِجاب الحاجز تنبسط، ومساحة القفص الصدري بتقل؛ وده علشان يتم زيادة الضغط داخل الرئتين، وبالتالي ينطرد الهوا منها إلى الخارج.
بعد كده بيتحرك الهوا داخل القصبة الهوائية لحد ما بيصطدم بعضو مهم جدًا ألا وهي الحنجرة، الحنجرة عبارة عن عضو أنبوبي مجوف موجود فيه شريطين صغيرين من الأنسجة واللي بتمثل الطيات أو الأحبال الصوتية، وعلشان كده الأحبال الصوتية في الواقع ماهياش أحبال فعلاً زي ما البعض معتقد، ولكنهم بيبقوا عبارة عن غضروفين مقفولين على بعض، ولما الهوا بيتدفق خلالهم، بيبدأ الغضروفين دول يتفِتحوا ويبعدوا عن بعض ويهتزوا بطريقة معينة، وبعدين بيرجعوا يقفلوا على بعض مرة تانية، وبتفضل العملية دي تتكرر مئات المرات في الثانية الواحدة، يفتحوا ويقفلوا، يفتحوا ويقفلوا، والإهتزازات السريعة بتاعتهم دي هي في النهاية اللي بتصنع نبرة الصوت، ولو جربت تحط إيدك على أعلى جزء من رقبتك وأنت بتتكلم هتشعر جدًا بالإهتزازات دي.
بعد بقى ما الهوا بيعدي من الحنجرة، فـ إحنا كده بنبقى حصلنا على صوت لكننا لسه ما حَصُلناش على كلام؛ وعلشان الصوت ويتحول إلى كلام، ف الهوا اللي بيخرج من الحنجرة بيتقسم بين إتجاهين أو مسارين، مسار داخل لتجويف الأنف، ومسار تاني داخل لتجويف الفم، وعلى حسب كمية الهوا اللي في كل مسار منهم بتبدأ نغمة الصوت تتغير، ومع وجود اللسان والأسنان والشفتين والخدود، وكمان حركة الرقبة، الحاجات دي كلها بتخلينا نقدر نتحكم أكتر وأكتر في النغمات بتاعتنا ونشكل مخارج الحروف، بل وإننا كمان نصنع نبرات مختلفة من نفس الصوت؛ وعلشان تُدرك مدى أهمية الأعضاء دي في تشكيل الصوت، جرب مثلاً تقول كلمة (مَحمُود) من غير ماتحرك لسانك ولا شفايفك ولا حتى أسنانك، طبعًا هتلاقي الموضوع صعب جدًا والصوت بتاع الكلمة مابيخرجش.
طيب ده كده لحد دلوقتي كلامنا عن الأعضاء الملموسة اللي بتساعدنا على إنتاج الصوت،
لكن ياترى هل الموضوع مُتوقف على الشِق التشريحي فقط؟، في الواقع لأ، مع وجود الأعضاء دي فـ إحنا كده عندنا المُعدات، بس محتاجين الجهاز اللي هيشغلهم مع بعض،
يعني لو فيه شخص عنده الأعضاء بتاعت جهاز الصوت بس ماعندوش حاجة في المخ تُدير المنظومة دي ، فبرضو مش هيتكلم زي البشر؛ لأن الصوت أعقد من كونه كمية من الهوا بيتدفقوا خلال الحنجرة وخلاص، عملية الصوت أو الكلام قبل ما بتبدأ في الرئتين، فهي بتبدأ بشكل أولي في الدماغ، بنبدأ الأول جوا مخنا نفكر إحنا عاوزين نقول إيه وبنجهز كلمات معينة علشان نعبر بيها عن الأفكار والمشاعر اللي عندنا، وفورًا بيبدأ الدماغ يدي أمر للرئتين ويطلب منهم إنهم يضخوا الهوا في القصبة الهوائية بمقدار محدد علشان يتناسب مع الكلمات اللي عاوزين ننطقها، يعني لو عاوزين ننطق جملة طويلة فده هيختلف تمامًا عن نطقنا للجمل القصيرة؛ لأن الجمل الطويلة بتحتاج كمية أكبر من الهوا علشان ننطقها، وموضوع التحكم في كمية الهوا ده هو برضو اللي بيخلينا نغير نبرة صوتنا من موقف للتاني، يعني من الأخر احنا كـ بشر محتاجين شِقين مُهمين، الشِق الأول هو وجود أعضاء صوتية في جسمنا، والشِق التاني هو وجود عقل مُدبر يقدر يدير الأعضاء دي مع بعضها، وأي خلل في المنظومة دي ولو ضئيل، بيخلي الصوت مايخرجش من الأساس أو على أقل تقدير يخرج بشكل مشوه وغير طبيعي.
الأعضاء الحيوية عند الحيوانات
دلوقتي بقى خلينا نلقي نظرة على نظام الصوت عند الحيوانات، فلو أخدنا مثلاً أكتر حيوان بيمتلك نبرة صوت قوية، وهو الأسد على سبيل المثال، الأسد بالرغم من إننا ممكن نسمع زئيره على بعد 8 كيلو متر، إلا إن الحنجرة بتاعته قريبة جدًا من القفص الصدري، وفي نفس الوقت مابيقدرش يتحكم في كمية الهوا اللي بتتدفق خلال القصبة الهوائية بشكل دقيق، وعلشان كده العلماء بيشبهوا الأسد بالطفل الصغير اللي بيصرخ، ودا نفس الشئ بالظبط عند باقي الحيوانات، الحيوانات في العموم ماعندهومش آلية تخليهم يقدروا يتحكموا في كمية الهوا اللي بتخرج من الرئتين عندهم، بشكل دقيق زي ما البشر بتقدر تعمل، بالإضافة أنهم مش بيقدروا يوظفوا الشفاه والأسنان واللسان في ظبط الأصوات بتاعتهم، وحتى لو الآلية دي موجودة، فمازالت القدرات العقلية عندهم ناقصة، وعاجزة تمامًا إنه تصنع لغة مكونة من مفردات وكلمات لها معاني.
ماذا عن الببغاء؟
طيب دلوقتي ممكن واحد يقول إننا بنشوف الببغاء وهو بيقلد أصوات البشر، وفي بعض الألفاظ الصوتية بنلاقيه بيقدر يقلدها بالظبط وبشكل دقيق جدًا، ونفس الشئ ممكن نلاحظه مع طائر (القيثارة) وهو أفضل مقلد الأصوات في العالم وله حلقة مفصلة على القناة (أفضل مقلد أصوات في العالم| طائر القيثارة).
طائر القيثارة بيقدر يقلد الأصوات بشكل جبار، فهل معنى الكلام ده كده إنهم بيتكلموا زي البشر؟، في الواقع.. الإجابة طبعًا لأ، الببغاء وغيره من الطيور مِش بيتكلموا، ولكنهم بيقلدوا وبيحاكوا الأصوات اللي بيسمعوها، الببغاء معندهوش حنجرة، ولا حتى أحبال صوتية، ولكنه بيمتلك عضو موجود في الجزء السفلى من القصبة الهوائية إسمه (المِصفار) أو صَندوق الصوت Syrinx، والعضو ده هو اللي بيساعده في إنه يُصدِر أصوات قريبة نوعًا ما من أصوات البشر، من خلال إهتزاز الجدران بتاعته لما الهوا بيمر خلاله.
وبتقدر الببغاوات إنها تحاكي الأصوات بسبب إنهم بيقدروا يتحكموا في الهواء اللي بيتدفّق من خلال المصفار بنسبة معينة، وبالتالي بيصدروا الأصوات الخاصة بيهم؛ وعلشان كده كل الأصوات اللي بيصدرها الببغاء هي في الأصل عبارة عن صوت صِفير بيصدره من فمه، ومع ذلك، الببغاء وهو بيقلد صوت البشر، فهو مابيبقاش فاهم هو بيقول إيه ولا حتى الدلائل أو المعاني بتاعت الكلمات اللي بيرددها، وهنا بيفقد شرط مهم جدًا من شروط الكلام البشري وهو الإدراك، ده غير إن الببغاء ما يقدرش ينتج الأصوات دي من دماغه كده من غير مايسمعها، الببغاء زيه زي باقي الطيور له تغريدات وأصوات معينة بيتواصل بيها مع باقي الأفراد اللي من نفس نوعه، واللي بعيدة كل البُعد عن الكلام البشري، ناهيك إن حتى مع التقليد فجودة الكلام عند الببغاء بتكون مشهوهة تمامًا، وكنا برضو إتكلمنا عن الموضوع ده بالتفصيل زمان في حلقة (إزاي الببغاء بيتكلم زي البشر؟).
وفي النهاية الكلام هو قدرة فريدة، ربنا سبحانه وتعالى كرم بيها الإنسان وميزه بيها عن سائر المخلوقات.