في كل مرة بتخرج فيها من عتبة باب بيتك لازم تكون حاطط في بالك إنك مُحاصَر من كل الاتجاهات، وكل حاجة عينك هتقع عليها حرفيًا هتكون بتخدعك بشكلٍ ما، بداية من اليُفَط واللافتات العادية اللي في كل الشوارع، وصولًا بقى لمطاعم الأكل، وأنا بصراحة جاي النهار دا عشان أبوظ علاقة الثقة اللي بينك وبين المطاعم دي، ودا لإن المطاعم زيها زي أغلب المشاريع التجارية.. الهدف منها هو الربح؛ وعشان كدا بتحاول بكل قوتها إنها تستغلك كزبون وتلعب على مشاعرك ونفسيتك، عشان ما تخلكش تخرج منها إلا وأنت دافع أكبر قدر من الفلوس ممكن تتدفع؛ فأنا بقى دلوقتي هقول لك إزاي المطاعم بتستخدم علم النفس عشان تخليك تدفع أكتر؛ عشان حتى لو هيتضحك عليك.. يبقى بمزاجك.

إزاي المطاعم بتعرف تتحكّم في سلوكك؟

المطاعم أو القائمين على الدعايا فيها أذكى شوية من إنهم يقولوها لك صريحة كدا “إحنا عايزينك تدفع أكتر”، بل إنهم هيخلوك تدفع وأنت مبسوط حتى لو هتخرج من المحل تعيط بعد كدا على الميزانية اللي اتضربت بسبب الأكل اللي أنت طلبته؛ ودا كله بيحصل نتيجة إن المسوقين للمطاعم بيكونوا عارفين طريقة تفكيرك أكتر منك أنت شخصيًا، ودا بيكون عن طريق دراستهم في علم النفس، بيخليهم يعرفوا نقاط ضعفك والحِيَل النفسية اللي بتمر على دماغك مرور الكرام وتقدر تخدعك من غير ما تاخد بالك.

على سبيل المثال، عمرك سألت نفسك ليه إعلانات المشروبات الغازية اللي أزايزها مشبّرة بالتلج ما بتكترش إلا في عز نهار رمضان وأنت صايم؟، دي ببساطة واحدة من أسهل أشهر الحيل النفسية اللي على الأغلب هتخليك قبل ما تكمل الإعلان تكون قررت إنك هتفطر النهار دا على المشروب دا، حتى لو أنت في العادي مش من عشاقه يعني.

إزاي ممكن تقرر فجأة دخول المطعم؟

أول حاجة أي مطعم في الدنيا محتاج يعملها هو إنّه يخليك تدخله أساسًا عشان بعد كدا يعرف يخليك تدفع أكتر، وعشان كدا أغلب اليُفَط بتاخد اللون الأحمر كلون أساسي فيها، وأنت لو فكرت دلوقتي بينك وبين نفسك إنك فاكر مطعم ولا اتنين على الأقل الدعايا بتاعتهم باللون الأحمر، ودا اللي بتفسره واحدة من أكبر شركات خدمات المطاعم “Aaron Allen”، واللي بيقولوا إنهم بيلعبوا بشكل رئيسي في الدعايا بتاعة المطاعم اللي بتيجي لهم على الألوان وتأثيرها على السلوك، فمثلًا اللون الأزرق بيساعد على الاسترخاء، وبعض الدراسات بتقول إن اللون الأحمر بيحفز الشهية واللون الأصفر بيجذب الانتباه، وعلى الرغم من إن الدراسات دي محتاجة مراجعة أكتر؛ إلا إننا بنلاحظ اللون الأحمر مشهور جدًا في دعايا المطاعم، ويا حبذا لو تم الدمج ما بينه وما بين اللون الأصفر، وعشان كدا أشهر المطاعم في العالم واللي الناس دايمًا بتحب تاكل من عندها غالبًا بتكون مستخدمة اللونين دول.

اللعب بالأرقام في المنيو

دلوقتي بقى أنت دخلت المطعم واللي كان كان، المفروض بقى أنت محتاج قائمة الطعام أو المنيو، لمعرفه الطعام وأسعاره فيه، واللي بمجرد ما هتطلبه من الويتر، أول حاجة كدا بسم اللّٰه الرحمن الرحيم عينك هتقع عليها هي الأسعار، ولو جنبك منيو لمطعم مشهور فأنت غالبًا دي هتكون أول مرة ليك تلاحظ فيها إن المطعم مش كاتب عملة جنب السعر، يعني الأسعار الموجودة جنب كل وجبة مجرَّدة تمامًا من أي عملة سواء جنيه أو دينار أو دولار أو غيرهم، وممكن ييجي بالك إنه شيء عادي؛ لإنك كدا كدا عارف عملة البلد اللي أنت فيها؛ فهتدفع على أساسها، بس الحقيقة بقى إن دراسات التسويق لاحظت إن الناس عادةً بتميل لإنها تدفع أكتر لما المنيو ما بيكونش فيه علامة تدل على السعر، والعلامة دي ممكن تكون عملة أو تكون خانة مكتوب فوقيها كلمة السعر، المطاعم بتعمل كدا لإنك لو مش شايف علامة واضحة وصريحة بتدل على السعر مش هتفكر كتير في المصاريف والميزانية خصوصًا لو أنت أصلًا جعان، وهيكون كل شغلك الشاغل إنك تجيب أكبر كمية من الأكل لإن إحساسك بالجوع بيهيأ لك إنك عايز أكل أكتر.

الصور ووصف تفصيلي

بعد ما المطعم اتأكد إنك مش هتركز في السعر وهتطلب براحتك فهو كمان عايز يضمن إنك هتطلب أكبر كمية من الأكل، ودا بقى هيعمله عن طريق إنه بيحط لك صور في المنيو عشان تجرّي ريقك فتطلب أكتر، دا غير إنه كمان بيحط لك الأكل في نظام وجبات متكاملة “الكومبو” بأسعار اقتصادية مزعومة عشان تقول في نفسك إنك لو اشتريت العرض على بعضه هيشبعك أكتر، وكمان هتدفع أقل من سعر كل حاجة لوحدها، يعني مثلًا لو المطعم بيبيع برجر، فهو هيحط لك سعر البرجر لوحده، وبعدها هتلاقيه حاطط نفس البرجر دا بس جنبه بطاطس وسلطات وعيش ومشاريب وكاتب لك سعرهم وخاصم منه 10 جنيه ولا حاجة، والصورة اللي جنب الوجبة دي هتبين قد إيه هي كبيرة وقيمة، ومش هتتردد في إنك تشتريها.

ولو تأملت، هتلاقي إن المطعم فعليًا مش خسران حاجة، أنت كنت هتشتري برجر بس وتمشي، لكنه قدر يخليك تشتري حاجات أكتر، وحركة الصور أصلًا لوحدها من غير عروض ولا حاجة ممكن تزيد نسبة مبيعات المطعم بمعدل 27% تقريبًا، وحسب ما بيقول Brian Mennecke الأستاذ المساعد في جامعة Lowa State (كل ما كانت الصور مُشبَّعة أكتر بالألوان وأقرب للواقع كل ما استجاب ليها عقلك بشكل لا إرادي).
ودا طبعًا غير التلاعب بالألفاظ اللي بعض العلامات التجارية بتعمله عشان تحفزك إنك تشتري أكتر، ودي بالذات بتكون موجودة أكتر في الإعلانات، لكنها برضو موجودة في بعض منيوهات المطاعم، والتلاعب بالألفاظ دا من أمثلته إن المطعم مثلًا يكتب لك جنب صورة البرجر إن اللحم دا لحم بقري هولندي أو متربي ع الغالي، أو مثلًا صدور الفراخ الكريسبي عليها صوص جبنة سايحة، وفي الحقيقة أنت عارف إن دا مطعم فرايد تشيكن فأكيد الفراخ كريسبي، وبرضو أنت عارف إن صوص جبنة معناه جبنة سايحة، بس المطعم لازم يضيف لك الكلمات دي عشان يجري ريقك وتتخيل طعم الساندوتش؛ فتريل على نفسك وتطلبه، وبسبب الإسهاب دا في الوصف.. في بعض الولايات الأمريكية عندها قوانين بتمنع المطاعم إنها تتبع الأسلوب دا عشان بتعتبر إن دا نصب على الزبائن.

اللِعب على وتر الأعصاب

الصورة اللي قدامك دي نشرتها شركة Aaron Allen اللي اتكلمنا عنها من شوية، وكشفت بيها عن خدعة نفسية هما برضو بيستخدموها في منيوهات المطاعم، والدائرة البيضاء اللي في الصورة دي بتمثل عنصر غالي وقيم والمطعم عايز يبيعه، وعشان تفهم دا بيحصل إزاي؛ مش محتاج أكتر من إنك تسأل نفسك إيه أول حاجة عينك وقعت عليها في الصورة دي؟، والإجابة غالبًا هتكون الدايرة البيضاء، ودا بالظبط اللي بتعمله المطاعم، وهو إنها بتخلي المنيو كله زحمة جدًا وفيه كتابة وصور ووصف وأرقام بيحسسك بالتوتر نوعًا ما، إلا إن في عنصر واحد بس بيكون موجود على جنب كدا من فوق وحواليه فراغ مش متشاف؛ إلا إن دماغك بتلقطه وهو دا العنصر اللي عينك هتحس بارتياح أول ما تبص له، وبالتالي هو أول عنصر هيلفت انتباهك، وغالبًا شكله وسعره وصورته هيكونوا مميزين؛ فأنت هتطلبه وهتكون فاكر إنه عجبك، لكن في الحقيقة المطعم هو اللي قال لك تشتريه، بس لغة الكلام بقت قديمة شوية.

وَهم Delboeuf

بعد ما أخيرًا عديت من أخطر مرحلة في إنك تطلب أكل -واللي هي المنيو-، جه الوقت بقى إن المطعم يقدم لك الطلب بتاعك، ولو فاكر إن الحيل النفسية وقفت لحد كدا فأنا مش عايز أحبطك بس لسة شوية، المطعم دلوقتي هيلعب على إنه يخليك تشبع بأقل كمية ممكنة من الأكل اللي هيقدمه لك، أو هيلعب على إنه يحسسك إنك ما شبعتش على حسب بقى هو عايز إيه، والمطعم بيعمل كدا عن طريق شكل الطبق اللي هيقدم لك فيه الأكل، والطريف بقى إنك عمرك ما كنت هتتوقع إنك يتضحك عليك من شكل الطبق مهما كنت أنت أصلًا شخص حويط، إلا بقى لو ذاكرت علم نفس المطاعم قبل ما تفكر تاكل برا بيتك؛ وعشان تفهم المطاعم إزاي بتتحكم في جوعك وشبعك من شكل الطبق أنت محتاج تبص على الصورة اللي قدامك دي ثانيتين بس.

للوهلة الأولى كدا مخك ممكن يشوف إن الدايرة السودا اللي ناحية اليمين أكبر من الدايرة السودا اللي في الناحية الشمال؛ إلا إنك لو دققت ثانية كمان هتلاقي إن الدايرتين نفس الحجم، ودي خدعة بتلعب على الإدراك البصري للأحجام، ومعروفة علميًا باسم وَهم Delboeuf، والمطاعم بقى بتتبع نفس النهج دا في الأطباق اللي بتقدم لك فيها الأكل، فلو كان المطعم عايز يحسسك إن الطبق كبير وكمية الأكل كبيرة عشان تحس بالشبع بأقل كمية أكل؛ هيقدم لك الأكل في طبق بيتبع نهج الدايرة السودا اللي ناحية اليمين، واللي فيها بتكون حواف الطبق صغيرة، أما بقى لو المطعم عايز يحسسك إنك لسة ما شبعتش ومحتاج تطلب أكل تاني؛ فهو هيقدم لك الأكل في طبق حوافه عريضة، عشان تحس إن كمية الأكل صغيرة؛ فتطلب أكتر؛ فتدفع أكتر.

لون الطبق بيفرق في نكهة الأكل

مجلة ScienceDirect أجرت دراسة كان الهدف منها إنهم يختبروا هل لون الطبق ممكن يأثر علَى نكهة الأكل أو لأ؟، وعلى الرغم من إن السؤال في حد ذاته غريب ومريب نوعًا ما؛ لإن طعم الأكل ماله ومال لون الطبق، إلا إن المجلة عملت الدراسة فعلًا على أطباق باللون الأبيض والأسود تحديدًا وحطوا في الطبقين نفس نوع الحلويات -واللي هو موس الفراولة-، وفعلاً النتايج أظهرت إن الناس كان بيعجبها طعم الأكل اللي في الأطباق البيضا أكتر من الأطباق السودا، ودا بيوضح ليه أغلب المطاعم بتميل لإنها تستخدم أطباق بيضا في تقديم الطعام؛ لإن لما طعم الأكل هيعجبك هتكرر تجربة الشراء تاني، وبكدا المطعم هيضمن إنه بعد ما استفاد منك أكبر استفادة ممكنة وخلاك تدفع أكتر.. أنت كمان هترجع تعيد التجربة مرة تانية.