مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية قدمنا حلقة مُجملة عن الصراع وأسبابه، وحتى لا تكون الحلقة أطول من اللازم اضطرينا اننا نمر عليها مرور سريع على بعض الأحداث التي أدت إلى ذلك الصراع الخطير، ويرجع السبب إن جذور الصراع قديمة ولا تقل بحال من الأحوال عن 30 سنة، ولذلك السبب كان صعب جدًا التفصيل من خلال حلقة / مقالة واحدة فقط، لكن تم طرح عدد من الأسئلة في التعليقات، وبسببه عملنا حلقة / مقالة ثانية تساعد فى إيضاح كثير من الأمور.
انقسام العالم
بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة دول المحور، سيطر الحلفاء الأربعة الرئيسيين على ألمانيا وأوروبا كلها، لكن نتيجة لاختلاف نظام الحكم بين الاتحاد السوفيتي وباقي الحلفاء الثلاثة “أمريكا وبريطانيا وفرنسا”، أخذ كل فريق جانب لوحده، وبدأت مع الوقت تظهر الاختلافات السياسية والثقافية بين النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي، وهو الأمر الذي أدى في النهاية لانقسام دول العالم كلها لمجموعتين، الأولى هي التي كانت تميل لفكر الاتحاد السوفيتي وتم تعريفها بإسم دول المعسكر الشرقي، أما المجموعة الثانية من الدول فكانت المجموعة التي مالت لفكر باقي الحلفاء وعلى رأسهم أمريكا الموجودة بالغرب وتم تسميتها بإسم المعسكر الغربي، والجدير بالذكر أنه كان في مجموعة ثالثة من الدول ادعت الحياد قامت بتسمية نفسها بدول عدم الإنحياز.
والمهم إنه في الوقت ده كان السباق والمنافسة بين المعسكرين الشرقي والغربي أشبه بالحرب الفعلية، لكن الفرق الوحيد إنه لم يتم فيها استخدام السلاح العسكري بصورة مباشرة، ولذلك اشتهرت تلك الحرب بلقب الحرب الباردة، وكانت دائمًا تلك الحرب تأخذ شكل الفعل ورد الفعل، فكل ما أمريكا تعمل حاجه يرد عليها الاتحاد السوفيتي بحاجة منافسة والعكس إيضًا صحيح، واستمر ذلك الصراع في كل المجالات من أول سباق الفضاء حتى المنافسات الرياضية، لكن بالتأكيد كان أخطر المنافسات هي الخاصة بالمجال العسكري وسباق السلاح، فعلى سبيل المثال كانت البداية مع المعسكر الغربي الذي أسس حلف الناتو الذي تكون في البداية من 12 دولة ينتمون للمعسكر الغربي، وكان هدف الحلف باختصار هو احتواء الاتحاد السوفيتي ومنع تمدده لغرب أوروبا، وفي الحلف تم إقرار التعاون والدفاع المشترك بين الدول الأعضاء، فالتهديد أو الاعتداء على أي دولة من دول الحلف معناه التهديد والاعتداء على باقي الدول، وبناءًا عليه لو أي دولة تعرضت لهجوم المفروض إن باقي الدول يساعدوها، وكان الرد على حلف الناتو هو تأسيس حلف “وارسو” الذي تم تأسيسه في بولندا بنفس القيم والأهداف.
تفكك الاتحاد السوفيتي
مع انهيار جدار برلين في نهاية سنة 1989 وإعادة توحيد ألمانيا، ضربت المشاكل والخلافات السياسية أوروبا كلها وطالت القوة الأكبر فيها الاتحاد السوفيتي، والذي كان يُعاني في وقته ذلك من فشل نظامه الاقتصادي الاشتراكي، فكان الاتحاد السوفيتي يُعاني من الضغوط من مجموعة الدول التي تنتمي إليه والتي لديها رغبة في تجربة النظام الرأسمالي الذي أثبت نجاحه، ووقتها بدأ الرئيس السوفيتي الأخير ميخائيل غورباتشوف سلسلة إصلاحات واسعة على المستويين السياسي والاقتصادي، وكان الهدف الرئيسي منها توفير مساحات أكبر من الحُريات لمجموعة الدول التابعة للمعسكر الشرقي، وبعد مفاوضات ومشاورات وأفكار كثيرة إتضح إن الحل الوحيد لتوفير موضوع الحريات السياسية والاقتصادية هو إن كل دولة يكون عندها الحرية الكاملة في تقرير مصيرها، وطبيعي أن تلك الحرية الكاملة لن تتحقق فى ظل انتماء الجميع لأفكار دولة واحدة فقط، لذلك كان الحل في الاستقلال، وهو الأمر الذي يعني نهاية الاتحاد السوفيتي، وبالتأكيد كانت تلك الفكرة الخطيرة كان ليها معارضين كثيرة وصلت حجم اعتراضاتهم إلى تدبير الانقلابات العسكرية، لكن على الجانب المؤيد كل الاحتياطات المطلوبة هي ضمان انتهاء الحرب الباردة وتوقف الصراعات.
ورحبت أمريكا وغرب أوروبا بالطلب السوفيتي وتعهدوا بإنهاء الحرب الباردة وعدم التدخل في شئون أي دولة من الدول الشرقية، وكان من البديهي إن مسألة انتهاء الحرب الباردة يتبعها مباشرة عملية حل الأحلاف العسكرية سواء وارسو أو الناتو، لكن اللي حصل إنه على الجانب السوفيتي تم بالفعل حل حلف وارسو في مايو 1991، يعني تقريبًا قبل تفكك الاتحاد السوفيتي بـ6 شهور، بينما على الجانب الغربي استمر حلف الناتو مع وعود بتقليص أدواره بمرور الوقت، وفي 26 ديسمبر 1991 تم تفكيك الاتحاد السوفيتي رسمياً.
آثار التفكك
نتيجة لتفكك الاتحاد السوفيتي بدأت بعض التأثيرات الضخمة المترتبة والتي وصلت لحد محاولات الانفصال فى بعض الدول زي جورجيا ويوغوسلافيا، وكانت البداية مع جورجيا التي واجهت حركات إنفصال في إثنين من الأقاليم، وهم الأقاليم المعروفة بـ “أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية and Abkhazia South Ossetia”، وكانت رغبة الانفصال من تلك الأقاليم بسبب إنها كانت في الأصل أقاليم مستقلة قبل ضمها لجورجيا، وطالما لا يوجد اتحاد سوفيتي يكون من الأفضل الرجوع إلى الانفصال على حدا كما كان، وعمومًا كانت مطالبات ومحاولات الانفصاليين بدأت مع سقوط جدار برلين وقبل انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه، لكن طبعا زادت حدة المطالبات بعد الانهيار وكانت النتيجة اندلاع حرب أهلية، واستمر الصراع حتى تم توقيع إتفاق إطلاق نار في 24 يونيو 1992، واستمرت تلك الأقاليم من الناحية الرسمية جزء من جمهورية جورجيا، وهدأت بعدها الأمور نسبيًا، أما على الجانب اليوغوسلافي فبدأت أيضًا دعوات لحل الاتحاد اليوغوسلافي الذي كان مكون من 6 جمهوريات وأثنين من الأقاليم التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي، لكن بسرعة وبحلول سنة 1992 كان الاتحاد اليوغوسلافي كله اتفكك وهو الأمر الذي أسفر في النهاية عن كثير من الخلافات السياسية، والتي تسببت كالعادة في إشعال الحروب الأهلية في منطقة البلقان، وهو الأمر الذي أدى في النهاية بناءً على قرارات الأمم المتحدة إن حلف الناتو يتدخل لفض المنازعات، وكانت المحصلة بالنسبة لروسيا إن الغرب اقترب خطوة من الأراضي الروسية.
والجدير بالذكر إنه على الرغم من إن يوغوسلافيا كانت من مجموعة دول عدم الانحياز إلا يوغوسلافيا كانت تمارس النظام الاشتراكي ونفس السياسات السوفيتية، بالإضافة إلى أن الأغلبية من السكان ينتمون للعرق الغوسلافي الذي ينتمي إليه الروس إيضًا، فمن البديهي إن يوغوسلافيا كانت حليفة للاتحاد السوفيتى أو المعروف بمسماه الجديد الاتحاد الروسي، وطبعا الاتحاد الروسي يهمه إبعاد نفوذ أمريكا والغرب من المنطقة كلها، ده بالإضافة إن يوغوسلافيا تعتبر مفتاح الوصول لكثير من الممرات المائية، والتي دائما ما تم اعتبارها الممر الرئيسير بين الشرق والغرب، وعلى الرغم من كل تلك الأهمية ليوغسلافيا بالنسبة لروسيا لم تُثير مشاكل وقتها لأسباب كثيرة، يمكن من أهمها إنها كانت في مرحلة إعادة ترتيب البيت الداخلي.
الحرب الروسية الجورجية
بالعودة لجبهة جورجيا والتي هدأت بعد اتفاق وقف إطلاق النار، لكن نرى أن قوات حفظ السلام التي دخلت إلى المنطقة لم تمنع بعض الاشتباكات الخفيفة التي كانت تحدث من حين لآخر على الحدود، ومع تولي الرئيس بوتين رئاسة روسيا سنة 2000، بدأ الجميع يلاحظ حدة التصريحات واستمرار الاشتباكات بصورة أكبر وبالتأكيد يرجع السبب في تغير السياسة الروسية، والرئيس بوتين كان في الأصل واحد من المعارضين لتفكك الاتحاد السوفيتي، وكان في وجهة نظره إن الغرب يقوم باستغلال تلك الخطوة لصالحه دون اهتمام بالمصالح الروسية، ومع مرور الوقت وإحساس الجانب الجورجي بعدم التوافق مع سياسات بوتين، بدأت الحكومة الجورجية تتقارب أكثر مع الحكومة الأمريكية، وهو الأمر الذي أدى في النهاية لاشتراك جورجيا مع التحالف الأمريكي في عملية غزو العراق، والذي أدى لعمليات تدريب عسكري ومناورات مشتركة بين الجيشين الجورجي والأمريكي، وهو الحدث الذي كان إعلان واضح عن خروج جورجيا من عباءة روسيا، وبعدها بدأت كثير من المشاكل بين البلدين أدت في النهاية لقطع العلاقات، وبدأن توارد الأخبار عن رغبة جورجيا في الانضمام لحلف الناتو؛ ونتيجة لتلك الأخبار بدأت الأحداث تكون سريعة.
في أبريل 2008 اعترفت روسيا رسميا بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية كدول مستقلة، ولم يُعترف بهم في العالم كله إلا خمس دول فقط “روسيا، وسوريا، وفنزويلا، ونيكاراجوا، وناورو”، وفي 4 أغسطس من نفس العام، أعلن الانفصاليين من أوسيتيا الجنوبية أن المدفعية الجورجية تقصف مواقعهم وتَشن الحرب عليهم، وكانت النتيجة أنه في 8 أغسطس بدأت القوات الروسية في غزو جورجيا بهدف حماية الإنفصاليين الموالين لها في أوسيتيا، واستمر الصراع لمدة 5 أيام، والتي كان من نتائجه سيطرة القوات الروسية على اوسيتيا وأيضًا إقليم أبخازيا، ومع دعوات أمريكا وحلف الناتو لوقف إطلاق النار توقفت الدبابات الروسية على بعد 40 كم فقط من العاصمة الجورجية “تبليسي Tbilisi”، وعلى الرغم من تقرير تقصي الحقائق للاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن مقتل 850 إنسان وتشريد قرابة الـ200 ألف إنسان إلا أن روسيا لم تتضرر على مستوى العلاقات الدولية.
وأقر التقرير إن جورجيا هي التي بدأت الحرب في البداية كما أطلقت النار على قوات حفظ السلام والتي كانت تضم بعض الجنود الروس، واكتفى التقرير بإدانة رد الفعل الروسي المبالغ فيه، وتم غلق الموضوع بعدها ومن موضوع جورجيا نفهم منه أن أي تصعيد سياسي واقتصادي يكون المتحكم فيها لغة المصالح، بمعنى أوضح إذا لم يكن هناك مكاسب من وراء مساندة طرف من الأطراف لن يكون هناك تصعيد كبير حينها، وده طبعًا الأمر الذي يختلف تماماً في حلقة الصراع التي حدثت بعدها على الأراضي الأوكرانية.
جبهة أوكرانيا
تم الحديث في الحلقة الأولى / المقالة الأولى عن أهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا مثل الروابط التاريخية والثقافية والروابط الأمنية والجغرافية، التي تتمثل في توفير أوكرانيا العمق الاستراتيجي للأراضي الروسية، وفي نفس الوقت تُمثل أوكرانيا بالنسبة لروسيا المعبر التجاري الرئيسي على البحر الأسود، وفي تلك الحلقة سنشير إلى أهمية أوكرانيا بالنسبة للغرب، فهل ياترى الاهتمام الغربي ده كله بأوكرانيا وحجم تلك التصعيدات كان سببها نُصرة الضعيف وحفظ الأمن والسلام العالمي، أم مازال في الأمور أمور، أما الإضافة التي يمكن إضافتها بالنسبة لأهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا فهي على أقل تقدير الحفاظ على شبه جزيرة القِرم التي ضمتها روسيا في سنة 2014، وإيضًا يمكن التحدث عن الأسباب الغير معلنة من الجانبين سواء الروسي أو الغربي.
خلال سنة 2012، تم الكشف عن كميات مهولة من الغاز في منطقة القِرم والتي كان استخراجها والاستفادة منها يحقق معدلات نمو غير مسبوقة لأوكرانيا، بالإضافة إلى أنه سيسهل عليها الانضمام لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي؛ ولذلك السبب وصل الأمر بأوكرانيا إنها تعاقدت بالفعل مع عدد من الشركات الغربية؛ لبدء عمليات الحفر والتنقيب.
بينما على الجانب الثاني روسيا هي أكبر مُصدر للغاز في أوروبا، وتعتبر مصادر الطاقة بصفة عامة بالنسبة لروسيا هي حجر الأساس للاقتصاد الروسي، بالإضافة إلى أن 80% من حجم الغاز الذي يتم تصديره لأوروبا يمر بخطوط أنابيب عبر الأراضي الأوكرانية، وهو العبور التي تتكلف فيه روسيا رسوم كبيرة ترفع من سعر الغاز للمستهلكين، ومعنى إن أوكرانيا تكون منافس لروسيا بعد الاكتشافات الجديدة؛ ستكون ضربة قاسمة للاقتصاد الروسي وكان القرار هو الاستيلاء على شبه جزيرة القِرم عن طريق إنقاذ الأقليات والادعاء أن شبه الجزيرة كانت من الأصل أراض روسية، وهو ما حدث بالفعل وبالتالي تراجعت الشركات الغربية عن استكمال الأعمال، وفي نفس الوقت كانت العملية ضربة لأحلام الغرب في إضعاف روسيا وتركيعها، لكن طبعا لفهم القوى الغربية إن المسألة بتعتبر شبه وجودية بالنسبة لروسيا لم يتم التصعيد، واكتفى المنافسين لروسيا بمحاولة تكبيدها أكبر قدر ممكن من الخسائر والتكاليف على أمل أن الضغوط تُسفر عن بعض التنازلات، وأما بالنسبة لأوكرانيا فروسيا اغتصبت جزء من أرضها، وكان الرد الأوكراني هو عملية قطع المياه العذبة التي تصل للقِرم عن طريق قناة تأخذ مياهها من نهر ينبع من الأراضي الأوكرانية، وهو الأمر الذي اضطر الحكومة الروسية في ظل ظروف تغيير المناخ وقلة الأمطار إنهم يقوموا بتوصيل المياه العذبة من البر الرئيسي الروسي لشبه الجزيرة.
وهو الأمر الذي اضطر روسيا لإنشاء جسر مضيق “كيرتش Kerch”؛ لربط الجزيرة بالأراضي الروسي لتسهيل نقل المياه والإمدادات، وتم تكلفة والجسر قرابة الـ4 مليار دولار، وبالتالي مع كل تلك الأسباب روسيا لم يكن لها استعداد إنها تقبل فكرة انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وعلى بلاطة روسيا غير مستعدة أن أوكرانيا تعتمد على قوة الحلف وتبدأ تتحرش بروسيا وتستعيد شبه جزيرة القِرم، ولذلك فأن عملية الحفاظ على القِرم حتى عن طريق احتلال أوكرانيا كلها هي عملية مهما كانت تكاليفها ومخاطرها فهي في النهاية أفضل كثيرا من الانتظار لمواجهة الناتو وهو مُسلح بذريعة الدفاع عن واحد من أعضائه.
النووي والسويفت SWIFT
في الحقيقة وبناءًا على آراء الأغلبية العظمى من المُحللين، لا يستطيع أحد على تحديد النتائج التي ستنتهي عليها تلك الحرب بل إنه مش من المستبعد أصلا أن الإدارة الروسية لم تحدد بعد إلى أين يصل الموضوع، لكن ما يعرفه الجميع أن الطبيعي على روسيا هو التحرك لكن ما الهدف النهائي محدش عارف، فمن الممكن مثلاً أن روسيا كانت تريد تحرير المياه العذبة عشان توصل لشبه جزيرة القِرم، وعلى أساسه يتم تحويل أوكرانيا دولة غير ساحلية والاستيلاء على كل مناطق الثروات في المياه، أم احتلال روسيا لنصف الأراضي الأوكرانية وأقامة خط دفاع قوى، وبالتالي تكون وفرت عمق استراتيجي لنفسها للطوارئ، وفي نفس الوقت تكون حرمت أوكرانيا من الثروة التي ستساعدها على الإنضمام للاتحاد الأوروبي والناتو، وحتى عند إنضمام النصف الباقي من أوكرانيا للناتو وحصلت مشاكل ستكون المشاكل على الأراضي الأوكرانية وليست في القلب الروسي، ويمكن أن تقتصر أهداف روسيا على إسقاط الحكومة الأوكرانية وتعيين حكومة غيرها تحقق المصالح الروسية، ويوجد افتراضات وتحليلات أكثر من ذلك.
وفي نقطة أخرى، وهي روسيا البيضاء والتي تعتبر حبايب روسيا، فعند إنضمام أوكرانيا لحلف الناتو ستكون عبارة عن كتلة بارزة من الكيان الروسي تحيط بها دول حلف شمال الأطلسي من كل إتجاه إلا الجانب الروسي، ووقتها سيضعف علاقة روسيا مع روسيا البيضاء، وبالتالي في يوم من الأيام روسيا البيضاء ستنضم إلى حلف الناتو، ووقتها سيكون خلف الناتو على الحدود الروسية حرفيًّا، وبالطبع ذلك مُستبعد تماما انها تقبل بها.
والسؤال الأساسي هنا اللي محدش يعرف إجابته، هل ردود الفعل القوية التي نفذها الاتحاد الأوروبي من الممكن إنها تغير الأهداف الروسية، ولو تغيرت الأهداف فهل ستتغير ايجابًا بالنسبة للغرب أم سلبًا، بمعنى لو استمر الغرب بالضغط بعقوباته الاقتصادية على الروس هل ستقبل روسيا أم ستصعد الموضوع بشكل أكبر، والحقيقة إنه حتى الآن الظاهر إن الأمور بتوتر أكثر وأكثر، بل إن الغرب بدأ إنه يهدد بآخر ورقة من العقوبات الاقتصادية وهي طرد المؤسسات الروسية من نظام السويفت وهو عبارة عن نظام لتبادل الأموال بين البنوك وبعضها، فعند قيام أي دولة بعملية استيراد أو تصدير، أو بمعنى أخر عند إرسال أو استقبال الأموال نظام سويفت هو الذي يقوم بالمهمة، وطرد روسيا من نظام السويفت سيكون بمثابة مأزق شديد لروسيا، ولو حد سأل عن سبب التأخير في استخدام ذلك الكارت هتكون الإجابة ببساطة هي أن المسألة ستكون مُضرة للطرفين، فعند حديثنا أن روسيا تُصدر لأوروبا الغاز الذي تستخدمه في كل شئ منها عمليات تدفئة المنازل في شهور الشتاء لأن أوروبا دول باردة في المُجمل ولا يستطيعون الاستغناء عن التدفئة، بالاضافة لسلع ومنتجات كثيرة ستحرم روسيا من تصديرها وسيُحرم العالم أيضًا من استيرادها، ولذلك السبب فنظام السويفت بالنسبة للغرب هو القنبلة النووية الناعمة اللى هيكون لها أثر كبير في مُجريات الأحداث، وهي القنبلة التي وضعها الغرب حاليًا في حالة الاستعداد، أما بوتين فكان رده على العقوبات الاقتصادية وعلى التفكير في الضغط بنظام السويفت هو إصدار الأوامر لقوات الردع النووي بفرض حالة التأهب القصوى، وهى بالطبع تطورات خطيرة ظهرت في الأيام الأخيرة، ومع صمود القوات الأوكرانية وعدم سقوط عاصمة البلاد حتى الآن بدأ القلق يسيطر على البعض اللى خايفين من إن القيادة الروسية تفقد اعصابها وتستخدم بالفعل السلاح النووي.
أما المعلومة الأخيرة واللي الواحد فعلًا مش عارف إذا كانت تصنف على أنها إيجابية أو سلبية، فهي أن أراء المُحللين واللى بيقولوا إنه حتى مع استخدام السلاح النووى لن تصل المخاطر إلى إنتهاء الأرض والانقراض، وده ببساطة لأن السلاح النووي أنواع فيه منه الأسلحة محدودة الأثر تؤثر على عدد من الكيلومترات المحدودة، واللي بيقولو إنه سوف يكون الاختيار النهائي في حالة فشل كل المفاوضات، لكن ليس من الممكن أبدًا بتطور الأمر لحرب نووية تُعرض الأرض للإبادة؛ لأنه في النهاية كل القوات المتصارعة بتحارب لكي تأخذ بعض المكاسب؛ فإذا تضرت الأراض بأكملها لن يكون هناك مكاسب لأي طرف، والمظلوم في النهاية هو الشعب الأوكراني بين قوى كبيرة ولا يمكنه فعل شئ.