في مكان بعيد من الفضاء، وفي وسط كل الأجرام السماوية العملاقة في الكون فيه أجرام موجودة أقل ما يقال عنها إنها أشباح كونية، والمخيف في الموضوع إن إحنا حتى ما بنقدرش نشوفها.
جسم بيقدر يسحب ناحيته أي حاجة بسبب جاذبيته المهولة، وأي حاجة تقرب من نطاق الجاذبية ده بيبلعها فورًا، ولك أن تتخيل إن مفيش حاجة مهما كانت سرعتها تقدر تهرب منه حتى الضوء، واللي يعتبر أسرع حاجة في الكون مش بيعدي من تحت إيديه.
ماهية الثقوب السوداء
مبدئيًا كده علشان نتكلم عن الثقوب السوداء، فإحنا لازم الأول نعرَف ايه هو الثقب الأسود وبييجي منين.
الثقب الأسود هو عبارة عن جسم غير مرئي موجود في الفضاء الخارجي، حجمه بيتفاوت بين الكبير والمتوسط والصغير، وبالمناسبة حجمه ده مش هو المقياس الرئيسي لقوة جاذبية الثقب الأسود، ممكن يكون حجم الثقب صغير وطاقته وكتلته مهولة.
والثقب الأسود اتسمى بـ”الأسود”؛ لأنه بيمتص كل حاجة حواليه ومن ضمنها الضوء، وبالتالي مش بيظهرله أي لون لأنه مش بيعكس أي حاجة، والسؤال هنا بقى، الثقوب السوداء دي بتيجي منين؟.
علشان نعرف نشأة الثقوب السوداء لازم نرجع بالتاريخ ورا شوية، الثقوب السوداء في يوم من الأيام كانت عبارة عن نجم عادي زي شمسنا مثلًا بس أكبر شوية، النجوم دي زيها زي أي حاجة في الكون لها عمر افتراضي وبعده بتموت.
النجوم بقى بيحصل جواها مجموعة من التفاعلات الكيميائية بيتحول فيها الهيدروجين لهيليوم عشان تنتج لنا الضوء والحرارة، وطول ما لُب النجم موجود فيه ذرات هيدروجين؛ طول ما التفاعل هيفضل قائم، وطول ما التفاعل مستمر بتفضل تتولد طاقة بتحاول تهرب من جاذبية اللُب، وتفضل التفاعلات دي تمر بتكوين أكتر من عنصر جوا النجم لحد ما توصل للمرحلة الأخيرة وهي تكوين عنصر الحديد.
وشمس زي بتاعتنا حجمها ميسمحش إنها تكوّن عنصر حديد، الحديد بيحتاج لنجم عملاق الضغط جواه مهول عشان يقدر يكون حديد، التفاعل بقى لما بيوصل للمرحلة دي الطاقة اللي بتتولد عن التفاعلات بتنتهي، ومن هنا بيبدأ الحديد يتكتل بصورة كبيرة جوا النجم، وبسبب عدم وجود طاقة كافية بيحصل خلل في لُب النجم وفي النهاية بينهار النجم ده على نفسه ويموت في انفجار كبير، ولما بينفجر بيكون مكانه حاجة من اتنين، إما نجم نيوتروني لو كان النجم صغير نسبيًا زي شمسنا، أو ثقب أسود لو كان النجم حجمه كبير.
رحلة داخل الثقوب السوداء
لو حبينا نروح في رحلة داخل الثقب الأسود هنلاقي إن في البداية كده الثقوب السوداء قادرة إنها تعمل تشويه في الفضاء نفسه، الأشباح الكونية دي بتدور في الفضاء بسرعات مهولة وجاذبيتها قوية جدًا زي ما قلنا، واقتراب إي جسم منها معناه الموت المُحتم بطرق مروعة متخطرش على البال.
الثقب الأسود هيبلعك لكن كل جزء من جسمك هيفضل يتمدد لحد ما يبقى شبه المكرونة الإسباجيتي ويتقسم تاني وكل جزء يتحول هو كمان لمكرونة إسباجيتي وهكذا، وفي غضون لحظات معدودة هتكون عبارة عن ذرة منثورة في الفضاء، لكن خلينا نحكي الموضوع بالراحة وبالتفصيل.
أحجام الثقوب السوداء والزمن عند الثقب
قوة الجاذبية بتسبب زيادة في سرعة الأجسام اللي بتتشد تجاه الحاجة اللي بتشدها وكل ما سرعة الجسم تزيد كل ما هيشعر الجسم ده ببطء الزمن، وطبعًا مفيش حاجة في الكون تشدك بسرعة مهولة نظرًا لجاذبيتها قد الثقوب السوداء، وبناءًا عليه فأنت كل ما هتقرب من الثقب الأسود كل ما هتلاقي الوقت بيبطأ معاك لحد ما توصل لمنطقة اسمها الـ “سينجلارتي Singularity” وعندها الوقت بيتوقف تمامًا، والـ Singularity دي هي المنطقة اللي بيتركز فيها وزن النجم كله بعد ما بيموت.
والثقوب السوداء هي الجسم الكوني الوحيد المكتشف لحد النهاردة واللي يقدر يأثر على الزمن بالشكل الكبير ده لدرجة إنه ممكن يخلي الزمن ميتحركش، وعشان الثقب ده يحصل على القدرة الكافية لجذب الضوء وتكون جاذبيته يالقوة دي، لازم يكون بيمتلك كمية كبيرة من الكتلة والطاقة في مساحة صغيرة جدًا، المساحة دي العلماء سموها بنقطة التفرد أو الـ Singularity، وبما إن الكثاقة بتساوي الكتلة على الحجم، فـ ده معناه إن كثافة الـ Singularity بتكون لا نهائية يعني كمية الجاذبية الموجودة داخل الـ Singularity كمية لانهائية.
والثقوب السوداء بتكبر وحجمها بيزيد مع الوقت لما بتبتلع نجوم أو أجرام سماوية تانية موجودة حواليها، وممكن يحصل صدفة والثقب يصطدم بثقب أسود تاني، وفي الحالة دي بينتج عن التصادم ده ثقب أسود أكبر من الثقوب الأصلية قبل الاصطدام.
نقطة الموت
الـ Event Horizone أو منطقة أفق الحدث زي ما الفيزياء بتسميها، هي تقريبًا أولى مراحل الخطر الحقيقية اللي ممكن يمر بيها حد لو قرب من الثقب الأسود، المكان ده اتعرف بين العلماء باسم “نقطة اللاعودة”.
ومنطقة أفق الحدث هي حدود الثقب الأسود واللي عندها بتوصل الجاذبية لأقصى درجاتها وبتبدأ تسحبك بكل قوتها، طول ما أنت قبل المرحلة دي فأنت لسه معاك فرصة وتقدر تهرب من جاذبية الثقب، أما لو وصلت لها الفرصة دي بتنعدم تمامًا.
وبعض العلماء نَظر إن الثقب الأسود بيطلع الحاجات اللي ابتلعها دي مرة تانية في ظاهرة أطلقوا عليها اسم “الثقوب البيضاء” لكن بدل ما تشد الحاجة جواها زي الثقب الأسود بتطرد الحاجات اللي الثقب الأسود ابتلعها لبرة، وبعض العلماء نَظروا إنها تطردهم في عالم تاني أو عالم موازي، وموضوع الثقوب البيضاء ده كله على بعضه مازال في حيز الفرضيات.
كيف نرى الثقوب السوداء؟
خلينا نطرح تساؤل مهم، لو بصينا على ثقب أسود، يا ترى هنشوف إيه؟
في الحقيقة أنت لو بصيت على الثقب الأسود من بعيد فـ أنت فعليًا مش هتشوف أي حاجة خالص، الثقوب السوداء بتمتص كل حاجة زي ما قلنا بسبب الجاذبية المهولة بما فيهم الضوء نفسه، وبالتالي مفيش حاجة بتنعكس على العين علشان نقدر نشوف الثقب ده، ومنطقة العدم دي هي المنطقة المعروفة باسم “أفق الحدث”، طيب إزاي بنعرف إن فيه ثقب أسود في مكان معين من غير ما نشوفه؟
الثقب الأسود بسبب جاذبيته الكبيرة بيقدر يجمع حواليه مجموعة كبيرة من الغازات الموجودة في الفضاء، الغازات دي لما بتتجمع حواليه بتبدأ في إشعاع ضوء، لو بصيت عليه من بعيد هتلاقيه مجرد ضوء بيدور حوالين ولا حاجة، وهي دي الطريقة اللي العلماء بيحددوا بيها وجود ثقب أسود، ده غير إن الثقوب السوداء بتطرد براها نوع من أنواع الإشعاعات اسمه الإشعاع الكهرومغناطيسي، بتحديد أماكن الإشعاعات دي بتقدر الأجهزة بإنها تستدل على مكان وجودهم في الفضاء.
إشعاعات هوكينج
المخلوق المهول ده بالرغم من كونه بيقدر يمتص ويبتلع كل حاجة بتعدي في طريقه، إلا إن فيه حاجة واحدة بس اتفق العلماء إنها بتقدر تخرج منه ألا وهي الإشعاع.
الثقوب السوداء بتصدر إشعاعات كونية باهتة من جواها، اتعرفت باسم “إشعاعات هوكينج Hawking Radiation” نسبةً لعالم الفيزياء الفلكية ستيفن هوكينج، وبخروج الإشعاعات دي بيبدأ الثقب يفقد كتلته بالتدريج لحد ما ينتهي الأمر بموت الثقب الأسود.
ولادة النجوم من بطون الثقوب
من الأشياء الغريبة إن العلماء بيعتقدوا إن الثقوب السوداء هي المحدد الرئيسي لعدد النجوم الموجودة في الكون، ووضحوا ده بإن الثقب الأسود بيأثر على السحب الغازية اللي موجودة حواليه وبالتالي بتتكون نجوم من بطون وطاقة الثقب الأسود، وده بيعني إن العلاقة بين الثقوب السوداء والنجوم علاقة طردية، كل ما زادت الثقوب السوداء في الكون كل ما عدد النجوم في الكون المدرك هيزيد.
تعرف إن أي حاجة ممكن تتحول لثقب أسود؟، بالظبط كده، زي ما سمعت كل حاجة ممكن تتحول نظريًا لثقب أسود.
لو قدرنا في من الأيام إننا نجيب حاجة معينة ونقلص حجمها لنقطة متناهية الصغر مع الحفاظ على طاقتها وكتلتها، كثافة الحاجة دي هتوصل لأعلى درجة ممكنة، واللي بدوره هيخلق جاذبية مهولة جوا الحاجة دي ويخليها ثقب أسود حتى لو كانت ثقب أسود قد رأس الكبريت.