كلنا عارفين إن عضة واحدة من التمساح ممكن تدمر أي حيوان على وجه الأرض؛ ولأنه فاهم قوته كويس فأي حاجة تعدي من قدامه مهما كان حجمها أو شراستها، تعتبر وجبة مُباحة بالنسباله؛ ولأنه، إيه ده، استنى كده، فيه حيوان أهو قاعد جمب تمساح، لأ، دوول مجموعة من التماسيح، ده مريح جمبهم ومش خايف منهم، طيب والتماسيح، العضة – الشهية المفتوحة، دوول ما بيقربوش منه، هو فيه إيه؟

المافيا

على ضفاف نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية، مجموعة من التماسيح قاعدة بتتشمس قدام المياه، شوية وطلع من وراهم قُضاعة عملاقة، وريَّحت هي كمان جمبهم قدام المياه، حركة ماحدش يتجرأ يعملها إلا لو مستغني عن عمره، وبالرغم أنها مش أكبر الحيوانات ولا أشرسها، وبالرغم إن التماسيح بتاكل جواميس وقروش وطيور وزواحف وكله، لكنهم مش قادرين يهوبوا منها؛ والسبب ببساطة، إنهم عارفين إيه اللي هيحصلهم لو جُم نحيتها وطبيعة العواقب اللي هيتحملوها.

فالقُضاعة دِه مش لوحدها، دِه مسنودة وليها ضهر، فهي جزء من عائلة أو تقدر تقول عصابة أو حتى مافيا، اللي بيجي ناحية أحد أفرادها، فهو اشترى عداوة العصابة كلها، والتاريخ بيأكد ده، وياما حوادث موثقة لعصابات القُضاعة تم رصدها وهي بتهاجم تماسيح وبتعذبهم في حتتهم وموطن قوتهم بالمياه.
في البداية كده، تعالوا نعرف هي مين القُضاعة العملاقة وإزاي ماعندهاش مشكلة إنها تهاجم واحد من أشرس الحيوانات على وجه الأرض، بل وتدب الرعب في قلبهم لدرجة إنهم يخافوا يهاجموها من الأساس.

فيلم رعب

القُضاعة العملاقة أو الـ giant otter معروفة بأكتر من اسم حسب البلد اللي بتتكلم عنها،
فتلاقيها في البرازيل معروفة باسم “جاجوار الماء” وفي أسبانيا معروفة باسم “كلب الماء” و “ثعلب النهر”، وهي من الثدييات المنتمية لفصيلة العرسيات، وتعتبر أطول الأنواع بين جميع العرسيات على الإطلاق، والعائلة اللي هي منها بتضم 3 أعضاء تانيين موجودين على نفس القارة في أمريكا الجنوبية، وهما “قضاعة الإقليم المداري الجديد، قضاعة النهر الجنوبي، والقضاعة البحرية”.

بس القضاعة العملاقة تعتبر هي أكبرهم وأخطرهم على الإطلاق، وخد بالك هنا إحنا ما بنتكلمش عن القضاعات اللطيفة الخجولة اللي بتنام في المياه على ضهرها وبتمسك ايديين بعض في صورة أو فيديو لطيف تتفرج عليه،
أنت بتتكلم عن حيوان معظم صوره وفيديوهاته عبارة عن فيلم رعب، تعذيب وسفك دماء وتقطيع رؤوس الحيوانات اللي بيفترسها، وفي الوقت اللي بتتراوح فيه طول الأنواع دِه من القضاعات ما بين 36 سم لـ 1.2سم، بتلاقي القضاعة العملاقة طولها ممكن يوصل لـ متر و70 سم يعني طول بني آدم وهو واقف، وده بخلاف وزنها اللي بيوصل لــ 34 كم.
وبغض النظر عن حجمها، فالقضاعة العملاقة بتمتاز بذيول عضلية وحاسة سمع قوية ونظر حاد وحاسة شم محترمة، بخلاف قوة تحمل رهيبة، ومع ذلك كل ده مابيعبرش عن الميزة الأهم والأقوى عندها وكذلك السبب الرئيسي في خوف الحيوانات المفترسة منها.

الحياة الإجتماعية

النوعية دِه من الحيوانات اجتماعية جدًا وبتعتاد على الحياة في عائلات كبيرة ممكن يوصل عدد أعضائها لـ 20 فرد، بيسافروا ويناموا وياكلوا مع بعض، وكلهم بلا استثناء بيمتازوا بعدوانية شديدة وخصوصًا في الدفاع عن مناطقهم، أيًا كان الخطر اللي بيواجهوه.
بتتكون العائلة من أب وأم وعيالهم بيعيشوا مع بعض في أوكار أو حفر بيعملوها بالقرب من ضفاف الأنهار، والأوكار دِه بتبقى ضخمة، وبيعملوا ليها أكتر من مدخل وبيبقى فيها أكتر من غرفة، واحدة من الغرف داخل الوكر بتبقى مخصصة للولادة، وهي العملية اللي بتحصل غالبًا ما بين شهر أغسطس وسبتمبر.

الأم بتلد من صغير واحد لـ 6 صغار في المرة الواحدة، وبتفضل محافظة عليهم داخل الوكر لمدة شهر تقريبًا، وتبدأ الصغار تخرج من الوكر في أكتوبر أو نوفمبر، وسبحان الله الوقت ده بيبقى منسوب المياه منخفض والأسماك بتكتر في المنطقة ما بين بحيرات وقنوات وغيرها،
والحكاية دِه بتسهل على الأب والأم عملية الصيد عشان يأكلوا عيالهم، وفي نفس الوقت بتسهل على العيال أنهم يتعلموا يصطادوا بنفسهم.
ومن الأمور العجيبة في المرحلة دِه، إن مش بس الأب والأم هما بس اللي بيصطادوا الأكل الكافي للعيال، لكن عيالهم الأكبر في السن، هما كمان بيشتركوا في الصيد عشان يوفروا الأكل لأخواتهم الصغيرين، وهي دلالة واضحة على مدى التعاون اللي بيجمع بين أعضاء الأسرة الواحدة بين ثعالب النهر.

وبالرغم من تعاونهم، إلا إنك ممكن تشوفهم بيصطادوا لوحديهم أو في أزواج، بس خطورتهم الحقيقية بتظهر في صيدهم أو دفاعهم عن مناطقهم في مجموعات، فكل فرد فيهم بيمتاز بسرعة ورشاقة في الحركة وبيعتادوا الهجوم على الفرائس الضخمة كمجموعة ومن زوايا مختلفة، وكأنهم بينسقوا جهودهم مع بعض، فتلاقي واحد منهم شد انتباه التمساح من زاوية، والتاني يتسرسب من وراه من زاوية تانية خالص، ناهيك عن أنهم لما بيتجمعوا كده زي أي عصابة وبيدخلوا زي ما هما بدون أي خطط وكأنهم داخلين خناقة في شارع، بيبقوا كافيين تمامًا للتخليص على أي حد.

وفكرة تنسيق جهودهم مش بس معتمد على الفطرة وإمكانيات كل فرد فيهم، لكن الباحثين اكتشفوا إن فيه شكل من أشكال التواصل بين ثعالب النهر وبعضها، وأنهم بيستخدموا مجموعة متنوعة من الأصوات في التواصل ما بينهم، سواء أصوات تحذيرية أو للطمأنة أو حتى صرخات محددة لشد انتباه المتسللين لمناطقهم قبل ما ينفذوا الهجوم.
ومش كده وبس، ولكن فيه نظام داخل العائلة وشكل من أشكال التسلسل القيادي والإنصياع للأوامر، معظم العائلات بيكون ليها قائد أعلى أو “ألفا” هو المسيطر على المجموعة، وغالبًا ما بتتقلد الأم الدور ده، هي اللي بتاخد قرارات الخروج للصيد وأمتى العائلة تهاجم وأمتى تدافع وهكذا.
والأب بيكون في المرتبة التانية وأهم أدواره بتكون الدوريات اللي بيقوم بيها بنفسه أو مع أبناءه الكبار حوالين منطقتهم أو الخروج للصيد بمفردهم في الشهر اللي بتراعي فيه الأم مواليدها الجدد.

وبتتميز ثعالب النهر بنموها السريع من الصغر، بعد 8 أو 9 شهور من ولادتها بتلاقي إن حجم العيال ما يفرقش حاجة تقريبًا عن حجم أهلهم،
علمًا إنهم بيعرفوا يميزوا بعضهم بالعلامات البيضاء اللي بتظهر على الحلق وتحت الدقن وممكن الجزء العلوي من الصدر، ولما بيقابلوا بعض ممكن تلاقيهم بيرفعوا رأسهم كده لفوق شوية عشان يعرضوا العلامات دِه من باب التعريف بنفسهم.

الحمية الغذائية

أما عن حميتهم الغذائية، فأنت بتتكلم في أي حاجة ممكن تتصورها مادام متاحة في مداهم، أسماك دِه الوجبة الأساسية، ثعابين دِه مقبلات أو وجبات خفيفة كده، قرود شغال، طيب أناكوندا هاتلي اتنين لو سمحت، علمًا إن القُضاعات العملاقة أو ثعالب النهر، بتاكل وجبتها حية، يعني مش بيقتلوها الأول وبعدين ياكلوها، وغالبًا ما بيستهدفوا رأس الحيوان أولًا.

وبمناسبة ذكر الأناكوندا اللي سهل عليهم افتراسها دِه، فهي بتقدر تفترس لوحدها جاجوار أو حتى كَيامِن، والكيمن الأسود هو في الحقيقة أحد المفترسين الرئيسين في مياه الأمازون، بس برده مفترس على نفسه لو بنتكلم عن ثعالب النهر، وفيه فيديوهات موثقة لكيامن بتهرب من منطقتها بسبب ظهور القضاعات العملاقة في المكان.
وبمناسبة الكلام عن المفترسين الرئيسيين للأمازون، فالجاجوار واحد منهم، ولك أن تتخيل إن فيه فيديو موثق لجاجوار قرب من النهر عشان يشرب وفوجئ بثعالب النهر، فما كان منه إلا إنه هرب والخوف في عنيه وكأنه شاف عفاريت قدامه.

ويوميًا بياكل الفرد الواحد من ثعالب النهر من 3 لـ 4 كجم من اللحوم، يعني لو عائلة مكونة من 10 أفراد، هتحتاج في اليوم 40 كجم تقريبًا، وده ممكن يكون من الأسباب الرئيسية في اتحادهم لعمليات الصيد؛ لأن المجموعة من ضربة واحدة ممكن توفر لكل أعضائها حصتهم وزيادة.

الهجوم الجماعي

بس الحقيقة أن هجومهم على الحيوانات الضخمة غالبًا ما بيكون السبب فيه هو دخول الحيوانات دِه في منطقتهم أكتر منها سعي أو استهداف منهم، والسر في تفوقهم على النوعية ده من الحيوانات المفترسة واللي بتتقدم الصفوف الأمامية لأقوى وأخطر وحوش الأمازون، هو تعاونهم وإمكانياتهم الفردية.

ومن الصعب على أي حيوان مهما كانت قدراته إنه يجاري مجموعة كاملة أو بمعنى أصح عصابة من ثعالب النهر قدامه.
بالإضافة أن كل واحد فيهم عنده طاقة عالية جدًا ولحد كبير رشاقة في الحركة، وده معناه إن في مرحلة المعافرة بينهم الغلبة في النفس الطويل هتبقى في صالح القُضاعة العملاقة قبل ما تخور قوى الحيوان الضخم، وبالتالي بتقصر الحيوانات المفترسة الشر وتسيب القضاعات العملاقة في حالها، بدل ما يدخلوا حرب هما مش قدها.
وفي النهاية القُضاعات العملاقة أو ثعالب النهر، ممكن تعلمنا درس في منتهى الأهمية، القوة الفردية مش كل حاجة، أحيانًا ممكن يكون الفرد بيتمتع بمزايا ومهارات مالهاش حد، لكن مجموعة مافيهاش ولا واحد بنص إمكانياته، ممكن يتفوقوا عليه بمنتهى السهولة؛ بسبب جماعيتهم ومساندهم لبعضهم.
الاتحاد قوة، وكما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا”.