الفيروسات دايمًا واحدة من أكبر المشاكل اللي بتواجه البشر، كتير من الأمراض الفتاكة والخطيرة اللي بيعاني منها ملايين الناس المتهم فيها الفيروسات.
الفيروسات مخلوقات عاملة قلق كدا في أي حته وكل عصر؛ وعشان كدا طول فترة حياة البشرية والبشر بيدوروا على طرق وأساليب تحميهم من خطر الفيروسات، لكن كل ما نتوصل لعلاج فعال ويدوب ناخد نفسنا، هوب نلاقي فيروسات جديدة ظهرت، حاجة زي الحالة العالمية زي اللي عايشين فيها بقالنا يجي سنة ونص ومش عارفين هنفضل عايشين فيها لحد قد إيه، لكن أن شاء الله نتجاوزها ونتغلب عليها زي ما تغلبنا على حاجات كتير صعبة قابلتنا على مر التاريخ.
وفي ظل الظروف دي بقى بيظهر سؤال، هي الفيروسات دي بتيجي منين، هل كلها من أصل حيواني ولا إيه مصادرها بالظبط، وهل من المنطقي إن لو مرض أصاب بعض الحيوانات، بعد كدا يصيب البشر؟
يعني إيه فيروسات؟ وإزاي بتسبب الأمراض؟
البكتيريا أو الفطريات أو الطحالب أو المخلوقات وحيدة الخلية، كلها أشياء بنعتبرها مخلوقات دقيقة غاية في الصِغر، وبعضها لا يُرى بالعين المجردة.
المدهش في الأمر بقى إن الفيروسات أصغر من كل المخلوقات الدقيقة دي، ولك أن تتخيل إن 500 مليون فيروس من اللي بيسبب الإنفلونزا العادية على سبيل المثال، لو حطيناهم جنب بعض كده، فهم بالكاد هيكونوا في حجم رأس دبوس.
الفيروس عبارة شريط من المادة الوراثية سواء DNA أو RNA، والمادة الوراثية للفيروس مُحاطة بغطاء بيحميها إسمه الـ “كابسيد – Capsid” والغطاء ده بيتكون من بروتينات.
وفي بعض أنواع الفيروسات، الكابسيد أو الغطاء البروتيني نفسه بيكون مُحاط بغطاء شائك تاني اسمه “المُستَضِد الغُلافي أو الـ lipid envelope”، الفيروسات بقى دونًا عن غيرها من المخلوقات الدقيقة بتعتبر مخلوقات نصف حيّة، طيب هو يعني إيه أصلًا حاجة تبقى نص حيّة؟
في الواقع الموضوع بيكمُن في كون الفيروسات كائنات غير قادرة على التكاثر إلا داخل خلية كائن تاني، يعني الفيروس لو ما دخلش خلية كائن حي تاني، فهو كده لا بيتغذى ولا بيتكاثر ولا بيقوم بأي عملية حيوية تانية، يعني تقدر تقول كده كائن حي مع إيقاف التنفيذ.
وعلى الرغم من إن أنواع الفيروسات بيختلفوا في الطريقة اللي بيدخلوا بيها لخلية الكائن الحي اللي هيستخدموها في التكاثر، إلا إن فيه عِدة خطوات ثابتة، وكل الفيروسات تقريبًا بتتبعها في السيطرة على الخلية المُستهدفة، وأول مرحلة في الخطوات دي، هي (الإلتصاق)، أول ما بيدخل الفيروس لجسم الكائن الحي بيلتصق في جدار الخلية، والغلاف البروتيني للفيروس بيبدأ يتفاعل مع مستقبلات معينة على جدار الخلية، وطريقة تفاعل بروتين الفيروس مع مستقبلات جدار الخلية هي اللي بتحدد الطريقة اللي هتدخل بيها مادته الوراثية جوا الخلية.
العملية اللي تمت في مرحلة الإلتصاق بتعمل تغييرات في تركيب الغلاف البروتيني للفيروس، والتغييرات دي بتأدّي في النهاية إن الغشاء البروتيني للخلية الفيروسية يندمج مع غشاء الخلية المستهدفة، وفي المرحلة دي المادة الوراثية الفيروسية بتبقى جاهزة للدخول للخلية والسيطرة عليها، ودي بنسميها مرحلة (الإختراق)، واللي تعتبر تاني مرحلة من مراحل هجوم الفيروس.
أما بخصوص المرحلة التالتة، فهي مرحلة (إزالة الكابسيد) وده عن طريق إذابته بالإنزيمات الفيروسية، وبعدها على طول بتنطلق المادة الوراثية للفيروس ده إلى داخل الخلية.
والمرحلة الرابعة والأهم هي مرحلة (الإستنساخ)، بعد ما الـ DNA الفيروسي يسيطر على نواة الخلية بيبدأ يديها أوامر لنسخ المادة الوراثية للفيروس، يعني بالظبط واحد دخل مصنع بلطجة وقف كل العمال اللي فيه وقالهم وقفوا الشغل اللي أنتو بتعملوه واعملولي الشغل بتاعي أنا؛ ولأن نواة الخلية في الموقف ده بتكون عِبارة عن دماغ الخلية اللي بتدي الأوامر لباقي أجزاءها عشان تؤدي وظائفها الحيوية كلها، فلما الفيروس بيسيطر عليها بيوقف وظائفها؛ ولأن الفيروسات عمومًا ملهاش أي دور أو هدف غير التكاثر، فالفيروس بيستخدم الخلية دي في إنه ينسخ مادته الوراثية، وبعدها ينتقل لخلية تاني جنبها ويعيد نفس الدورة اللي إتكلمنا عنها من جديد، والموضوع ده بيفضل مستمر لحد ما الخلايا الفيروسية تسيطر على عضو الجسم بالكامل، والمرض اللي بيسببه الفيروس بيعتمد على نوع الفيروس وكذلك على العضو اللي الفيروس بيسيطر عليه.
الفيروسات، والحيوانات، والبشر
الأمراض الفيروسية اللي ظهرت في العقود الأخيرة من عمر البشرية وتحولت لأوبئة إقليمية أو عالمية، الباحثين لما بدأوا يدرسوها كويس عشان يحددوا سبب ظهورها، إكتشفوا إن معظم الفيروسات اللي بتسبب الأمراض الفتاكة سريعة الانتشار، أصلها حيواني المنشأ.
فيروس نيباه Nipah Virus، اللي ظهر في ماليزيا، كان سببه التوجه الضخم للاستثمارات في مزارع الخنازير، واقتحام مناطق زراعية بيسكنها الخفافيش، الخفافيش كانت بتحمل العدوى الخاصة بالفيروس، وبدأت تنقلها للخنازير، والمُزراعين كانوا بيتعاملوا مع الخنازير بشكل مباشرة، فلقطوا منهم الفيروس.
فيروس السارس SARS أو المتلازمة التنفُّسية الحادَّة لما تتبعوا خط سيرها، إكتشفوا إن العائل الأصلي ليها هو نوع من الققط اسمها (قطط الزباد – civet cats).
وده بجانب فيروسات إنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير، اللي كلها من أصل حيواني، وكذلك فيروس كوفيد الأخير، اتضح برده إن أصله حيواني، فياترى بقى إيه الحكاية، وإزاي الفيروسات دي بتسيب الحيوانات وتجيلنا؟
انتقال الفيروس للبشر
الفيروسات من حيث قدرتهم على إستهداف الكائنات الحية، فهم في الغالب نوعين، النوع الأول هو الفيروسات متخصصة الانتشار، ودي تقريبًا أقلهم خطورة، النوع ده بتكون قدرته على إستهداف أنواع عديدة من الكائنات الحية هي فرصة ضئيلة جدًا، وفي الغالب مش بيتفاعل غير مع نوع واحد أو إتنين بالكتير واللي بيكونوا مناسبين للبيئة اللي بينمو فيها.
والنوع التاني هو فيروسات عامة الإنتشار، والنوع ده من الفيروسات بيكون قادر على استهداف عدد كبير من الحيوانات وخاصة الثديات.
والنوع ده من الفيروسات بيكون قادر على استهداف عدد كبير جدًا من المخلوقات الحية، والنوع ده هو الأخطر، وهو في العادة اللي بيكون متسبب في ظهور الأوبئة الفيروسية واسعة الإنتشار، في بداية رحلته بيصيب أحد أفراد الحيوانات، وبيحاول قدر الإمكان إنه يسيطر عليه عشان ينتشر لباقي الحيوانات المجاورة، ومن رحمة ربنا سبحانه وتعالى بينا إن الخطوة دي في البداية مابتكونش سهلة، وهي تقريبًا أصعب مرحلة بيمر بيها الفيروس؛ لأن في معظم الأوقات الفيروسات دي بتسبب للحيوانات أعراض مرضية طفيفة، والجهاز المناعي للحيوان بيكون قادر على هزيمة الفيروس وبالتالي بيتعافى الحيوان.
لكن في حالات قليلة، بيقدر الفيروس إنه يتغلب على الجهاز المناعي وينتقل لفرد تاني، ووقتها بيكتسب القدرة على الانتشار أكتر وبيكون أقوى.
والنوع ده من الحيوانات بنسميه الحيوان العائل، وبيكون له دور كبير في انتقال الفيروس للبشر، عشان الفيروس ينتقل من الحيوان مباشرة للبشر بتكون مهمة صعبة، ويمكن أصعب من انتقال الفيروس من حيوان لحيوان آخر، لكن مع ذلك فيه عِدة عوامل بتسهل الموضوع ده للأسف، أولهم إن الفيروس نفسه يكون قوي بتسبب تعددية إنتقاله من عائل لعائل زي ما وضحنا، وكذلك إحتكاك الإنسان بالحيوان المصاب بشكل مباشر زي مثلاً المُزارعين أو حتى الأشخاص اللي بيربوا حيوانات أليفة في البيت، وبالتالي بيكونوا متواجدين مع الحيوانات طول الوقت.
وجدير بالذكر إن إنتقال العدوى الفيروسية من الحيوانات للإنسان يعتبر شئ نقدر بشكل ما نقول إنه طبيعي وأمر وراد وبيتكرر كتير، لكن فكرة إن الإنسان اللي لسه مصاب بفيروس جديد، يقدر ينقله بسهولة لشخص تاني حواليه، فدي بقى بتكون مهمة غاية في الصعوبة؛ لأن الجهاز المناعي للإنسان بوجه عام معروف بكفاءته في التصدي لمعظم الأمراض، ده غير إن الفيروس عشان يتنقل لعائل بشري جديد، بيكون محتاج إنه يوصل الأول للخلايا اللي هو قادر بحكم تكوينه إنه يتكاثر من خلالها.
والعملية دي عشان تحصل ف الفيروس قدامه مستويات مختلفة من العوائق اللي هتمنعه من استهداف خلايا العائل الجديد، وفي كل مستوى من دول لابد إن الفيروس يقدر يغيّر في تكوينه بشكل متناسب مع العوائق الجديدة اللي بيواجهها، ولو الفيروس قِدر يكسر الحاجز ده، فـ إحنا كده دخلنا في أخطر مرحلة في مسيرة الفيروسات، ألا وهي مرحلة الوباء.
وفي النهاية الباحثين والأطباء بيدرسوا بيولوجية مسببات الأمراض الفيروسية بدون كلل أو ملل، وكـ بشر عندنا حصيلة محترمة من العلم والخبرات بخصوص عالم المخلوقات الدقيقة؛ لأن لينا معاهم باع طويل من المعارك والصراعات اللي في معظم الأوقات بتنتهي بانتصار البشر وتغلبهم على الوباء، وبيقدروا في كل مرة انهم يطوروا لقاحات وبروتوكولات لاحتواء الموقف، ودي سُنة ربنا سبحانه وتعالى في الخلق، إن لكل داء دواء يحفظ بيه توازن الحياة وبيرجع الأمور تعود لطبيعتها مرة تانية، وفي الحديث الصحيح قال النبى صلى الله عليه وسلم (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)، فنسأل الله الشفاء والعافية.