في رمضان 1440 يعني من سنتين بس وفي مصر تحديدًا، وبحلول يوم 29 رمضان كانت كل النتايج اللي متعلقة في بيوتنا بلا إستثناء، موجود فيها إن اليوم ده هو المُتمم لشهر رمضان المُبارك، وعلى أساسه كانت كل إستعدادات العيد تمت، اللي محضر هدوم العيد على الكنبة علشان صلاة العيد، واللي مظبط سفرية بكرة وحجز التذاكر، واللي كان مُعتكف في المسجد العشر الأواخر وروح بعد صلاة المغرب يفطر أخر يوم في بيته، وغيرها كتير من الإستعدادات.
وفجأة وبدون مُقدمات، وبعد ما فطرنا وقبل أذان العشا، أعلنت دار الإفتاء المصرية الخبر التالي “غدا الثلاثاء هو المُتمم لشهر رمضان من سنة 1440 للهجرة، والأربعاء هو أول أيام عيد الفطر في البلاد وكل عام والأمة الإسلامية بخير”
الغريب في الموضوع هو إن في نفس التوقيت اللي أعلنت فيه دار الإفتاء المصرية إن رمضان هيكون 30 يوم، أعلنت دول زي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إن أول أيام عيد الفطر هيكون يوم التلات مش الأربع، وده بعد ثبوت رؤية هلال شهر شوال عندهم، ووقتها بقى، اللي يقولك أنا مليش دعوة أنا هفطر وأعيد مع السعودية، وكان في حالة كبير جدًا من الجدل في الشارع.
الإختلاف اللي بيحصل ده مش بس بيكون في نهاية الشهر، لأ ده في أحيان كتير، حتى أول يوم رمضان في مُعظم الدول بيكون عليه إختلاف، يعني إنت تبقى بدأت تصلي التراويح وصايم تاني يوم ودولة تانية لسه فيهل شعبان.
فياترى هو ليه الشهور العربية بتختلف مواعيدها بين الدول العربية والإسلامية؟
ليه كلنا مانصمش مع بعض ونعيد مع بعض ومايبقاش في الإختلاف اللي بيحصل ده؟

البداية

في كل سنة في ميعاد بداية ونهاية شهر رمضان، الأخبار كلها بتبقى بتتكلم عن الإختلافات بين الدول، وعلى الرغم إن الإختلافات دي موجودة في كل الشهور العربية إلا إن شهر رمضان ليه أهميته ومكانته في نفوس كل المُسلمين وإهتمامنا بيه بيبقى غير أي شهر تاني.

وعلشان نفهم الإختلاف بين الدول في ميعاد بدايته أو نهايته بيجي منين، خلينا نعرف هو إزاي أصلاً بيتحديد بداية الشهور الهجرية، واللي هنعمله، هو إننا هنتأمل شوية في دورة القمر حوالين الأرض واللي بيكمل لفته كل 28 يوم تقريبًا.

والدورة دي إنت ممكن تلاحظها بسهولة جدًا من بيتك، كل اللي هتحتاجه هو إنك تطلع على سطح البيت كل يوم وفي نفس الميعاد، وتحاول تراقب القمر من بداية كونه هلال، وهتلاحظ بوضوح جدًا إنه بيغير مكانه وشكله، وبيبعد عن الشمس يوم ورا التاني، وبداية أطوار القمر بتكون بعد لحظة الاقتران أو الوقت اللي بيكون فيه القمر واقف قدام الشمس بالظبط، ومن بعد اللحظة دي بيبدأ القمر يبعد عن الشمس شوية بشوية.

وخلال دورته حوالين الأرض بياخد أشكال كتير مختلفة، لكن اللي يهمنا من الأشكال دي هو الهلال.

رؤية الهلال الجديد معناها ميلاد شهر هجري جديد، لكن الموضوع مابيبقاش سهل زي ما معظمنا متخيل، فيه شروط وتوقيتات وناس معينة متخصصين هما اللي بيتولوا المهمة دي.
ومن المهم بالذكر إن الهلال بيظهر في السما مرتين متتاليين، واحد فيهم بيكون الهلال المتناقص بتاع نهاية الشهر اللي إنقضى، والتاني بيكون الهلال المُتزايد، وده الهلال الوليد اللي بيظهر في بداية الشهر الجديد، واللي بيتم رصده هو هلال أول الشهر مش هلال آخر الشهر.
وكل الأشخاص المسؤولين عن تحري رؤية الهلال بيكونوا على دراية بطبيعة كل واحد فيهم، وأول فرق، هو إن هلال أول الشهر بيكون موقعه في الجنوب أو المكان اللي بتغطس فيه الشمس بعد الغروب، أما هلال آخر الشهر فيستحيل رؤيته بعد غروب الشمس لإنه بيختفي أصلاً قبل غروب الشمس في إتجاه الشمال.
تاني فرق، هو إن قرون هلال أول الشهر بيكون إتجاههم للأعلى وبيتجهوا للجنوب، أما هلال آخر الشهر فلو قدرت تشوفه قبل الغروب بتكون قرونه متجهين للأسفل والشمال.

شروط رؤية الهلال

وده ياخدنا لأول شروط تحري رؤية الهلال، ألا وهو التوقيت، واللي بيبدأ بعد غروب شمس يوم 29 من الشهر الهجري، يعني لو هنتحسس هلال شهر رمضان المعظم، يبقى يوم 29 شعبان وبعد صلاة المغرب بمدة قصيرة ماتتعداش الساعة، وهنا يبدأ التجهيز لرؤية الهلال.
أما عن المكان اللي بيُنظر إليه فبيكون في جهة الجنوب الغربي، ويكون مكان من الأماكن المفتوحة اللي بيظهر فيها الأفق بدون أي معوقات سواء عمران، تلال، جبال، أو أي معوقات تانية.
وكمان شرط من الشروط إنها تكون بعيدة تمام البعد عن كل الملوثات الضوئية، طيب ما الدنيا مُنظمة أهيه وليها شروط وأشخاص متخصصين بيتولوا المهمة، ليه برده بيحصل لغبطة وإختلاف بين الدول؟

لماذا الخلاف؟

الفكرة الأساسية كلها بتكمن في إن دولة معينة ماتشوفش الهلال في السما، بالرغم من حالات الرصد المُكثفة اللي بيتم عملها، يعني الشهر عِلميًا يبقى خلاص خلص، والشهر الهجري الجديد بدأ، والدولة س قالت إنها شافت الهلال، تيجي بقى الدولة ص تُجزم برده إن السما خالية تمامًا وإن مفيش هلال.

يعني حتى مع الإلتزام بكل الشروط اللي ذكرناها ممكن يتعثر على بعض الدول إنها تشوف الهلال، وده ما بيكونش تقصيرًا منهم أو شئ، الطقس ونسبة الرطوبة والغبار والغيوم ليهم تأثير كبير جدًا على وضوح الرؤية وإمكانيات الرصد، بل إن الموضوع كمان أكبر من لغبطة والسبب في كده هو إن موقع الدول على الخريطة بيلعب دور كبير جدًا في رؤية الهلال، وده اللي بيأكده مركز الفلك الدولي بأبوظبي، واللي يعتبر منصة مهمة جدًا للشؤون الفلكية في الوطن العربي، فـ لو بصينا في الخريطتين دول واللي كانوا توقعات عن رؤية هلال رمضان لسنة 2018، هنلاقي إن المناطق المتلونة باللون الأحمر هي الأماكن اللي هيستحيل فيها رؤية الهلال، والمناطق المتلونة باللون الأزرق هتقدر تشوف الهلال لكن شرط إنها تستخدم التلسكوب، والمناطق المتلونة باللون الزهري هتكون رؤية الهلال فيها واضحة بالعين المجردة، لكن ده في حالة صفاء الغلاف الجوي.

لكن في الخريطة التانية واللي معادها بعد الخريطة الأولى بيوم واحد بس المناطق المتلونة باللون الأخضر فدول هَيقدروا إنهم يشوفوا الهلال بالعين المجردة بسهولة، وأخيرًا الأماكن اللي مش واخده لون على الخريطة فرؤية الهلال فيها غير ممكنة؛ وده كله بسبب الموقع الجغرافي.

ليه ما نوحدش التقويم الهجري زي التقويم الميلادي؟

كده إحنا عرفنا السبب في الإختلاف بين الدول، لكن يفضل تساؤل أخير، ليه مانخليش مثلًا دولة واحدة اللي تشوف الهلال وباقي الدول العربية والإسلامية تتبعها وخلاص، أو ليه مانوحدش التقويم الهجري ويبقى زيه زي التقويم الميلادي، حاجة كده نتفق عليها كلنا، ونبقى بنصوم ونفطر ونعيد مع بعض؟.
الحقيقة فكرة توحيد التقويم الهجري هتحقق مصالح كبيرة للمسلمين من خلال توحيد الشعار والصيام والأعياد اللي هتبقى في وقت واحد.
ولأن الفكرة دي بديهية لكن في الحقيقة وعلى أرض الواقع، الفكرة دي تم طرحها بالفعل عام 2016 في مؤتمر توحيد التقويم الهجري الدولي واللي أقيم بـ إسطنبول، ومن أهم التوصيات اللي خرجوا بيها من المؤتمر كانت إن الشهر الهجري يبدأ لما يقيسوا بُعد الزاوية بين القمر والشمس وقت غروب الشمس ويطلع 8 درجات أو أكتر، ويكون ارتفاع القمر عن الأفق وقت غروب الشمس خمس درجات أو أكتر، ولو تحقق الشرط ده في أي مكان في العالم قبل الساعة 12 منتصف الليل بتوقيت جرينتش، يبقى دي بداية الشهر الهجري.
وكان فيه مبادرة منهم إن توصياتهم يؤخذ بيها من مختلف الهيئات الشرعية في الدول العربية والجاليات الإسلامية في كل دول العالم، لكن حتى الأن يزال الموضوع قيد المحاولة.
لكن اللي نحب نشير إليه إن الإختلاف اللي بيحصل بين الدول هو مش معضلة ولا حاجة، وحصل كتير في الأمم السابقة، واللي عليك تعمله هو إنك تلتزم باللي بتقره عليك الهيئة الشرعية المختصة بتحديد بداية الشهر الهجري في بلدك وبس.