في ليلة من ليالي رمضان الهادئة وفي اللحظات الأخيرة وقبل أذان الفجر، كل شخص من أفراد العائلة بيبقى ماسك إزازة مياه وكل اللي بيبقى شاغل تفكرينا في التوقيت ده، هو إننا نحاول نملى التانك مياه على قد ما نقدر، وبعد ما المؤذن يقول الله أكبر بوقت قليل جدًا، قد لا يتعدى دقائق، وتبدأ تحس إنك عطشان، وريقك ناشف اللي هو أنا لسه منزل إزازة المياه من على بوقي.
طب هو إيه اللي حصل، إيه اللي خلاني أعطش بسرعة كده ده أنا شاربلي لوحدي يجي عشر ازايز مياه؟
المدهش أكتر هو إنك في الأيام العادية ممكن تخرج من بيتك الصبح وترجع بالليل، وطول المدة دي ماتكونتش شربت بوق مياه، وبتبقى ناسي أصلاً إنك عطشان، منين بقى التناقض الغريب ده، ليه بنحس بالعطش الشديد خصوصًا وإحنا صايمين، هل فعلاً مابنكونش شربنا القدر الكافي من المياه قبل السحور، ولا الموضوع له جوانب تانية؟.

البداية

في البداية علشان نفهم ليه بنحس بالعطش بسرعة وإحنا صايمين، هنحتاج إننا نبص بصة على روتين يومنا من بعد الفطار، اللي بيحصل في الساعات القليلة بين الفطار والسحور، بيكون عبارة عن عمليات تجهيز وتحضير لصيام تاني يوم، فبعد صلاة التراويح مباشرةً هنقابل
الشخص اللي مدمن على القهوة والشاي بيحاول ينتقم منهم لحد السحور، واللي بيعشق المشروبات الغازية مابيسبهاش من إيده، ولو شخص مش مدمن لا على ده ولا ده، فالمشروبات الرمضانية مبترحمش، ده بالنسبة للشرب أما الأكل بقى، فهو كمان له دور مهم جدًا في قصتنا.
الأكل موجود طول الوقت في بيوتنا في ليل رمضان، وبكميات كبيرة، فبنلاقي اللي نفسه هفته على حتة مكرونة بشاميل من اللي كانت على اللي الفطار، ده غير اللي قاعد بينقنق في الحلويات، وغيره وغيره، وده تقريبًا روتين حياة أغلب البيوت من بعد صلاة التراويح ولحد السحور، وطبعًا بتزيد حساسية الموقف وتوتره في الدقائق القليلة الأخيرة قبل أذان الفجر، كل اللي ذكرناه دلوقتي ده بقى واللي في اعتقادنا أنه الحل علشان تاني يوم مانعطش أو مانجوعش فيؤسفني أقولك إن كل اللي بتعمله ده هو السبب الحقيقي في إنك تعطش، وعلشان تفهم الموضوع بوضح أكتر تعالى نفصص كل نقطة ذكرناها من الروتين اليومي ونشوف اللي بيحصل في جسمنا بسببها؛ أول حاجة هنبدأ بيها هي شرب المشروبات اللي فيها نسب عالية من الكافيين زي الشاي والقهوة، المشروبات اللي بتحتوي على مادة الكافيين، بتزود جدًا من نشاط الكلى، ومعنى إنها تزود نشاط الكلى، فكده هتقوم بدورها في التخلص من المياه في وقت قليل جدًا مًقارنةً بحالة إن المشروبات دي مش موجودة في الجسم.

تاني حاجة بقى هي المشروبات الغازية ودي ولوحدها مصيبة من جميع الجهات، فـ بعيدًا عن إنها سبب رئيسي في عسر الهضم ومشاكل تانية كتير، واللي بالفعل تطرقنا ليها في حلقات منفصلة قبل كده، إلا إنه ده مش موضوعنا دلوقتي واللي يهمنا هو تأثيرها في إحساسنا بالعطش، المياه الغازية بتحتوي على كميات كبيرة جدًا من الكربون، فده بيكون سبب في حدوث إنتفاخ وتحس وقتها إنك مليان وشبعان وزي الفل، لكن على أرض الواقع أنت لا شبعان ولا حاجة، أنت بطنك مليانة هوا وبس، وطبعًا الشعور ده بيخليك ماتشربش لفترات طويلة على الرغم من إن جسمك بالفعل محتاج مياه.
تالت نقطة بقى وهي إنك تشرب سوائل بتركيزات عالية من السكر المُصنَّع، واللي بين قوسين كده (مشروبات رمضان)، وللأسف عدد كبير من البيوت بيتوصوا أوي بموضوع السكر ده في المشروبات الرمضانية والمشروبات بوجه عام، واللي بتعمله التركيزات العالية دي من السكر بوجه عام في جسمك، سواء كانت موجودة في مأكولات أو مشروبات، هو إنها بتنبه وتحث الجسم على التبول، وطبعًا مع زيادة التبول إحساس العطش هيزيد.

أما بالنسبة لموضوع شربنا لأكبر كمياه ممكنة من المياه على السحور، فالحقيقة بقى وعلى عكس ما بنتوقع تمامًا، شربنا لكميات كبيرة من المياه لا بيمنع عطش ولا الكلام ده خالص، والسبب في كده بكل بساطة إن أي كميات مياه زيادة عن حاجة الجسم، بتبدأ الكلية تتخلص منها بعد ساعات قليلة جدًا من شربك ليها، وده بدوره بيزود معدل العطش وبيزود عدد مرات دخولك للحمام.
وأخيرًا نيجي بقى للنقطة اللي ماتقلش أهميتها تمامًا عن الأسباب اللي ذكرناها، وهي متعلقة بشكل مباشر بإسلوب أكلنا نفسه، فهنلاقي إن كل الأطعمة اللي بتحتوي كميات كبيرة من ملح الطعام وأملاح الصوديوم بوجه عام زي المخللات ومكعبات الشوربة الجاهزة، وغيرها كتير من الأكلات كلهم بلا إستثناء بيعتبروا سبب رئيسي في إرتفاع نسبة الصوديوم في الدم، واللي معاها هتحس بالعطش المستمر والشديد في نفس الوقت، وخصوصًا الطعام اللي بيحتوي على أملاح أحادي جلوتومات الصوديوم زي الموجود في مكعبات الشوربة الجاهزة.

ليه بنعطش أسرع؟

ضيف بقى على كل الأسباب المادية اللي ذكرناها دي، سبب تاني رئيسي، وهو المسؤول عن التناقض اللي اتكلمنا عنه في بداية الحلقة، وإننا في غير رمضان ممكن طول النهار مانشربش تماما، ومانحسش إننا عطشانين، والسبب هنا سبب نفسي بحت، مربط الفرس هو إن عقلنا بيحب يمشي بمبدأ الممنوع مرغوب، معناه إيه يعني الكلام ده؟، معناه إن محادثاتك مع عقلك وإنك تنهاه عن حاجة معينة زي إنك تقوله مثلاً لازم تنسى الشخص ده، أو إنسى النقطة اللي ذاكرتها دي لأنها خلاص إتلغت، في الغالب الحاجات دي بتجيب نتائج عكسية، وحرفيًا عقلك بيبذل كل جهده عشان يفتكر كل الحاجات اللي أنت بتقوله إنساها، مش العكس، وده بالظبط اللي بيحصل معانا بعد أذان الفجر تحديدًا، في الوقت ده بتكون عمال تشرب علشان ماتحسش بالعطش، وكل اللي بيدور في عقلك في الوقت ده هو موضوع العطش، وإنك عمال تقول عايز أشرب عشان ما أعطش، فـ عقلك بياخد الكلام ده ويركز مع موضوع العطش جدًا وبشكل غير طبيعي، وكناتح عن التركيز المفرط ده، يبدأ يحسسك بالعطش حتى لو أنت فعلاً مش عطشان، وده بتحسه فعلاً في اللحظة اللي بينتهي فيها أذان الفجر مباشرةً، بتلاقي نفسك عطشان جدًا مع إنك بالفعل شارب الكميه اللي تكفيك من المياه وزيادة.

ليه جسمنا مش بيخزن المياه؟

طيب ده كان بالنسبة للأسباب اللي بتخلينا نعطش في رمضان، لكن خلينا نتطرق لسؤال تاني، هو إحنا ليه جسمنا مابيخزنش مياه بكميات كبيرة، زي ما بيحصل مع الأكل مثلاً واللي بيتخزن في الجسم على شكل دهون؟، الحقيقة مسارات المياه في جسم الإنسان كتيرة، وطرق فقدانها هي كمان كتيرة ومتعددة، يعني لو جينا بصينا على جسم الإنسان هنلاقي إنه بيتكون من أكتر من 70% مياه، وده في حالة التوازن، يعني كده كده جسمك فيه مياه.
لكن زي ما ذكرنا، مساراته وطرق فقده ليها كتيرة جدًا، جسمك طول الوقت بيفقد مخزونه من المياه في عدة صور وأبرزهم، التنفس، التنفس أو الزفير تحديدًا، بيقلل جدًا من معدل المياه في الجسم؛ لإن اللي بيحصل في الزفير هو إن الجسم بيتخلص من نفايات ثاني أكسيد الكربون الناتجة من عملية التنفس.

الشاهد بقى إن معادلة التنفس، مدخلتها هي الجلوكوز والأكسجين، ونتائجها مش بس ثاني أكسيد الكربون، ولكن ثاني أكسيد الكربون بالإضافة لالمياه أو (بخار الماء)، وده معناه إنك طول ما أنت بتتنفس، جسمك بيفقد مياه.
تاني طريقة بقى في الفقد هي التعرق، ودي بتكون طريقة الجسم في ترطيب نفسه وتبريد سطح الجسم من برا، وخصوصًا أثناء المجهود البدني.
وأخيرًا من أشهر طرق الفقد هي عملية التبول، واللي فيها بينقي الجسم نفسه من فضلات النيتروجين على شكل يوريا وحمض البوليك.
وطبعًا كل دي عمليات طبيعة بتحصل بإستمرار، وبالتالي الجسم بيبقى محتاج مياه بنسب كبيرة، وأول ما بينقص معدل التوازن بتاعه بيبدأ يبعتلك إشارات بأنه عطشان، ومحتاج كميات إضافية من المياه عشان يقوم بمهامه.

أكل إيه وما أكلش إيه؟

وفي النهاية وبعد كل الأسباب اللي ذكرناه، ممكن لوهلة تحس إن مفيش أمل في التغلب على العطش، وإنك كده كده هتعطش وأنت صايم، لكن الحقيقة مازال في جانب مشرق في الموضوع، وهو أن في عدد كبير من الأطعمة ممكن تساعدنا في إننا نتخطى حاجز العطش في نهار رمضان بشكل ملحوظ، واللي بتتميز إنها بتحتوي على نسبة كبيرة من المياه، وبالتالي معاها مش هتحس بالعطش، ومن قائمة المأكولات دي الفاكهة؛ وتحديدًا البطيخ، بيعتبر البطيخ من أشهر الفواكه اللي بيُنصح بأكلها بين وجبة الإفطار ووجبة السحور؛ وده لأن البطيخ بيحتوي على الألياف القابلة للذوبان في المياه، بالإضافة لإنه بيحتوي على أملاح الكالسيوم، والصوديوم، والمغنيسيوم، والبوتاسيوم، وكمان بيحتوي على 92% من وزنه مياه وسكر، ووجودهم مع بعض في شئ طبيعي من صنع الخالق، بيساعد جدًا في إننا نحس بالانتعاش وعدم الشعور بالعطش في نهار رمضان.
وده بخلاف السكر المُصنَّع العادي، ومش البطيخ لوحده اللي بيقدر يعمل كده، كمان الموز والشمام والبرتقال والتين والتمر والمانجا والعنب وغيرهم كتير من الفواكهة، ومش بس الفاكهة اللي بتساعد في تقليل العطش، لكن هنلاقي البروتينات الخالية من الدهون بوجه العام، والبيض، والفول، والعدس والحمص، وعدد من البقوليات، بتساعدك في إنك تحافظ على رطوبة وإنتعاش جسمك لأطول فترة.
وأخيرا لو بصيت لكل الأسباب اللي بتسبب العطش في نهار رمضان، هتلاقي إنك تقدر تتجنبها تدريجيًا، وده شئ مُحبب جدًا؛ علشان توصل في نهاية شهر رمضان وأنت عارف تستمتع بصيامك وتحافظ على طاقتك لأقصى درجة ممكنة.