في عام 2003 وفي ظل ما دبي كانت بتسعى بكل الطرق في التطوير العمراني والسياحة، أعلنوا فجأة عن مشروع هو الأغرب من نوعه، والمشروع ده هو إنهم هيبنوا أكبر جزر صناعية على مستوى العالم، وهيبنوا على أرضها بيوت ومنتجعات ومنازل فخمة، وأكتر شئ مثير للجدل بخصوص الجزر دي هو شكلها.
أحد الجزر هيكون على شكل خريطة العالم بـ قاراته السبعة، بالإضافة كمان للشمس والقمر والكواكب ومجرة درب التبانية، كل دول وغيرهم هيبقوا مُجسدين على سطح الماء وعلى مساحة ضخمة جدًا، وبالفعل أحد الشركات بدأت في المشروع وإفتتحوا المرحلة الأولى كمان، لكن فجأة كل شيء توقف والمشروع ما إكتملش، والمشروع إتنسى تمامًا ومحدش بقى يسمع عنه أي حاجة، فـ يا ترى بقى إيه اللي حصل؟، وجَت منين فكرة المشروع الضخم ده، وإيه أسباب توقفه؟

بداية الفكرة

في بداية الألفينات كان كل القائمين على تطوير العقارات في دبي شايفين إنه فيه طلب شديد على المنازل والبيوت والمُنتجعات الموجودة على الساحل؛ وده لأن عددها بقى محدود وما بقاش فيه أي فرصة إطلاقًا للتوسع أو بناء عقارات جديدة على الساحة، ومن هنا ظهرت الفكرة لأول مرة، طالما مساحة اليابس خلصت تمامًا، طيب إيه المانع إننا نصنع يابس جديد، نبني جزر إصطناعية على سطح المياه تكون أشبه بالجزر الطبيعية، ويتم بناء مُدن ومُنتجعات على سطحها، منها نكون وفرنا مساحات وأراضي جديدة من ناحية، ومن ناحية تانية تبقى واجهة سياحية ضخمة نظرًا لأن الفكرة جذابة وفريدة من نوعها.

وبالفعل أطلقوا على المشروع إسم جزر دبي الإصطناعية أو (جزر النخيل)، والمشروع في مرحلة تصميمه تم اعتباره أضخم وأعظم مشاريع الجزر الإصطناعية مش بس على مستوى الشرق الأوسط فقط،، ولكن على مستوى العالم ككل، وهيظهِر دبي في المركز الأول على مستوى العالم من الجهتين؛ السياحية والاستثمارية، وكانت خطة الشركة للمشروع ده بقى كالتالي

أولاً مش هيتم بناء مجموعة واحدة فقط من الجزر، ولكنهم هيبقوا مجموعات ضخمة جدًا، أول جزيرة منهم هي جزيرة النخلة (جميرة) ودي هتكون في المنتصف، وعلى اليمين جزيرة أخرى على شكل نخلة برده وهي جزيرة (الديرة) ودي أكبرهم في الحجم، وعلى ناحية الشمال جزيرة تالتة إسمها جزيرة (جبل علي).
وبالنسبة لـ جزيرة (جبل علي) قرروا إنهم يعملوا حواليها جزيرة ضخمة جدًا جدًا على شكل هلال؛ وده عشان تكون بمثابة واجهة بحرية لـ دبي.
والهدف من إنشاء جزيرة بالشكل ده حاجتين،أولاً إنها تحمل الرمز الإسلامي للدولة ألا وهو رمز الهلال، وثانيًا بقى وجود جزيرة في المكان ده وبالحجم ده يعتبر بمثابة حاجز قوي جدًا يحمي كل الجزر اللي وراها من تأثير الأمواج والمد والجزر.
ونفس الآلية دي بالظبط تم تطبيقها داخل كل جزيرة من الجزر اللي على شكل نخيل بس على حجم أصغر شوية؛ لأن كل جزيرة منهم مُحطاطة بشكل دائري عشان يحميها من اندفاع الأمواج.
أخيرًا بقى كل الجزر السابقة دي مُقرر إنه يتم إقامة منشآت عليها، سواء فنادق سياحية أو فيلل وبيوت وحدائق وطرق ومرافق وخلافه، ومش هتحس بمدى روعة تصميمهم الحقيقي، إلا لما تلقي عليهم نظرة أفقية من خلال التصوير الجوي، سواء من الطائرات أو حتى من الأقمار الصناعية.

جزر العالم

والمدهش أكتر في الموضوع إن كل الجزر اللي إتكلمنا عنها دي ماهياش إلا مجرد بداية فقط للمشروع؛ وده لأن شركة (النخيل) أعلنت بعد كده عن خبر غريب جدًا، قررت إنها هتبني مجموعة ضخمة من الجزر بتحمل لقب (جزر العالم)، والحقيقة الإسم ده مش من فراغ إطلاقًا؛ وده لأن الشركة حرفيًا بنت جزر متجاورة على شكل خريطة العالم، الجزر عددها كبير جدًا وبتبعد عن الشاطئ حوالي 4 كيلو متر.
وكانت فكرة التسويق في الموضوع هو إنه لما يتم عرض الجزر دي للبيع، تخيل مثلاً واحد يقولك أنا إشتريت فرنسا، أو مؤسسة كبيرة تشتري كام جزيرة جنب بعض ويقولوا إحنا اشترينا أوروبا بحالها، الموضوع لطيف وليه وقع مميز وهيعمل جذب للسياح من شتى بقاع الأرض، وطبعًا على كل جزيرة هيتم بناء منازل فاخرة ومنتجعات سياحية، وطريقة الانتقال بين الجزر وبعضها هيكون عن طريق المراكب.

جزر الكون

بعد فترة بقى من دراسة المشروع قرروا إنهم يفجروا مفاجئة أكبر، قالك مش إحنا جسدنا العالم على هيئة جزر إحنا بقى مش هنكتفي بكده، إحنا ناويين نعمل مرحلة جديدة من الجزر هنطلق عليها إسم (الكون)، والجزر دي هتضم الشمس والقمر وكواكب المجموعة الشمسية ومجرة درب التبانة بل وكمان المجرات البعيدة؛ وده عشان كل الجزر دي تظهر بأروع شكل ممكن في التصوير الجوي، وكأن دبي بتضم على سواحلها الأرض بقارتها، والعالم بالفضاء الخارجي.

فوائد المشروع

مع وجود المشاريع دي كلها، فمن المفترض إن شكل ساحل دبي يتغير تمامًا ويتحول لشئ من الخيال، وكانت السياحة جوا البلد هتزيد بشكل أكبر من أي وقت قبل كده، وبالفعل في 2008 كان تم الإنتهاء من بناء جزيرة (نخلة جميرا)، وفي سبتمبر من نفس السنة احتفل فندق (أتلانتس) بافتتاحه داخل الجزيرة. والدنيا لحد دلوقتي كانت جميلة و 100 فل وعشرة، ودبي كانت على مشارف نقلة جديدة في تاريخها، لكن فجأة حصل شى غريب جدًا.

توقف المشروع

من بداية المشروع في الألفينات ولحد وقتنا الحالي، دبي ما إفتتحتش غير جزيرة (نخلة جميرا) فقط، وتعتبر (جميرا) هي المشروع الوحيد اللي إكتمل بنائه، لكن بالنسبة للجزيرتين جبل علي والديرا، مكنش فيهم أي تقدم ملحوظ من بداية الإنشاء. جزيرة (الديرا) ما تمش بنائها من الأساس، وجزيرة (جبل علي) تم إنشاء البنية التحتية ليها فقط وما تمش إستكمالها، وجزيرة الهلال الضخم اللي كان من المقرر بنائها حوالين جزيرة (جبل علي) برده ما تمش بنائها، وجزر (العالم) تم إنشاء بنيتها التحتية لكن ما تمش إستكمال بنائها لحد دلوقتي، وأخيرًا جزر (الكون) ما تمش بنائها من الأساس.
مشروع جزر دبي الإصطناعية واللي كانت من المفترض إنه يكون أضخم مشروع في تاريخ الدولة مَر عليه عقدين من الزمن ومازالت الجزر بين مساحات ضخمة ماتمش إستكمال بنائها، ومساحات أخرى تم إستكمالها ولكنها مهجورة، وبالفعل لو بصيت على جزر (العالم) بالتحديد هتلاقي المشهد غريب جدًا، عشرات الجُزر تم بنائها لكنها في النهاية مهجورة وما بتحتويش على أي مباني، وده بالرغم من إنه إتصرف على بناء الجزر دي مليارت الدولارات، فـ ياترى بقى إيه الحكاية؟.

الكساد الكبير

في الفترة من 2007 ولحد 2008 حصل أزمة مالية عالمية، كانت معروفة بأنها الأسوأ من نوعها منذ زمن (الكساد الكبير) في عام 1929، الأزمة بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية وأكتر من 19 بنك هناك أعلنوا إفلاسهم، ومن أمريكا إمدت للدول الأوروبية والأسيوية والخليجية والدولة النامية، وأي دولة بيرتبط إقتصادها بأمريكا بشكل مباشر.
والأزمة دي وصلت لقمتها في سبتمبر من عام 2008، وده بالتحديد نفس التاريخ اللي كانت بتحتفل فيه دبي بإفتتاح فندق (أتلانتس) اللي بيقع داخل جزيرة (جميرا)، ولسه هيقولوا يا هادي ويدخلوا على المرحلة اللي بعدها، تفاجئوا بـ أزمة المال العالمية في وشهم؛ وبناءًا عليه تأثرت دبي إقتصاديًا وخصوصًا في مجال العقارات، وتم إغلاق جميع مواقع البناء بما فيهم مواقع بناء الجزر الإصطناعية؛ وده بسبب إنخفاض سعر الأراضي بشكل كبير، وانخفاض الطلب عليها؛ محدش عاوز يشتري لأن الأزمة طالت العالم كله ومحدش سِلم منها.
ومعظم المهندسين والقائمين على المشروع فقدوا الأمل، وشافوا إن تعبهم وأحلامهم راحت هباءًا لدرجة إن شركة النخيل في عام 2011 عرضت على المستثمرين إنهم يستردوا أموالهم؛ لأن الشركة كانت بتخسر، وحتى بعد إنتهاء الأزمة المالية العالمية، رفضت الشركة إنها تستكمل بناء أي حاجة في الجزر بما فيهم مشروع (جزر العالم)؛ وده لأنهم كانوا متخوفين من خسارة أموال جديدة، ومكنش عندهم ضمان لأي مكسب في الوقت الحالي.

ده غير إن الجزر لما اتسابت فترة طويلة بدون ترميم أو إستكمال للبناء، بدأوا يلاحظوا إن فيه رمال بتتجمع حوالين الجزيرة بشكل مكثف، واللي ممكن يمثل خطورة على الأشخاص المقيمين داخل الجزيرة، ده غير إن حواجز الأمواج بدأت يعيق حركة المياه الطبيعية والمد والجزر، وبالتالي المياه داخل الجزر بقت راكدة تمامًا واللي بدوره أثر بالسلب على جودة المياه وعلى جودة الحياة السمكية أسفلها.