على سواحل الترويج وفي أعماق المحيط، حيث الظلام والسكون، بيسكن وحش بحري ضخم طوله بيوصل لـ 30 متر ده غير حجم ذراعاته الثمانية الضخمة، والبعض بِيُرجح كونه أكبر و أضخم وحش تم مشاهدته من قبل البشر، بيوصل على أعماق سحيقة منقدرش كبشر نوصلها من شدة عُمقها.
لما بيظهر فوق البحر بيبان كأنه جزيرة تطفو على الماء وبيحوّل لون المياة حوالليه للون الأسود الداكن؛ نتيجة لإفرازاته الكتيرة، وظهوره بيكون نادر جدًا، ومن بعده بيرجع يغوص تاني في أعماق المحيط، ويرجع تاني ويغفو لسنين طويلة، الكيان المُظلم المُرعب ده بيمتلك عينان كبيرتان ومخالب ضخمة مع مجسات قوية بتمكنه من النقاط أكبر السُفن، ولما ده بيحصل، بياكل كل البحارة اللي على السُفن دي بعد ما يدمرها تمامًا، في واحدة من أخطر وأعنف القصص البحرية عبر التاريخ وأشدها رُعبًا.
أعماق البحار
الماء بيُغطي 71% من سطح الأرض في شكل بحار ومُحيطات وأنهار وغيره، الـ 29% الباقيين عاش عليهم البشر لسنين طويلة وقدروا من خلال استخدام خيالهم ومُشاهدتهم للطبيعة فوق والليابسة خلق قصص وحكايات عن مخلوقات مُرعبة وأشباح ووحوش مُخيفة، لكن النسبة الأكبر من الخيال كانت دايمًا بتخرج من المجهول، ويمكن أكبر مجهول لسكان والليابسة دي هو أعماق البحار، انتشرت وسط البحارة زمان حكايات عن مخلوقات ضخمة لديها ثمان أذرع طويلة تُشبه الأخطبوط وأضخم من أضخم الحيتان تطارد البحارة من النرويج عبر أيسلندا وعلى طول الطريق إلى جرين لاند.
الوصف الدقيق للكيان المُرعب ده في الغالب ما بيكون ناقص ومش دقيق؛ وده بيرجع لأن أغلب البحارة البؤساء اللي قابلوه مرورًا بتجربة في غاية السوء، لكن بعض الكتب والأقاويل المنتشرة بتوصفه بأوصاف وأشكال مختلفة، فهو إما حوت عملاق أو كيان ضخم يُشبه السلحفاه، لكن الغالبية العظمى أجمعت على إنه بيمتلك مجسات ضخمة وإن طول جسمه احيانًا بيوصل لطول الكيلو متر، وإن تكوينه الشكلي دائري، وبشكل تقريبي فهو أقرب لهيئة الأخطبوط في وعينا المُعاصر أو الحبار مهول الحجم.
جزيرة على سطح المياه
أول وثيقة مكتوبة اتكلمت عن الكراكن كانت عبارة عن خطاب مُرسل من الملك “النرويجي ساڤيرا king sverre”، واللي فيها كان بيخاطب البحارة النرويجيين إنهم يخلوا بالهم من وحوش بحرية عملاقة بتعوم تحت مياة شواطئ النرويج وإيسلندا وجرين لاند، ومن وقتها والكراكن بيظهر كتير جدًا في الأعمال الأدبية، ومش مُفاجئ ظهور كيان الكراكن في كتابات أهل شمال أوروبا، واللي كانت بتتكلم عن كل مخاوف الشعوب النوردية من المخلوقات البحرية المُخيفة؛ نتيجة لطبيعة الحياة البحرية اللي بيعيشوها واعتمادهم على السُفن والمراكب كوسيلة نقل تجارية.
وفي النرويج وتحديدًا سنة 1753م، كتب الأسقف النرويجي “بونتوبيدان” وصف لكيان مُخيف ظهر في كتابات الأجداد، وكان يُعتقد أنه محض خيال لكن الأوصاف اللي كتبها “بونتوبيدان” من خلال مُشاهدته تطابقت تمامًا مع المذكور في كتابات الأجداد؛ فكتب الأسقف، “ظهر أمامي في البحر وحش ضخم يصل طوله لكيلومتر ونصف، ظهر في الأول كجزيرة، ومع الوقت اكتشفنا إنه بيتحرك وله ثمانية أذرع طوال كفاية إنهم يلفوا حواللين أكبر وأضخم سفينة ويجيبوا عوالليها واطيها.. المياة حوالليه كانت داكنة سوداء نتيجة لافرازاته الكثيفة.. عيونه كُبار جدًا وشكلهم مُرعب ولونهم أحمر دموي مُخيف”، بالنسبة له كان أضخم كائن حي على الإطلاق وربطه بالشر والشيطان.
الأسقف بيكمل في كتابه وصف الكيان ده وبيقول”يمكن الكيان ده يكون الكراكن واللي بتُطابق أوصافه نفس الأوصاف اللي كتبت عنه الأساطير القديمة تغفو لسنين في عمق أعماق المحيط، في إنتظار لحظة أنها تخرج فوق سطح المياه عشان تنزُل أشد العذاب في صفوف البحارة التائهين”.
هاديس والكراكن
في العموم القصص والروايات النرويجية بتوصف الكراكن بأنه أخطبوط عملاق ضخم جدًا بيمتلك ثمانية أذرع طويلة بتمكنه من مُطاردة السُفن وافتراسهم وابتلاعهم هما والسفن واللي عليها، وأصل ذكره كان من الأساطير الإغريقية القديمة وبيظهر فيها أول مرة الإسم ده في أسطورة هاديس واللي بتقول، إن هاديس وهو إبن كرونوس وريا، والأخ الأكبر لكبير الآلهة “زيوس” بقى ملك العالم السُفلي وإسمه اتغير لـ “هيذر” أي مانح الثروات كناية عن اللي بيحمله باطن الأرض من ثروات وكنوز، واللي هي جزء من مملكته الجديدة.
هاديس ومعنى إسمه أصلًا الخفي، كان مشهور عنه الخوذة اللي بيلبسها وبتخفيه عن الأنظار، هاديس مكنش بيحب أخوه زيوس وكان أكتر واحد في العالم بيحقد عليه؛ وده كان نتيجة لإن السبب الرئيسي في نزول هاديس للعالم السُفلي كان زيوس بنفسه لما خدعه وقرر نفيه للعالم السُفلي عقابًا على الخوذة اللي بتُخفيه، هناك وبعد سنين قعدها هاديس في العالم السُفلي؛ قرر إنه ينتقم باختراع مخلوق جديد مُخيف وأسماه الكراكن وده عشان يخوف الناس ويطاردهم ويُثير الشغب بين البحارة، ولحد ما تطور الموضوع في الرواية بإن الكراكن هو اللي أغرق مدينة اطلانتس.
الكراكن المرعب
فيكتور هيوجو في روايه (عُمال البحر the toilers of the sea) اللي صدرت سنة 1866 اتكلم في فصل كامل خارج سياق الرواية تمامًا عن شخصية من الشخصيات اللي كانت بتخاف من وحوش البحر وخصوصًا الكراكن اللي كان شايفها مُرعبة ومُخيفة لدرجة إن كان على طول بتراوده رؤيا مخيفة عن أخطبوط ضخم بيخرج من المياة ويلف ذراعاته الثمانية حواليه ويُخنقه.
على قد ما التصور كان مُظلم ومُقبض إلا إن هيوجو كمل في الفصل ده ووصف فيه الكراكن بأنهم شياطين الأسماك وقال “ما أطلق عليه القُدماء الكراكن ما هم إلا كائنات ضخمة لزجة وُهبت الإرادة الحرة تمامًا كما وُهبت للبشر”، الغريب إن مع انتشار كتابات هيوجو و فيرن عن الكراكن وإزاي هما مرعبين ومُخيفين بالشكل ده انتشرت حوادث غرق الصيادين والبحارة على إيد الكائنات المُرعبة دي واللي تُشبه الأخطبوط الضخم، وتداول بين الناس في الفترة دي من القرن التاسع عشر إن أي حادث غرق أو هجوم بحري من الأسماك المُفترسة بيكون هجوم من الكراكن، مع أن كان ممكن بكل بساطة يكون الهجوم من سمكة قرش، وفي الحالات النادرة واللي بيشق فيها الكراكن طريقه ناحية سطح البحر في البداية، و زيّ ما قال بونتوبيدان إنه هيبان كأنه جزيرة اعتيادية جدًا آمنة ومفيش أي خوف منها، لكن بتبدأ المأساة لما البحارة بيرسو بسفنهم على شاطئ الجزيرة دي واللي هي أصلًا الكراكن، وأول ما يولعوا الحطب والنار فوق سطح الجزيرة دي؛ الحرارة بتصحي الكراكن وينبهه لوجود بشر فوقيه فكان بيغضب بشدة، فينزل تحت سطح الماء ويكون دوامة كبيرة تسحب السفينة بركابها لتحت سطح البحر .
ومرات تانية بيقدر الكراكن العملاق ده إنه باستخدام مجساته العملاقة يقدر يسحب عشرات السفن تحت سطح الماء في لمح البصر والمُرعب في الموضوع إن الضحية عمرها ما بتقدر تشوفه جاي من سرعته المهولة وشراسة هجومه الفتاك، واللي بيقضي في وقت قياسي على الفريسة، وزيّ ما هو قادر على سحب السُفن وابتلاعها في عُمق البحار فهو برضه قادر على إنه يقضي على ركابها بصمت مُتقَن، والروايات بتقول إن سفينة “ماري سيليست – Maria Celeste”، واللي لقوها في وسط البحر فاضية تمامًا ومفيش عليها أي إنسان من البحارة واللي كانوا عليها، اتهاجمت من الوحش المُخيف ده.
أطلقوا سراح الكراكن
ووفقًا للحكايات فالكراكن بيسبح في المياه مَصحوبًا بمجموعات ضخمة من الأسماك، و كان بإمكان الصيادين الشجعان أنهم يخاطروا ويحاولوا يقربوا من الوحش المخيف ده عشان يصطادوا الأسماك الوفيرة دي من فوق ضهره.
حكاية الكراكن المُرعب والاختلاف حول حقيقة كونه أسطورة أو لأ، لحد النهاردة مازال مثار جدل بين العلماء، وأقرب ربط للكراكن كان مع حبار عملاق إسمه “Architeuthis”، وفي القرن الثامن عشر، واللي قام من خلالها “كارل لاينايوس”صاحب التصنيف البيولوجي الحديث، بضم الكراكن لشعبة الرخويات من طائفة رأسيات الأرجل، وده حصل في الطبعة الأولى واللي صدرت سنة 1735 بعنوان “نظام الطبيعة System Natural”، وده هيكون أول اعتراف مُسجل علميًا بإسم الكراكن.
ولحد سنة 1853 وعلى شاطئ دنماركي وصل عالم الطبيعة الترويجي “جابيتوس ستينستروب” بعد ما عرف عن الاكتشاف المُبهر واللي اكتشفه أهل الشاطئ، جابيتوس بيقول إنه لقى حيوان عملاق جدًا من الرخويات تقريبًا تاه ووصل الشاطئ ومات هناك، ووصفه على إنه زيّ حبار عملاق وكتب عنه في كتابه أنه أعظم شيء شافه بعينه.
وبعد 150 سنة من الحادثة دي، خرجت نظرية تانية بتقول إن الكراكن مش نوع واحد وإنما ده بيوصل لـ 20 نوع بأحجام مُختلفة بطول يزيد أو يقل عن 30 متر ووزن بيتراوح من 20 طن أو يزيد، ويتعيش في الأماكن العميقة وعلى عُمق بيصل لـ 1100 متر وربما تصل إلى 2000 متر تحت سطح البحر ، وكمان المشهور إن عيونه هي الأكبر في المملكة الحيوانية كلها، وكمان نظره ثاقب؛ بسبب الظلام الدامس اللي بيعيش فيه.
في الأفلام الأجنبية واللي اتكلمت عن الصراعات الأسطورية البحرية ما بين الملوك والألهة، في الغالب هتسمع أمر من الملوك للجنود مفاده “أطلقوا سراح الكراكن release the kraken”؛ في إشارة لأنه محبوس أو مُقيد بانتظار أمر للافتكاك بالفريسة، واللي في الغالب بيكون عدو الملك أو الآلهة.
في النهاية .. الكراكن لحد النهاردة مُثير للجدل عن كونه حقيقة أم خيال، لو قولنا أن المقصود بالمشاهدات كانت الحبار العملاق يبقى أحنا بنتكلم عن حيوان موجود عادي جدًا ومسجل كمان علميًا، أما بقى لو اتكلمنا عن الحيوان العملاق المهول اللي يشبه الجزيرة فمن الأفضل لينا أنه يكون مجرد خيال.