من أغرب القصص المتعلقة بالعسل على الإطلاق، هي واقعة خاصة بمقابر القدماء المصريين.
القدماء المصريين كانوا بيعتقدوا في فكرة البعث والخلود، وكانوا بيحطوا مجموعة كبيرة من المُقتنيات الشخصية والأثاث والحُلي داخل المقابر بتاعتهم، وبجانب المُقتنيات دي، كانوا بيحطوا شئ مهم جدًا ألا وهو الأطعمة والمشروبات؛ وده لأن المتوفى هيحتاج إنه ياكل ويشرب في العالم الأخر على حد إعتقادهم، مربط الفرس في الحكاية بقى، إنه على مر مئات السنين من تاريخ إكتشاف المقابر الفرعونية ماحصلش في ولا مرة إن في حد لقى أطعمة أو مشروبات داخل المقابر، دايمًا كانوا بيلاقوا الأواني فاضية تمامًا؛ وده ببساطة لأن الأطعمة والمشروبات بعد فترة بتتحلل تمامًا، ومابيبقاش ليها أي وجود، لكن الغريب إن المُنقبين وعلماء الأثار في أحد المرات، لقوا عبوة أو قارورة مقفولة بإحكام، ولما فتحوا العبوة دي، إكتشفوا إنها بتحتوي على كمية من عسل النحل.
والمفاجأة بقى إنهم لما أجروا عليه فحوصات وتذوقو ، لاقوا إنه سليم وصالح للأكل، والسؤال اللي طرحوه في الوقت ده، هو إزاي العسل مافسدش بعد كل السنين دي؟، وإحنا هنا مش بنتكلم في سنة ولا إتنين ولكننا بنتكلم عن الآلاف السنين، فياترى إزاي ده حصل، وإيه اللي موجود في العسل عشان يمكنه من إنه يحافظ على كل محتوياته وجودته وطعمه لآلاف السنين؟.

النحل المُعمِر

النحل، المخلوق الصغير اللي حجمه لا يتعدى المليمترات، قدر إنه يِستَعمر كوكب الأرض منذ أكتر من 100 مليون سنة، وقدر إنه يحافظ على بقائه وتكيف مع كل الكوارث والظروف الطبيعية اللي مرت بيها الأرض، والحقيقة مخلوق بالقدرة دي، فمن الطبيعي جدًا إن دوره تجاه البيئة بل وتجاه البشر كمان، يكون مختلف، ومميز عن أي كائن تاني، والموضوع مش متوقف على حيز إنتاج العسل فقط.

النحل ممكن نعتبره بدون مبالغة واحد من أهم عوامل بقاء الحياة نفسها على سطح الأرض، حوالي 30% من محاصيل العالم و90% من كل النباتات محتاجة تلقيح عشان تتكاثر وتزدهر، وهنا بقى يجي دور النحل كـ أهم مُلقح طبيعي.
ومن الجدير بالذكر إن عدد أنواع النحل بتوصل لحوالي 20 ألف نوع، منهم النحل الطنان bumblebees، والنحل غير اللاسع stingless bees، والنحل البناء mason bees، والنحل النجار carpenter bees، ونحل الأوراق leafcutter bees، ونحل العرق sweat bees،
لكن طبعًا أشهرهم على الإطلاق هو النحل اللي بينتج العسل، وعشان نفهم أكتر إزاي العسل مابيعفنش أبدًا، فخلينا دلوقتي نروح في رحلة مع نحلة العسل، ونشوف المراحل اللي بيمر بيها العسل إبتداءًا من بداية تصنيعه، و لحد ما يوصل للمرحلة النهائية اللي بنكون قادرين فيها إننا ناكله.

مراحل تكون العسل

أول مرحلة في رحلة تكوين عسل النحل، هي مرحلة جمع الرحيق، واللي بيكون سائل سُكري بتفرزه النباتات عشان تجذب الحشرات ليها، بهدف إنهم يلقحوها، ومهمة جمع الرحيق دي بيقوم بيها تحديدًا النحل العامل، والموضوع مبيكونش بالسهولة اللي ممكن أي حد مننا يتخيلها، النحلة العاملة في رحلة بحث واحدة عشان توصل للرحيق اللي هي هتمتصه وتخزنه، ممكن تزور أكتر من 100 زهرة، والرحيق ده بيتخزن مع كمية بسيطة من لعاب النحل في كيس خاص بتكوين العسل، بيكون موجود جوا معدتها، وبمجرد ما الكيس ده بيمتلئ عند حد معين، بتوَّقف النحلة العاملة عملية جمع الرحيق، وبترجع فوراً للخلية عشان تفضي الحِمل اللي جواها.
وأول ما بتوصل للخلية بتمرَرَ الرحيق للنحل المنزلي أو المعروف باسم الشغلات، والشغلات دول بيتولوا المهمة اللي بعد كده، ألا وهي صناعة العسل نفسه، وده بيتم عن طريق مضغهم للرحيق، واللي بيفضل يتّنقِل من نحلة للتانية.

وأثناء العملية دي، ونتيجة المزج بين الرحيق وإنزيمات الفم، بينتج حاجتين، أولًا مادة حامضية هنتكلم عنها كمان شوية، بالإضافة لكمية كبيرة من المياه، وكمية المياه دي بقى هي اللي تهمنا دلوقتي؛ لأن بعد مرحلة تحويل الرحيق لعسل، من المفترض إن النحل يبدأ في تخزين العسل؛ لكن بسبب النسبة الكبيرة من المياه الموجودة جواه بيضطر النحل إنه يقوم بمهمة جديدة ألا وهي التجفيف، ودي بتتم عن طريق إن النحل بيوزع العسل على قرص العسل، وده بغرض إنه يزود من مساحة السطح ويساعد في تبخير أكبر كمية ممكنة من المياه، بل وإنه كمان في بعض الأحيان بيهوي بجناحاته على العسل.
وأخيرًا مع نهاية مرحلة التجفيف، نسبة المحتوى المائي بتوصل من 17 لـ 20%، بعد ما كانت تقريبا 70%، وبعد كده بيبدأ النحل يغطي قرص العسل بشمع العسل؛ وده عشان يساهم أيضًا في تخزينه لأطول فترة ممكنة.

ليه العسل مبيعفنش؟

والحقيقة المراحل اللي إتكلمنا عنها دي، بالإضافة لكام عامل كده، هما ببساطة السبب الأساسي في جعل العسل قابل للتخزين لمدة بتوصل لآلاف السنين، بدون ما يفسد، العسل وقبل أي شئ عبارة عن سكر، والسكريات عامة مواد إسترطابية، واللي معناها إن المادة بتحتوي على كمية قليلة جدًا من المياه، لكنها في نفس الوقت من السهل جدًا إنها تمتص رطوبة لو إتسابت مُعرضة للهواء أو في عبوة غير مُحكمة الغلق.
وبناءًا عليه، العسل في حالته الطبيعية مُنخفض جدًا في مستوى الرطوبة، وده راجع للمرحلة اللي ذكرناها أثناء تكوين العسل، وهي مرحلة التجفيف، ومع توفر عامل قلة الرطوبة، عدد قليل جدًا من البكتيريا أو الفطريات أو الكائنات الحية الدقيقة بوجه عام، هي اللي هتقدر تفضل على قيد الحياة في بيئة زي دي؛ لأنها بيئة فقيرة بالنسبالهم، وده بقى واحد من أهم العوامل اللي بتمكن العسل إنه مايفسدش؛ لأن من أسباب فساد في أي مواد غذائية، هو إن المادة دي تكون بيئة مناسبة لنمو وتكاثر الكائنات الدقيقة، والشرط ده مابيتحققش تمامًا داخل العسل وصعب جدًا على أي كائن دقيق أيًا كان، إنه يفضل حي داخل جرة عسل مقفولة كويس.

أما بقى العامل الأخر والمهم جدًا، هو إن النحل بيفرز إنزيم بيُطلق عليه الجلوكوز أوكسيديز glucose oxidase، وده إنزيم بيتفرز من أفواه النحل العامل أثناء تمريره الرحيق للنحل المنزلي، وفي المرحلة دي تحديدًا بيختلط الجلوكوز أوكسيديز مع الرحيق وينتج حمض الجلوكونيك Gluconic acid، و بيروكسيد الهيدروجين peroxide hydrogen، والأخير ده على وجه الخصوص، من الأسباب الرئيسية في قتل ومنع نمو أي كائن غير مرغوب فيه داخل العسل، بالإضافة لإنه بيزود من حمضية العسل نفسه.
وعشان كده العسل في الحالة الطبيعية بيكون حمضي بدرجة كبيرة، ودرجة حموضته ممكن تتراوح بين (3) إلى (4.5) تقريبًا، ودرجة الحموضة دي قادرة بجدارة إنها تقتل تقريبًا كل شئ ممكن ينمو داخل العسل، وفي حالة لو قررت بكتريا أو ميكروب ما إنه يعيش على العسل، فـ لمصلحته ولبقائه على الكوكب إنه يشوفله مكان تاني أحسن يعيش فيه؛ لأنه حرفيًا مش هيعرف ياكل عيش جو المكان ده.

فوائد العسل

بالنسبة بقى لفوائد العسل، فهو يعتبر مصدر طاقة للكبار والصغار وده بسبب قيمته الغذائية العالية؛ لأنه مصدر طبيعي لرفع مستوى سكر الدم الجلوكوز في فترة قليلة جدًا؛ وعشان كده عدد كبير من الرياضيين، العسل بالنسبة لهم هو الخيار الأمثل عشان يمدهم بالطاقة، بالإضافة لأن العسل بيعمل كمضاد للجراثيم والميكروبات زيه زي المُضادات الحيوية بالظبط وكمان بيتفاعل وبيحفز خلايا الجسم على أنها تفرز مواد مُطهرة في حالات التسمم والإلتهابات.
وكذلك العسل بيساعد بشكل كبير في الوقاية من أمراض القلب وتصلبات الشرايين والسمنة، وليه دور كبير في تقليل نسبة الكوليسترول والدهون في الدم، وده في حالة إنه يتم إستخدامه كبديل للمُحليلات الصناعية، دا غير دور العسل في الوقاية من أمراض السرطان؛ وده بسبب إحتوائه على فيتامينات ومواد مضادة للاكسدة المعروف عنها إنها بتلعب دور مهم جدًا في الوقاية، وواحد من ضمن أهم مضادات الأكسدة الفريدة من نوعها اللي موجودة فيه هي البينوسيمبرين pinocembrin.
وفي حالات البرد هو من أشهر العلاجات الطبيعية اللي معظمنا بيستخدمها، هو العسل، وعلى المستوى الشخصي أكتر حاجة بتجيب معايا نتيجة بديلة للمضادات الحيوية هي الليمون الدافئ بالعسل.

والعسل ليه دور مهم جدًا في تعزيز هيموجلوبين الدم ورفع مستواه، وبيعتبر العسل كمان من أهم العلاجات المستخدمة في علاجات الحروق والجروح؛ وده بسبب إحتوائه على الإنزيم المسؤول عن إنتاج بيروكسيد الهيدروجين، اللي ذكرنا أهميته في منع الجراثيم والبكتيريا من النمو داخل العسل من شوية؛ وعشان كده كان بيتم إستخدامه من قبَّل الحضارات القديمة في عملية تطهير الجروح. وخير دليل على أهمية العسل كغذاء، هو ذِكره في الآية الكريمة من سورة النحل: “ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”.