يعتبر نهر الامازون أغزر أنهار العالم وأعقدها ملاحيًا، وأكثرها إثارة للجدل والنقاش، كلام كتير حوالين الطول الحقيقي للنهر ومكان المنبع الرئيسي، وعدد الروافد، وعدد أنواع الأسماك، دراسات مستمرة وكل يوم جديد؛ وده بسبب اتساع النهر وحجمه الضخم.
فالنهر بيحتوي على كميه من المياه بتمثل تقريبًا خُمس كمية المياه العذبة الموجودة على سطح الأرض، واللي بتأثر عند المصب في نقاط الالتقاء بالمحيط الأطلسي على درجة الملوحة، لدرجة أن المياه بتكون صالحة للشرب لعشرات الكيلومترات داخل المحيط، وكمية المياه المهولة دي أدت لتكون رئة العالم، أو ما يُعرف بغابات الأمازون المطيرة، اللى بتمثل حوالي نصف الغابات المطيرة المتبقية في العالم.
أما النظام الملاحي للنهر، فمع أكثر من 1000 رافد بيغطوا حوالي 40% من قارة أمريكا الجنوبية، بتتكون شبكة من المجاري المائية أشبه بالمتاهة حرفيًا، لكن ياترى ايه سبب تسمية النهر ده بالأمازون، وإيه علاقة إسمه بالعرب والامازيغ؟

مدينة الذهب

بعد اكتشاف “كريستوفر كولومبوس Christopher Columbus” للأمريكيتين مع نهاية القرن الخامس عشر، بدأ سباق استعماري بين الامبراطورية الإسبانية والإمبراطورية البرتغالية لإستكشاف العالم الجديد؛ بحثًا عن الثروات والمواد الخام، وكمان لإرسال الحملات التبشيرية، وكان من نتائج السباق ده، إرسال حملات عسكرية أبادت الهنود الحمر أو السكان الأصليين، وقضت على حضارتهم زي حضارة الإنكا العظيمة اللي كانت بتعتبر أغنى حضارات الأمريكيتين على الإطلاق، واللي أهلها حكموا إمبراطورية امتدت على طول ساحل المحيط الهادئ ومرتفعات الأنديز من جنوب كولومبيا مرورًا بالاكوادور والبيرو وبوليفيا، ووصولًا لشيلي والأرجنتين، وتميزت حضارة الإنكا ببناء المعابد المرصعة بالزمرد والمبطنة بالذهب والفضة، واللي كان بيُعتقد إن الهنود بيجيبوها من مدينة الذهب المخفية وسط أحراش الأمازون.
ومن أشهر الحملات العسكرية الإسبانية كانت حملة “جونزالو بيزارو Gonzalo Pizarro” لغزو البيرو، وكان من أكبر قادة الحملة الجندي والرحالة والمستكشف “فرانسيسكو دى أورى يانا Francisco de Orellana”، اللي تم تكليفه من بيزارو بعد الانتهاء من غزو البيرو بالتوجه شرقًا لاستكشاف المناطق الجديدة؛ استعدادًا للتوسع ومحاولة العثور على مدينة الذهب.

و”دي أوري يانا” ده بقى هو اللي أعطى النهر إسمه، وأطلق عليه نهر الأمازون، بعد مغامرة رهيبة لعبور النهر قطع فيها ما يقرب من الخمسة آلاف كيلو متر، بدأها من مدينة Guayaquil” غواياكيل” على حدود الإكوادور لغاية ما قدر يوصل بأعجوبة لمصب النهر في البحر الكاريبي قرب جزيرة” كيباجوا Cubagua” بين فنزويلا وترينداد، واستمرت محاولة “دي أوري يانا” لعبور النهر ما بين سبع شهور إلى أكثر من سنة على اختلاف المصادر، واتعرضت لأخطار رهيبة، ومات كتير من الجنود من الجوع والبعض من الغرق، وشوية في المعارك مع السكان الأصليين. ورغم ان الهدف من الرحلة كان استكشاف أجزاء من الشرق، وجمع المؤن والمعلومات تمهيدًا للحملة الرئيسية، إلا أنه مع سوء الأحوال الجوية وشبكة روافد النهر الكثيفة، تاهت الحملة.

وحاول “دي أوري يانا” الرجوع مرة تانية باتجاه البيرو لقائده بيزارو، لكن مع الظروف الصعبة وخصوصًا تيار المياه المعاكس باتجاه المصب، عرف “دي أوري يانا” إن العودة مستحيلة، وإن أفضل الحلول المتاحة هو استغلال سرعة وقوة التيار المائي بإتجاه المصب والوصول للمحيط، وبالفعل بيقدر يوصل لجزيرة “كوباجوا Cubagua”، ومنها بيقطع المحيط الأطلسي ويوصل للبرتغال ومنها لأسبانيا.

الأمازونيات

بعد ما وصل عمنا “دي أوري يانا” أسبانيا باللي تبقى معه من الرجال مش يحمد ربنا بقى على الوصول بالسلامة ويهدى، لأ، ده رجع مفتون بالرحلة والنهر العظيم، وبدأ يحكي عن اللي شافه من نباتات وحيوانات وطيور وأسماك في غاية الغرابة، وحكى لهم عن اللي سمعه عن بلاد الدهب والفضة وأهم حاجة بقى، حكى لهم عن المواجهة اللي تمت بين جنوده وبين المحاربات من النساء اللي بيركبوا الخيول وبيقاتلوا بالسيوف والسهام وبيلبسوا ملابس غريبة، وكانوا شبه المقاتلات الأمازونيات اللي ورد ذكرهم في الأساطير اليونانية القديمة، ومن ساعتها أصبح إسم النهر على إسمهم، نهر الأمازون.

واللي ميعرفش مقاتلات الأمازون، الأمازونيات دول ورد ذكرهم في الميثولوجيا اليونانية على إنهم بنات (آريس) إله الحرب، وهما مجموعة من المقاتلات مكنوش بيحبوا الرجالة، وعملوا مدينة لهم لوحدهم، مدينة مفيهاش رجالة، وفي يوم في السنة وبيجتمعوا فيها مع الرجال، وهما متغصبين طبعًا ومش على هواهم.
أما الأطفال اللي هييجوا بقى، فلو كانوا من الإناث كان بيتم تدريبهم على فنون الحرب والقتال، ولكن لو كانوا من الذكور فكان بيتم تركهم في أقرب مدينة مأهولة، أو قتلهم.

والأمازونيات خاضوا معارك كتير مع ذكور أثينا، وكان لهم صولات وجولات ضد أبطال الأساطير اليونانية القديمة زي “هرقل Hercules”، و”ثيسياس Theseus”.
أما بقى كلمة أمازون نفسها فمختلف في أصلها بين المؤرخين فبعض الروايات بتقول إن الأصل يوناني ومعناه بدون صدر؛ لأن الأسطورة بتقول أن الأمازونيات كانوا بيقطعوا صدرهم الأيمن عشان استخدام القوس والرمح بشكل أفضل.
وفيه روايات بتقول أن أصل الكلمة من اللغة الفارسية ومعناها محارب أو محاربة، وفيه آراء بتقول إن أصل الكلمة مشتق من اللغة الأرمينية ومعناها “إلهة القمر”، وفيه بقى بعض الآراء اللي بتنسب الإسم للعرب القدامى جيران الإغريق ونوميديا القديمة، وبيقولوا إن كلمة الأمازون هي تحريف للكلمة العربية (أماز)، أماز نفسه، يعني ميز نفسه من الفعل المضارع يميز، بإعتبار أن مقاتلات الأمازون كانوا مميزين نفسهم في كل حاجة وكانوا مختلفين عن الجميع في كل شئ.
وأخيرًا بتذكر بعض المصادر العربية أن أصل الكلمة مُحرف من كلمة أمازيغ، وهم سكان مملكة نوميديا القديمة اللي سكنوا أجزاء من اليونان وشمال إفريقيا، واللي موجودين لغاية النهاردة وبيشكلوا مجتمع كبير ممتد من واحة سيوة في غرب مصر لغاية المغرب وموريتانيا، بالإضافة لبعض المناطق في شمال مالي والنيجر وغيرهم.
ورغم ارتباط الأمازونيات في ذهن المؤرخين بالأساطير والميثولوجيا، إلا إن بعض التنقيبات الأثرية الحديثة في مقابر مشهورة إسمها “سارماتيا Sarmatian tombs”، تم العثور في المقابر دي على بقايا هياكل عظمية أنثوية، وبعض الأسلحة والدروع وزخارف الخيول، مع علامات إصابات بالسهام والفؤوس، وهو الأمر اللي خلى الباحثين يعيدوا النظر حول حقيقة وجود الأمازونيات.

نهاية الرحلة

نرجع بقى لبطل قصتنا “فرانسيسكو دي أوري يانا”، فرانسيسكو بعد ما رجع مبهور بالرحلة الرهيبة، ركب دماغه إنه لازم يرجع يستكشف النهر، ويلاقي مدينة الدهب، لكنه قابل مشاكل كتير مع الحكومة الإسبانية، وتم اتهامه بخيانة بيزارو والتقاعس عن المهمة اللي وكله بيها، وكمان تم اتهامه بالتواطؤ مع الحكومة البرتغالية المنافس بتاعهم؛ عشان قاربه كان وصل للبرتغال أولًا، وتم تقديمه للمحاكمة، لكن مثبتتش أي تهمة عليه وتم تبرئته، يسكت خلاص فرانسيسكو؟ لأ طبعًا، فضل مصمم على العودة بأي تمن ولو على حسابه الخاص.
وبتختلف الروايات حول مصادر تمويل الرحلة، فأيًا كان مصدر التمويل، فاللي حصل إنه جهز أربع قوارب وملاهم بالمؤن والرجال، وخد معاه عروسته الجديدة اللي لسه كان متجوزها، واتجه دي أوريانا للعالم الجديد؛ لتحقيق حلمه حوالي سنة 1545م.

لكن وبسبب بعض الظروف المناخية الصعبة، وسوء حالة القوارب، غرق قاربين بمن فيهم في عرض المحيط، والقاربين اللي كملوا، تاهوا من بعض، وبمجرد وصول قارب فرانسيسكو قرب المصب فوجئ بهجوم من السكان الأصليين، واتشتت كل اللي كان معاه على القارب، وأصيب فرانسيسكو دي اوريانا نفسه بسهم ومات بعدها، وتم إنقاذ 44 واحد من القوارب الأربعة اللي كان إجمالي عدد اللي عليها 300 فرد، وفيه روايات بتقول إن أوري يانا مات غرقان، وروايات غيرها بتقول إنه مات من الجوع والحزن بعد ما مات رجاله وتاهت منه زوجته واتبخر أمله في استكشاف النهر والعثور على مدينة الدهب، لكن إحنا اعتمدنا رواية الأب كارفخال، أحد الناجين من الرحلة.