استخدام الناس لتشبيهات مرتبطة بعالم الحيوانات وسلوكها من الأمور الشائعة في كل أنحاء العالم تقريبًا، يعني مثلاً يقولك “ده حوت” في إشارة لغنى الشخص أو حجم أعماله أو شهيته المفتوحة للمال، وأحيانًا يقولك “ده تعلب” في إشارة لدهاء الشخص أو خبثه، لكن حيوان واحد إسمه “إبن آوى” دايمًا ما ارتبط بالموت والخراب خصوصًا في العالم الغربي، لكن بالرغم من ارتباطه بالموت والدمار في العالم الغربي.. كان المصريين القدماء بيقدسوه من آلاف السنين.

إبن آوي الذهبي

يعتبر إبن آوي من المخلوقات الانتهازية بجدارة، وعنده قدرة غير عادية على التكيف مع البيئة المحيطة به، ولعل ده أحد أهم الأسباب وراء انتشاره بشكل كبير وبأعداد ضخمة حوالين العالم، فعلى عكس معظم الحيوانات اللي بتتأثر بالزحف العمراني وتدمير الإنسان للبيئة الطبيعية اللي بتعيش الحيوانات فيها؛ أعداد بنو آوي مازالت بتتزايد وبعيدة كل البعد عن كونها مهددة بخطر الإنقراض.
العجيب أن أحد أكتر أنواع بنو آوي شيوعًا على مستوى العالم وهو إبن آوي الذهبي كان أوشك على الإنقراض في منطقة البلقان عقب الحرب العالمية الثانية؛ لأن في جنوب شرق القارة الأوروبية قامت حملات موسعة لمطاردة وتسميم بنو آوي والذئاب، وكان الهدف منها القضاء على الحيوانات اللي بتستهدف الماشية، لكن العجيب أن العملية اللي أثرت بالفعل على أعداد آكلات اللحوم وقتها؛ جابت نتائج عكسية بمرور الزمن، فأعداد ابن آوي تحديدًا ارتفعت بشكل غير طبيعي في المنطقة خلال الـ 50 سنة الأخيرة، خصوصًا مع نقص أعداد الذئاب اللي كان ليهم دور كبير في تحجيم عدد أبن آوي، لدرجة ان مجموعات بنو آوي تضاعفت أعدادهم بالمنطقة وبدأوا يخرجوا كمان لمناطق تانية ماكنش ليهم وجود فيها قبل كده عشان يبقى بنو آوي من أكتر آكلات اللحوم إنتشارًا في أوروبا.

أنواع إبن آوى

بيتبع بنو اوي فصيلة الكلبيات، وهي الفصيلة اللي بتضم الذئاب والقيوط والكلاب والثعالب، وبالرغم إن موطنها الأصلي هو أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، إلا أن الباحثين بيشوفوا إن بنو آوي وصلوا أوروبا من حوالي 8000 سنة وبدأوا ينتشروا في أرجائها؛ بسبب قدرتهم الفائقة على التكيف، حجمهم أقرب لحجم الكلاب المستأنسة، ويبانوا في شكلهم وكأنهم هجين بين كلاب الجيرمن شيبيرد والثعالب، بيتراوح طول الواحد منهم من 67 لـ 85 سم، وده من الرأس حتى قاعدة الذيل، والذيل نفسه ممكن يضيف له 30 سم كمان، أما عن وزنه فبيتراوح من 5 لـ 14 كجم، وفيه 3 أنواع رئيسية من بنو آوي، ابن آوى أسود الظهر، ومخطط الجانبين، وذهبي الظهر.

الذهبي هو أكتر الأنواع إنتشارًا حول العالم وده راجع لكونه أكثر الأنواع في القدرة على التكيف وتحمل ظروف بيئية قاسية؛ لدرجة إنك بتلاقيه عايش في الصحاري وسط درجات حرارة حارقة، وفي نفس الوقت يقدر يعيش ما بين الجبال وسط الأجواء القارصة لحد 25 درجة مئوية تحت الصفر، والأماكن الرئيسية اللي بيعيش فيها بتتنوع ما بين السافانا والصحاري والمراعي القاحلة.

أما إبن آوي أسود الظهر بينتشر في الطرف الجنوبي من القارة الأفريقية وعلى طول الساحل الشرقي، وبيتميز بالشعر الأسود اللي بيمتد على طول ظهره وبيفضل الحياة في المقام الأول بالغابات والسافانا.

وبينتشر مخطط الجانبين وسط وجنوب القارة الافريقية، وبيتميز بفرائه المخططة على الجانبين وبيستغل بنو آوي البيئة المحيطة بيهم من غابات وصحاري وسافانا في التموه وسط أرجائها، حتى إن العلماء والباحثين بيواجهوا صعوبات في البحث عنهم والعثور عليهم.
وأحد الأمثلة الرومانية القديمة عن بنو آوي بتقول “هي التي تجدنا ولسنا نحن من نعثر عليها”.

صغار إبن آوى

بتتميز النوعية ده من الحيوانات إنها أحادية التزاوج، يعني الأنثى والذكر غالبًا ما بيرتبطوا ببعضهم مدى الحياة، ومدى قوة الرابطة بين الزوجين بتبان في أبهى صورها من خلال خروجهم للصيد مع بعض ومشاركتهم الطعام ودفاعهم عن منطقتهم بشكل جماعي، وهي المنطقة اللي بتتراوح مساحتها ما بين 2 لـ 4 كيلومتر مربع، وبمرور الوقت لما صغارهم بيكبروا بيعيشوا في جو أسري مبني على التواصل واتحاد أفراد العائلة.

وبيبدأ موسم التزاوج عند بنو آوى من شهر يونيو لشهر أغسطس سنويًا، وبعد فترة حمل تتراوح من من 57 لـ 70 يوم تلد الأنثى جروين في العادة وأحيانًا بيبقوا أربعة، وبيتناوب الذكر والأنثى في رعاية صغارهم وحمايتهم من الحيوانات المفترسة وخصوصًا الطيور الجارحة؛ وهي السبب الرئيسي وراء موت الجراء في شهور عمرهم الأولى، وبنو آوي من الذكاء اللي يخليهم يغيروا موقع عرينهم باستمرار كأحد الطرق الاحترازية لحماية صغارهم، وممكن عقبال ما الجراء تكبر يكونوا نقلوهم من مرتين لأربع مرات.

وبيعيش الصغار على لبن أمهم، بعدها بيتناوب الذكر والأنثى في إحضار الطعام للصغار، وفي ظرف أربع شهور بيوصل وزنها لأكتر من 3 كجم، بعدها بيبدأوا يخرجوا مع أهلهم لتعلم الصيد بل وبيتراوح عمر إبن آوى في البريةمن 10 لـ 12 سنة.

طعام إبن آوى

قائمة طعام بنو آوى طويلة وعجيبة جدًا، وهي أحد أهم أسباب تكيفهم مع البيئة المحيطة بيهم وسبب من أسباب انتشارهم الواسع، نظامهم الغذائي بيعتمد على حاجتين، الأولى وهي انتهاز الفرص؛ فتلاقيهم متابعين الحيوانات المفترسة وهي بتصطاد وأول ما يوقعوا فريسة يتجمعوا عليها في مجموعة ويخطفوها، ولو ما عرفوش يستنوا لما الحيوان المفترس يخلص أكل ويشبع ويروحوا هما يكملوا على البواقي، وأحيانًا بيتعقبوا أي قطعان ويركزوا مع كبار السن والمرضى منهم على أمل الاستفراد بيهم لو تأخروا عن القطيع.

الأمر التاني بقى اللي بيعتمدوا عليه في حميتهم الغذائية، هي إن نفسهم مش عزيزةو مافيش حاجة تقريبًا ما بياكولهاش، يعني لو مافيش حاجة محترمة حواليهم يتغذوا عليها تلاقيهم بياكلوا المتاح، حشرات بقى وزواحف وطيور وقوارض وحتى الفواكه،ولو مافيش كل ده وفيه ندرة في الطعام ساعتها بقى يبدأوا رحلة بحث شاقة ومحفوفة بالمخاطر.

دوره في الحفاظ على التوازن البيئي

في حالة نقص الطعام في المناطق المتواجدين فيها، بيقطع بنو آوى مسافات ضخمة ممكن توصل لـ 50 كيلو متر بحثًا عن الطعام، وممكن يدخلوا كمان نطاق القرى والأراضي الزراعية ويهاجموا الماشية بمختلف أنواعها، والحكاية دِه بتمثل مشكلة كبيرة للمزراعين في المناطق اللي بينتشروا فيها، وعادةً ما بيحاولوا التخلص من مجموعات بنو آوى عن طريق السموم أو نصب الأفخاخ أو حتى إطلاق النيران عليهم.

لكن وعلى الجانب الآخر، اكتشفت كتير من الدول اللي بتنتشر فيها النوعية ده من الحيوانات “المؤذية” إنها بتلعب دور مهم في حفظ التوازن البيئي بسبب نظامه الغذائي، فمن ناحية، هما بيخلصوا أهل المناطق دِه من شر انتشار الأمراض عن طريق أكلهم لبقايا الحيوانات الميتة.

بالإضافة إنهم بيخلصوا المناطق دِه من شر النفايات من بواقي البشر وغيرها، ولك أن تتخيل إن فيه احصائيات بتوضح إن بنو آوى بيساهموا في التخلص من أطنان بحالها من جثث الحيوانات والنفايات بصورة سنوية في أوروبا.

إبن آوى | أنوبيس

من السهل تشوف تأثير إبن آوى على معتقدات المصريين القدماء من خلال تصويرهم لأحد أهم آلهتهم على الإطلاق في صورة إبن آوى، ألا وهو أنوبيس Anubis إله الموت والتحنيط والمقابر والعالم السفلي، واللي عادةً ما ظهرت رسومات أنوبيس بجسم رجل ورأس أقرب لرأس إبن آوى مع أذن مدببة، وبيقترح الباحثين أن الفكرة من اختيار تصويره برأس إبن آوى غالبًا راجع لملاحظة المصريين القدماء لطبيعة الحيوان نفسه المرتبط بالموت.
فكانوا بيشوفوه بيحوم حوالين الجثث والمقابر، واعتاد نبش القبور والتهام جثث الموتى، ومن هنا شافوا أنه أنسب اختيار لتصوير إله الموت والتحنيط، بل وأنسب اختيار لحماية المقابر نفسها ضد تدنيس النوعية ده من الحيوانات ليها، بل أنه يعتقد إن المصريين القدماء بدأوا في بناء مقابر متقنة وأكثر إحكامًا لحمايتها في الأساس من إبن آوى ليها.

أما عن اللون الأسود للرأس، فالباحثين بيشوفوا إن الموضوع متعلق برمزية اللون نفسه بعيدًا عن اللون الحقيقي لرأس إبن آوى، فاللون الأسود بيرمز لانحلال الجسم بعد الوفاة، وهو كمان لون طمي النيل واللي بيرمز للإحياء والبعث والتجدد، وهي كلها صفات مرتبطة بالموت والحياة الآخرة المرتبطين بـ”أنوبيس”.