أكيد في يوم من الأيام شوفت مشهد في فيلم أو مسلسل وثائقي لشخص من الإسكيمو لابس فرو وهدوم تقيلة، وواقف قدام بيت أو كوخ، مبني بالكامل من التلج، ومن الأسئلة اللي بتدور في ذهن أغلب الناس لما بيشوفوا المشهد ده، هو إزاي حد هيعيش جوا بيت من التلج؟.
الجو في المناطق القطبية بيكون بارد، والتلج هو كمان بارد نقوم نبني بيت من التلج وندخل نتدفى جواه، الموضوع لأول وهلة مش منطقي إطلاقًا، لكن خليني أصدمك وأقولك إن الموضوع منطقي عادي جدًا، والبيوت دي مش أفلام كارتون ولا حاجة، البيوت اللي من التلج أو الـ igloos هي بيوت موجودة بالفعل، وبيبنيها سكان الإسكيمو وسكان المناطق القطبية لحد وقتنا الحالي.

البداية

المنطقة القطبية الشمالية هي واحدة من أكتر البيئات المتطرفة على كوكبنا، إبتداءًا من سواحل أمريكا الشمالية، ولحد شمال شرق سيبيريا، لكن بالرغم من كده، وبالرغم من البرودة الشديدة اللي في المكان والظروف المناخية القاسية، إلا إن في شعب مكافح قدر يعيش ويصمد في المكان ده لـ آلاف السنين، والشعب ده، هو شعب (الإسكيمو Eskimo).

الإسكيمو هم مجموعة من البشر بيسكنوا المناطق القطبية الشمالية، ومُنسجمين تمامًا مع نمط الحياة هناك، ومابيحبوش يفارقوا المكان اللي هم عايشين فيه إطلاقًا، وده بالرغم من عدم وجود مدن أو مرافق أو حتى أي معلم من معالم التمدن والعمران، كل الموجود قدام شعب الإسكيمو ثلوج ونمط حياة قاسي للغاية.
وهنا في البداية خلينا نقول حاجة هامشية كده، وهي إن شعب الإسيكمو ما بيحبوش الكلمة دي، وأيوة لو قولتلهم كده هيزعلوا وهيتضايقوا منك جدًا؛ لأن الكلمة دي مشتقة من كذا مصطلح منهم مثلاً إنها بتُطلق على الأشخاص الغريبة أو اللي بيتحدثوا لغة مُختلفة، وكذلك بتُطلق على الأشخاص اللي بياكلوا لحوم نيئة؛ وعشان كده هي لفظة سيئة بالنسبالهم، وبيفضلوا إن الناس تندهم بكلمة (إنيوت Inuit) بدل كلمة (إسكيمو Eskimo)، وإنيوت دي في لغتهم، معناها الناس؛ وعشان كده (إسكيمو) دي خليها بينا وبين بعض كده، للإستدلال مش أكتر.

على العموم شعب الإنيوت أو الإسكيمو عايشين في مناطق جليدية درجة الحرارة فيها في الشتاء، بتوصل أحيانًا لـ 50 درجة مئوية تحت الصفر، وأي شخص عايش في جو صقيع زي ده، فلازم ولابد يدور على مأوى أو بيت آمن يعيش فيه، سواء بقى البيت ده مبني من الطوب أو المعادن، أو حتى مبنى من الخشب، لكن لسوء الحظ المنطقة القطبية الشمالية مش متوفر فيها أي حاجة من الحاجات دي، وحتى الأشجار والغابات اللي في المكان تكاد تكون معدومة؛ وعشان كده سكان المكان إتعلموا إنهم يبنوا بيوتهم بالشئ الوحيد المتاح قدامهم، ألا وهو.. الثلج.

القُضَاعَة البحرية

سكان الإسيكمو من آلاف السنين لجأوا إلى تشييد بيوت وأكواخ جليدية بتشبه القبة، عشان يعيشوا فيها ويحتموا من العواصف التلجية والبرد القارس، والبيوت دي معروفة باسم (الإيجلو igloo)، طب سؤال بقى هي إزاي البيوت الجليدية بتدفيهم؟، الحقيقة، فيزيائيًا التلج ممكن يدفيك عادي جدًا، ويحافظ على درجة حرارة جسمك، وعشان نفهم المعضلة الغريبة دي خليني أحكيلك قصة عن حيوان إسمه (القُضَاعَة البحرية Sea otter)، القُضَاعَة ده حيوان بيتغذى على الأسماك والمخلوقات البحرية، وعشان كده مضطر يعيش في المياه الباردة، لكن في نفس الوقت مفيش على جسمه جلد سميك أو أنسجة دهنية سميكة تحميه من البرد، ولكنه بيستخدم حاجة غريبة جدًا عشان يدفي نفسه، والحاجة دي هي جزيئات الهواء.
فرو القُضَاعَة كثيف جدًا، وملمسه ناعم تمامًا، والسر في التدفئة عنده بيرجع لتركيب نسيج الفرو بتاعه من الداخل، فرو القُضَاعَة مُدبب بشكل دقيقة جدًا، لدرجة إنه بيقدر يحبس جزيئات الهواء جواه، وفي نفس الوقت، الهواء يعتبر عازل حراري ممتاز؛ وعشان كده الحرارة اللي جوا جسم القُضَاعَة ما بتخرجش براه بسهولة؛ وده بسبب إن فيه عازل قوي موجود على الفرو بتاعه من الخارج، بيمنع تسرب الحرارة من جسمه، وبسبب الموضوع ده بيتعرض لدرجات حرارة منخفضة عادي جدًا، وما بيبقاش بردان.

أنواع الثلج

طيب برضه أنا مش فاهم هو إيه اللي أنت عاوز تقوله من الكلام ده، وإيه دخل حيوان القُضَاعَة ده بالقصة؟، ببساطة كده اللي عاوزين نقوله، هو إن الهواء عازل جيد للحرارة، وده مربط الفرس في الموضوع، لو لقينا نوع من التلج، بيحتوي جواه على نسبة مناسبة من الهواء، فده هيكون شيء مناسب لعملية البناء، وكده بقى إحنا جينا في ملعب شعب الإسكيمو؛ لأن التلج ده لعبتهم وعندهم خبرة كبيرة بنوعه وصفاته، يعني أنا مثلاً لو سألتك وقولتلك تعرف كام نوع من التلج، ممكن تقولي إيه يا عم اللي أنت بتقوله ده، ماهو تلج وخلاص هو التلج فيه أنواع؟، هقولك الإجابة أيوة.

شعب الإسكيمو عندهم في لغتهم عدد ضخم من الكلمات والمصطلحات المختلفة اللي بتعبر عن التلج، بيقدروا يوصفوه بعشرات الألفاظ المختلفة اللي تم صياغتها بشكل بليغ لوصف أنواعه وحالته الحالية؛ وده ببساطة لأنه هو أكتر حاجة موجودة حواليهم، وأكتر حاجة بيفهموا فيها، وفيه نوع من التلج إسمه التلج (الصلب المُغَبّر)، والتلج ده بقى يا سيدي بيكون عبارة عن تقريبًا 10% ميه مُجمدة فقط و90% هواء، وبيكون على هيئة طبقات على سطح الأرض في المناطق الجليدية.
والنوع ده من التلج بيكون مناسب جدًا لعملية البناء؛ لأنه أولًا صلب ومش هش ويقدر يستحمل، وثانيًا بيحتوي على نسبة كبيرة من الهواء، وبما إن الهواء عازل ممتاز زي ما قولنا من شوية، فالنوع ده من التلج بيكون مناسب جدًا لعملية البناء، وعشان كده كوخ الإسكيمو اللي مبني من النوع ده من التلج بيحافظ على درجة الحرارة جواه، وما بيسمحش ليها بإنها تتسرب للخارج من خلال الجدران، حاجة كده أشبه بفكرة الترمُس الحراري بالظبط، وهو ده أصلاً المطلوب في عملية التدفئة، إن الحرارة اللي بيشعها جسمنا، أو الحرارة الموجودة حوالينا في البيت، ما تتسربش للخارج.

تعزيزات آخرى للشعور بالدفء

من الجدير بالذكر إن قاع (الإيجلو igloo)، مابيكونش سطح مستوي، ولكن المساحة من الداخل بتكون محفورة، وعبارة عن عدة مستويات، مدخل البيت بيكون منخفض جدًا، وبعد كده بيبقى في مستوى تاني أعلى شوية بيتم فيه إشعال النار أو القيام بالمهام زي الطبخ وغيره، وأخيرًا المستوى الأخير وده بيكون المكان العلوي اللي سكان الكوخ بيناموا فيه.
والحقيقة النظام المُتدرج ده مش من فراغ أو بدون هدف، ولكنه مقصود وله دور مهم جدًا، والدور ده بيكمن في كون الهواء الساخن بطبيعته بيرتفع لأعلى لأنه خفيف، والهواء البارد بطبيعته بيهبط ويستقر لأسفل، وعشان كده أي حرارة موجودة في المكان، سواء ناتجة عن النار اللي بيتم إشعالها داخل الكوخ مثلاً، أو حتى الحرارة اللي بتشع من أجسام الأشخاص الموجودين، كلها بلا إستثناء بترتفع لأعلى وبتحوم حوالين الأشخاص الموجودين في المنطقة العلوية، وفي نفس الوقت جدران الكوخ عازلة للحرارة زي ما قولنا، وبالتالي كل الأشياء دي مجتمعة بتخلي الجو جوا الكوخ دافي، ودرجة الحرارة جواه بتوصل أحيانًا لـ 10 درجات أو 15 درجة مئوية، ولو حاسس إن دي أصلاً درجة حرارة منخفضة فخليني أقولك إن الجو برا بتوصل درجة الحرارة فيه لحوالي سالب 50 درجة تحت الصفر، وبالتالي هي درجة حرارة مثالية.

بناء الإيجلو في 3 ساعات

الفرد المُتمرس من الإسكيمو ممكن يبني كوخ صغير لوحده، في حوالي 3 ساعات فقط، لكن الأكواخ الكبيرة، واللي بتتسع لـ أفراد كتير، زي عيلة كاملة مثلاً الموضوع ممكن يستغرق يومين أو أكتر، والغريب إنه مع التقدم الجذري اللي حصل في طرق البناء، وحتى مع نُظم العِمارة الحديثة محدش إكتشف طريقة لـ بناء الـ igloo أفضل من طريقة البناء اللي أفراد الإسكيمو بيستخدموها في بناء المنازل بتاعتهم، الطريقة الحلزونية والهيكل الخارجي اللي على شكل قبة أو (arch) هو بناء مستقر جدًا، ومفيهوش أي حواف أو مساحات مُهدرة.
واللي عنده خبرة في المجال الهندسي، هيعرف إن المبني اللي على الشكل ده، بيوزع جميع الأحمال والقوى الرأسية الواقعة عليه، وبيحولها لـ قوى أفقية بتتفرغ داخل الأرض، والمبنى بيكون مُستقر ومقاوم للرياح والعواصف القوية.