في شهر أغسطس من عام 1781، غادرت السفينة (زونغ Zong massacre) المملوكة لنقابة (جريجسون) لتجارة الرقيق بليفربول، وعلى متنها مجموعة من العبيد الأفارقة، ووهي في طريقها لـ منطقة (جاميكا) بالبحر الكاريبي؛ قرر طاقم السفينة إنهم يحمِّلوا كمية زيادة من العبيد، وعشان يكسبوا فلوس أكتر؛ حملوا السفينة ضعف الحمولة الطبيعية اللي بتشيلها.
ومع حلول منتصف شهر نوفمبر من عام 1781، إكتشَف طاقم السفينة عديمي الخبرة إنهم بعدوا جدًا عن جاميكا وأخطأوا في تحديد الطريق، ومع تراجع كمية الغذاء والماء الصالح للشرب، ومع إنتشار عدد من الأمراض بين صفوف العبيد الأفارقة بسبب سوء التغذية؛ قرر الأوروبيين إنهم يخففوا شوية من حمولة السفينة، وده من خلال إنهم رموا عشرات العبيد في عرض المُحيط الأطلسي واللي وصل عددهم لـ 130 إنسان، ومن التصرفات الشيطانية اللي كانوا بيعملوها، إنهم كانوا بيربطوا العبيد من إيديهم بإحكام قبل ما يرموهم في المياه.
الكوميديا السوداء بقى في الموضوع إن طاقم السفينة لما وصلوا لـ (جاميكا) بدأ صاحب السفينة يطالب لجنة التأمين بأنها تعوضه بمبالغ مالية بسبب البضاعة اللي أهدروها، اللي هي بين قوسين (العبيد الأفارقة)، ولما رفضوا طلبه، قدم أوراقه للمحكمة وبدأت المحكمة تنظر في الموضوع، لكن المُدهش إن بدل ما الحضور في المحكمة يناقشوا مسألة قتل 130 إنسان في عرض البحر ويعاقبوا المسؤولين، كانوا بيناقشوا حاجة تانية، وهي إمكانية حصول صاحب السفينة على تعويض من قبل مؤسسة التأمين ولا لأ؛ لأن على حسب القوانين وقتها، مكنش العبيد اللي على متن السُفن غير مُجرد حمولة تجارية عادية، زيها زي الخشب والسكر.
تجارة الرقيق
“تجارة رقيق المحيط الأطلسي”، هو مصطلح بيشير إلى تجارة العبيد اللي تم نقلهم عبر المحيط الأطلنطي إبتداءًا من القرن الـ 16 وحتى القرن الـ 19 من الدول الأفريقية إلى العالم الغربي، وكان بيتم استخدام العبيد دول للعمل قهرًا في مزراع البن والقطن والكاكاو وقصب السكر والأرز، ومناجم الذهب والفضة، وصناعات التشييد والبناء ونقل الأخشاب، وأخيرًا الخدمة في المنازل؛ وده في الأساس بسبب إن الدول الأوروبية الغربية كانت بتتنافس بينها وبين بعض عشان يُقيموا إمبراطوريات اقتصادية ضخمة، وده كُله على حساب العبيد المُستضعفين اللي بيقوموا بكل المهام تقريبًا، والتقديرات المعاصرة لأعداد العبيد اللي تم تداولهم في الفترة دي حوالي 12 مليون إنسان، وإن كان في الواقع يُقدر بأكتر من كده بكتير.
وكان بيتم شرائهم من تجار العبيد الأفارقة اللي بيكونوا موجودين على طول الساحل الأفريقي، والأشخاص اللي كان بيتم إستعمالهم كـ عبيد دول، بيكونوا في الغالب بعضهم تم أسره في الحروب القبلية بين الدول الأفريقية، والبعض الأخر تم أسره أثناء الغارات الساحلية، وبيجمعوهم في النهاية في أماكن أشبه بالأسواق، ومن الأسواق دي بيتم نقلهم للساحل، وبعد كده يتم بيعهم للتجار الأوروبيين مُقابل بضائع وأقمشة وتبغ وكحول وخلافه.
وكان من ضمن البضائع اللي بيبيعها الغرب لتجار العبيد في أفريقيا، كميات كبيرة من البنادق والذخيرة والأسلحة، وده بيضمن لهم إستمرار تجارتهم وإستمرار هيمنة تجار العبيد على المكان؛ لأن بالبنادق والذخيرة دي هتفضل فيه حروب بين القبائل وهيفضل دايمًا فيه سيل لا ينقطع من العبيد، وفي حين ما كان بيأمل الأشخاص المُحتجزين في أسواق العبودية في أفريقيا بأنهم يفروا منها نظرًا لاعتقادهم بأنها أسوأ مصير تعرضوا له، كان بيتم نقلهم على متن السفن للعالم الأوروبي عشان يواجهوا مصير أسوأ بكتير من اللي تعرضوا له في أسواق الرقيق.
البداية عند البرتغال
لقرون عديدة كانت تيارات المد والجزر بتجعل مهمة السفر عبر المحيط مهمة صعبة وخطيرة؛ وده لأن السفن اللي كانت موجودة وقتها كانت متواضعة جدًا؛ وعشان كده كان الإتصال بحرًا بين القارات قليل جدًا ونادر، إلا إنه في القرن الـ 15، حصل تطورات أوروبية في تكنولوجيا الإبحار، وخصوصًا عند البرتغال، وقدروا يجهزوا سفن قوية تقدر تتعامل مع تيارات المد والجزر، وعندها القدرة على عبور المحيط، وكمان أقاموا مدرسة للملاحة البحرية في الفترة بين عامي 1600 و1800، وبالتالي حصل تواصل بين العالم القديم متمثل في (أفريقيا وآسيا) والعالم الجديد متمثل في (الأمريكتين)، واللي بدوره ساهم بشكل كبير في تطور تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي؛ وعشان كده كان البرتغاليون، في القرن الـ 16 أول ناس تباشر تجار العبيد.
وفي عام 1526، أكملوا أول رحلة عبيد عبر الأطلسي إلى البرازيل، وبعدهم بفترة قصيرة إتبعهم الأوروبيين في أداء نفس المهمة، وزار غرب أفريقيا أكتر من 300 ألف بحار في الفترة دي بغرض تبادل البضائع وعلى رأسهم بضاعتهم الرائجة الأولى ألا وهي العبيد.
تطور التجارة
الدول اللي خاضت في تجارة العبيد على حسب الضخامة كانت البرتغال في المقام الأول، وبعدهم بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والإمبراطورية الهولندية والدنماركية، بالإضافة للنرويج، وكل دولة من دول أسست لنفسها بؤرة أو موقع إستعماري على الساحل الأفريقي؛ عشان يمدها بالعبيد من خلال القادة الأفارقة بجانب وسيط من الدولة نفسها، وكأنهم عاملين مقر سفارة مثلاً.
وعلى مدار أربع قرون، مثلت تجارة ذوي البشرة السوداء المحرك الأساسي لاقتصاد الإمبراطوريات في العالم الجديد، ومكنش أي دولة فيهم بتتردد في إنها تنقل آلاف العبيد من أفريقيا كل عام عشان مصالحهم، وبلغ حجم العبيد اللي كان بيتم ترحيلهم سنويًا في تسعينيات القرن الـ 16 حوالي 30 ألف إنسان، ومع حلول القرن الـ 17 وصل عددهم لحوالي 80 ألف إنسان سنويًا.
والولايات المتحدة لوحدها كانت تمتلك ربع عدد السود الموجودين في العالم الجديد، وخلال فترة تجارة رقيق الأطلسي بالكامل من حوالي 1526 إلى 1867، تم شحن حوالي 12.8 مليون إنسان من إفريقيا، وصل منهم 10.7 مليون فقط؛ لأن الباقي في الغالب ماتوا في الطريق قبل ما يوصلوا أصلاً، وده من فرط التعذيب والإهمال وسوء التغذية، والـ 10,7 مليون المتبقيين، فـ دول معظمهم بيموت داخل الأمريكتين والدول الأوروبية من فرط العمل.
وعشان كده تم إعتبار فترة تجارة الرقيق عبر الأطلسي إنها أكثر العمليات تكلفة في حياة الإنسان، من بين جميع الهجرات العالمية اللي حصلت على مر التاريخ كله.
لا حقوق للأسود
في الغرب بقى وتحديدًا في الأمريكتين، كان بيتم اعتبار الأفارقة العبيد وذرّيتهم انهم مِلكيّة خاصة لملاكهم، طبقًا لمواد القانون، وكذلك الأطفال المولودين للأمهات الإماء بيتم اعتبارهم عبيد مملوكين هم كمان، فـ المرأة الأفريقية في الرق أثناء الحمل والولادة، مكنش بيتم السماح لها إنها تطول في فترة الرضاع والعناية بالطفل، كل المتاح قدامها شهرين أو تلاتة وتعود للعمل تاني، وأصدروا وقتها قرار غريب جدًا، وهو إن فطام معظم أطفال الأمهات المستعبدات ماينفعش يبقى سنتين مثلاً ولا حتى سنة، ولكن خلال أربع شهور لازم يفطموا الطفل؛ وده عشان ما يعطلهاش عن تأدية مهامها.
وكانوا بيغذوا الرضيع على نظام غذائي قائم على النشا، وبيفتقر للعناصر الغذائية الكافية للصحة والنمو؛ وعشان كده كانت معدلات وفيات الرضع والأطفال أعلى بمرتين بين أطفال الرقيق، مقارنة بالأطفال البيض، ونصف الأطفال الرقيق المتوفين، كانوا بيموتوا في السنة الأولى من حياتهم.
أما بقى بخصوص الشبان والأشخاص الناضجين، فـ دول كان نقص التغذية، وخلال الحروب الأهلية في أمريكا، تم تجنيد أكتر من 180 ألف رجل أسود في الجيش الإتحادي، وأكتر من 29 ألف جندي في الخدمة البحرية؛ وده عشان يخوضوا حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولكنها بتخدم السيادة الأمريكية في المقام الأول.
التمرد على الرق
بالرغم من إن الأفارقة كانوا مُستضعفين تمامًا، وكان بيتم قهرهم بكل السبل الممكنة، إلا إنه في ليلة 23 أغسطس سنة 1791، إنتفض الرجال والنساء الأفارقة على نظام الرق، وتحديدًا في جمهورية (هاييتي Haiti) اللي بتقع في البحر الكاريبي بجوار أمريكا الشمالية، واللي كانت تابعة للحكم الفرنسي وقتها، ودمروا المزارع والمنشأت، وإستولى (توسان لوفتير Toussaint Louverture) أحد زعمائهم على زمام الأمور في البلد.
وبالرغم من أن فرنسا أرسلت جيش مُسلح لمهاجمة الأفارقة وإستعادة الحكم مرة تانية، إلا أن الثوار تمكنوا من هزيمتهم في عام 1803 وإدولهم علقة حلوة.
ومع حلول يناير من عام 1804، أعلنوا استقلال البلد تحت إسم (جمهورية هاييتي)، طبعًا اللي حققه الثوار الأفارقة خلق حالة من الرعب في قلوب الأوروبيين، وأكدوا للإنسانية كلها إنهم يقدروا، وإنهم عندهم القدرة على رد الظلم، واللي بدوره فيما بعد أجبر الكونجرس إنه يصدر قانون برلماني في عام 1807 بتجريم الإتجار بالرقيق، وقالوا إن السود دول إخواتنا وحبايبنا، ولازم ننادي بحقوق الإنسان ونقضي على كل صور العنصرية والتعصب، و”طبعًا هنعمل نفسنا مش واخدين بالنا بأنهم عملوا كده عشان حقوق الإنسان فعلًا، ولا عشان كانوا خايفين من إنه يحصل فيهم نفس اللي حصل في الجيش الفرنسي بالظبط.
على كُلٍ، في عام 2007 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرار 122/62 إن يوم 25 مارس من كل عام هيبقى اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.