طالب كلية الطب، بيدرس جراحة عامة، وباطنة، وصدر، وأطفال، ونسا، وطب شرعي، وسموم، ومسالك بولية، وأنف وأذن، ومُخ وأعصاب، وتشريح، ورمد، وغيرهم.
وطالب كلية هندسة في السنوات الأولى، بيدرس رسم، ورياضة، وفيزياء، وكيمياء هندسية، وميكانيكا، واستاتيكا، وتطبيقات الحاسب الألي، ولو كمل في فرع الهندسة المدنية مثلاً، هنلاقيه بيدرس إستراكشر وخرسانة، وماتريال، وإستيل، وهيدروليكا، ورى، وصرف، وصِحية، وطرق، وكباري، وغيره.
وكذلك طالب كلية تجارة، هنلاقيه بيدرس إدارة، ومحاسبة، وإقتصاد، وتسويق، ورياضة بحتة، وعلوم سلوكية، ومباديء قانون، ولغات أوروبية، وإدارة مُشتريات، وليلة كبيرة.
مواد كتيرة جدًا ومتفرعة، وياريت الموضوع بيتوقف لحد كده، لازم في أي كلية أيا كانت تلاقي مواد ثابتة كده، محشورة بجانب مواد الترم، وده زي حقوق الإنسان والمواطنة وأخلاقيات المهنة والقانون وغيرهم، فـ ياترى إيه الهدف من المواد دي كلها، ليه ماندرسش مواد التخصص فقط، أو الزتونة بمعنى أصح؟

البداية

في البداية كدا خلينا ناخد الموضوع بالتدريج ومن الأول خالص، الإنسان في بادئ حياته لازم يكتسب عدد من المعارف الأساسية اللي لا غنى عنها، زي مثلاً القراءة والكتابة والحساب، واللي بيمكنوا أي شخص من إنه يسير في الحياة بوعي، ويكتسب المهارات اللازمة للتفكير والتعلم وغيرها من الأمور الحياتية، والمعارف البسيطة دي، ممكن عادي جدًا نكتسبها من الأسرة أو من البيئة المحيطة، بدون اللجوء إلى المدارس، يعني التعليم الأساسي “قراءة وكتابة وحساب” ممكن الفرد يتعلمهم بشكل أو بآخر بدون الإلتحاق بالمدارس، وخصوصًا إن في عصرنا الحالي أصبح مجال التعلم واسع بشكل كبير بفضل الإنترنت ومواقع التواصل، لكن في مرحلة التعليم الأساسي تحديدًا عدم وجود منهج محدد أو مسار ثابت بنمشي عليه، بتخلي عملية التعليم صعبة، في حين إن المنهج أو المُخطط الثابت نتايجهم بتكون أفضل؛ وعشان كده التعليم المدارس في المرحلة دي بيكون له وقع أقوى؛ وده لأن المناهج التعليمية في المراحل الأولى، بتكون عبارة عن نِتاج فِكر وخبرات علماء ومختصين في مجال التعليم بتستخدمهم وزارات التربية والتعليم كوسيلة لبناء أساسات التعلم عند الطلاب، وده بيخلينا في مرحلة التعليم الأساسي وتحديدًا الفترة الأولى، مفيش رفاهية إختيار بإننا ندرس إيه وماندرسش إيه، هما أصلاً يادوب كام مادة أو كام مهارة بنكتسبهم، وفي الفترة دي كل الحاجات اللي بيدرسها الطفل بتكون مفيدة ليه بشكل أو بأخر.

بعد إنتهاء الفترة الأولى من مرحلة التعليم الأساسي، بتبدأ مرحلة تانية واللي هي المرحلة الإعدادية، هي أينعم مازالت تعليم أساسي، لكن اللي بيفرق بينها وبين المرحلة اللي قبلها، هو إنهم بيدَّخلوا مفهوم العلوم لذهن الطالب بشكل أوسع شوية، يعني بنتعرف على العلوم الطبيعية والتجارب المعملية، وكذلك فروع الرياضيات حتى لو مش بنخوض فيهم بشكل مُكثف.
وده بجانب إنهم في المرحلة دي، بينبهوا الطالب أكتر لمفهوم اللغات وبيهتموا بيها سواء لغته الأم، أو اللغات الأجنبية، ولحد دلوقتي مازالت المواد والمناهج التعليمية لحد المرحلة دي مقبولة، ومفيش خلاف عليها.

تحديد التخصص

نيجي بقى للمرحلة المظلومة واللي كتير مننا مش فاهم ماهيتها أصلاً، ألا وهي مرحلة الثانوية، الثانوية هي المرحلة اللي بيحصل فيها تفريع للمواد الدراسية، يعني اللغة العربية مثلاً ما بتبقاش كيان واحد، ولكنها بتتفصص لـ نحو وصرف وأدب وشعر وبلاغة وخلافه، ومادة العلوم بتتحول لـ كيميا وفيزيا وأحياء، والرياضيات بتبقى جبر وهندسة وتفاضل وتكامل وحساب مُثلثات واستاتيكا وديناميكا، وحتى مادة الدراسات اللطيفة بتنقسم لـ تاريخ وجغرافيا، وبنكتشف فروع جديدة زي الفلسفة مثلاً وعلم النفس والإجتماع، وعلى عكس المتوقع هو إنه الهدف من مرحلة الثانوية العامة إنك تدرس مواد كتير جدًا، وده بيكون شئ مقصود ومش خلل في النظام التعليمي ولا حاجة، ومش بنتكلم هنا عن جودة التعليم، ولكن بنتكلم في النظام التعليمي نفسه.
في أي دولة في العالم، مرحلة الثانوية هي المرحلة اللي الطالب بيبُص من خلالها نظرة شاملة على العالم حواليه، والمفروض في الفترة دي، ببساطة كده (يعرف حاجة عن كل حاجة)، والهدف من ده ببساطة هو إن يلاقي ميوله ناحية حاجة معينة منهم.
المواد الكتيرة هتوجهه ناحية الحاجة اللي هو فعلاً بيحبها، وبالمنطق كده، مش هيعرف الحاجة اللي عاوز يدرسها غير لما ياخد نبذة مبدئية عن كل المجالات المتاحة، وده اللي بيخلي الشباب في المرحلة الثانوية بيبدأوا يقولوا مثلاً أنا نفسي أدخل كلية ألسن؛ لأني حاسس إني بحب اللغات والمواد الادبية بوجه عام، وشخص تاني يقولك لأ أنا نفسي أدخل كلية علوم، الفيزياء والكيمياء أكتر حاجة بحبها، وهكذا.
فالهدف من تعدد المواد في مرحلة الثانوية العامة تحديدًا هو إنها تكون بمثابة مصدر إلهام وتوجيه للطلبة، عشان يكون عندهم فِكرة كافية عن الاحتمالات المهنية اللي بيحملها المستقبل.

ماذا عن الجامعات؟

طيب إحنا دلوقتي مُتفقين إن دراسة المواد المُتعددة قبل المرحلة الجامعية يعتبر شئ كويس وبيحدد هوية الشخص أو ميوله تجاه الدراسة، طب إحنا دلوقتي بقينا في الجامعة، ليه برضو بنشوف نفس السيناريو تاني، ليه بندرس مواد كتيرة ومعظمها من وجهة نظرنا مالهاش أي فايدة؛ الحقيقة الجامعة في الأساس هي مكان التخصص الواحد، يعني فعليًا المفروض الشخص اللي يختار دراسة مجال معين في المرحلة الجامعية، يفضل طول سنين الجامعة مايدرسش غير في التخصص بتاعه فقط؛ لأن خلاص زمن التعددية الدراسية المفروض يبقى خلاص إنتهى، لكن لو حصل إن شخص بدأ يدرس أكتر من حاجة في المرحلة الجامعية، ويدرس مواد متنوعة ومُتفرقة، فده مالهوش غير تفسير واحد من تلات تفسيرات تقريبًا.
أول تفسير فيهم، هو إن النظام الجامعي ده فاشل وغير مُتخصص، وبس كده.
أما بقى بخصوص التفسير التاني، فهو إنه أحيانًا عشان الطالب يدرس مجال معين بيكون محتاج إنه يدرس بعض الأساسيات اللي تمكنه من التخصص في مجاله، وخلينا ناخد مثال في الهندسة المدنية مثلاً، لو شخص حَب إنه يتخصص في مجال الإنشاءات، فـ مينفعش إنه يدخل في صُلب المجال فورًا، ولكن لازم الأول يعرف إيه هي مواد البناء، ودي هيدرسها في مادة إسمها ماتريال، وبعد كده يعرف خصائص الخليط اللي بين الحديد والأسمنت، وده هيدرسه في مادة إسمها خرسانة، وبعد كده يفهم الإستراكشر والتصميم؛ إذًا الشخص بيحتاج لـ معاملات تساعده للوصل لهدفه، وقيس على كده باقي المجالات.
أما التفسير التالت معانا، فهو إنه أحيانًا بعض المجالات بتكون مُتصلة بالرغم من انفصالها وضرورة معرفتها ككل هو شئ واجب؛ لإجادة التخصص، يعني ببساطة كده مجال زي مجال الطب مثلاً، مينفعش حد بيدرس الطب، يقوم داخل على تخصص بعينه ويدرسه، يعني نفترض مثلاً لو فيه شخص عاوز يتخصص في أمراض الصدر، فـ مينفعش إنه يدرس المجال ده من غير ما يكون فاهم تركيبة العظام حوالين القفص الصدري، ويكون كذلك دارس وظائف الرئة، ويكون دارس الأجهزة الأخرى اللي بتأثر على الرئة ومُرتبطة بيها بشكل ثانوي، بل إنه كمان هيكون محتاج يفهم تخصص زي الأنف والأذن والحنجرة؛ لأنهم مُرتبطين بمجرى التنفس بشكل أو بأخر، وغيرها من الأشياء والوظائف اللي لا غنى عن معرفتها داخل جسم الإنسان للمتخصصين؛ إذًا كل دي حاجات الشخص اللي عاوز يتخصص في أمراض الصدر لازم يكون عارفها ويدرسها بشكل كويس، وده بالمناسبة السبب الرئيسي في إن طَلبة كلية الطب بيدرسوا حاجات كتير، وفي الأخر بيتخصصوا في مجال واحد؛ نظرًا لإن المجال اللي بيتخصصوا فيه بيكون مُرتبط بباقي أعضاء الجسم بشكل أو بأخر، ومينفعش ينفصل عنهم، وبالتالي المُتخصص لازم يبقى عنده عِلم بباقي الأشياء.

إذًا المواد الكتير اللي بيتم دراستها في المراحل التعليمية مش دايمًا شئ وحش، وكذلك برده مش دايمًا شئ كويس، ولكن الموضوع كله متوقف على الهدف من تواجدها في المرحلة دي، هل هو مُجرد حشو وتضخيم في حجم المناهج، ولا وجودها بيخدم هدف أخر زي توسيع المدارك، أو التمهيد للتخصص.