في يوم 19 يناير عام 2006 وبالتحديد في صحراء ولاية فلوريدا Florida بالولايات المتحدة الأمريكية، كانت وكالة ناسا على بعد خطوات بسيطة من إطلاق مشروع جديد، مشروع هيغير وجهة نظرنا عن الكون، أطلقت ناسا الصاروخ Atlas V 551، اللي كان بيحمل على مَتنه مِسبار نيو هورايزونز New Horizons ، وكانت وجهة المِسبار هي كوكب بلوتو، وبعد رحلة إستمرت أكتر من 9 سنوات، أخيراً يوصل مسبار نيو هورايزونز لمدار كوكب بلوتو، ويبدأ يرسل لينا صور ومعلومات تفتح عنينا على منطقة جديدة ومجهولة من الفضاء، فإستعدوا بقى علشان رحلتنا حوالين كوكب بلوتو هتبدأ دلوقت.
بداية الرحلة
قبل عام 2015، لم يكن يعلم علماء الفلك عن بلوتو أو حزام كايبر Kuiper للي بيقع على حافة نظامنا الشمسي، ولو مستغرب إننا بَعد كل التقدم العلمي دا منعرفش أي حاجة عن بلوتو، خليني أقولك إن الكوكب دا بعيد جداً جداً عن الأرض، المسافة بين الأرض وبلوتو تقدر بـ 7.5 مليار كيلو متر، والمسافة الشاسعة دي خلت كوكب بلوتو وأقماره عالم مجهول بالنسبالنا، وحتى بإستعمال أكثر التيليسكوبات قوة على الأرض زي تيليسكوب هابل Hubble، كل اللي نقدر نشوفه من الكوكب هي الصورة المشوشة دي :
بس كل دا هيتغير مع وصول نيو هورايزونز لمدار الكوكب.
الوجهة الأولى
بعد تحرر مِسبار نيو هورايزونز من جاذبية الأرض، سافر في الفضاء بسرعة مهولة بتقدر بحوالي 80 ألف كيلو متر في الساعة الواحدة، ودي أعلى سرعة وصلت ليها آلة من صنع الإنسان، والوجهة كانت المشتري، وإختيار المشتري علشان يكون وجهة نيو هورايزونز الأولى كان لسببين، أولهم علشان يكون إختبار للكاميرات وأجهزة الإرسال المثبتة على المِسبار، والسبب التانى كان له علاقة بجاذبية المشتري، الباحثين والمهندسين القائمين على مشروع نيو هورايزونز كان عندهم خطة عبقرية هتقلل مدة الرحلة من 12 سنة لـ 9سنوات، بما إن كوكب المشتري في طريق كوكب بلوتو قرر العلماء إن المِسبار يستغل جاذبية كوكب المشترى الكبيرة ويدور حواليه، بحيث يستعمل الجاذبية دي في زيادة سرعته، وبالفعل نجحت الخطة وزادت سرعة المِسبار بمقدار 14 ألف كيلو متر في الساعة، وفي عام 2015 وصل نيو هورايزونز لكوكب بلوتو وبدأ في إرسال الصور والبيانات.
رسالة ترحيب من بلوتو
الصورة للي انت شايفها فوق دي، هى من أوائل الصور اللي أرسلها مِسبار نيو هورايزونز للأرض، ولو ركزت شوية على سطح الكوكب هتلاقي كان مرسوم عليها قلب عملاق، القلب دا بيحتوي على منطقة عرضها حوالي ألف كيلو متر معروفة بإسم Sputnik planum أو حوض سبوتنك، والمنطقة دي بتعتبر أكبر الأنهار الجليدية الموجودة في النظام الشمسي كله.
بس اللي بيخلي النهر الجليدي في حوض سبوتنك مختلف عن الأنهار الجليدية الموجودة على الأرض، هو إنه لا يحتوي على مياه، النهر الجليدي في حوض سبوتنك بيحتوى على النيتروجين المسال، واللى بيتدفق زي المياه بين جبال وسهول الكوكب في ظاهرة تعتبر واحدة من أجمل الظواهر الطبيعية في نظامنا الشمسي على الإطلاق.
أقمار كوكب بلوتو العَجيبة
في الوقت إللي بتتزين فيه سماء كوكب الأرض بقمرنا الجميل والوحيد، بتتزين سماء كوكب بلوتو بخمس أقمار، وفي الحقيقة أقمار كوكب بلوتو غريبة وعجيبة.
شارون Charon هو أكبر أقمار كوكب بلوتو، وبيرتبط مع الكوكب بحاجة اسمها Tidal locking وفى حالة ارتباط مادي معاه، وهى الحالة اللى بيكون فيها جانب واحد بس من القمر مواجه للكوكب اللى بيدور حوليه، زي ما بيحصل بالضبط بين كوكب الأرض وقمرنا، بالإضافة لإن شارون بيمتلك حجم كبير جداً بالمقارنة بحجم بلوتو، وفي الوقت إللي حجم قمرنا بيساوي 27 % من حجم كوكب الأرض، فى الوقت اللى فيه حجم شارون بيساوي تقريباً نصف حجم بلوتو، مش كدا وبس قمر شارون كمان بيمتلك مدار قريب جداً من بلوتو، والمسافة بينهم بتقَدر بحوالي 19 ألف كيلومتر، في حين إن متوسط المسافة بين كوكب الأرض والقمر تقدر بحوالي 384 ألف كيلومتر، والحجم الكبير دا للقمر بالاضافة الى المدار المتقارب تسببوا في حدوث ظاهرة في منتهى الغرابة إسمها النظام الكوكبي الثُنائي أوDouble planetary system ، السبب اللى بيخلى الكواكب بتدور حوالين الشمس، او إن الأقمار بتدور حوالين الكواكب، هو إن نقطه الجذب المركزية بتكون في مركز الجسم الأكبر، يعني قمرنا مثلاً بيدور حوالين الأرض لإن حجم القمر صغير مقارنة بالأرض، وبالتالي جاذبية الأرض أعلى بكتير من جاذبية القمر، ونقطة الجذب المركزية في الحالة دي هي مركز الأرض، فبالتالى يدور القمر حوالين الارض، ونفس الكلام لما نقارن الأرض بالشمس ونفس الكلام لما نقارن الشمس بمركز المجرة، لكن الوضع مختلف تماماً في حالة كوكب بلوتو، ودا لإن حجم القمر شارون هو نصف حجم كوكب بلوتو، وبالتالي جاذبية كوكب بلوتو مش قوية بما يكفي علشان تكون نقطة الجذب المركزية هي مركز الكوكب، ودا تسبب في إن نقطة الجذب المركزية تقع خارج الكوكب بالكامل، وأصبح بلوتو وقمره شارون بيدوروا حوالين نقطة وهمية في الفضاء بتمثل نقطة الجذب المركزية بينهم.
ناطحات سحاب جليدية على سطح بلوتو
أثناء تحليق مِسبار نيو هورايزون بالقرب من بلوتو إلتقط صور غريبة جداً لسطح الكوكب، الصور دي كانت لمجموعة من الجبال الجليدية في حجم ناطحات السحاب، وكان شكل الجبال دي حاد جداً وأشبه بشكل نصل السكين، بتتكون الجبال دي من غاز الميثان المتجمد، بس شكل الجبال الغريب أصاب العلماء بالحيرة والسؤال إللي كان بيطرح نفسه وقتها، هو إيه سبب تكوين الجبال دي؟
في الحقيقة حيرة العلماء كانت بسبب إن الأرض بتمتلك ظاهرة جيولوجية مشابهة للجبال دي معروفة بإسم التائبين أو Penitentes، وسبب تسميتها بالإسم الغريب ده هو إن الجبال دي بتكون مرصوصة جمب بعض وكلها بتشير إلى إتجاه واحد وهو إتجاه الشمس، فأصبح شكلهم أشبه بصفوف من الناس إللي بينظروا للسماء وكأنهم بيتضرعوا للدعاء.
أما عن سبب تشكل الــ Penitentes على سطح الأرض، فهو بيرجع إلى تَمَيز المناطق إللي بيتشكل فيها بخصائص مناخية فريدة، زي درجة الحرارة المنخفضة جداً والهواء الجاف والبارد، إللي بيتسببوا في تجمد بعض قطرات المياة إللي بتكون موجودة في الهواء، ولكن الموضوع مختلف على سطح كوكب بلوتو، والإختلاف هنا بسبب إرتفاع الجبال الجليدية الشاهق، وعشان كده فضل اللغز دا محير العلماء سنتين وفي عام2017 تمكن العلماء أخيراً من حل اللُغز، الجبال الجليدية على سطح كوكب بلوتو بتتشكل عند المناطق الواقعة على خط إستواء الكوكب، أو بمعنى تاني في المناطق الأعلى في درجات الحرارة على سطح الكوكب بما إن الميثان المتجمد هو المكون الرئيسي للجبال دي، فده معناه إن الجبال دي نشأت في وقت كانت فية درجة حرارة الكوكب مرتفعة نسبياً، والإرتفاع دا تسبب في تحول الميثان من الحالة الصلبة الى الحالة الغازية، وبعد تحوله للحالة الغازية بيصعد الميثان إلى طبقات الجو العليا لكوكب بلوتو، وهناك بيتم تبريده على الفور بسبب درجة الحرارة المنخفضة، وبيترسب الميثان على صورة جبال جليدية شاهقة الإرتفاع.
الغلاف الجوي لبلوتو أزرق اللون
من اهم اكتشافات مِسبار نيو هورايزونز لكوكب بلوتو، هو إمتلاك كوكب بلوتو لسماء زرقاء اللون زي كوكب الأرض، السبب فى ظهور سماء كوكب الأرض باللون الأزرق هو إن المكون الرئيسى للهواء على سطح الارض هو النيتروجين، اللي بتتسبب جزيئاته في تشتت أشعة الشمس وظهور السماء باللون الأزرق، ولكن على كوكب بلوتو الأمر مختلف شوية، لأن سبب تشتت أشعة الشمس على سطح الكوكب وظهورها باللون الأزرق هي مواد عضوية معقدة التركيب إسمها الثولنز Tholin، وعلى الرغم من ألوان ال Tholinsبتكون حمراء أو رمادية، إلا إنها مش بتحول لون السماء إلى الأحمر أو الرمادي، ودا لإنها بتتواجد بنسب قليلة في الغلاف الجوي لبلوتو، ولكن النسبة دي بتكون كافية لتشتيت ضوء الشمس للطول الموجي اللى بيخليها تظهر بالون الأزرق، وبالتالي بتظهر سماء بلوتو باللون الأزرق أثناء فترة النهار، ومن الجدير بالذكر إن الـ Tholins بتسقط من الغلاف الجوي لبلوتو على أرضه و بتصبغ المناطق إللي بتسقط عليها بلونها الأحمر .
براكين بلوتو الباردة
لما نسمع إسم كوكب بلوتو، بيجي في بالنا حاجات معينة، زي مثلاً إنه آخر كواكب المجموعة الشمسية، أو إنه أبعد كواكب المجموعة الشمسية أو إنه كوكب متجمد، لكن من المستحيل يخطر في بالنا إن فيه جبال بركانية على سطح الكوكب، إكتشف مِسبار نيوهورايزونز قمتين جبليتين على سطح بلوتو كانوا مثيرين جداً للإهتمام، الجبال الجليدية دي كانت بتتميز بقمة تحتوي على فوهة، وأقرب وصف ليها إنها تشبة الجبال البركانية الموجودة على سطح الأرض، وفسر الباحثين ظهور الجبال دي على سطح بلوتو بإنها من نوع البراكين الباردة، ودي بتكون عبارة عن جبال نشأت عن طريق خروج الغازات والسوائل المتجمدة إللي بيحتبسها الكوكب تحت طبقاته الجليدية، وعلى الرغم من إن الباحثين كانوا معتقدين إن البعد الشديد جداً لكوكب بلوتو عن الشمس هيخليه متجمد تماماً ومن المستحيل يكون عليه أي آثار لأي نشاط جيولوجي، إلا إن مِسبار نيوهورايزونز أثبت العكس ومن الواضح إن لكوكب بلوتو لب داخلي بيحتوي على درجة حرارة كافية لإحداث العمليات الجيولوجية دي.