في سالف العصر والأوان، كنا بنتابع وسائل الإعلام والإنترنت عشان نعرف أخبار الجو ودرجات الحرارة، التكنولوجيا، نتيجة مباراة، لكن من بعد 2020 كلكم عارفين بقينا متابعين إيه، وبعد كدا بدأنا نتابع أخبار اللقاح والعلاج والموجة التانية والموجة التالته، والسلالة البرازيلية والسلالة الهندية، وفي وسط الدوامة دي مكانش حد يتوقع إنه كمان بقينا محتاجين نتابع الأخبار عشان نعرف الصواريخ هتقع علينا ولا لأ، ففي 6 مايو الماضي خرجت علينا وسائل الإعلام عشان تقولنا، إن فيه صاروخ صيني بوزن 21 طن بقى خارج السيطرة ومش معروف هيقع فين أو أمتى.
إنشاء محطة فضائية خاصة
في يوم 29 أبريل من سنة 2021 أطلقت الصين الصاروخ “لونج مارش 5ب Long “March 5B للفضاء، وكان الصاروخ بيحمل الوحدة الأساسية للمحطة المدارية اللي بتعتبر جزء من البرنامج الفضائي الصيني الطَموح، وبلغ طوله 54 متر، وبيعتبر أكبر الصواريخ اللي قدر المشروع الفضائي الصيني إنتاجه، بالإضافة أنه بيعتبر أكبر الصواريخ المستخدمة حاليًا من قبل أي دولة، وكانت مهمة الصاروخ هي الوصول لمدارات فضائية على بعد حوالي 300 كيلو متر؛ لنقل جزء كبير بيصل وزنه لحوالي 20 طن واللي بيمثل جزء من 3 أجزاء مخطط نقلهم لبناء محطة الفضاء الصينية الجديدة، واللي تقرر الإنتهاء من إنشائها خلال عام 2022.
وكانت الصين بتهدف لإنشاء محطة فضائية خاصة من النوع الصغير وصالحة لإقامة ثلاثة من رواد الفضاء الصينيين بصفة دائمة؛ لأنها كانت بتواجه بعض القيود في استخدام محطة الفضاء الدولية، بالإضافة لرغبتها إنها تكون الدولة الوحيدة اللي بتمتلك محطة فضائية بحلول عام 2024، لأنها هتكون السنة اللي هتشهد إنتهاء خدمة محطة الفضائية الدولية الكبيرة، ورغم صغر المحطة الفضائية الصينية واللي بيبلغ وزنها حوالي 60 طن عكس المحطة الدولية اللي وزنها حوالى 420 طن، إلا أنها في النهاية هتكون خاصة بالصين وحدها، بينما شاركت 16 دولة في بناء المحطة الفضائية الدولية.
وبدأ الصاروخ انطلاقه وانفصلت عنه الأجزاء الأولى بنجاح، وسقطت في المحيط الهادي من غير أي أضرار، وقدر الصاروخ إنه ينقل الوحدة الرئيسية الثقيلة لوجهتها، لكن أظهرت المراقبات سقوط المتبقي من جسم الصاروخ وطوله حوالي 30 متر واللي وزنه برضه تجاوز الـ 21 طن بإتجاه المدارات الأرضية في الغلاف الجوى وبطريقة غير منتظمة، وده الأمر اللي وضح إن الصاروخ أصبح خارج عن السيطرة.
والمشكلة إنه نتيجة للتكتم الشديد في برنامج الصين الفضائي، زيه زي التكتم في أي برنامج فضاء لأي دولة تانية مكانش معروف سبب خروج الصاروخ عن السيطرة، وهل كان فقدان السيطرة بسبب عطل في أجهزة التوجيه، ولا مكنش الصاروخ معد للتوجيه من الأصل.
أسباب شكوك العالم
كتير يتساءلوا عن سبب الشكوك الغريبة تجاه الصين، والإجابة إنه وعلى مدار 260 مهمة فضائية كان بيتم التخلص من أجزاء الصواريخ والأقمار الصناعية البائدة بطريقة منظمة وفي مكان محدد يعرف بـ”نقطة نيمو NEMO POINT”، وهي منطقة معزولة بتقع في المحيط الهادي بين أستراليا ونيوزيلندا من ناحية وأمريكا الجنوبية من ناحية تانية، وبتقع على مساحة تبلغ حوالي 1500 كيلومتر مربع وهي نقطة يصل عمقها لـ 4000 متر تحت سطح المحيط، وبتبعد ما لا يقل عن ألفين كيلو متر من أقرب يابسة مأهولة، وتسمى نقطة نيمو بـ مقبرة الأقمار الصناعية وبقايا المركبات الفضائية.
فكان من الطبيعي أن الصاروخ الصينى يسقط في المنطقة دي كالمعتاد، لكن اللي تبين إن الصاروخ وارد سقوطة في أي مكان بين دائرتي عرض 41.5 شمالًا و41.5 درجة جنوبًا، وهى مساحة شاسعة بتشمل معظم دول العالم وأجزاء كبيرة من المحيطات والبحار.
وبرضه ممكن واحد يقول وإيه المشكلة، ما العطل وارد أنه يحصل، بل حصل قبل كده أعطال في أجهزة التوجيه لبعض الاقمار الصناعية وأجزاء الصواريخ، وسقوطها غير المحسوب أدى لأضرار، وكانت الأجسام الفضائية دي مملوكة للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
والرد على الكلام ده هو أن الحوادث دي كانت نادرة جدًا، وحصلت على فترات متباعدة خلال التاريخ الطويل للبرنامج الفضائي الروسي والأمريكي، بالإضافة كمان أنها مختلفة عن الحادثة الحالية فكانت الأعطال عبارة عن انحرافات وعدم تحكم كامل في الأجسام زي حادثة القمر الصناعي الروسي “كوزموس Cosmos 954” اللي سقط على الأجزاء الشمالية لكندا، وكمان حادث محطة “سكاي لاب Skylab” الأمريكية سنة 1979 اللي سقطت فوق المحيط الهندي بالقرب من غرب استراليا، لكن حادث الصاروخ الصيني تحديدًا أثار الشكوك لسببين.
الأول إنه خرج عن السيطرة تمامًا، أما السبب التانى فهو عدم الثقة في تكنولوجيا تصنيع النوعية دي من الصواريخ، فمن نفس نوعية الصاروخ Long March 5B، سقط في مايو الماضي 2020 صاروخ في المحيط الأطلسي بالقرب من سواحل غرب أفريقيا، بل سقطت أجزاء صغيرة منه على أحد المباني في الكوت ديفوار بدون خسائر بشرية؛ وده السبب اللي خلى “جوناثان ماكدويل Jonathan C. McDowell” مدير مركز هارفارد “سميثسونيان Smithsonian” للفيزياء الفلكية يتهم الصين صراحة بالإهمال، وإنه بيعتقد أن الصين استخدمت تكنولوجيا بسيطة بتعتمد على الحظ في عودة الحطام، وأضاف إن للصين تاريخ طويل في ترك أجزاء من معداتها الفضائية تنزل مكان ما هي عايزة.
واستشهد بتجارب الصين الأولى في مركز “شيتشانج Xichang”، واللي كانت بتسقط منه الأقمار الصناعية بصفة روتينية على مناطق ريفية، واضطرت الصين لنقل عمليات إطلاقها لموقع “وينشانج Wenchang” في مدينة “هينن Hainan”، ومع زيادة شكوك الإهمال تجاه البرنامج الصينى، اضطر وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن Lloyd Austin” لعقد مؤتمر صحفي للرد على الاستفسارات وبيان استعدادات البنتاجون لأخطار الصاروخ الشارد.
وأوضح اوستن إن البنتاجون معندهاش أي خطط لإسقاط الصاروخ؛ وده ببساطة لأنهم ميعرفوش لا زمن ولا مكان ولا حجم القطع المتناثرة من الصاروخ اللي هتوصل لسطح الأرض، والصاروخ كان وقت المؤتمر بيتحرك في مدارات عشوائية بتتراوح بين 160 لـ 260 كيلو متر فوق الغلاف الجوي، وعلى سرعة بتقدر بـ 27 ألف كيلو متر في الساعة.
وأوضح إن مفيش دفاع جوي قادر على إسقاط أجسام بالسرعة دي والارتفاع ده، وإن الحل الوحيد هو انتظار انفجار الصاروخ في طبقة الميزوسفير، واللي بيتراوح بعدها من 50 لـ 100 كيلو متر فوق سطح البحر، واللي فيها بتحترق النيازك والمعدات الفضائية، ولو تبين عدم إحتراق قطعة كبيرة من الصاروخ، فوقتها من الممكن التدخل بعد حساب سرعة القطعة وزاوية ارتطامها.
دفاع الصين عن نفسها واحتمالات الخطر
وطبعًا الصين دافعت عن نفسها وحاولت نفي الاتهامات، وقالت إنها صنعت الصاروخ من الألومنيوم ومن مواد قابلة للاشتعال عند الاحتكاك بالغلاف الجوي، وأنها بتراقب مسار الصاروخ بدقة وأنها هتتخذ كل الإجراءات اللازمة في حالة التهديد بحدوث أضرار، وبالفعل الخبراء أكدوا إن إحتمالية حدوث أضرار هي إحتمالية ضعيفة جدًا؛ وده بسبب حماية الغلاف الجوي للأرض، بالإضافة لأن نسبة اليابسة المأهولة من السكان صغيرة بالمقارنة مع حجم الأرض.
الأرض أغلبها محيطات وحتى الجزء اليابس منها أقل من ثلثه فقط مأهول بالسكان، والباقي صحاري وغابات ومناطق وعرة، وطبقًا لناسا إنه سنويًا بتتعرض الأرض لنيازك بحجم سيارة كل سنة دون مخاطر، وإن المخاطر بتبدأ من الأجسام اللي بتقترب مساحتها من مساحة ملعب كرة قدم، وهى الأحجام اللي بتوصل الأرض مرة كل خمس الآف سنة، أما الأحجام الصغيرة واللي منها الصاروخ فغالبًا بتتفتت لما بتصدم بالغلاف الجوي وتنزل على الأرض في هيئة غبار كوني بالأطنان.
والضجة الشديدة اللي حصلت كان الهدف منها إجبار الصين على إعادة النظر في تكنولوجيا الصواريخ الخاصة بيها؛ لأن الصورايخ الفضائية من الممكن إنها تحتوي على أجزاء شديدة الصلابة لا يتم تفتيتها كليًا في الغلاف الجوي، خصوصًا إن الصين بتنوي إطلاق 10 صواريخ مماثلة على الأقل لنقل الأجزاء والمعدات الضرورية لاستكمال تشييد المحطة المدارية بتاعتهم.
هل يوجد قانون؟
كتير من الناس بيعتقد أن الضجة المثارة كانت بسبب الحقوقيين ودعاة القانون الدولي، فالقانون الدولي للفضاء ضعيف جدًا ومفيش قيود على الدول تمنعها من إجراء التجارب فقيرة المعايير، فلو جزء بسيط من جسم فضائي شارد أصاب ممتلكات خاصة الفرد المصيب مش هيكون له أي حقوق وبالتالى كانت الضجة المثارة في صالح الأفراد على أضعف الإيمان لتعديل القانون الدولي ولتعريض الصين للحرج على أمل إنها تعدل تكنولوجيا الصواريخ الخطرة؛ ولذلك رجع عالم الفلك جوناثان ماكدويل يقول إن الصين المرة دي كسبت الرهان لكنها كانت متهورة بلاشك، بدليل وقوع أجزاء الصاروخ الكبيرة عند خط الطول 72.47 درجة شرقا وخط العرض 2.65 درجة شمالًا وهي إحداثيات نقطة بتقع في المحيط الهندي بالقرب من جزر المالديف.
وأضاف ماكدويل أنه يتمنى ألا يسمع في الأيام القادمة عن وجود حطام صغيرة سقطت فوق جزر المالديف نفسها، فالحمد لله على كل حال وربنا يحفظ الجميع.