زمان لما كنا بنشوف قطة بتعدي من شارع فيه كلاب كنا بنلاحظ إنها بتبقى مَرعوبة وخايفة وبتحاول قدر الإمكان إنها تهرب من المكان، والحقيقة ده شئ طبيعي ومفيهوش أي مشكلة؛ لأن الكلاب هي نِد أساسي مُشاكس للقطط في الحياة البرية عمومًا.
المدهش بقى هو إننا مؤخرًا مابقناش بنشوف الكلام ده خالص، وبقى فيه حاجة غريبة جدًا بتحصل، القطط مابقتش بتخاف من الكلاب زي زمان، يعني تبقى شايف مجموعة من الكلاب عاملين روبطاية وواقفين على ناصية وتيجي قطة تتمشي وسطهم عادي جدًا مفيش أي حاجة، بل إن في بعض الأحيان ممكن قطة تهجم على كلب وتضربه لمجرد إنه قرب من أطفالها، أو حاول يتعدى على الطعام بتاعها، فياترى بقى إيه تفسير الظاهرة الغريبة دي، هل القطط دلوقتي بقى عندها جرأة وشجاعة مقارنة بالماضي، ولا إيه الموضوع بالظبط؟

ليه بيتخانقوا أصلاً؟

عداء القطط والكلاب هو واحد من الأمور اللي بتثير فضول الناس وهي علاقة ملفته فعلاً للإنتباه لدرجة إنه تم إستغلالها في عدد كبير من الأعمال الفنية، بل والرسوم المتحركة كمان، لكن خلينا هنا بقى نوقف واقفة كده ونعرف هما ليه أصلاً بيتخانقوا؟
موضوع العداء اللي بين القطط والكلاب، موجود فيه عدد من الفرضيات المطروحة اللي بتحاول تفسر الموضوع، وأحد الفرضيات دي هي نوع الفصيلة اللي بينتمي ليها كل حيوان منهم، لو جيت ترجع بالشريط ورا شوية هتلاقي إن القطط بتنتمي لـ فصيلة (السِّنَّوْرِيَّات)، وهي الفصيلة اللي بينتمي ليها الأسد، والنمر، والبُبُور، والفهد، وأنواع أخرى عديدة، أما الكلاب فـ دول بينتموا لفصيلة (الكلبيات) واللي بتضم الذئاب والثعالب والقيوط، وكمان أقرباء لفصيلة (الضَبُعِيّات) اللي بينتمي ليها الضِباع بجميع أشكالها، والفصائل دي فيه بينهم عداء في الحياة البرية عمومًا نظرًا لكونهم منفاسيين أقوياء لبعضهم؛ وعشان كده ممكن نعتبر الصراع اللي بين القطط والكلاب المنزلية، ماهو إلا إمتداد للفطرة الخاصة بـ فصيلة كل نوع منهم في البرية.
وعلى ذكر الإستئناس، ف خلينا نوضح إن الكلاب ماهياش حيوانات أليفة بطبعها، الكلاب في بادئ الأمر كانت حيوانات مفترسة بتعتمد على مطاردة الكائنات الأصغر والأضعف منها عشان تتغذى عليها، لكنها اكتسبت الوداعة مع مرور الوقت لما بدأ الإنسان محاولاته في إستئناسها، وأكبر دليل على كده هو إن مش كل الكلاب بنفس القدر من الهدوء والإتزان ومازال فيه منها أنواع شرسة جدًا، فبالرغم من كونها تعتبر أحد الحيوانات المستأنسة إلا إن الافتراس لا يزال جزء من طبيعتها، ونفس السيناريو بالظبط بينطبق على القطط.

فيه فرضية تانية بقى بخصوص نفس الموضوع لكنها مختلفة تمامًا عن الأراء اللي فاتت، الفرضية دي بتقول إن الموضوع مالهوش علاقة بالفصائل ولا حاجة، ولكنه متعلق بهدف حماية الممتلكات المتمثلة في منطقة الإقامة، والمواد الغذائية، يعني بالعربي كده الباحثين دول شايفين إن عداء القطط والكلاب الموجودين في الشوارع، ما هو إلا محاولة فرض سيطرة كل واحد منهم على المكان وتأمين احتياجاته، وده بعيدًا عن الإنتماء العِرقي لكل فصيلة.
ومن وجهه نظرهم الهجوم من قبَّل الكلاب مش متعلق بالقطط كنوع، ولكنه متعلق بأي حيوان آخر بيحاول إنه يقرب من منطقة الكلاب أو من الجماعات الخاصة بيهم، يعني لو سنجاب مثلاً إقتحم بيئة الكلاب هيهجموا عليه، ولو فأر إقتحم بيئة الكلاب برضو هيهجموا عليه، وكذلك لو ذئب أو ثعلب، أو غيرهم من الحيوانات، وفيه فيديوهات كتير على الإنترنت ممكن تشوف فيها مواقف من دي كتير، إذًا الشاهد في الموضوع إن القطط هي اللي متواجدة في بيئة الكلاب بكثرة دونًا عن غيرها من الحيوانات؛ وعشان كده العداء اللي بينها وبين الكلاب واضح عن العداء اللي بين الكلاب وبين أي نوع تاني.

معاهدة سلام غير مكتوبة

طيب قولنا إن القطط والكلاب أعداء، وبيهجموا على بعض، بس أنا كل يوم الصبح بشوف قطة بتعدي جنب الكلاب عادي ومحدش بيقولها أنتي بتعملي إيه، وبشوف كلب بياكل من صناديق القمامة جنب مجموعة من القطط والحياة وردي ومفيش أي مشاكل.
الحقيقة المشهد اللي بنشوفه بشكل متكرر ده، بيحصل لعدة أسباب، أولهم، هو توافر الطعام وتعدد مصادر الغذاء، القطط والكلاب في الطبيعي بيتخانقوا ليه، مش عشان قلة مصادر الغذاء، طب دلوقتي النقطة دي مش موجودة في المدن؛ بسبب صناديق ومقالب القمامة الموجودة في كل حتة تقريبًا؛ وبسبب الزيادة في طهي الأطعمة بكميات كبيرة، ورمي الباقي في المهملات، بقى فيه خيرات كتير قدام القطط والكلاب، وبالتالي مفيش داعي إنهم يهجموا على بعض، ولا يشغلوا بالهم ببعض أصلاً، كده كده الأكل كتير، وموجود في كل مكان؛ وعشان كده ممكن عادي جدًا تشوف مجموعة من القطط والكلاب بياكلوا من نفس صندوق القمامة ومحدش فيهم بيهجم على التاني.
وبالإضافة للعامل ده، فيه عامل تاني مهم، ألا وهو كثرة الأعداد، القطط والكلاب في الشوارع في الفترة الأخيرة عددهم بقى كتير جدًا مقارنة بالسابق، من شوية كنا بنتكلم في النقطة الخاصة بفرض السيطرة على المكان، وإنها سبب في هجمات الكلاب والقطط على بعض، لكن بسبب الزيادة المهولة في أعداد كل صنف منهم بدأ مفهوم المناطق الجغرافية والسيادة المكانية يتلاشى من عندهم؛ لأن كده كده الأعداد كتير ومفيش حل كده كده غصب عنهم لازم هيبقوا قريبين من بعض، وبالتالي مضطرين يتعايشوا قدر الإمكان عشان الدنيا تمشي، وده اللي بدوره خلق جو بيسوده الهدوء بين مجموعات القطط ومجموعات الكلاب، وحرفيًا ممكن تحس بإنهم عاملين مع بعض معاهدة سلام غير مكتوبة.
ومن الأسباب أيضًا اللي بتخليهم يتجنبوا بعض، هو إن كل طرف فيهم عارف إنه لو دخل خناقة مع التاني، الإتنين هيطلعوا بخساير؛ وده لأن القطط مَرنة وسريعة، وكذلك الكلاب ضخمة وشرسة، كل واحد منهم عنده مقومات ممكن يأذي بيها التاني، والعوامل دي وغيرها هي اللي سببت حالة المُعايشة الغريبة بين القطط والكلاب في الشوارع مع إن مش ده الشئ اللي المفروض يحصل ما بينهم.
وبالرغم من اللي قولناه ده ممكن تشوف قطط وكلاب بيتخانقوا عادي كده، وده في العادة بيكون راجع لسبب من إتنين، أولهم، هو إن القطة دي غريبة عن المنطقة؛ لأن الحيوانات اللي بتكون عايشة في نفس المكان بيبقوا عارفين بعضهم، ومن النادر إنك تلاقي كلب بيعتدي على قطة بتعيش معاه في نفس الشارع، في حين إن لو فيه حيوان غريب اقتحم بيئتهم بينفروا منه وبيهاجموه، ولك أن تتخيل بإن لو كلب من منطقة غريبة هجم على قطة في المكان، بتبدأ كلاب المنطقة يتخانقوا معاه ويبعدوه عن المكان.

تاني حاجة بقي هي شغل النسوان، القطط الإناث هي دايمًا اللي بتتخانق مع الكلاب مش الذكور، وده في العادة بيكون بسبب إن الكلب مثلاً قرب من أطفالها أو حاجة زي كدا وفي الوقت ده، القطة بتكتسب جرأة غير عادية وبتتحول لـ وحش، فـ لو شوفت قطة بتتخانق مع كلب، فـ إعرف على طول إنها غالبًا أنثى، لكن بعيدًا عن السببين دول الطرفين بيعيشوا في سلام.
ومن أحد الأدلة على موضوع المُعايشة اللي بنتكلم عنه، هي علاقة غريبة جدًا بين الدِببة والذئب، من المألوف في الحياة البرية هو إن الدببة والذئاب بيهاجموا بعض، الذئاب حرفيًا بتاكل الدِببة، وخصوصًا لو مجموعة كبيرة من الذئاب إتلموا على دب وحيد، وعلى الجانب الآخر الدببة في الخناقات بتقتل الذئاب؛ الدببة مخلوقات ضخمة وبتمتلك مخالب قوية وتعتبر من أقوى الحيوانات اللي عايشة في البرية.
الموضوع لحد هنا عادي ومفيش فيه أي مشاكل، الغريب بقى إن في بعض الأحيان لما الذئاب والدِببة بيتواجدوا في منطقة واحدة، أحيانًا بيتعمدوا إنهم يتجاهلوا بعض، كل واحد فيهم عارف إن الطرف التاني مؤذي وأي خناقة بينهم الإتنين هيخرجو منها خسرانين؛ فبيمشوا بمبدأ صباح الفل يا جاري أنت في حالك وأنا في حالي.

والموضوع مش متوقف لحد كده، المدهش إن عدسة المصوريين لقطت مشاهد بين الدِببة والذئاب غاية في الغرابة، وخليني أقولك إن الصورة اللي قدامك دي حقيقة ومش فوتوشوب ولا حاجة، اللي قدامك دول أنثى ذئب رمادي ودب بني، حرفيًا عايشين مع بعض.

اللي لقط الصورة كان مصور فنلندي، ومحدش فاهم لحد دلوقتي هما إزاي عايشين في إنسجام كده.

الذئب والدب بيتشاركوا الطعام مع بعض، ومفيش طرف منهم بيهاجم على التاني.

وفيه مشاهد آخرى شبيهة بدي، ممكن نشوفها بين الدِببة القطبية وكلاب الصيد، في المناطق القطبية، بالرغم إن السكان المحليين بيستخدموا كلاب الصيد بهدف إخافة الدِببة القطبية تحديدًا، إلا إن أحيانًا بيحصل مشهد زي اللي قدامنا ده بالظبط، كلاب الصيد والدِببة أحيانًا بيلعبوا مع بعض.

ممكن يعيشوا سوا؟

بالعودة بقى لموضوع القِطط والكلاب فيه عدد كبير من مُربي الحيوانات الألفية حاولوا إنهم يثبتوا عكس المعتقدات السائدة عند الناس، وبدأوا يربوا قطط وكلاب في نفس البيت، عشان يثبتوا إن ألد الأعداء عادي جدًا ممكن يعيشوا مع بعض بسلام، وده طالما مصالحهم ما إتعارضتش مع بعض ومفيش طرف فيهم طغى على الأخر، وبالفعل توصلوا لنتائج زي اللي في الصور دي بالظبط.

القط والكلب اللي إتربوا مع بعض بيكبروا وبيبقوا أصدقاء، بل لو جبت معاهم حيوان جديد هيتخانقوا معاه، يعني لو جبت ليهم قطة جديدة، هينفروا منها تمامًا والقطة القديمة هتميل للكلب أكتر، بالرغم من إن القطة الجديدة من نفس نوعها، وده كله سبحان الله ما هو إلا تعايش بين المخلوقات.