(يا أخي إنت خليت شعر جسمي كُله يوقف)، جملة بنقولها كتير بشكل عفوي لما حد يهزر معانا هزار تقيل ويُخضنا مثلًا أو حتى لو إتعرضنا لموقف حقيقي فيه خوف أو إثارة، المدهش بقى إن الجملة دي ماهياش جملة مجازية مثلًا أو مجرد عِبارة، ولكن دي ظاهرة حقيقة وبتحصل معانا بالفعل، أي حد فينا لو ركز في شعر جسمه في أوقات الخوف، وخصوصًا شعر الإيد هنلاحظ إن الشعر بيحصله إستثارة وبيرتفع لأعلى وكأن في مغناطيس بيشده لفوق، أينعم الحالة دي بتحصل في ظروف معينة ولفترة زمنية قليلة جدًا، لكن برده ليه الظاهرة دي بتحصل، وإيه علاقة الشعر أصلا بالخوف؟

تحاديب الأوز!

القشعريرة أو تحاديب الأوز أو بالإنجليزية (Goose bumps) هي رد فعل لا إرادي بيحصلنا لما بنتعرض لمجموعة من المُحفزات والمشاعر الخارجية اللي زي الخوف والقلق، في الوقت ده بنحس برعشة أو ذبذبات خفيفة في جسمنا، بالإضافة لإن شعرنا بيقف بشكل رأسي، والموضوع ده بيظهر في جسمنا بشكل ملحوظ في المناطق اللي ماعندناش فيها شعر كتير، أو اللي الشعر فيها بيكون ناعم وقصير، زي مثلًا منطقة الذراعين والأرجل وكمان الوجه والرقبة، وفي بعض الأحيان ممكن حركة الشعر ماتبانش أوي، ولكن بيظهر نتؤات بارزة على الجلد بتكون أشبه بالنتوءات الموجودة على جلد الأوز والطيور لما بيتم نتف الريش بتاعهم، والموضوع بتاع النتوءات ده تحديدًا، كلنا بنلاحظه وبنشوفه على جلدنا كتير، وده السبب بالمناسبة في إن القشعريرة بيتم وصفها بلفظة تحاديب الأوز أو الـ Goose bumps، بسبب التشابه اللي بينها وبين الحويصلات أو النتؤات اللي بينمو فيها الريش على جلد الطيور، طيب هو ليه القشعريرة دي بتحصل أصلا، وإيه الهدف من وجودها، وإيه اللي بيخلي الشعر يقف بالشكل ده؟

إستجابة الكر والفر

لما بنتعرض لموقف فيه خوف، بيبدأ الجهاز العصبي يجهز الجسم لوضعية (الكر أو الفر
fight-or-flight response)، اللوزة الدماغية أو الـ Amygdala بتبدأ تبعت إشارات للغدد الصماء وبتخليها تفرز هرمون التوتر أو الأدرنالين بمعدلات أعلى من مستواه الطبيعي وتخليه يندفع خلال مجرى الدم بالإشتراك مع بعض المُحفزات والهرمونات الأخرى، وده بدوره بيزود ضربات القلب وبيوسع مجرى الهوا وكمان بيرفع درجة حرارة الجسم وبيخلي الحواس الخارجية اللي زي السمع والبصر يكونوا أكثر حِدة، وكنا إتكلمنا عن الموضوع ده قبل كده بشكل مفصل في حلقة: (إزاي وقت الغضب بيكون عندنا قوة مؤقتة أكبر من قوتنا الطبيعية؟)

الشاهد بقى إن من ضمن الإجراءات اللي الجسم بياخدها في الوقت ده هو إن الأدرنالين بيتسبب في إنقباض العضلات علشان يزود من قوتهم بما فيهم العضلات الدقيقة الموجودة أسفل الجلد واللي متصلة مباشرةا بالشعر، كل شعرة موجودة في جسمنا وتحديدًا قاعدة البصيلة بتكون متصلة بعضلة إسمها: العضلة الناصِبة للشعر أو الـ Arrector pili muscle، العضلة دي بقى لما بتنقبض بتعمل تلات حاجات، أول حاجة هي إن الإنقباضات نفسها وحركتها المفاجأة، بتخلينا نحس بشعور القشعريرة اللي بيحصل في جسمنا، تاني حاجة بقى هي إن العضلة في الطبيعي بتكون مرتاحة ومش بتأثر على الشعر المتصل بيها بأي قوة؛ وعلشان كده الشعر في الوضع العادي، بيكون مائل ومنخفض لأسفل، أول بقى مايحصل إجهاد في العضلة بتبدأ فورًا تشد الشعرة ناحيتها من البصيلة بتاعته، وده اللي بيخلي الشعر يتفرد ويقف بشكل مستقيم وبعد شوية، وبعد ما تأثير الأدرنالين يتلاشى وبعد ما العضلة تسترخي بيبدأ الشعر يرجع لوضعه الطبيعي مرة تانية.

الحاجة التالتة بقى والأخيرة، هي إن الإنقبضات اللي العضلات دي بتعملها بتخلي سطح الجلد كله ينخفض مؤقتًا ماعدا المنطقة المحيطة بالشعرة؛ وعلشان كده المنطقة دي بيظهر فيها بروز وبتبان وكأنها متورمة، وده اللي بيصنع شكل تحاديب الأوز أو الـ Goose bumps اللي اتكلمنا عنه.

هل القشعريرة ليها فايدة؟

طيب دلوقتي خلينا نسأل سؤال مهم، هل الموضوع ده فيه منه فايدة أو هل القشعريرة وحركة الشعر دي بتفيد الجسم بحاجة ولا الموضوع مجرد ظاهرة ثانوية وخلاص؟، الحقيقة وعلى عكس المتوقع له أكتر من فايدة، وأحد أبرز الفوائد دي هي الحفاظ على درجة حرارة الجسم، وخلينا نوضح إزاي، لما الشعر بيقف لأعلى ده بيخليه يقدر يحبس طبقة كبيرة من الهواء بالقرب من الجلد، والطبقة دي بقى بتبقى حاجز بين جسمنا وبين الهواء الخارجي المحيط بينا، حاجة كده أشبه بطبقة عازلة بيحيط بجلدنا بالكامل، وبالتالي ده بيخلينا نحافظ على درجة حرارة الجسم ومايحصلش أي تسريب من الحرارة بتاعتنا للخارج، وكل ما الشعر كان واقف أكتر، كل ما سُمك الطبقة دي لأعلى بقى أكبر، وبالتالي يدينا عَزل يبقى أفضل، ده غير بقى إن أكتر من 85% من الحرارة اللي بينتجها الجسم، بتكون بسبب التقلص والإنقباضات اللي بتحصل في العضلات، وعلشان كده إنقباض العضلات المُتصلة بالشعيرات بيولد كمية كبيرة جدًا من الحرارة أسفل الجلد؛ وعلشان كده بقى الشعور بالقشعريرة ده بنلاحظه جدًا في فصل الشتاء، لما الجو حوالينا بيكون بارد بنبدأ نحس بقشعريرة مصحوبة بإرتعاش أو رجفة بيحصلوا في جسمنا، ودي طبعًا ماهي إلا وسيلة بيحاول جسمنا من خلالها إنه يحافظ على درجة حرارته، ومش بس كده الأكثر غرابة كمان هو إننا ممكن نحس بالقشعريرة برده في فصل الصيف؛ وده بيكون بسبب التعرُق، لما العرق بيتكون على جسمنا وبعدين يتبخر ده بيخليه ياخد معاه كمية من الحرارة، وبالتالي المنطقة اللي اتبخر فيها العرق بتبرد لو المنطقة دي بردت زيادة عن اللزوم وقتها بنحس بالقشعريرة وممكن نلاحظ إن شعرنا بيقف وده بيكون بغرض تدفئة الجسم والحفاظ على درجة حرارته.
دلوقتي بقى وبعيدًا عن موضوع البرودة، الأحساس بالقشعريرة وأن شعرنا يقف بيحصل في مواقف تانية كتير، يعني لو بنتفرج على مقطع فيديو مؤثر بنلاقي أن جسمنا كمان قشعر وشعر أيدينا وقف، ولو بنسمع خطاب مُلهم أو بنستلم جائزة أو بنمر بموقف عاطفي، كل الحاجات دي ممكن تخلي جسمنا يقشعر، ياترى إيه السبب في كده؟

مش الخوف بس

السبب في كل الظواهر اللي بتحصلنا وجسمنا بيقشعر فيها بتتلخص في كلمة واحدة ألا وهي الأدرنالين، العواطف القوية والمحفزات الخارجية اللي بنتعرضلها بتكون سبب كبير في إفراز الأدرنالين في جسمنا، والموضوع بيبان أوي مع الأفلام ومقاطع الفيديو اللي بيكون فيها خليط بين الأصوات والمشاهد المرئية والأحداث المحبوكة وبنبقى قاعدين مُنتبهين ومُترقبين الأحداث طول الوقت، كل دي عوامل بتخلي الأدرنالين يُفرز في جسمنا بكمية أكبر، واللي بدوره بيتسبب في إنقباض العضلات بما فيها العضلات اللي أسفل الجلد، وبالتالي إصابتنا بالقشعريرة، بس الفرق طبعًا إن الأدرنالين المرادي ماهواش إستجابة لآلية (الكر والفر) ولكنه استجابة للمشاعر اللي بنحسها.

هل القشعريرة مؤشر للمرض؟

طيب هل القشعريرة مؤشر لحالة مرضية، في الواقع لأ، القشعريرة ظاهرة طبيعية جدًا ومفيش منها أي خطورة، بل إن أصلًا فيه دراسات بتقول إن الأشخاص اللي بيمروا بالقشعريرة من وقت للتاني، فـ دي علامة صحية على إن الجهاز العصبي بتاعهم بيقوم بدوره بشكل سليم، ولكن فيه حالات نادرة جدًا بتكون فيها القشعريرة دليل على وجود حالة مرضية، وده لما تتكرر بشكل مكثف وبدون توقف، وفي الوقت ده بتكون علامة على إحتمالية الإصابة بمرض “الصرع الصِدغي
temporal lobe epilepsy”، أو وجود إضطراب في “الجهاز العصبي الودي sympathetic nervous system”، أو بعض الإضطرابات الدماغية الأخرى ولازم في الوقت ده نراجع الطبيب المُختص، لكن زي ما قلنا بتكون حالة نادرة جدًا.

مش البشر بس

أخيرًا بقى، القشعريرة ممكن نشوفها كمان في بعض الحيوانات زي القطط مثلًا، القط لما بيتعرض للهجوم بنلاقي ضهره بياخد شكل القوس وشعر جسمه كله بيقف؛ وده بيكون بسبب توتر العضلات القريبة من العمود الفقري وكذلك تقلص العضلات الموجودة أسفل الجلد، والموضوع ده بيكون مُفيد جدًا بالنسباله سواء إنه يحافظ على درجة حرارة جسمه من ناحية، أو إنه يظهر بهيئة أكبر وأضخم من الطبيعي بسبب شعره المنفوش، وبالتالي ده بيخوف الحيوانات الأخرى اللي بتهاجمُه.

والآلية دي كمان بتبقى مؤثرة جدًا عند حيوان مثلًا زي “النيص أو The Porcupine”
وده أحد القوارض الشبيهة بالقنفذ، الحيوان ده بيمتلك على جسمه أشواك حادة وطويلة، والأشواك دي بتكون مسطحة بإتجاه جسمه، لكن أول مابيتعرض للهجوم العضلات بتاعته بتنقبض وبيفرد الأشواك بتاعته لأعلى وبتديله مظهر مخيف بالنسبة للمفترسين اللي حواليه، وفيه لقطات كتير للنمور وغيرها من حيوانات مفترسة وهما خايفين يقربوا منه وبيتعاملوا معاه بحذر شديد جدًا.