من أول نظرة على الضباع وهما متلمين حوالين وجبة وبيتصارعوا مع بعض على مين ياكل أكتر، صعب تتخيل إن العصابة دِه ممكن يكون عندهم أي شكل من أشكال التنظيم أو بنية اجتماعية ما بينهم أو غيرها، بس الحقيقة إن الضباع عندهم هيكلة اجتماعية مدهشة داخل كل عشيرة، وليهم نظام وقواعد الكل بيمشي عليها، فيه اللي بيستفيد منها، وفيه اللي بيعيش فيها أسوء حياة ممكن تتخيلها على الإطلاق.

الضباع المرقطة

“في عالم الضباع المرقطة، لن تريد أبدًا أن تكون الذكر”، ده كان تصريح “كاي هولِكامب Kay Holekamp” أستاذة علم الأحياء والسلوك في جامعة ولاية ميشيجان الأمريكية، واللي أفنت من عمرها 30 سنة في دراسة الضباع المرقطة في البرية، ما بين 4 أنواع من الضباع تعتبر الضباع المرقطة هي الأكثر شهرة وانتشارًا، وفي الوقت نفسه بتمثل واحدة من أغرب فصائل الحيوانات على الإطلاق؛ سواء على مستوى التركيبة الجسدية أو النظام الاجتماعي اللي بتعيش من خلاله، فعلى عكس أغلب الثدييات في عالم الحيوان إناث الضباع المرقطة هي اللي بتسيطر على مجموعاتها بقبضة من حديد، وهما اللي بيحددوا الهيكلة الإجتماعية داخل العشيرة ومكانة كل واحد فيها.

أما الذكور بيعيشوا حياة بائسة لأقصى درجة ممكن تتصورها، في البداية كده الضباع المرقطة بتنتشر في جنوب الصحراء الكبرى في صورة مجموعات أو عشائر، العشيرة الواحدة ممكن يتراوح تعدادها من 6 أفراد لأكتر من 100 فرد، واللي تعتبر الأكبر على الإطلاق بين جميع الحيوانات الآكلة للحوم، وكل أعضاء العشيرة بيبقوا عارفين بعض بشكل شخصي، وبيتعاونوا للدفاع عن أراضيهم وكذلك في عمليات الصيد، وبيربوا أشبالهم بشكل جماعي، لدرجة أن منهم اللي بيشتغل كـ جليسة أطفال لو أم خرجت تصطاد وسايبة صغارها في العرين.

أغلب وقتهم بيقضوه في مجموعات منفصلة بأعداد أصغر، بيتجمعوا فيها للصيد أو الدفاع عن مناطقهم، وعلى عكس الشائع بين الناس عن أن الضباع مش بتصطاد وبتتغذى بس على الجيفة أو اللحم الميت، إلا أن الصيد بيمثل ما لا يقل عن 50% من غذاء الضباع المرقطة، 95% من الفرائس بتتنوع بين حمير وحشية أو جاموس أفريقي أو حتى أسود لو الفرصة سنحت، وطريقتهم في الصيد بتعتمد على الإنفراد بأي فريسة والهجوم عليها بشكل جماعي، وأول ما تقع يبدأوا مسابقة أكل جبارة بيخلصوا فيها على كل حتة لحم في الفريسة أو حتى عضم، ولك أن تتخيل أن مجموعة من الضباع سهل تخلص على حمار وحشي وزنه 250 كجم في أقل من 30 دقيقة، ومايتبقاش منه أي أثر إلا بقع الدم على الأرض، بل إن الضبع البالغ يقدر في قعدة واحدة ياكل ما يعادل تلت وزنه، وعشان تجمع معايا أد ايه الموضوع مخيف، فتخيل واحد وزنه 90 كجم بياكل في القعدة الواحدة 30 كيلو لحمة، طبعًا أنت لما بتشوف منظرهم وهما متلمين حوالين الفريسة وكله عمال بيدب أنيابه فيها هتحس إن القصة هرج ومرج ومافيش أي نظام ولا قواعد، بس الحقيقة إن مفيش فرد في العشيرة يقدر يدوق حتى من الفريسة قبل أفراد العائلة الملكية، واللي هما في الحالة دِه الإناث وعيالهم، ومش أي إناث كده وخلاص، الإناث من أقارب الأنثى الألفا أو الملكة، اللي المجموعة دِه كلها تحت سلطتها هي.

طيب والذكور؟، مفيش ذكر واحد بيجي في مكانة أعلى من أي عيل من عيال إناث العائلة الملكية، حتى لو كان هو السبب الرئيسي في نجاح عملية الصيد، بل إن من الممكن إنك تلاقي ذكور مش بتدخل على الفريسة أصلاً إلا وهي مجرد عظام، ووقتها مابيبقاش قدامهم غير إنهم ياكلوا العظام دِه عشان يكفوا جوعهم عشان تبان واحدة من أهم مزايا التسلسل الهرمي للهيمنة الاجتماعية للإناث داخل العشيرة، ألا وهي الحصول على الطعام وقبل أقرانها من المستويات الأدنى في العشيرة، بس القصة مع الذكور أسوء بكتير من مجرد الانتظار في طابور الأكل.

القضيب الزائف

أول إختلاف ظاهر للعيان بين إناث وذكور الضباع المرقطة بيظهر في الحجم، فبنلاقي إن الأنثى أضخم نسبيًا من الذكر، مع وزن يتراوح بين 40 لـ 55 كجم للذكر البالغ، ووزن يصل لـ 64 كجم للأنثى، لكن الحقيقة إن الحجم مش السبب الوحيد ولا حتى الرئيسي في سيطرة الإناث وفرض كلمتها على الذكور، على عكس معظم فصائل الحيوانات اللي بيتصارع فيها الذكور للفوز بالأنثى، إناث الضباع المرقطة هي اللي بتقرر كل شىء فيما يخص التزاوج من أول اختيار الشريك مرورًا بموقع التزاوج وزمانه، والقصة هنا مش إن حجمها أكبر نسبيًا من الذكور فبتستقوى عليهم مثلاً، الموضوع كمان متعلق بالتركيبة الجسدية العجيبة لإناث الضباع، إناث الضباع المرقطة عندهم نسبة عالية جدًا من هرمون التستوستيرون، ومافيش عندهم مهبل خارجي، العضو التناسلي عند الإناث نسخة طبق الأصل من العضو التناسلي عند الذكور وهو العضو المعروف بإسم القضيب الزائف.

والعلماء مافهموش الحكاية دِه غير متأخر، إنما في الأول ماكنوش فاهمين هو فيه إيه، اللي قال إن النوعية دِه من الضباع ثنائية الجنس، وفيه اللي راح بخياله لأبعد من كده زي المؤرخ الروماني بليني الأكبر وقال إنهم بيتحولوا من سنة لسنة، سنة بيبقوا ذكور، والسنة اللي وراها يبقوا إناث؛ الشاهد إن بسبب طبيعة العضو التناسلي للإناث؛ فعملية التزاوج من المستحيل تتم فسيولوجيًا بدون رغبة الأنثى وتعاونها، وفكرة استخدام القوة من جانب الذكور في التزاوج مش هتجيب أي نتيجة، ده غير إن فرص تزاوج الذكر من داخل عشيرته أصلاً ضئيلة جدًا، فبعيدًا إنه مالوش يد في الاختيار فالإناث أصلاً مابيفضلوش الزواج من نفس العشيرة، وماحدش عارف السبب الحقيقي ورا القصة دِه.

المنبوذ

زي ما قولنا إن عيال الإناث من أصحاب السلطة في أي عشيرة بيجوا في المرتبة اللي تحت أمهاتهم على طول، وهنا الكلام بيشمل الذكور والإناث، الذكر هنا بيعيش أزهى فترات حياته، أحسن أكل – أحسن موقع للنوم وهكذا، وبيساعده في ده أن أشبال الضباع المرقطة بيتولدوا في حالة جسدية كويسة، فعلى عكس أغلب الثدييات في عالم الحيوان شبل الضبع بيولد وعيونه مفتوحة وعضلاته متناسقة وأسنانه شبه بارزة من اللثة، لكنه مع ذلك بيعيش أول سنة ونص من عمره تقريبًا معتمد على حليب أمه، لكن أيام الدلع للذكر والعيشة الحلوة عمرها قليل، وبعد كام شهر من وصوله لسن البلوغ في عمر سنتين تقريبًا ومفيش أي أنثى معبراه، بيضطر يهاجر من عشيرته ويتجه للبحث عن فرصة بالعشائر المجاورة، ممكن تقول هنا وإيه المشكلة، كتير من الحيوانات أول ما بيوصلوا سن البلوغ بيسيبوا مجموعاتهم ويروحوا يدوروا على فرصة للزواج في مجموعات تانية؛ صحيح، بس الهجرة للحيوانات التانية تعتبر بمثابة فرصة ليهم، مش بس إنهم يلاقوا إناث للتزاوج في مجموعات تانية، لكن كمان فرصة لتحدي كبار الأفراد في المجموعات التانية وزيادة مكانتهم الاجتماعية، لكن القصة مختلفة تمامًا مع الضباع المرقطة.

بغض النظر عن الرحلة الخطرة اللي بياخدها الذكر لوحده بحثًا عن عشيرة تانية، فمش من السهل أبدًا ان عشيرة تقبل واحد غريب فيها، ولا فيه فرصة إنه يتحدى حد منهم، لأن كل أفراد العشيرة ممكن يحطوا عليه، وأصلاً العشائر بصفة عامة مش بتحب بعضها، خصوصًا مع حالات التعدي المستمرة على الأراضي أو محاولة سرقة الفرائس ما بينهم، وبعد ما عاش طفولته في نعيم وسط أهله وعشيرته، اتحول لمنبوذ إجتماعي خاضع، بيتوسل للقبول وللحصول على الطعام وحتى التوسل للزواج، ممكن تقول هنا طيب وايه أصلاً اللي خرجه من عشيرته من الأساس، ما كان يفضل قاعد ويسيبه من حوار التزاوج ده؛ مش بمزاجه الإناث هتطرده، يعني كده كده ميت مش بقولك حياة بائسة، طيب بفرض قبلوه في العشيرة الجديدة.. إيه وضعه وقتها؟

نهاية مؤسفة

لما بيتم قبول الذكر في عشيرة جديدة بيحتل أقل مرتبة وسط العشيرة، يعني أخر واحد ياكل – ده إذا أكل أصلاً – أسوء مكان للنوم وأسوء معاملة، أي عيل من العشيرة ممكن يجي يتنطط عليه ولا يقدر يفتح بقه، والأسوء إن مافيش وسيلة يقدر يزود بيها مكانته وسط أفراد العشيرة، حله الوحيد هو الانتظار، يا إما يجي مهاجرين جدد للعشيرة وساعتها مكانته هتبقى أعلى منهم، أو أن الذكور الأعلى منه مرتبة يموتوا وياخد مكانهم، لكن في وسط المرمغة دِه بارقة الأمل بالنسباله هي إنه عنده فرصة للتزاوج، فزي ما قولنا الإناث مش بيفضّلوا التزاوج من نفس العشيرة، وعنيهم بتروح على الغرباء المنضمين للعشيرة، وساعتها يبقى طلع من الموضوع إن نسله يستمر، بس المشكلة لو طلعوا ذكور برده هيشوفوا نفس البهدلة، وفي النهاية وبغض النظر عن الحياة البائسة لذكر الضبع، إلا إن حياتهم الاجتماعية مثيرة فعلاً للدهشة، نظام اجتماعي صارم داخل كل عشيرة بيجمع أعداد ضخمة من حيوانات متوحشة، وكله بيمشي حسب القواعد والقوانين، بيصطادوا بشكل جماعي، بيدافعوا عن أرضهم سوا، وكله لأجل العشيرة وتحت رعاية الملكة.