من أكثر الوحوش المرعبة في أفلام وروايات الخيال العلمي، هي الوحوش اللي بتنمو داخل جسم كائن تاني لكي تسيطر عليه تمامًا وتستخدمه لزيادة أعدادها، وبالرغم إن الموضوع خيال علمي، إلا أنه وعلى الجانب الآخر فيه نوع من الفطريات موجود بالفعل وبيعمل نفس اللي بتعمله النوعية دي من الوحوش، بيسيطر على أجسام وعقول الحشرات ويحولهم لحاجة أشبه بالزومبي، بل وبيتكاثر من خلالهم كمان، إزاي بيقدر يستعبد الحشرات، وهل من الممكن أن الفطر ده يصيب الإنسان ويحوله زومبي ولا لأ؟
فطر يستعبد الحشرات
عام 2015 وصفت الباحثة “كارولين إليا Carolyn Elya” النوع ده من الفطريات المُسببة للأمراض معروف من منتصف القرن الـ 19، وعنده قائمة واسعة من المُضيفين من الحشرات اللي بيعيش عليها وبينتشر من خلالها، لكن باحثة جامعة هارفارد “كارولين إليا Carolyn Elya” كانت أول حد يدرس تأثير الفطر ده على ذباب الفاكهة، واللي اكتشفته كان مرعب لأقصى درجة.
فيلم رعب
القصة بتبدأ مع حركة الذبابة ناحية فاكهة فاسدة، لكن وهي على الفاكهة وبدون ما تعرف التقطت جراثيم فطرية غير مرئية للعين المجردة، ومن اللحظة دي بدأ العد التنازلي لعمر الحشرة وأصبحت في طريقها لواحدة من أسوأ النهايات اللي ممكن يموت بيها كائن حي، في أول 3 أو 4 أيام يبان وكأن مفيش حاجة غير طبيعية عليها زيها زي أي ذبابة تانية، بس الحقيقة إن فيه تغيرات بتحصل جواها، الفطر بينمو وبيسيطر على دماغها وجهازها العصبي، وفي الوقت نفسه بيتغذى على الخلايا الدهنية أو النسيج الدهني اللي بتتخزن فيه العناصر الغذائية للحشرة، وبعد غروب شمس رابع أو خامس يوم يبدأ يبان على الذبابة أعراض العدوى الفطرية العجيبة للفطر القاتل، تبان كأنها شاردة وحركتها غير منتظمة ببساطة كده تحس وانت بتابعها إن فيه حاجة غلط، وتلاحظ في المرحلة دي إن الذبابة بتتسلق الأماكن المرتفعة باستمرار “غصن أو زهرة أو ساق نبات”، وهو السلوك اللي بيطلق عليه العلماء إسم “summiting أو الوصول للقمة”.
وأثناء دراسة “كارولين إليا Carolyn Elya” على الذبابة المصابة حطت لها في المرحلة دي فرشاة أسنان بالقرب منها، وكانت الحشرة مُصرة على تسلقها بإستمرار، وبعد وصولها لقمة فرشاة الأسنان بدأت الحشرة تنتفض بشكل مريب وجناحاتها تتحرك باستمرار بدون وعي وكأنها زومبي” الفطريات أصبحت هي المتحكمة بشكل كامل دلوقت”، شوية وتلاقي نقط من سائل لزج بينزل من أجزاء فم الحشرة، السائل ده بيلزق الحشرة في مكانها وبيخليها مش قادرة تتحرك، تخيل الذبابة هي اللي بتثبت نفسها بنفسها في المكان اللي هيشهد نهايتها، بعدها بدقائق بترتفع جناحات الذبابة وتتسمر في مكانها بوضعية عجيبة، وفجأة يبدأ الفطر يطلع من الذبابة، وبعد ما كان مستعبدها بشكل خفي أصبح ظاهر للعيان.
رعب الانتشار
من بطن الحشرة بيخرج فطر إسفنجي لونه أبيض أشبه بكُرة قطنية، والكرة القطنية دي مُكونة من حبيبات دائرية فوق بعضها أشبه في شكلها بالساق وبتندفع منه بسرعات خلايا تكاثر لا جنسية غير مرئية بالعين المجردة، وهي الجيل الجديد من الفطر القاتل، يعني مش بس الفطر بيسيطر على الذبابة ويقلبها زومبي وينمو من خلالها كمان بيحولها لمنصة مدافع صغيرة ينتشر عن طريقها، بل إن الوضعية اللي بتموت فيها الحشرة – على مكان مرتفع وجناحاتها مرفوعة لفوق – بتساعد الفطر على إطلاق خلايا التكاثر دي ونشرها على أوسع نطاق ممكن، وعلى مدار ساعات بتنطلق مئات الخلايا بحثًا عن مُضيف جديد من الذباب، واللي لو حصل ووصلت على جناح ذبابة وماقدرتش توصل للجسم نفسه بينطلق منه أجسام تانية ثانوية بتعزز فرصها في الانتشار، والعجيب أن الوضعية اللي بتموت فيها الحشرة بتجذب الحشرات التانية ناحيتها؛ فالعلماء لاحظوا أن ذكور ذباب الفاكهة بيتزاوجوا مع إناث الحشرات المصابة بالفطر، وده اللي بيأكد عليه عالم الحشرات “براد مولينز Brad Mullens” اللي بيشوف إن الذكور بينجذبوا للإناث اللي بيبانوا وكأن أحجامهم أضخم من المعتاد، ومن هنا بياخذ الذباب الفطر ويبدأ ينشره بعد 4 أو 5 أيام بنفس الطريقة.
سر التحكم
بس يا ترى إزاي الفطر بيتحكم في دماغ الحشرة لدرجة تنفيذها أوامر بعينها تساعد على نمو الفطر وانتشاره، ودي النقطة التانية اللي بتحاول “إليا” انها تطلعها وتوصل لمعلومات أكتر عنها، يعني إزاي الفطر بيأمر الذبابة إنها تستهدف الأماكن المرتفعة، وإزاي بيدفعها إنها تحرك جناحاتها في وضعية معينة قبل ما تموت؟، حسب كلام “إليا” من الممكن يكون موضوع الحركة ليه علاقة بميكانيكية نمو الفطر داخل الحشرة، يعني مع نمو الفطر بيحصل ضغط على العضلات بيدفع الأجنحة إنها تاخد الوضعية دي، لكن قصة أن الذبابة تستهدف الأماكن المرتفعة وتتسلق الأسطح عشان الفطر ينتشر بصورة أفضل، فبحسب كلامها ده مالوش تفسير غير السيطرة على الدماغ والتلاعب العصبي بالذبابة، وده غالبًا بيحصل عن طريق إفراز مواد كيميائية داخل الحشرة نفسها.
لكن وعلى الجانب الآخر، بتشوف عالمة الحشرات بجامعة أريزونا “كاتي بروديك Katy Prudic” ان من المستحيل يتم التلاعب بالخلايا العصبية عن طريق كائنات حية أخرى، لكنها بتأكد أن متابعة دراسة “إليا” ممكن تؤدي لإكتشافات جديدة بخصوص طريقة تحكم الفطر في أدمغة الحشرات.
الاستفادة من الفطر القاتل
العدوى الفطرية لمدمر الحشرات عادةً ما بتحصل خلال فصول الربيع والخريف، وتم ملاحظة الفطر في معظم المناطق المعتدلة مناخيًا على مستوى العالم، وإن كانت عملية انتشار خلايا التكاثر تتزامن مع الظروف المناخية الباردة والرطبة، وهي الظروف اللي بتعزز من إنتاجها وانتشارها.
ومهارة الفطر في القضاء على الحشرات شجع العلماء في محاولة الاستفادة منه في السيطرة على الحشرات في المزارع، بس المحاولات اللي تم إجرائها لحد دلوقت باءت بالفشل، الفطر حساس جدًا تجاه درجات الحرارة، ومع ارتفاعها بتنخفض مستويات انتشار العدوى لأقل معدل ممكن، بل إنه تلاحظ أن بعض أنواع الذباب اللي أصابه الفطر بالفعل، قدر يتخلص من العدوى عن طريق الاستراحة في أجواء مناخية حارة، وهو الأمر اللي ما ساعدش الفطر على النمو، وفكرة تخزين الفطر في صورة حية أمر صعب، ونفس الأمر ينطبق على زراعته في المختبرات، وبالتالي مافيش فرصة – لحد دلوقت – بالاستفادة من الفطر القاتل في السيطرة على الحشرات.
لكن على الجانب الأخر، حاول العلماء يستفيدوا من الطريقة اللي بينتشر الفطر من خلالها وإزاي بتنطلق خلايا التكاثر منها بسرعات مهولة عشان تُصيب أهدافها من المضيفين الجُدد، وهي ميزة فريدة غير موجودة في أي حيوان أو فطر تاني، وعشان يحاكوا الخاصية دي للسيطرة على الحشرات في المزارع مثلاً، قرر فريق من العلماء إنهم يبنوا مدافع خاصة بيهم أشبه بمدافع الفطر القاتل، واختبر العلماء مجموعة متنوعة من المدافع والمقذوفات المختلفة، سواء كبيرة في الحجم أو صغيرة، ونفس الأمر ينطبق على نوعية السائل اللي بيدفعوا بيه المقذوف لتوفير قوة إطلاق أعلى، وبعد عشرات الاختبارات ماقدروش يوصلوا لتوليفة مناسبة بين حجم الأنبوب وحجم المقذوف يسمح بحركته لمسافة طويلة أو حتى دقة كافية لإًصابة الحشرات، والميكانيكية اللي ربنا سبحانه وتعالى ميز بيها الفطر في مساعدته على الانتشار، ما قدروش يحاكوها ويستفيدوا منها كحل جديد في السيطرة على الحشرات في المزارع وغيرها.
ممكن يأذي انسان؟
حسب كلام الدكتورة “كارولين إليا Carolyn Elya”، فمن الصعب أن الفطر القاتل أو أي فطر مماثل أنه يحول البني آدمين لزومبي ويعمل فيهم زي ما بيعمل في الحشرات؛ فالإنسان مش بس حرارة جسمه أعلى من الحشرات، لكن أجسادنا بتسمح بالتحكم في الحرارة لقتل الأجسام الغريبة ونظامنا المناعي قادر على التصدي للنوعية ده من العدوى بمنتهى السهولة، والفطر وخلايا التكاثر بتاعته مش بيتحملوا درجات الحرارة المرتفعة، وبالرغم أن الفطر القاتل بيقتل عشان يعيش ويستمر على قيد الحياة، إلا أن الطريقة اللي بيستخدمها في استعباد الحشرات وكتابة نهايتهم ممكن تبقى أشد قسوة من أنياب الحيوانات المفترسة على فرائسها.