يعتبر الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا هو المكان المثالي لكل مُحبي الحياة البحرية، وفي سنة 1985 فكر الغواص ورجل الأعمال “دوج تاركا Doug Tarca” إنه يستغل تهافت السياح على زيارة المكان الجميل ده ويقدملهم خدمة مبتكرة كانت الأولى من نوعها في العالم، وكانت الفكرة باختصار هي بناء فندق عائم وسط الحاجز المرجاني تمامًا، وعلى الرغم من تنفيذ الفكرة ونجاحها بالفعل، إلا أن الفندق وصل بيه الحال إنه يسيب الحاجز المرجاني ويروح كوريا الشمالية “البلد الغير مُرحب فيها بالزيارات على الإطلاق”، وبعد ما كان الفندق بيحقق نسبة إشغال قياسية اتحول لفندق مهجور، فياترى ايه اللي حصل؟

بداية الفكرة

الحاجز المرجاني العظيم يعتبر واحد من عجائب الدنيا الطبيعية، وهو المكان الأفضل على الإطلاق لمحبي رياضات الغوص والسنوركل وكل ما يتعلق بسياحة الشواطئ بصفة عامة، والحاجز المرجاني يقع شمال قارة أستراليا على مسافة كيلومترات من الشاطئ، وعشان كده اعتاد الزوار ابتداءًا من سنة 1983 إنهم يخرجوا بالمراكب واليخوت في رحلة لل تقل عن ساعة للوصول للمكان، وكان من أول الشركات أصحاب فكرة تأجير اليخوت وتاكسيات المياه هي شركة “ريف لينك Reef Link” لصاحبها الغواص ورجل الأعمال “دوج تاركا Doug Tarca”؛ ونتيجة لنجاح الرحلات السريعة اللي من النوعية دي، فَكر “دوج” في تقديم نوع جديد من خدمات الإقامة، فالحاجز المرجاني العظيم هو أكبر مكان لتجمع الشعاب والجزر المرجانية في العالم كله ويبلغ طوله 2300 كلم، وعشان كده كانت فكرة الإقامة أطول وقت ممكن على ضفاف واحدة من جزر الحاجز المرجاني فكرة ممتازة من قبل حتى ما تتنفذ، وكانت البداية هي تفكير “دوج” في تصميم سفينة أو عدد من السفن يكونوا ثابتين بإستمرار بحيث يتم تشغيلهم زي مكان دائم للإقامة، ومع استمرار البحث والتشاور مع شركات البناء وصلوا إلى إن أفضل اختيار بل وأكثر إثارة كمان، هو إنه يبني فندق عائم ثابت بنفس فكرة منصات النفط في البحار، وبالفعل بدأت تنفيذ الفكرة على أيد واحدة من شركات بناء منصات النفط في سنغافورة.

وكان الاختيار من نصيب مدينة “تاونسفيل Townsville”، وهي نفس المدينة اللي يقيم فيها “تاركا”، أما الخطوة الأخيرة فكانت خطوة التعاقد من واحدة من أشهر سلاسل الفنادق في العالم كله؛ لإدارة الفندق الجديد فوقع الاختيار على إدارة “الفورسيزون Four Seasons”.

وأخيرًا بدأ “تاركا” الترويج لفندقه العائم الأول من نوعه في العالم عن طريق السباحة والغوص مع ماكيت على شكل الفندق.

وصف الفندق

المكان اللي تم اختياره للفندق كان عبارة عن نقطة تبعد عن الساحل بمسافة 70 كلم تقريبًا، وكان مُخطط إن الفندق يتثبت بسبعة من المراسي العملاقة، وكانت التكلفة تُقدر بحوالي 100 مليون دولار بما يعادل الأسعار الحالية، وفي صيف سنة 1987 تم قطر الفندق عن طريق سفينة جر عملاقة من الموقع اللي اتبنى في سنغافورة على بعد حوالي 5 آلاف كلم من الموقع اللي هيرسو فيه، والفندق كان مستعد بكل التقنيات الممكنة لمراعاة الحفاظ على البيئة، فكان بيحتوي على نظام لمعالجة مياه الصرف الصحي، بالإضافة لنظام جمع النفايات ونقلها لليابس، ده غير محطات التحلية ونُظم التكييف المركزي، بل تم تزويد الفندق بالعيادات الطبية وخدمات الطوارئ، وتم تخصيص مساحة محترمة لمجموعة من الورش اللي بتصنع كل شئ تقريبًا من الإبرة للصاروخ، بالإضافة لمعمل ومختبر للمراقبة الدائمة للآثار على البيئة، كمان منسيش الفندق إنه يجهز قاعة للمؤتمرات ومهبط للمروحيات، وتقريبًا كده الخُلاصة يعني إن الفندق حاول إنه يتنكر في صورة مدينة صغيرة شاملة المرافق.

أما فيما يخص وسائل الترفيه، فحدث ولا حرج، يعني من الصعب حصر وسائل الجذب اللي اشتملت على مسارح ومطاعم وملاهي ليلية ومكتبات وحمامات سباحة وحتى ملاعب التنس، ده غير بقى الاهتمام بتصميم منطقة اكواريوم بيغلفها الزجاج من كل ناحية، يعنى لو مش عايز تغوص بنفسك ممكن تتفرج على قاع البحار وأنت جوا الفندق نفسه.

وأخيرًا، الفندق كان يمتلك غواصة وعدد من المراكب صاحبة القاع الزجاجي اللي بتتيح للزوار أنهم يقوموا برحلات دورية لأي مكان أو أي جزيرة بالقرب من الموقع.

الفندق الملعون

مع وصول الفندق لمكانه المنتخب بعد رحلته الطويلة، كان بانتظاره أمواج من الحظ السئ، ففي البداية كانت الموجة حقيقية فعلاً نتيجة رياح عاصفة مفاجئة وصلت لحد الإعصار، وتسبب الإعصار ده في بعض التلفيات، ده بالإضافة طبعًا إنه عمل حاجز نفسي للبعض نتيجة للخوف من تكرار الطقس السئ وهما في وسط المحيط الهادي وبعيد عن الشاطئ 70 كلم، ده غير أن التلفيات اللي حصلت أدت لمشاكل بين إدارة الفندق والشركة المصنعة في سنغافورة، وأخيرًا ظهرت مشاكل مع إدارة الولاية بسبب رفع شروط السلامة والحفاظ على البيئة، لكن في النهاية برضه تم افتتاح الفندق لأنه مكانش ينفع بعد المصاريف والأحلام دي كلها إنه يتم إلغاء الفكرة، والحقيقة إن موقع الفندق وفكرته والدعاية اللي صاحبته أثبتت فعلاً إنها على المستوى فرغم كل الظروف الصعبة دي اشتغل الفندق بنجاح منقطع النظير ونسبة الإشغال فيه كانت لا تقل عن 85%، لدرجة أن البعض اعتبر أن المشاكل اللي حصلت قبل الافتتاح كانت في صالح الفندق مش ضده.

المشاكل

في أغسطس 1988 شَب حريق في مركب من المراكب اللي تنقل الزوار، واتسبب الحريق في إصابة 10 أشخاص بإصابات مؤثرة، أما في سبتمبر يعني بعديها بشهر فاكتشف مجموعة من الغواصين أطنان من الذخائر الحية في الأعماق على بعد حوالي 3 كلم بس من موقع الفندق، والذخائر دي تبين أنها كانت مدفونة في المحيط من سنة 1950 وقت ما كان القانون يسمح بكده، وبالتأكيد يعني وجود كميات مخيفة زي دي من الذخائر الحية يمثل خطورة على الفندق والمكان كله؛ ونتيجة لكده بدء الأشغال اللي مكانش يقل عن 85% ينزل لـ20% في أفضل الأحوال، ومع تكرار الأحداث العجيبة دي بدأت الناس تشك فعلاً إن الفندق ده ملعون، ودي تقريبًا الفكرة اللي سيطرت على “تاركا” وابنه “بيتر” اللي كانوا بيديروا المشروع، وبعد ما كان المُلاك دول بينتظروا بفارغ الصبر اليوم اللي هيوصل فيه الفندق لـ” Townsville تاونسفيل”، بدأوا يفكروا في اليوم اللي هيمشي فيه من المدينة عن طريق البيع، وعشان كده تم عرض الفندق للبيع بعد أقل من سنة من خدماته في أستراليا فوق الحاجز المرجاني العظيم.

الفندق في فيتنام

في سنة 1989 كانت فيتنام تشهد فترة من فترات رواج السياحة، وكانت المدينة تفتقر للبنية التحتية المتطورة لخدمة الأعداد المتزايدة من السياح، وكانت فكرة شراء الفندق واحدة من الأفكار الممتازة لأنه فندق على الجاهز مش محتاج أي بنيه تحتية، وعشان كده أحد الشركات اليابانية اللي بتعمل في فيتنام اشترت الشركة، وبدأ الفندق العائم يقطع آلاف الكيلومترات في رحلة جديدة من أستراليا لفيتنام، وكان المكان المنتخب المرة دي على نهر “سايغون Saigon”، والفندق في فيتنام نجح فعلاً إنه يثبت أقدامه وينفي عن نفسه تهمة أنه ملعون، ولمدة 10 سنين ساهم الفندق اللي اتشهر في فيتنام بإسم “الطافي أو العائم The Floater” إنه يكون واحد من عوامل نهضة السياحة في فيتنام، لكن في نهاية المطاف الفكرة اللي كانت جديدة في الثمانينات بدأت مع مطلع الألفينات تقدم وبدأت تنتشر بدل منها أفكار أحدث وأفضل، وعشان كده وكنتيجة عادية لسُنة الحياة والتطور قررت فيتنام إنها تعيد بيع الفندق في سنة 1998، وكان المُشتري المرة دي هو الشركة السياحية “هيونداي اسان Hyundai Asan” من كوريا الجنوبية.

المحطة الأخيرة

على الرغم من أن المُشتري الجديد كان شركة من كوريا الجنوبية، إلا إن الموقع المختار للفندق كان منطقة جبل “كومغانغ Kumgang” اللي تقع داخل المناطق التابعة لكوريا الشمالية، فالمنطقة دي عبارة عن سلسلة جبلية في المنطقة الحدودية بين الكوريتين، وكان الهدف من اختيار الموقع ده تحديدًا هو أحلام المستثمرين في مستقبل مُشرق بعد الوحدة الكورية، وكانوا بيأملوا إن الفندق يبقى رمز للتعاون بين الشمال والجنوب، ففي خلال الفترة دي مع مطلع الألفية شهد شطري كوريا تقارب سياسي كبير، وكان الاعتقاد السائد أنها مسألة وقت لغاية ما تتوحد كوريا زي ما حصل في ألمانيا قبلها بأقل من 8 سنين، وبالفعل بدأ الفندق بإسمه الجديد “هيغومجانغ Haegumgang” أنه يكون موقع لكتير من اللقاءات المؤثرة بين العائلات الكورية اللي اتفرقت من بعد الحرب الكورية بين أعوام 1950/1953.

وللمرة الثانية أثبت الفندق العائم نفسه وساعد على رواج السياحة في المنطقة، لكن وللأسف مرت السنين وبدأ التقارب بين الكوريتين اللي حصل مع بداية الألفية يتراجع كل يوم مش يتقدم زي ما كان متوقع، وفي سنة 2008 حصلت المشكلة كبيرة، وكانت المشكلة هي مقتل إمرأة كورية جنوبية عندها 53 سنة بطلق ناري على إيد عسكري من كوريا الشمالية، وهو الحادث اللي دعت كوريا الشمالية أنه حصل بسبب دخول السيدة لمنطقة عسكرية محظورة تبعد 17 كلم من جبال “كومغانغ Kumgang”، وتطورت الأحداث بسرعة إلى الدرجة اللي خلت “هيونداي اسان Hyundai Asan” تعّلق كل الجولات السياحية، ومن الوقت ده ومع قلة المعلومات اللي بتوصل أصلاً عن كوريا الشمالية مكانش من الواضح ما إذا كان الفندق بيشتغل ولا لأ، لكن مع استمرار المشاكل القانونية والخلافات الدبلوماسية اتقفل الفندق تمامًا واتهجر في سنة 2013، واستمر الفندق من سنة 2013 لسنة 2019 مهجور وبدأت كل المرافق فيه تتعرض للانهيار.

وفي سنة 2019 زار رئيس كوريا الشمالية “كيم جونغ أون Kim Jong Un” الموقع وانتقد المرافق، وقال “إن الفندق أشبه بمنطقة منكوبة أو العنابر المنعزلة، بالإضافة إلى أن طابعه المعماري لا يتناسب مع الطابع الكوري الشمالي”، وأمر الرئيس بإعادة تطوير الفندق من الألف للياء، لكن بعدها على طول بدأ وباء كورونا وتم تأجيل أفكار التطوير وده بفرض يعني إنها كانت هتتنفذ، والفندق اللي كان في يوم من الأيام عجيبة هندسية موجودة في عجيبة طبيعية بقى مجرد فندق مهجور في مكان يصعب زيارته من الأساس.