كتير من الناس بيخافوا من منظر الثعابين ناهيك عن القرب منها، لكن مش كل أنواع الثعابين تستحق الخوف ده ومن النادر لما تلاقيهم في مناطق الحضر في كل أنحاء العالم، ناهيك عن انتشار مجموعات كبيرة منهم في منطقة واحدة بعينها، لكن فيه مكان محدد في عالمنا بيصفه البعض إنه كابوس على أرض الواقع، وأخطر الأماكن الطبيعية على وجه الأرض بلا منازع.

إيلا دي كيمادا جراندي

جزيرة إيلا دي كيمادا جراندي Ilha da Queimada Grande والمعروف بإسم جزيرة الأفاعي بتتوعد أي بني أدم يدخلها بموت أليم وسط رحلة مفزعة، ومافيش أسوء من واحد لقى نفسه محصور في جزيرة مليانة على آخرها بالأفاعي ومافيش حد حواليك، والعجيب إن وبالرغم من حظر الدخول على الجزيرة وخطورة التواجد على أرضها فيه ناس بتحاول التسلل ليها أملاً في كسب ثروات من وراها ده لو عرفوا يخرجوا منها على قيد الحياة.

سكان الجزيرة

من الصعب تتخيل إن أحد أخطر الأماكن على وجه الأرض هو من أجملها على الإطلاق، جزيرة مفروشة بالخضرة وسط المياه بتقع على بعد 55 كم من الساحل البرازيلي وبتوصل مساحتها لـ 430,000 متر مربع، ولما تبص عليها من بعيد تنبهر بجمالها وتتمنى تقضي فيها أجازة أنت وأحبابك، بس الحقيقة إن الجزيرة مظهرها خادع لأبعد الحدود والأجازة اللي هتقضيها عليها هتبقى أسوء وآخر أجازاتك على الإطلاق، المفترض إن اللافتات التحذيرية تكون كافية لأي حد إنه ما يهوبش عليها، ولو اللافتات مش كافية أو غير مفهومة فأهل الجزيرة كافيين تمامًا لصدك عنها بمجرد ما تحط رجلك عليها، سكان الجزيرة والوحيدين على أرضها عبارة عن مجموعة من أخطر الأفاعي في العالم بيوصل عددهم لـ 4000 أفعى، والأعداد المهولة ده من الأفاعي مش مجتمعة في منطقة واحدة على الجزيرة مثلاً لأ، ده منتشرة في كل أرجائها ومختفية على أرضها وما بين أشجارها وبعض التقديرات بتشير بتشير إن من الصعب على أي زائر إنه يمشي 3 خطوات على بعضهم في الجزيرة بدون ما يقابل أفعى قدامه.

المنارة

وفي قلب الجزيرة تقريبًا وعلى ارتفاع يتخطى كل أشجارها بتوجد منارة تم بنائها في أوائل القرن العشرين لتوجيه السفن بعيدًا عن الجزيرة، وفي البداية كان بيتم تشغيلها يدويًا وكانت بتحتاج لوجود عامل بصفة دائمة على الجزيرة لتشغيلها قبل ما تتحول لمنارة آلية وتشهد الجزيرة رحيل آخر مقيم بشري على أرضها، ومن وقتها وحظرت السلطات البرازيلية دخول الجزيرة إلا بتصريح.

أساطير جزيرة الأفعى

ولما نتكلم مع السكان البرازيليين وخاصة أهل مدينة ساو باولو – أقرب مدينة من موقع الجزيرة – هتسمع منهم حكايات وأساطير مخيفة عن جزيرة الأفاعي، زي محاولة عدد من الصيادين دخول الجزيرة وبعدها ماحدش بيسمع عنهم لا حس ولا خبر وكأنهم اتبخروا، وحكايات عن قراصنة يُقال إنهم أحضروا الأفاعي ده للجزيرة؛ لحماية كنز مهول مخفي على أرضها، وقصة صياد تم العثور عليه في قاربه بالقرب من الجزيرة ولحمه ذايب من على جسمه وغرقان في بحيرة من الدم، وسواء كانت الحكايات ده حقيقة أو خرافات لصد الناس عن دخول المنطقة، إلا إن الجزيرة في الحقيقة غنية عن أي حكايات تخوف الناس منها.

رأس الرمح الذهبية

الأفاعي السامة اللي بتسكن الجزيرة وسبب رعبها وشهرتها في نفس الوقت هي الأفاعي الذهبية أو رأس الرمح الذهبية golden lancehead، والنوع ده من الأفاعي بيتبع أفاعي الحُفَر أو الـ pit vipers، لكنها أخطر الأنواع على الإطلاق ومن أخطر أنواع الأفاعي عمومًا في كل أنحاء العالم، لدرجة إن جرعة بسيطة جدًا من سمها تكفي بالكاد لملئ معلقة صغيرة ممكن تقتل من 3 لـ 5 بني آدمين، والنوع ده من الأفاعي مالوش وجود على سطح الأرض إلا على جزيرة “إيلا دي كيمادا جراندي”، ولونها الأصفر المموه بالبني، وده بيخليها تقدر تختفي بسهولة في محيطها بين فروع الأشجار وعلى الأرض بدون ما حد يلاحظها بسهولة، وبيترواح طول الأفعى من 70سم لـ 118 سم، وعامة الإناث بتكون أطول من الذكور وغذائها بيعتمد بشكل رئيسي على الطيور بجانب السحالي وأحيانًا بياكلوا بعضهم، وسم الأفعى دِه غريب ومخيف بشكل لا يتصور فهو بيحتوي على مزيج عجيب من السموم المختلفة بتستهدف كل حاجة في الجسم تقريبًا.

المخاطرة

العجيب بقى إنه وبالرغم من خطورة الأفاعي وانتشارها بشكل مخيف على الجزيرة، إلا إن فيه ناس بدل ما تبعد عنها على أد ما تقدر بتحاول التسلل ليها؛ والسبب هو حلم الثراء السريع، زي ما اتفقنا أفعى رأس الرمح الذهبية مالهاش وجود في العالم كله إلا على الجزيرة ده؛ عشان كده سعرها غالي جدًا في السوق السوداء وخاصةً بين الناس المهووسة باقتناء الحيوانات النادرة، واللي يدخل الجزيرة ويصطاد أفعى منهم ويخرج من هناك بحياته فسعر الأفعى في السوق ممكن يوصل لأكتر من 50 ألف دولار.

ليه؟

طيب فيه سؤال بيطرح نفسه.. اشمعنا المنطقة ده اللي بتنتشر فيها الأفاعي بأعداد رهيبة؟؛ مع ارتفاع منسوب المياه من آلاف السنين وانفصال الجزيرة عن الأرض الرئيسية ماكنش فيه حيوانات مفترسة على أرضها مع الأفاعي؛ وده أدى لزيادة أعدادها بشكل متسارع لحد ما وصلت للمعدل اللي هي عليه واستولت على أرض الجزيرة بشكل حرفي، وانعزالها في بيئه على الجزيرة واعتمادها في غذائها على الطيور خلاها تتكيف مع الوضع ده وسمها يزيد قوته بشكل رهيب، وقوة سم الأفعى ده أقوى 5 مرات من سم أقاربها من أفاعي الحُفَر أو الـ pit vipers، علمًا أن قرايبهم دوول هم السبب في 90% من إجمالي حالات لدغات الثعابين في البرازيل.

ليه السلطات مش بتتدخل؟

طب ياترى ليه السلطات البرازيلية سايبين جزيرة بالجمال ده محتلة من قبل الأفاعي، ليه ما يحاولوش يخلصوا الجزيرة من شرها ويقضوا عليهم ويستفادوا بالجزيرة بشكل سياحي مثلا؛ً الإجابة غريبة شويه؛ لأن في الواقع السلطات والمجتمع العلمي عمومًا بيحاولوا الحفاظ على حياة النوعية ده من الأفاعي والتأكد من استمرارها على قيد الحياة بأعداد كبيرة.

لو بتخاف من الأفاعي وماعندكش أي إهتمام أو ولع بيهم فيه أسباب مهمة بتدفع المجتمع العلمي للاهتمام بصحتهم ومستقبلهم؛ لأن النوعية ده من الأفاعي ممكن تكون عامل مساعد في التصدي لأمراض خطيرة على الإنسان، بخلاف الاستعانة بسمها في إنتاج مصل ومضادات لسموم الثعابين، فكمان بيتم استخدام سموم الأفاعي الذهبية؛ لتطوير أدوية جديدة لتجنب حالات تجلط الدم، وفيه أدوية بالفعل موجودة في الأسواق خاصة بالمصابين بارتفاع ضغط الدم تم الاستعانة بسم النوع ده من الأفاعي في إنتاجها، وسبحان الله إزاي إن واحدة من أخطر الأفاعي على وجه الأرض ربنا يجعلها سبب لتطوير الأدوية اللازمة لنجاة الإنسان بدلاً من القضاء عليه، وفي حين أنها من أخطر الأماكن الطبيعية على مستوى العالم كله، إلا أنها وعلى غير المتوقع من أهمها وتعتبر مصدر مهم لإنتاج وتطوير الأدوية، وبالرغم أن رأس الرمح الذهبية بتحرم البرازيليين والأجانب من الاستمتاع بروعة وجمال الجزيرة إلا أنها مازالت واحدة من أشهر جزر العالم ومن أشهر المعالم البرازيلية.. اللي ما يجرأش حد إنه يهوب ناحيتها.