لو حبينا نتكلم بلغة المصريين القدماء واللي البعض بيسموها اصطلاحًا باللغة الهيروغليفية القديمة، ونقول جُملة “سيدة جميلة” هنقول “إِيُـو نِفرت سِت”، والكتابة أو الرمز بتاعها هيكون كدا:

ولو عاوزين نقول” إن الشمس تظهر في الصباح والقمر يظهر في المساء”، هنقول “راع إم إدوات – إعَاح إم چِرِحْ” والكتابة أو الرمز بتاعها هيكون كدا:

أما بقى لو عاوزين نعد من واحد لـ تسعة، هنقول”واع – ثِـن – خِـيِـمِـت – فِي دُو – دِي يُو – سِيسُو – سِيفِخو – خِيمينو – بِسيِـچ”.
أي حد بيسمع الكلام ده للوهلة الأولى بيكون مستغرب جدًا، وده لأن الأصل في الكتابة الهيروغليفية القديمة إنه تم فك الشفرة بتاعتها من خلال ترجمة الرموز اللي بتكون منقوشة على جدران المعابد والمسلات، إزاي بقى من مُجرد رموز ونقوشات، قدرنا نتوصل لمعرفة لغة كاملة، بل وكمان معرفة طريقة نطقها.

الهيروغليفية ليست لغة!

في البداية فيه إعتقاد خاطئ شائع عند كتير من الناس، وهو إنهم بيعتقدوا إن الهيروغليفية هي لغة المصريين القدماء، لكن في الواقع الكلام ده غير صحيح إطلاقًا، وده لأن الهيروغليفية أصلاً ليست لغة، ولكنها طريقة كتابة، هتسأل “طب أومال المصريين القدماء كانوا بيتكلموا أنهي لغة؟”، والإجابة إنهم كانوا بيتكلموا لغة إسمها “اللغة المِصرية القديمة”.
في الماضي المصريين القدماء كانوا بيتواصلوا بينهم وبين بعض بلغة مُعينة زيهم زي أي شعب تاني، وبيُعتقد كمان إنها كانت أحد اللغات السامية الأوائل، اللغة دي بنسميها حاليًا “اللغة المِصرية القديمة”؛ وده نظرًا لأن الإسم ده هو الوصف الحرفي اللي المصريين اختاروه علشان يوصفوا بيه اللغة بتاعتهم، وكانوا بيقولوا عليها “را إن كِيمت”، كلمة را معناها لسان، وكلمة إن هي أدة إضافة أو ملكية، وكيمت طبعًا يعني مصر، وعلشان كده الجملة على بعضها تعني”لسان مصر” أو” لسان أهل مصر”، كمان اللغة بتاعتهم كانوا بيوصفوها وصف تاني واللي هو “مِيدُوْ – نِتِر”، ومِيدُوْ يعني كلمات، ونِتِر يعني الإله أو القُدسية، وعلشان كده الوصف ده كان معناه كلمات الإله أو الكلمات المُقدسة.

اختراع 4 طرق للكتابة

الطفرة الحقيقية في لغة المصريين القدماء حصلت لما قرروا إنهم يكتبوا اللغة بتاعتهم، وعلى مدار تاريخ المصريين القدماء، اللغة بتاعتهم اتكتبت بـ أربع خطوط أو أربع طرق مختلفة، وده على حسب احتياجهم لكل طريقة منهم.
في البداية كانوا محتاجين طريقة كتابة رسمية، يكتبوا بيها الأحداث على جدران المعابد والمسلات، وده كان أول ظهور للكتابة الهيروغليفية القديمة اللي كلنا عارفينها، واستمدوا شكل الحروف بتاعتها من الطبيعة حواليهم، حيوان العُقاب مثلاً كانوا بيستخدموه دلالة عن حرف “الألف” أو صوت “الأاااه”.

طائر البومة كان حرف “الميم”.

ثعبان الكوبرا هي “الجيم المُعطشة” أو حرف الـ “J” بالإنجليزي.

والأسد بيدل على حرف “اللام”، وهكذا.

دي غير بقى عشرات الأشكال الأخرى، واللي بعضها بيحمل أكتر من صوت، والبعض الأخر بيكون عبارة عن كلمة كاملة.

إذًا في النهاية الهيروغليفة ماهي إلا طريقة كتابة استخدمها المصريين علشان يدونوا النقوش بتاعتهم على جدران المعابدة، لكنها برده ليست طريقة الكتابة الوحيدة اللي استخدموها.

الكتابة الهيراطيقية

ظهر بين الناس وخصوصًا الكهنة، أسلوب جديد من الكتابة وهي “الكتابة الهيراطيقية”، واللي بتعني “الخط الكهنوتي” أو “خط الكهنة”؛ وده لأن الكهنة كانوا أكتر ناس بيستخدموا الأسلوب ده في الكتابة، وكان بيتم تدوين بيها النصوص الدينية.
والفِكرة في الكتابة الهيراطيقية دي، هو إن الرموز بتاعتها أبسط شوية من رموز الهيروغليفية، ولا تحتاج دقة كبيرة في رسمها؛ وعلشان كده كانت مناسبة أكتر في الكتابة السريعة وخصوصًا على أوراق البردي، وكان الإختصار اللي بيحصل في طريقة الكتابة دي بيكون كالتالي: شكل الثعبان مثلاً بدل مايترسم بدقة شديدة يستبدلوا ده بخط مُصْمَت مائل واخد شكل الثعبان، طائر البومة مثلاً بدل مانرسمه بدقة نرمز له بشكل أو رمز بسيط مشابه ليه، ونفس الطريقة دي بالظبط إتطبقت مع باقي الرموز.

الكتابة الديموطيقية

وطرق الكتابة برده لم تتوقف لحد كده؛ لأنه ظهر بعد كدا طريقة كتابة جديدة، واللي اتعرفت بإسم “الكتابة الديموطيقية” أو “الخط الشعبي”، والكتابة دي كان بيستخدمها الشعب كله بجميع طبقاته في معاملاتهم اليومية، كانوا بيكتبوا بيها الرسائل والوثائق التجارية، وعقود البيع والشراء، وغيرها من الأمور، وكانت كتابة بسيطة جدًا وسهلة.
وخلينا نأكد تاني إن كل الطرق اللي بنتكلم عنها دي هي طرق كتابة، وليست لغات ولا حاجة، الهيروغليفية والهيراطيقية و الديموطيقية، كل دي خطوط لنفس اللغة الأم، اللي هي اللغة المصرية القديمة، أو لسان المصريين القدماء.

بداية ظهور الكتابة القبطية

الكتابات التلاتة اللي اتكملنا عنهم فضلوا موجودين لحد فترة الغزو الروماني لـ مصر، في الوقت ده الرومان فرضوا اللغة بتاعتهم كـ لغة رسمية داخل مصر، وعلشان كده في الفترة دي ظهرت طريقة كتابة جديدة استخدمها المصريين لأول مرة وهي “الكتابة القطبية”، والكتابة دي كانت عبارة عن “اللغة المصرية القديمة”، ولكن مكتوبة بحروف يونانية، وكان الهدف من طريق الكتابة الغريبة دي هي إن الرومان يعرفوا يقروا النصوص والكتابات بتاعه المصريين، ويقدروا يتواصلوا مع بعض، لكن للأسف الموضوع ده تسبب في موت الكتابات المصرية الأصيلة اللي هي الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية، ومابقاش ليهم أي وجود إطلاقًا ومابقاش في حد بيستعملهم، والناس مابقتش بتكتب غير بالكتابة القبطية فقط، وعلشان كده بعد مئات السنين، أصبحت النقوش الهيروغليفية بالنسبة للناس أشبه بالطلاسم الغريبة والغير مفهومة، واختفت تمامًا كل معالم اللغة المصرية القديمة.

حجر رشيد

بعد حوالي 2000 سنة من ضياع اللغة المصرية القديمة، أحد جنود الحملة الفرنسية في مصر ، الضابط “بيير فرانسوا بوشار Pierre-François Bouchard”، اكتشف حجر أسود موجود عليه نقوشات غريبة جدًا، والحجر هو “حجر رشيد”، واللي بدأت معاه رحلة جديدة على أيدي الباحثيبن علشان يستعيدوا اللغة المصرية القديمة مرة تانية، بس للأسف المهمة دي كانت غاية في الصعوبة؛ لأن مفيش أي حد وقتها كان يعرف المصريين القدماء كانوا بيتكلموا إزاي أو حتى إيه معنى النقوش بتاعتهم، لكن لحسن الحظ حجر رشيد كان حجر مُميز جدًا؛ نظرًا لإنه كان مكتوب عليه نص واحد مُترجم بثلاث طرق كتابة مُختلفة، وهي الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية القديمة، واللي كانت عبارة عن رسالة من كهنة مدينة “منف” إلى الملك بطليموس الخامس، ومن خلال الحجر بدأ الباحثين يقارنوا الثلاث نصوص ببعض، لحد ماتوصلوا للأبجدية بتاعه الكتابة الهيروغليفية القديمة.

النطق

إزاي بقى عرفوا نُطق الهيروغليفية من خلال النص المكتوب فقط؟، الإجابة بتبدأ من عند الفيزيائي البريطاني “توماس يانج Thomas Young”، واللي كان من المُهتمين برموز اللغة الهيروغليفية، طرف الخيط كان إن “يانج” لاحظ حاجة غريبة جدًا وهو بيبُص على حجر رشيد، والحاجة دي هي إن في النص الهيروغليفي كان فيه مجموعة مُعينة من الرموز موجودين جوا مستطيل أو شكل بيضاوي، سُمي فيما بعد بالخرطوشة.
واللي لاحظه (يانج) تحديدًا بقى، هو إن الخرطوشة دي بنفس الرموز اللي فيها بالظبط اتكررت في النص الهيروغليفي أكتر من مرة، وهنا خَمن إن أكيد رموز الخرطوشة المُميزة اللي بتتكرر دي يأما إسم ملك أو إسم مدينة، ولما قرأ النص اليوناني اللي على الحجر؛ لأنه كان مُجيد للغة اليونانية، اكتشف إن الإسم الوحيد اللي تكرر في النص اليوناني هو إسم الملك “بطليموس”، ومن هنا خمن إن رموز الخرطوشة الغريبة دي مُمكن يكون معناها بطليموس.

بالرغم من إن “يانج” حقق إنجاز كبير جدًا؛ إلا إنه توقف لحد هنا فقط، ومكنش قادر يتأكد من دقة اللي عمله، وهل اللي توصل ليه ده صح ولا غلط.

وهنا بقى جِه دور “جون فرانسوا شامبليون Jean-François Champollion”، واللي قدر فعلاً يثبت صِحة إفتراضات “يانج”، شامبليون جاب الخرطوشة اللي فيها إسم “بطليموس” ووزع حروف كلمة “بوتولامِش” باليوناني على رموز الخرطوشة، لأن في الغالب الكلمات اللي زي الأسماء والبلاد الغريبة بتتنطق في اللغات المختلفة بنفس الهجاء بتاعها.

والكلام ده مبدأيًا معناه إن رمز الشكل المربع اللي بيرمز للمنزل أو المقعد جوا الخرطوشة بيتنطق صوت الـ P، ورمز رغيف الخبز المُقعر بيتنطق صوت الـ T، والرمز اللي أشبه بالعقدة أو مُفتاح الحياة بيتنطق صوت الـ O، ورمز الأسد بيتنطق صوت الـ L، وهكذا.

لكن الكلام ده كان محتاج حاجة كمان تأكد صحته، وده اللي قدر يعمله شامبليون لما جاب خرطوشة تانية كانت موجودة على أحد المسلات واللي برده كان مكتوب عليها نص هيروغليفي ونص تاني يوناني، والنص اليوناني ده كان مكتوب فيه كلمة “كليوباترا”، ولحسن الحظ إن لفظة “كليوباترا” هي كمان فيها حرف الـ L والـ O والـ P، فا لو الخرطوشة بتاعه كليوباترا موجود فيها رمز الأسد ورمز مفتاح الحياة والشكل المربع، فا ده معناه إن الفرضيات الصوتية بتاعت شامبليون صحيحة، وبالفعل لما قارن الخرطوشتين ببعض، لاقى الكلام ده فعلاً مظبوط.

وأخيرًا شامبليون والباحثين اللي بعده، كرروا موضوع الهجاء الحرفي ده مئات المرات على أسماء الملوك والمُدن، زي رمسيس وأحمس وطيبة وكيمت وغيرهم، لحد ما عرفنا نطق كل حروف الأبجدية الهيروغليفية، ووصل الحال بأننا نقدر نتعلم اللغة المصرية القديمة ونتكلم بيها كمان.