إحنا كـبشر بنتواصل مع بعض بـ لغة مُعينة بنعبر بيها عن مشاعرنا وإحتياجاتنا، وبنقدر نستخدم كم مهول من الكلمات، لكن الموضوع ده بينطبق فقط على الناس اللي بينتموا لمنطقة جغرافية واحدة، يعني لو جبنا شخصين واحد مصرى والتاني أرجنتينى، في الغالب مش هيعرفوا يتكلموا مع بعض أو يتواصلوا بشكل سليم، الموضوع ده منطقي ومافيهوش أي مشكلة، بس ياترى إيه اللي ممكن يحصل لو عملنا كده مع الحيوانات؟
يعني مثلا لو جبنا قطة من مصر وقطة تانية من كرواتيا وحطيناهم مع بعض، هل هيبقوا فاهمين بعض وهيقدروا يتواصلوا بشكل سليم ولا لأ ؟

مفاهيم خاطئة

في البداية إحنا محتاجين نجاوب على سؤال مهم هل الحيوانات أصلا عندهم لُغة؟ ولا لأ؟ كلنا عارفين إن الكلاب بتنبح بصوت عالي لما بتهاجم حاجة معينة، والقطط بتحني جسمها وشعرها بيقف لما بتبقى خايفة، والطاووس بيحرك ريشه الجميل علشان يجذب شريك للزواج، والنمل بيفرز فرمونات ومواد كميائية عشان يدلوا بعض على أماكن الأكل، الحاجات دي كلها كانت سبب في إنه يترسخ في أذهانا فِكرة إن التواصل بين الحيوانات بإختلاف أنواعها، بيقتصر على أشياء بسيطة ومحدودة جدًا جدًا، الأكل والشرب وجذب شريك للزواج، ومحاولة الإبتعاد عن الأعداء والمفترسين وهكذا، أينعم معظم الباحثين مابيصنفوش التواصل بين الحيوانات وبعضها على إنه (لغة)، بسبب إن اللغة بالنسبة للمُختصين لازم تستوفي بعض الشروط الصعبة زي القواعد اللغوية والمصطلحات، وقدرة اللغة على وصف الأحداث سواء في الحاضر أو الماضي أو المستقبل، لكن ده لا يمنع إنه مش المفروض نحكم على الحيوانات بمعاير اللغات البشرية الخاصة بينا، وارد جدًا يكون عند الحيوانات أساليب تواصل أو (لغات تواصل) مختلفة عننا، وفي نفس الوقت بتقضي كل الأغراض الحياتية الخاصة بيهم، وبالفعل الحيوانات عندها أساليب تواصل غاية في الدقة والغرابة.

سناجب المروج أو كلاب البراري

في نوع من السناجب معروف باسم (كلب المروج) أو (كلب البراري) Prairie dog، المخلوق ده بيعيش في المناطق العشبية في غرب أمريكا وفي المكسيك وفي أجزاء من كندا، وبيعيش في مجموعات ضخمة جدًا أشبه بالمستعمرات ممكن تضم أكتر من 500 فرد في مكان واحد، وبيبقوا متقسمين لمجموعات من الأسر، الشاهد في الأمر بقى إن سناجب المروج مرتبطين ببعض جدًا وبيخافوا على بعض، ومنتشر مابينهم عادات زي التقبيل وإحتضان بعض وغيرها من الأمور.

لكن الأكثر غرابة من كده هو إنهم بينبهوا بعض في وقت الخطر بطريقة وصفية عجيبة، سنجاب المروج لما بيشوف أي دخيل بيتعدى على المستعمرة أو بيقرب منها بيبدأ يوصف شكل الدخيل لباقي الأفراد علشان ينبههم، وده من خلال الإشارة بإيده وإصدار بعض الأصوات، الباحثين بقى لما رصدوا العملية دي اكتشفوا إنه بيوصف وصف دقيق ومحدد زي مثلاً وصفه لنوع المفترس أو الدخيل وحجمه وطوله ولونه وكمان سرعته، يعني لو شاف كلب قدامه بيوصف وصف معين علشان باقي الأفراد يعرفوا إن اللي جاي تحديدًا كلب، ولو شاف طائر مفترس بيوصف لزمايله وصف تاني خالص علشان يعرفوا إن اللي جاي طائر، الباحثين في سلوك الحيوان في (جامعة شمال أريزونا) جابوا أشخاص متطوعين وخلوهم يلبسوا نفس اللبس بالظبط، ولكن كانوا بيغيروا في لون القميص، وخلوهم يعدوا من قدام سناجب المروج ولما بدأوا يحللوا وصف السناجب اكتشفوا إن في كل مرة بيبقى في اختلاف طفيف بين كل وصف والتاني، والكلام ده معناه إن سناجب المروج قادرين كمان يميزوا بين الشخص اللي لابس قميص أصفر مثلا والشخص اللي لابس قميص أزرق، وبيقدروا يوصلوا المعلومات دي لأصدقائهم، ومش بس كده دول كمان أجروا تجربة مشابهة أتضح فيها إن سناجب المروج بيقدروا يوصفوا لبعض إذا كان الشخص اللي معدي قدامهم طويل ولا قصير، بل إن الفرد منهم كمان بيقدر يوصف هل الإنسان اللي قدامه شايل بندقية أو سلاح ولا لأ، علشان يحدد لباقي أفراد المستعمرة هل الشخص اللي جاي ده هيحاول يصطادهم ولا مجرد شخص عابر معدي من المكان، ولحد دلوقتي محدش من الباحثين قادر يفهم بالظبط هُم إزاي بيفهموا المعلومات الدقيقة دي وبيحللوها وبينقلوها لبعض؟ لكن الباحثين في النهاية أستدلوا من كده على إن الحيوانات عندها لغة وصفية غاية في الدقة.

اللغات الغير مسموعة

الأبخص أو الترسير tarsier

طيب هل الغرابة في لغات الحيوانات بتتوقف لحد كده؟
في حيوان أسمه الأبخص أو الترسير tarsier، وده حيوان صغير في الحجم شبه الليمور شوية وبيمتلك عيون كبيرة جدًا، العلماء لفترة طويلة كانوا بيلاحظوا إن الحيوان ده بيفتح فمه كأنه بيتكلم أو بيصرخ، لكن في نفس الوقت مكنش بيطلع أي صوت إطلاقًاً لحد ما واحد من الباحثين جرب في مرة إنه يستخدم جهاز بيرصد الموجات الفوق صوتية، والمفاجأة كانت إن الترسير بيخرج من فمه موجات فوق صوتية تقدر بـ 70 ألف هرتز وبتوصل أحيانًا لـ 90 ألف هرتز، اللي هي أكتر بكتير من المدى السمعي بتاع الإنسان اللي بيقع بين 20 و 20 ألف هرتز، وأكتر كمان من المدى السمعي بتاع معظم الحيوانات اللي حواليه في الغابة، و الكلام ده معناه إن (الترسير) بيقدر يتكلم هو وأصحابه ويتواصلوا مع بعض بدون ما أي حد يقدر يسمع اللي هُم بيقولوه، الأكثر غرابة من كده بقى إن في حاجة مشابهة بتحصل مع الفيلة.

اللي نعرفه عن الفيلة إنها بتصدر أصوات مميزة جدًا في الأوقات اللي بتتعرض فيها للهجوم، أو لو فردين من القطيع مثلا بيتخانقوا مع بعض، لكن المدهش إن الفيلة عندهم لغة سرية بعيدة المدى بيتواصلوا بيها مع بعض، الباحثين إكتشفوا إن الفيلة الأفريقية بيصدروا موجات تحت صوتية بترددات أقل من 20 هرتز، واللي برده أقل من الحد الأدنى لقدرة البشر على السمع، والغريب إن الموجات دي بتقدر توصل لمسافات مهولة وبشكل غير عادي، وده لأنها طبقًا للتقديرات بتوصل لمسافة 285 كيلو متر، وطبعًا محدش سامع ولا فاهم هم بيقولوا إيه، لكن من الحاجات اللي الباحثين استنبطوها، هو إن الفيلة من خلال الآلية دي بيتواصلوا مع باقي قطعان الفيلة الموجودين بعيد عنهم، علشان ينسقوا مع بعض ويخططوا الطريق اللي كل قطيع منهم هيمشي فيه، وبالتالي مايحصلش تداخل أو مشاكل مابينهم، وممكن كمان يطمنوا على أخبار بعض وكأنهم بيتكلموا في لاسلكي.

هل الحيوانات اللي من بلاد مختلفة بيفهموا بعض؟

الحسون chaffinch birds

دلوقتى بقا بعد ما عرفنا آليات التوصل بين الحيوانات خلينا ننتقل لـ السؤال الرئيسى، ياترى لو حيوان موجود في بلد وحيوان من نفس نوعه موجود في بلد تانية خالص، هل لو اتقابلوا هيبقوا فاهمين بعض؟ ولا لأ؟
الإجابة الغير متوقعة هي لأ مش هيبقوا بيتكلموا نفس لغة بعض، في تجربة أجراها باحثين من جامعة كامبريدج على طائر اسمه الحسون chaffinch birds، في ذكور من الطائر ده كانت بتعيش في عزلة في أماكن معينة وذكور آخرى كانت بتعيش مع بعض في مجموعات في أماكن تانية، الغريب إنهم لما رصدوا النغمات اللي بيصدرها كل نوع منهم لقوا إن كل مجموعة مع مرور الوقت طورت نغمات خاصة بيها، ما بتعملهاش المجموعة التانية إطلاقا وكأن كل مجموعة بقى عندها لهجة اقليمية خاصة بيها، وفي دراسة مشابهة أجروها على طائر الدرسة الصفراء yellowhammers في عام 2016 وأدت لنفس النتايج بالظبط.

الدرسة الصفراء yellowhammers

المدهش إن الموضوع مش متوقف على الطيور فقط، ولكن في حاجة مشابهة بتحصل مع الحيتان والدلافين ولكن بشكل أكثر غرابة، الحيتان في العادة بتتواصل مع بعض من خلال موجات أو نقرات بتصدرها أثناء وجودها في المية، والنقرات دي بتنتشر في مسافات كبيرة جدًا بتوصل لعشرات الكيلو مترات، الشاهد بقى إنهم لما رصدوا النقرات اللي بتتواصل بيها حيتان العنبر الموجود في منطقة البحر الكاريبي على سبيل المثال، والنقرات اللي بتتواصل بيها حيتان العنبر الموجودة في منطقة المُحيط الهادي، اكتشفوا إن أنماط النقرات مختلفة عن بعض تمامًا وكأن كل نوع منهم عنده لهجة خاصة بيه.

حوت العنبر

والأكثر غرابة من كده إن حتى الحيتان اللي بتعيش في منطقة واحدة زي حيتان البحر الكاريبي مثلا، كل عيلة منهم بيبقي عندهم تغيير طفيف في نظام النقرات بيميزهم عن باقي الحيتان الموجودة في نفس المنطقة، يعني حاجة كده مثلا أشبه بلهجة الاسكندارنية ولهجة القاهريين، بالرغم من إن الاتنين عايشين في نفس البلد اللي هي مصر وبيتكلموا عربى زي بعض، لكن طبعًا لازم ناخد في الاعتبار جزء مهم جدًا وهو إن أينعم الحيوانات اللي من مناطق جغرافية مختلفة ما بيتكلموش نفس لغة بعض بالظبط، وكل نوع بيبقى عنده لهجة خاصة بيه، لكن ده لا يمنع إنهم بيقدروا يتواصلوا مع بعض بشكل أو بأخر، وبيبقوا قادرين يفهموا الأمور الأساسية أو الخطوط العريضة.
وبالفعل باحثين من (جامعة بنسلفانيا) أجروا تجربة على نوع من النسانيس اسمه المكاك.

المكاك macaque

الباحثين جابوا طفلين من قرود المكاك macaque اللي عايشين في شمال الهند، وأصطحبوهم عند عائلة مكاك موجودين في اليابان، وبنفس الطريقة بالظبط جابوا طفلين قرود مكاك من اللي عايشين في اليابان وحطوهم مع عائلة مكاك موجودين في شمال الهند، والمفاجأة كانت إن كل الأطفال كانوا بيتواصلوا بلغتهم الأم ومحافظين على طريقتهم الإقليمية في التعامل، إلا إن ده مكنش عائق في إنهم يندمجوا في الأسرة الجديدة اللي عايشين معاهم، وكانوا بياكلوا ويشربوا ويتواصلوا مع بعض بشكل طبيعي جدًا .
يعنى فى النهاية الحيوانات اللي من بلاد مختلفة مش بتتكلم نفس اللغة لكن بيقدروا يتواصلوا مع بعضهم.

.