العالم مكان مليئ بالتغيير والنشاط، الشمس بتشرق كل يوم وتغرب، وكذلك القمر بيظهر ويختفى، وحتى النجوم ليها مدارات خاصة بيها، الفصول بتتغير بشكل مستمر، والبذرة بتتحول لشجرة، بل إن الإنسان نفسه بيتقدم فى العمر وبيموت فى نهاية الأمر، ومن هنا بدأ الإنسان فى التساؤل، إيه هو السبب فى الحركة وفى التغيير؟
وعلى الرغم من إن العالم مكان غنى بالأنظمة الفيزيائية، من أول الذرة متناهية الصغر لحد المجرة بالغة الكبر، إلا أن معظم الظواهر الطبيعية ممكن يتم تفسيرها من خلال أربع قوى أساسية فقط!

الجاذبية

أول قوة من القوى الأساسية للكون تم التعرف عليها هي الجاذبية، الإنسان بيحس بالقوى دي في كل لحظة تقريباً، لكن التعرف على الدور الحقيقى للجاذبية كقوى أساسية كان من خلال أعمال إسحاق نيوتن، ومن خلال قوانينه عِرفنا إن مجال عمل الجاذبية مش بس مُقتصر على الأرض فقط، بل إنها كمان بتعمل فى الفضاء، بين الشمس والقمر والكواكب والنجوم، بل إن هى المسؤولة عن إن القمر يدور حوالين الأرض، وإن الأرض تدور حوالين الشمس، والشمس تدور حوالين مركز المجرة، وقوة الجاذبية بوجه عام كده ليها سمتين مميزين جدًا و واضحين، أول حاجة هى إنها شاملة (مفيش أى شئ فى الكون بيفلت منها)، والسمة التانية (إنها دايمًا بتجذب ومش بتتوقف على الإطلاق).
وبالرغم من إنها أكتر قوة مشهورة بين كل القوانين الكونية، إلا إنها تعتبر قوة ضعيفة مقارنة بالقوى الأخرى، يعني على سبيل المثال القوة الكهربية أقوى بمقدار 10 وقدامها 40 صفر من قوة الجاذبية، لكن من فضل الله فدي حاجة كويسة، وعشان تعرف هي ليه حاجة كويسة، تعالى نتخيل مع بعض لو قوة الجاذبية على مستوى الكون كله زادت شوية، ومش شوية كتير ولا حاجة، مش 1000 مَرة مثلا ولا حتى 100 مرة، إحنا بس هنفترض إن الجاذبية في كل مكان بقت ضعف قوتها فقط، يعني بدل ما كانت بقوة 1 تبقى بقوة مضاعفة وتوصل لـ 2.

عواقب وخيمة

بالرغم إن الزيادة دي من وجهة نظر البعض ممكن تكون قليلة، إلا إن تأثيرها على العالم هيكون مهول، لو كانت الجاذبية أقوى بمرتين، الضغط فى باطن النجوم هيكون أشد، وبالتالى التفاعلات والإندماجات النووية هتكون أكثر عنف، وهيترتب عليه، إن مخزون المادة بداخل النجوم هيتحول لطاقة بشكل أسرع، ولما يتحول لطاقة بشكل أسرع، النجوم هتحترق سريعاً وهتموت فى سن مبكر، يعني بدل ما النجم يبقى عمره الافتراضي 10 مليار سنة؛ عمره هيبقى 100 مليون سنة.
حاجة تانية هتحصل إن ضياء الشمس والأشعة بتاعتها هتزداد قوتهم 100 مَرة، كوكب الأرض على سبيل المثال هيتحول لمحرقة ضخمة، وهيتجرد تمامًا من الغلاف الجوي، وجميع الأنهار والمسطحات المائية هتتبخر وتتلاشى، والأرض هتفقد جميع مظاهر الحياة الموجودة عليها، كل اللي بنحكيه ده لو قوة الجاذبية زادت فقط من 1 لـ 2، لكن طبعًا الجاذبية حوالينا مازالت عند قيمة معينة، وربنا سبحانه مقدر كل شيء في الكون حوالينا بالقدر اللي يسمحلنا نعيش بسلام وبدون أي مشاكل، وعلشان الحياة تبقى زي ما هى، لازم قوة الجاذبية تبقى بالقيمة المحددة اللي مُقدرة ليها.

هل هي حقًا قوى ضعيفة؟

السر فى قوة الجاذبية وتأثيرها بالشكل ده إنها قوة تراكمية، يعني كل ما المادة تزيد، كل ما كانت الجاذبية أقوى، وده بيخلي الجاذبية عندها القوة على صناعة كيانات مرعبة في الكون، فهي السبب الرئيسي في صناعة الثقوب السوداء، الجاذبية بتخلي الثقب الأسود مرعب لدرجة إن حتى الضوء مابيقدرش يهرب من جاذبيته، وعشان كده كل حاجة داخل الثقوب السوداء عبارة عن لغز، الضوء مابيقدرش يهرب من الجاذبية وبالتالي مابيقدرش يُعكسه عشان يفصح عن مكنون الكيان الغريب ده.

القوة النووية الضعيفة

القوة اللي بتحتل المركز التاني ضِمن القوى الأربعة الأساسية في الكون، هي القوة النووية الضعيفة، والقوى دي بالتحديد مِش مشهورة ونادرًا لما يكون حد سِمع عنها، والسبب في كده إن القوة دي مش بتحتك بشكل مباشر بأي حاجة موجودة في حياتنا، لكن بالرغم من كده هي قوة مهمة جداً زي الجاذبية بالظبط، وما تقلش عنها في الأهمية إطلاقا.
في عام ١٠٥٤ من الميلاد، علماء الفلك قابلهم ظاهرة غريبة، شافوا ضوء ساطع فى السماء، ماكنوش فاهمين هو ظهر منين وإيه السبب في ظهوره، وقتها ماكنش حد شاف ضوء باللمعان ده قبل كده في السماء، فقاموا بتوثيق المشهد وسجلوه بالرسومات لعل الأجيال القادمة تمتلك تفسير علمي للى حصل.
وفي عصرنا الحديث عرفنا الضوء اللي ظهر ده كان ايه، اللي شافوا المشهد ده عاصروا واحدة مِن أكتر اللحظات ندرة فى العالم، موت النجم بيكون عبارة عن تفكك عنيف ومفاجئ لجزيئاته بيسمى بالـ (سوبر نوفا).

كيفية انفجار النجوم

جزيئات النجم بتنفجر بعنف، وغبار النجم بيتناثر لمليارات الكيلومترات فى الفضاء، ولو بتسأل إحنا كبشر مستفيدين إيه لما نجم يموت، خلينا الأول نشرح النجم ده إنفجر ازاى، وإيه القوة الأساسية اللى كانت ورا عملية إنفجاره، النجوم كتلتها بتبقى عالية جداً والحاجة بتمسك مادة النجم هي النواة، لكن نواة النجم علشان تقدر تفضل محافظة على تماسك النجم، محتاجة دايماً للوقود، والوقود ده بيكون عادةً الهيدروجين، والنجوم بتستمد طاقتها عن طريق حرقه وتحويله لغاز الهيليوم، لكن الوقود ده مسييره هينتهى، وبالتالى لما الهيدروجين يخلص، بيبدأ الهيليوم يتحرق لمادة تانية وهكذا لحد ما نوصل لعنصر الحديد، وقتها بيبقى الوقود اللي داخل النجم انتهى، والنواة وقتها بتعجز عن إنها تفضل ماسكة كتلة النجم، والوضع ده بيستمر لحد ما النجم يوصل للمرحلة الحرجة، وهى مرحلة الإستسلام، وقتها بيبدأ النجم ينهار وينكمش على نفسه، وبعدها بيرتد وينفجر فى إنفجار كارثى.

منافع ما تجيش على بالك

مربط الفرس بقى في الموضوع هو سبب إرتداد النجم مَرة تانية، النجم بعد ما بينكمش على نفسه ليه بيرتد مرة تانية، وإيه الآلية الخاصة بالإرتداد ده؟
والإجابة على ده هي إن أثناء إنكماش النجم على نفسه، بتبدأ مادة البروتونات والإلكترونات هم كمان ينضغطوا بعنف، وكثافة النجم بتزيد لدرجة أن السنتيمتر المكعب الواحد بيوصل كتلته لمليار طن، وبسبب الضغط العنيف ده بتبدأ القوة النووية الضعيفة تتدخل، وهنا بيظهر دورها بأوضح الاشكال، القوة النووية الضعيفة بتحول البروتونات فى النجم لنيوترونات، والنيوترونات دي بتعمل ضغط عكسي بتدفع سطح النجم للخارج وبتدمره لآشلاء، إذًا القوة النووية الضعيفة هي السبب في عملية ارتداد وإنفجار النجم، وأهم خدمة بتقدمها القوة النووية الضعيفة للكون إنها بتنشر عدد كبير من العناصر في أرجاء الكون،
عناصر مهمة زي الكالسيوم والفوسفور والبوتاسيوم، والكبريت، والصوديوم، والكلور والمغنيسيوم وغيرهم، كل العناصر دي ضرورية للحياة، لكنها غير متوفرة في كل مكان ومصدرها الأساسي بيكون النجوم، فلما النجم ينفجر بسبب القوة النووية الضعيفة بتنتشر العناصر ده في أرجاء الفضاء وتدخل في تكوين التربة الخاصة بالكواكب والأجرام السماوية المختلفة، يعني العناصر الموجودة في تربة كوكب الأرض، كانت في يوم من الأيام في الفضاء الخارجي، ولو كانت النجوم بتموت وتفضل على حالها من غير إنفجار، وبدون تدخل القوى النووية الضعيفة، كانت العناصر دى هتفضل محبوسة فى نجوم ميتة عديمة النفع بدون ما نستفاد منها على الإطلاق.

القوة النووية الشديدة

القوة التالتة بقى اللي هنتكلم عنها هي القوة النووية الشديدة، ودي بقى مختلفة عن القوة النووية الضعيفة مِن حيث المعرفة، لأننا نعرف القوى دي كويس، بل وكمان وقعت تحت إختبار البشر عِدة مرات.
زى ما احنا عارفين الذرة مكونة من أجزاء داخلية، بروتونات ونيوترونات وإلكترونات، البروتونات نفسها مركبة من جسيمات أصغر إسمها الكواركات، واللى بيمسك الجسيمات دى وبيربطها ببعضها هى أشد قوة فى قوانين الكون ألا وهى النووية الشديدة، ومش بس كده، ده كمان الضوء والحرارة اللى بيخرجوا لينا من الشمس، السبب في وجودهم هو عملية الإندماج النووى فى باطن الشمس، يعني المسؤول عن إطلاق الطاقة والحرارة من باطن النجوم، هى القوة النوويه الشديدة، وبعبارة أخرى، القوة النووية الشديدة هى واحدة من الأسباب الرئيسية والمهمة لوجود الحياة ولترابط الكون.

القوة الكهرومغناطيسية

أخر قوة معانا في القوى الأربعة هي القوة الكهرومغناطيسية.
القوة الكهرومغناطيسية من اسمها منشقة لشقين، شق كهربي وأخر مغناطيسي، والرابط بينهم تم إكتشافه على ايد العالم الأمريكي مايكل فاراداى Michael Faraday، التيار الكهربي ببساطة بيولد مجال مغناطيسي، وهى دى الظاهرة اللى بنستغلها فى أجراس الباب أو أجهزة التلفزيون، بل وكمان في أى جهاز إلكتروني بنستخدمه فى حياتنا اليومية، وعلى العكس برده المجال المغناطيسيى بيولد مجال كهربى، وعلشان كده بيتم دمجهم لأنهم مترابطين ببعضهم، القوة الكهرومغناطيسية فائدتها القصوى بتكمن في ربط أجزاء الذرة فى بعضها، والمقصود هنا الأجزاء الكبيرة وليست الأجزاء متناهية الصِغر، ومن غيرها أى شئ مركب من ذرة مش هيكون مستقر، وطبعا مفيش شئ فى الكون إلا ومركب من الذرات!
وبالتالي وجود قوة زي دي في الكون هو شيء حتمي تمامًا وأساسي.