في البداية كده أي حد بيتكسف ممكن مايكملش معانا المقالة عادي جدا، لأننا هنقول كلام علمي صريح، وممكن يبقى محرج لبعض الناس.
الأدوية واحدة من الأشياء المهمة جدا في حياة البشر، وده لأننا من خلالها بنقدر نتعافى ونتغلب على الأمراض، وعلشان كده الأدوية بتاخد أشكال وأنواع عديدة علشان تناسب الوظيفة بتاعتها، منها مثلا الأدوية السائلة والفوراة، والكابسولات والحقن العادية، حقن الزيت، المحاليل. وأنواع تانية كتير، لكن من ضمن الأنواع دي كلها في نوع غريب جدا الا وهو اللبوس أو التحاميل، واللي بيبقى معروف علميا باسم الـ Suppository. النوع ده من العقاقير الطبيبة بيسبب إحراج شديد لمعظم الناس، بمجرد حتى ما بيسمعوا اسمه، وده ببساطة لأنه بيتم استخدامه من خلال إدخاله في فتحة الشرج واللي يعتبر أمر محرج جداً. فياترى بقى إيه الهدف من وجود اللبوس أساساً، وليه مايتمش استبداله وخلاص بأي نوع تاني من الأدوية؟
اللبوس من أيام القدماء المصريين
اللبوس فكرته ببساطة هو إنه يتم إدخال تركيبة أو مجموعة معينة من الأدوية والعقاقير داخل فتحة الشرج أو المستقيم، وبعد كده بتبدأ المكونات بتاعت الأدوية دي تذوب تماما بمجرد دخولها بفعل حرارة الجسم، وبعدين بيبدأ الجسم يمتصها ويستفيد منها، والهدف من استخدام الآلية دي بالتحديد هنوضحه كمان شوية، ولكن اللي يهمنا دلوقتي هو الفكرة نفسها!
لأن الحقيقة الفكرة دي كـفكرة طبية، تعتبر قديمة جدا جدا، ومش وليدة العصر الحالي، الإنسان من قديم الأزل وهو بالفطرة بيلجأ للطريقة دي في بعض الحالات المرضية، ويمكن أقدم وثيقة مسجلة بتحكي عن الموضوع ده، بيعود تاريخها للمصريين القدماء!
في بردية شهيرة معروفة باسم بردية إبيرس Ebers Papyrus، وهي من أوائل البرديات الطبية المصرية اللي اتكتبت في التاريخ، واتكتبت في حدود عام 1550 قبل الميلاد، البردية عبارة عن 110 صفحة، بتحكي عن الطب في مصر القديمة، وبتحكي عن الأعشاب والعقاقير، ووصف لبعض الأمراض، المدهش بقى إن البردية دي ذكرت حاجة غريبة جدا وهي استخدام بعض العقاقير وإدخالهم للجسم من خلال فتحة الشرج أو المستقيم، يعني المصريين القدماء كانوا بيستخدموا الآلية دي بالفعل!
والأكثر غرابة من كده إن في عرف أو ثقافة كانت منتشرة في معظم الحضارات القديمة، بما فيهم المصريين القدماء. وهي إن الحاكم بيبقى ليه مجموعة من الأطباء، وكل طبيب منهم مسؤول عن علاج مرض واحد فقط أو عضو واحد، يعني مثلا كان بيبقى في طبيب مسؤول عن علاج العين اليمنى فقط للملك، وبياخد لقب “الحارس أو الراعي الملكي للعين اليمنى للفرعون”، وبيبقى في طبيب تاني مسؤول عن علاج العين اليسرى، وطبيب مسؤول عن علاج الأنف فقط، وطبيب مسؤول عن علاج المشكلات الهضمية، وطبيب تاني مسؤول عن مشكلات التنفس وهكذا.
المدهش بقى إن ضمن الوظايف دي كان في طبيب بيحمل لقب “الراعي الملكي لفتحة الشرج أو المستقيم للفرعون” أو الـ Shepherd of the Royal Anus، وده مش شيء محرج ولا حاجة ولا حتى أمر غريب، وده ببساطة لأنهم كانوا على دراية كبيرة بالطب، وكانوا عارفين إن توصيل الأدوية للجسم من خلال المنطقة دي بيكون مفيد في حالات كتيرة جداً، بل إن الموضوع ده لفترة طويلة كان بيقتصر على الطبقة الحاكمة فقط.
التطور من الحقنة الشرجية إلى اللبوس
مع مرور الوقت بقى وعلى مر العصور، بدأت تظهر أجهزة وأدوات طبية معتمدة على نفس الآلية، زي الحقنة الشرجية على سبيل المثال، واللي بتكون عبارة عن وعاء بيتحط فيه العقاقير والأدوية في صورة سائلة على هيئة محاليل، وبعدين بتبدأ السوائل دي تخرج من الوعاء وتمشي خلال أنبوب معين، بينتهي في آخره بجزء دقيق بيتم إدخاله مباشرة في المستقيم، لكن حتى الحقنة الشرجية مع الوقت اتطورت وبقى شكلها أبسط، وبقت عبارة عن مجرد أنبوبة أشبه بـ أنبوبة القطرة ولكن حجمها أكبر شوية، وبيتم وضع السوائل جوا الأنبوبة دي بشكل بسيط، وبيتم استخدامها لمرة واحدة فقط.
اتطورت الأساليب دي في النهاية لحد ما وصلنا لاختراع القرن ألا وهي اللبوسة في بدايات القرن الـ 18، وكان الهدف من وجودها هو إنه مفيش داعي إن يبقى فيه جهاز كبير متوصل بخرطوم، أو حتى إن يبقى في أنبوبة بلاستيكية علشان الدواء يدخل للجسم، ولكن ممكن بدل كل الدوشة دي، نحط الدوا نفسه مباشرةً داخل المستقيم دون الاستعانة بأي أجهزة، بس علشان الموضوع ده يتم محتاجين الدوا نفسه يدخل للجسم في صورة سائلة علشان الجسم يقدر يستفيد منه، وفي نفس الوقت إدخال سوائل للجسم من منطقة المستقيم دون أي أجهزة يعتبر موضوع صعب جدا وغير ممكن، وعلشان كده لجأوا لفكرة عملية، وهي إن الدواء يتحط على مضيف أو على مادة معينة، تكون صلبة في درجات الحرارة المنخفضة، لكن بمجرد ما تدخل للجسم وتتأثر بدرجة الحرارة اللي جواه، تبدأ تدوب وتتحول لقوام سائل، وعلشان كده كانت من أولى المواد اللي استخدموها علشان يصنعوا التحاميل هي العسل والصابون والشحم وزبدة الكاكو، وده لأن درجة انصهارهم منخفضة جدا، لحد ماوصلت التحميلة لشكلها الحالي تقريبا في عام 1897م، وبقت في العادة بتتكون من مواد چيلاتينية وبدأت تاخد عدة أشكال. أشهرهم شكل الرصاصة أو شكل الطوربيد، بالإضافة للأشكال البيضاوية والاسطوانية وغيرها من الأشكال الملساء، علشان يسهل استخدامها.
طيب السؤال اللي بيطرح نفسه دلوقتي، هو إيه الفايدة من القصة دي كلها؟
طب ما ناخد الدوا من الفم وخلاص بدل الآلية الغريبة دي، وإزاي أصلا الأطباء قدروا يقنعوا الناس إنهم يستخدموا الدواء الغريب ده؟
اقبال المرضى على اللبوس
الحقيقة الناس هم اللي أقبلوا بقوة على استخدام اللبوس أو التحميلة، ومحدش أجبرهم على كده. وده ببساطة لأنه حل مشكلات صحية كتير كانوا بيقابلوها، أحد المشكلات دي مثلا بتظهر تحديدا مع الأطفال، الأطفال من سن 3 شهور ممكن يظهر عليهم بعض الأعراض المرضية الخطيرة زي ارتفاع درجة حرارتهم والكحة الشديدة، أو إنهم يعانوا من القيء وعسر الهضم، وفي السن الصغير ده ماينفعش إعطاء الطفل أي دواء من فمه سواء دوا شرب أو أقراص، وعلشان كده في الحالة دي بيبقى اللبوس أو التحميلة حل مناسب جدا، بل إنه حرفيا في بعض الحالات بيبقى سبب في إنقاذ حياة الأطفال، والموضوع ده كمان بينفع مع الأطفال اللي لحد سن ست سنوات، وده لأنهم في معظم الأوقات بيرفضوا إنهم ياخدوا دوا الشرب تماما لأنه بيبقى مر بالنسبالهم، أو بيمتنعوا أصلا عن الأكل، وبالتالي العلاج من خلال التحاميل بيبقى حل ممتاز لحالتهم.
طيب هل الموضوع بيقتصر على الأطفال فقط؟
في الواقع لأ.
التحاميل أو الأدوية الشرجية بوجه عام بتكون مناسبة كمان للكبار في حالات كتير جدا، أحد الحالات دي مثلا إن الشخص يبقى مغمى عليه ومش بيتقبل أي دواء، وكذلك حالات الحساسية والحكة والالتهابات البكتيرية أو الفطرية بتقدر التحاميل إنها تعالجها بكفاءة، كمان من الحالات المهمة جدا هي التهاب البواسير!
بعض أنواع اللبوس أو التحاميل بيتم استخدامها كـ مرطب أو مسكن موضوعي لحالات البواسير، وكمان ممكن يتم استخدامهم في حالات الإمساك الشديدة، وحالات تفريغ الأمعاء ومعالجة التهاب القولون وغيرهم.
طب أخيرا بقى هو الدواء اللي من النوع ده إزاي تأثيره بينتقل من فتحة الشرج أو المستقيم، وينتشر في باقي أرجاء الجسم؟
اللبوسة بتشتغل ازاي؟
لما التحميلة بتستقر داخل المستقيم وتدوب بفعل حرارة الجسم، في الوقت بيتم امتصاصها بأكثر من وسيلة، أهمها طريقة الانتشار السلبي أو الـ passive diffusion، وفي الحالة دي بيبدأ الدوا ينتقل من خلال غشاء الخلايا ومنه للأوردة الشرجية السفلية والوسطى. ومنها للوريد الأجوف وبالتالي بيدخل في مجرى الدم مباشرة، وهنا بيبقى عنده الفرصة إنه ينتشر لباقي الدورة الدموية في الجسم.
وفي النهاية على الرغم من أهمية اللبوس أو التحاميل، وخصوصا في الحالات الحرجة اللي اتكلمنا عنها من شوية، إلا إن للأسف النوع ده من الدوا بدأ يندثر تماما، ويقل بشكل تدريجي من الأسواق وعدده بقى محدود جدا، بل وكمان المعامل الطبيبة بتتجاهله تماما، ومابيدخلش ضمن العلاجات الفيروسية وغيرها من الأدوية اللي بيتم تطويرها،وده بسبب عدم قبول الناس لاستخدامه زي زمان.