مع دخول العصر الحديث بعد الثورة الصناعية ومن بعدها بدأ ظهور التطور التكنولوجي بصورة كبيرة، و بدأ العالم كله يتغير ويأخذ منحدر تاني غير اللي كان عليه، ومن ضمن التطور ده طبعًا كانت الأقمار الصناعية، واللي من ضمن أدوارها إنها حرفيًا تمشط الكوكب كله وتظهر كل حاجة موجودة على سطحه، وبالرغم من كده إلا إن في أماكن لحد النهاردة ما نعرفش عنها حاجة حتى بإستخدام الأقمار الصناعية، ومن الأماكن دي مدينة كاملة قدرت الحكومة الأمريكية إنها تخفيها تماما عن العالَم الخارجي، والملفت اكتر فى الموضوع إن فيه عدد كبير من البشر ساكنين المكان ده.
إيه حكاية المدينة دي؟ وإزاي الحكومة أخفتها؟ وأصلا ليه أخفتها؟
المدينة السرية
مدينة “أوك ريدج Oak Ridge” والمعروفة كمان باسم ” المدينة السرية “، تم تأسيسها من قبل الحكومة الأمريكية فى عام 1942م في ولاية “تينيسي Tennessee”، علشان تكون قاعدة رئيسية لمشروع مانهاتن، لكن المدينة دي كانت موجودة بالفعل زيها زي أى مدينة تانية قبل التخطيط لمشروع مانهاتن، واللي ما يعرفش ايه هو مشروع مانهاتن فـده كان مشروع بحثي لصناعة وتطوير الأسلحة النووية للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب العالمية التانية، وتحديدًا من سنة 1942 ولحد سنة 1946، والحكومة الأمريكية اختارت المدينة دي تحديدًا نظرا لموقعها البعيد عن السكان المحليين للولاية وقتها، وعلشان المكان يكون مناسب لإقامة المشروع، فـالحكومة الأمريكية كانت مضطرة إنها تبني في حيز المدينة مدينة تانية كاملة من الصفر علشان تقدر تستوعب عدد الموظفين والمقيمين فيها في فترة العمل، في شهر أكتوبر من سنة 1942 صحي حوالي 1000 شخص من النوم لقوا فيه ملاحظات متعلقة على أبواب بيوتهم مكتوب فيها: إن الحكومة الأمريكية صادرت البيوت بتاعتهم بالأرض اللي مبنية عليها، وإن قدامهم مهلة 6 أسابيع لإخلاء المكان، وفي خلال 3 سنين بس من تأسيس المدينة وبعد ما الحكومة استولت عليها، عدد الناس اللي كانوا جواها زاد بشكل غريب جدا لدرجة إنه طلع من 3000 لـ 75.000 نسمة، والمدينة كانت بتعتبر متكاملة وترفيهية بالرغم من اللي كان بيتم فيها، وأغلب السكان كانوا على علم بإن فيه حاجة غير طبيعية بتحصل جوا أسوار المدينة لكنهم ما كانوش يعرفوا ايه اللي بيتم بالظبط، فعلى حسب وصفها فـالمدينة كانت مبهجة لدرجة كبيرة، كانت بتضم منازل وبيوت مريحة للسكان، بالإضافة لحمامات سباحة ومكتبة وحوالي 13 محل بقالة وسوبر ماركت ومتاجر وأسواق ومطاعم وحتى فرق رياضية زيها زي أي مدينة أمريكية تانيm، بالاضافة لمسرح أوركسترا وصالات للرقص، على الرغم من كونها كانت المطبخ الأول اللي تم فيه صناعة أكثر سلاح فتاك اللي عرفتها البشرية لحد النهاردة.
حماية مشددة على المدينة
بالرغم من كل الرفاهية اللى كانت فى المدينة، إلا إن الأجواء داخل المدينة كانت مشحونة تمامًا، الحكومة الأمريكية في لحظة معينة زودت الحراسة المشددة خارج وداخل أسوار المدينة، وأحاطوا المدينة بأسوار وأسلاك شائكة ضخمة، وبدأت الحكومة تستخدم كمية مهولة من الكهرباء واللي كانت بتعادل نفس كمية الكهربا اللي بيتم استخدامها في نيويورك كلها، وده طبعا بسبب الآلات والمصانع والمعامل البحثية اللي جوا المدينة، ده غير إن الهوا اللي كان موجود في المدينة وقتها كان سام نظرا للتجارب المعملية اللي كانت بتتعمل على العناصر المشعة لصناعة القنبلة النووية الأولى، وعلشان الوضع في المدينة يبان طبيعي فـالحكومة اضطرت تدفع مبالغ زيادة للناس اللي ساكنين جواها، علشان بس يستحملوا العيشة في الظروف الصعبة دي، الموضوع كان سرى جدا لدرجة إن نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية نفسه وقتها ما كانش يعرف بوجوده، بل إنه ولحد ما تم إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما ما كانش فيه حد خارج المدينة يعرف أي حاجة عن المشروع ولا عن القنبلة، باستثناء قلة محدودة جدًا ومختارة بعناية من قبل الحكومة، والطريقة اللي استخدمتها الحكومة في الحفاظ على سرية المدينة تم وصفها على إنها طريقة بارعة وماكرة جدًا، لإخفاء عملية سرية وخطيرة بالشكل ده.
لكن ايه هي الإجراءات اللي اتخذتها الحكومة علشان تحافظ على سرية المكان؟
سرية تامة
فى البداية كده التكنولوجيا اللي كانت مستخدمة في أوك ريدج وقتها، ما كانتش موجودة في أي مكان تاني في العالم، والبيوت السكنية اللي كانت موجودة في المدينة تم التخطيط ليها وبنائها خارج المدينة، وبعد كده تم نقلها لداخل المدينة علشان الحكومة تقلل قدر الإمكان عدد عمال البناء اللي هيدخلوا المدينة نفسها، واللي ممكن واحد منهم بالصدفة يعرف حاجة عن اللي بيحصل جوا، بالإضافة لإن رسائل البريد اللي كانت بتطلع وتدخل المدينة كان بيتم فحصها كويس جدا علشان يتأكدوا إن مفيش أي معلومة عن المشروع تم تسريبها لخارج السور، وطبعًا الحكومة الأمريكية ما كانتش تحب تسيب أي حاجة للصدفة، ونظرًا للعدد الكبير اللي كان في المدينة واللي بلغ 75 ألف نسمة زي ما ذكرنا من شوية، فـالحكومة منعت معلومات كتيرة جدًا عن كتير من الناس اللي كانوا جوا المدينة وقتها.
75 ألف نسمة منهم 90 فرد بس اللي عارف الحقيقة
حتى إن عمال البناء وبعض الموظفين على الآلات ما كانوش يعرفوا هم بيقوموا بالعمل ده ليه، ووفقا لأحد التقديرات فـالناس اللي كانوا عارفين إن الحكومة بتقوم بتصنيع قنبلة ذرية وأسلحة نووية في المدينة، كانوا لا يتعدوا الـ 90 شخص، ومعظمهم من العلماء والفيزيائيين اللى شغالين على المشروع وبعض أفراد الجيش، وأغلب العمال والموظفين اللي كانوا موجودين في المدينة وقت صناعة القنبلة بل وشاركوا كمان في صناعتها بإيديهم، ماعرفوش بأمر القنبلة غير من الصحف والجرائد بعد ما تم إلقاءها على هيروشيما، والحكومة كانت حريصة جدًا على إن كل فرد من الموظفين يكون ليه مهمة واحدة بس بيقوم بيها، وكانوا مانعين منعًا تامًا إن أي موظف يقول لأي موظف تاني هو بيعمل ايه بالظبط، وده طبعًا كان علشان ما يتمش ربط المعلومات ببعضها والوصول لمعرفة ايه اللي بيتم بالظبط،وكانت من ضمن المهام الغريبة اللي اتطلبت من أحد الموظفين جوا المدينة هو إنه يحمل آلة معينة ويحطها على ملابس العمال، ويسمع لو فيه صوت طقطقة ويبلغ بيها، والموظف ده ما كانش يعرف إن الآلة دي بتتأكد من وجود إشعاع باستخدام عداد اسمه “عداد جايجر Geiger counter”.
وفوق كل الاحترازات المشددة دي بقى كمان فـظباط الأمن اللي كانوا موجودين جوا المدينة لو كانوا لقوا مجموعة مكونة من أكتر من 7 أشخاص كان بيتم استجوابهم فورا، ولو ثبت وجود أي تسريب لأي معلومة خارج المدينة أو حتى في بعض الحالات داخل المدينة كان بيتم الحكم بالسجن لمدة 10 سنين على الشخص المتسبب في التسريب ده، أو تغريمه مبلغ مالي بيقدر بـ 100.000 دولار أمريكي، وعلشان تضمن الحكومة الأمريكية ولاء كل اللي شغالين أو ساكنين في المدينة وإنهم ما يسربوش أي معلومة يعرفوها عن المشروع، فـكانت دايما بتفكرهم بالوطنية والانتماء الوطني لبلدهم، بالإضافة كمان لتذكيرهم بإن مصيرهم هيكون ايه لو خسروا في الحرب دي من باب الترهيب، لذلك حتى اللي كانوا على علم تام باللي بيحصل في أوك ريدج، فضلوا ساكتين وما قالوش أي حاجة حتى لأقرب الناس ليهم فى محاولة منهم للحفاظ على سرية المشروع قدر المستطاع.