الحيتان من أروع المخلوقات اللي ممكن تشوفها في حياتك حتى لو في فيديو أو صورة مجرد ما تشوفها كده وتلاقي نفسك بتقول سبحان الله.
مخلوقات مهيبة ومسالمة عايشة حياتها في سلام داخل عائلات فيها البالغين والأطفال وحتى العجائز، لكن للأسف بقى مش ممكن تتخيلً كم الأعداد الرهيبة اللي بتموت من الحيتان على مستوى العالم، انت مش بتتكلم في عشرات ولا مئات لكن آلاف مؤلفة من الحيتان بيموتوا سنوياً، بل إن فيه أنواع منهم أوشكت بالفعل على الانقراض.

أرقام مخيفة وسيناريوهات مرعبة

فى المحيط الأطلسي وعلى بعد شوية حوت مِنك minke whale طالع عالسطح ياخد نفسه، و بمجرد خروجه من المياه دوى صوت طرقعة قوية وحبل طاير موصول بحربة دبت في راس الحوت لعمق وصل لنص متر كامل، فى خوف وهلع حاول الحوت النجاة بحياته لكن مافيش ثواني و الحربة انفجرت في دماغه، ده واحد من السيناريوهات المؤسفة المكررة لصيد الحيتان في محيطات العالم، ولك أن تتخيل ان 3 دول بس قدرت لوحدها تخلص على 40 ألف حوت من منتصف التمانينيات لحد النهاردة، مع مراعاة ان الصيد التجاري للحيتان أصلاً محظور من عام 1986 لكن دول زي النرويج واليابان وايسلندا استمروا في السماح بالصيد بطريقة أو بأخرى، طيب هو ايه وجه الاستفادة من صيد الحيتان؟ سوق الحيتان واسع وأرباحه بالملايين ما بين لحوم ودهون وزيوت وغضاريف، أكل بقى أو مستحضرات صيدلانية أو مكملات صحية وغيرها، وسنوياً بيموت 1000 حوت عشان جيوب المستثمرين.
ومع ذلك “صيد الحيتان” مش هو السبب الوحيد ولا حتى الرئيسي في وفاة ألاف الحيتان سنوياً.

ظاهرة الجنوح

لو صيد الحيتان بيخلص على 1000 حوت سنوياً، فظاهرة الجنوح بتخلص على أعداد مماثلة وأحياناً أكبر من كده كمان،”الجنوح” بيحصل في الاساس بين الحيتان المصابة أو النافقة لأي سبب والرياح والتيار يحدفهم على الشاطئ، لكنه كمان بيحصل بين الأفراد الأصحاء من الحيتان والأعجب لما بيحصل كمان بشكل جماعي؛ يعني تلاقي مجموعات ضخمة من الحيتان أو الدلافين حصلهم جنوح للشاطئ مع بعض، زي اللي حصل عام 2015 في جنوب منطقة باتاجونية Patagonia التشيلية لما جنح أكتر من 300 حوت من نوعية “حيتان الساي sei whale” وفي سبتمبر 2020 جنح 460 حوت طيار Pilot whale على شواطئ جزيرة تاسمانيا الاسترالية والسلطات وقتها ما عرفتش تنقذ إلا عدد محدود ماوصلش لـ 100 حوت، طيب هو ايه السبب في الظاهرة العجيبة دِه، وهل فعلاً الحيتان بتنتحر؟ فيه أكتر من سبب ورا ظاهرة الجنوح، منها التضاريس الساحلية ونطاقات المد والجزر، واللي بتخلي بعض المناطق أشبه بمصايد للثدييات البحرية، ولك أن تتخيل ان أثناء دورة المد والجزر ممكن المياه تنحسر لعدة كيلو مترات في دقائق معدودة، الحوت يبقى فى الميه عادى وفجاة يلاقي نفسه بلا حول ولا قوة ومفيش حواليه إى مية، وبحسب المتخصص “نيك دافيسون Nick Davison فيه عدد من المناطق الساحلية بتكون المياه فيها ضحلة بشكل ما يسمحش للحيتان التنقل فيها وده لأن خاصية تحديد المواقع بالصد أو الـ echolocation عندهم مصممة أصلاً للمياه العميقة مش الضحلة، ومن هنا الحوت ممكن يتوه ومايعرفش طريقه أصلاً في المياه، وده اللي لاحظه الباحثين في عدد من المواقع اللي ظهر فيها جنوح جماعي للحيتان زي سواحل بحر الشمال أو منطقة “كيب كود Cape Cod في شرق الولايات المتحدة، لكن مش بالضرورة الحوت يعلق في منطقة ضحلة أو يحصل مد وجزر عشان الحيتان تلاقي نفسها على الشاطئ، أحياناً الحوت هو اللي بيجنح وبيروح للشاطئ بنفسه.

هل الحيتان بتنتحر؟

التلوث الضوضائي يعتبر أحد أهم أسباب ظاهرة الجنوح عند الحيتان وخصوصاً الموجات الصوتية الناتجة عن استخدام أجهزة السونار أو أجهزة المسوحات، كل ده بيشوش على تواصل الحيتان مع بعضهم، وخد بالك ان الموجات الصوتية بتتحرك في المياه أسرع ما بتتحرك في الهوا بأكتر من 4 أضعاف، يعني مش بالضرورة يكون استخدام الاجهزة بالقرب من الحوت عشان يشوش عليهم، بل ان الامر بيوصل أحياناً ان الموجات الصوتية ممكن تأذيهم وتعملهم مشاكل في السمع أو تربكهم وتخليهم خايفين ويبتدوا يتحركوا في أي اتجاه،
وتلاقي الحوت جي على الشاطئ بنفسه، وكل ده بالإضافة ان الجنوح ممكن يحصل ببساطة نتيجة ان الحوت مصاب أو مريض أو حتى ضعيف ومش قادر على السباحة، و هنا بينجرف ببساطة مع التيار وصولاً للشاطئ.
طيب لو الكلام ده كله بيفسرلنا جنوح الأفراد.. طيب والجنوح الجماعي؟ ايه اللي يخلي ما يقرب من 500 حوت يجنحوا في نفس الوقت مع بعض؟


الترابط الموجود فى مجتمع الحيتان قوى جدا، الحيتان ممكن تتحرك في مجموعات تبدأ من 3 لـ 4 أفراد وصولاً للمئات، وهنا بتحافظ المجموعة على الترحال مع بعض بل ومساعدة بعضهم كمان لو واحد فيهم مريض أو معرض لخطر وده بيخليهم ينحرفوا أحياناً عن مسارهم، والأكتر من كده كمان ان لو واحد منهم حصلوا مشكلة وانجرف على الشط ونادى على زمايله هيروحولوا في محاولة لإنقاذه، وهنا المشكلة ممكن تكون أي من الأسباب اللي ذكرناها للجنوح، وساعتها ممكن المجموعة بالكامل تعرض نفسها للخطر عشان فرد واحد بس وفي النهاية محتمل يعلقوا على الشاطئ ومايعرفوش يرجعوا.

الحيتان في مواجهة السفن العملاقة

بالرغم من إن ظاهرة الجنوح بتهدد حياة الحيتان، إلا ان فيه خطر مهوول بيواجه الحيتان بخلاف الصيد والجنوح وبيحصد في أرواحهم بأرقام غير معلومة أو على أقل تقدير غير مؤكدة بالنسبالنا، حركة النقل البحري في المحيط النهاردة أصبحت بتمثل خطر مخيف على الحيتان لدرجة بتهدد بانقراض أنواع بالكلية، في الفترة من عام 1992 لـ 2013 فقط زادت حركة النقل البحري بنسبة 300%، انت بتتكلم في سفن نقل وبواخر ومراكب سريعة وده عن الأعداد، أما عن الحجم؛ فحدث ولا حرج سفن الشحن العملاقة وصل طول بعضها النهاردة لـ 400 متر وعرضها لـ 61 متر وبتشيل قرابة الـ 24 ألف حاوية على متنها، السفن دِه بيتعارض مسارها أحياناً مع الحيتان وبتخبط فيهم الحوت يا إما يصاب أو يموت،
وبحسب الإحصائيات فمن عام 2007 لـ 2016 حصل 1200 تصادم بين الحيتان والسفن المختلفة، الأ إن معظم الخبراء والباحثين بيشككوا في الأرقام دِه وفي مقدمتهم “مايكل فيشباك / فيشباخ Michael fischbach” مؤسس منظمة “الحفاظ على الحوت الكبير” واللي بيأكد ان حوادث التصادم بين السفن والحيتان من الصعب رصدها بالكامل وبلا شك الارقام بتوصل للألاف سنوياً، والفكرة هنا إن السفن لو خبطت اي حوت مش بالضرورة تتأكد من وفاته، بل ان الامر بيوصل أحياناً ان السفينة بتخبط في الحوت خصوصاً لو حجمه صغير وبيعلق في الجزء السفلي من مقدمة السفينة والطاقم مش بيكتشف الا بعد الوصول للميناء.

بالإضافة إن لو الحوت مات في النهاية جسمانه بيغرق في قاع المياه لو ماجنحش على شاطئ بالقرب منه وماحدش هيعرف عنه حاجة، وبالتالي من الصعب تتبع أعداد الوفيات أو الإصابات الناتجة عن ارتطام السفن بالحيتان، ولما تبص على حوت زي حوت الشمال الأطلسي الصائب North Atlantic Right Whale، هتلاقي ان مافيش منه النهاردة في المحيط غير 400 فرد، وأكبر تهديد بيواجهه هي حوادث اصطدامه بالسفن خصوصاً انه بيتواجد باستمرار في منطقة مشغولة بحركة النقل البحري بالقرب من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ولو استمر الحال على ما هو عليه شوية ومش هنلاقيه، طيب هي مشكلة زي كده ممكن تتحل ازاي؟

أفكار تم تنفيذها بالفعل

مبدائيا كده الحيتان مابتقدرش تتجنب السفن حتى مع سماع أصوات محركاتها من مسافات بعيدة، بل ان أصوات المحركات العالية بتزيد من التلوث الضوضائي اللي بتعاني منه، لكن مع ذلك فيه بعض المبادرات الذكية تم التخطيط ليها وتنفيذ بعضها بالفعل، واحدة منها تمت بالقرب من قناة بنما، فى مجموعات من الحوت الأحدب أو الـ Humpback whale اعتادت الحركة بالقرب من مدخل القناة، في نفس الوقت اللي بتستخدم فيه عشرات السفن قناة بنما بصورة يومية، فتم عمل مخطط لفصل حركة المرور في المنطقة بحيث يحددوا للسفن مسار ضيق ومحدد يتحركوا فيه لحد ما يوصلوا لبوابة القناة بأمان من غير ما يتعارض مع مسار الحيتان، والقصة دِه ساعدت بالفعل في تقليل احتمالية التصادم بنسبة كبيرة.
فكرة تانية تم اقتراحها لتجنب الاصطدامات بالاعتماد على التوقيت مش المسار، الحيتان بتتحرك حسب حركة فريستها، الحوت الأزرق والحوت الأحدب على سبيل المثال أكلتهم الرئيسية هي الكريل، الكريل ده من القشريات اللي عاملة زي الجمبري كده وعنده حساسية من الضوء، فيجوا الصبح يغطسوا لتحت في المياه بعيد عن الضوء وبالليل يقربوا من السطح، وطبعاً مين وراهم الحيتان، وده معناه ان الحيتان اللي بتتغذى على النوعية دِه من الفرائس بتكون أقرب لسطح المياه بالليل عن النهار، في حين انها في النهار مش بتطلع لسطح المياه غير لإلتقاط أنفاسها مش اكتر، وعليه فمن الممكن لو مش قادرين نحدد مسار للسفينة بعيداً عن مسار الحيتان نخلي السفن العملاقة تتحرك بالنهار بس وتقف بالليل، والكلام ده هيقتصر على الرحلات اللي فيها تعارض مع المسارات اللي تم التأكد من وجود الحيتان فيها.
حل تالت تم اقتراحه وهو تقليل سرعة السفن في مناطق وجود الحيتان وهو الاقتراح اللي تم تنفيذه بالفعل بالقرب من مدخل المحيط الهادي لـ قناة بنما وده هيقلل خطورة الاصابات لو حدث تصادم.
وبالرغم من إن الحلول دي مش عملية لدرجة انها تحل المشكلة بالكلية، إلا ان التوعية بالمشكلة أمر مهم، و اهتمام منصات التواصل الاجتماعي و المنظمات والباحثين والعلماء بالموضوع كلها مؤشرات طيبة تدينا أمل في انقاذ أحد أروع المخلوقات على وجه الأرض.