بتبلغ مساحة الأرض اللى بتصلح للزراعة على جزء اليابس الصغير اللى إحنا عايشين عليه حوالى 48.5%، يعنى تقريبا نصف مساحة اليابس فقط هى اللى صالحة للزراعة، فى الوقت اللى فيه عدد البشر اقترب من الـ 8 مليار إنسان والمشكلة بقى إن الارقام دى مش أرقام ثابتة، البشر عددهم هيفضل يزيد، والأراضي الصالحة هتفضل تنكمش بسبب التصحر اللى بيعانى منه العالم كله، فعلى سبيل المثال دولة زى الصين اللى بيسكنها خمس عدد البشر لوحدها، بتبلغ كل الأراضى الصالحة للزراعة فيها حوالى 12% من مساحتها الكلية، ومع إستبعاد التضاريس الصعبة والاماكن المعزولة بتوصل النسبة لـ 7% فقط من إجمالي المساحة، وعشان كده من الطبيعى إن الصين ما تفرطش فى أى جزء من الـ 7% دوول.
مصيبة التصحر
التصحر هو التحول اللى بيحصل للأرضي المنتجة الخصبة لأراضي فقيرة فى الحياة النباتية والحيوانية، التصحر ده له اسباب كتير بتنقسم ما بين اسباب طبيعية زى تغيرات المناخ، أو أسباب بشرية ناتجة عن إزالة الغابات والرعي الجائر، والمشكلة بقى فى التصحر مش بس بيقتصر على خسارة الأرض الخصبة إنما كمان فى التأثير اللى بيعمله على المناطق الحيوية القريبه منها اللى بيسكنها الناس، وهو الامر اللى بيؤدى لكتير من المشكلات الصحية زى أمراض الجهاز التنفسى بسبب تلوث الهواء المليان بالغبار، وطرق مكافحة التصحر كمان كتير وأهمها التوعية الاجتماعية اللى عن طريقها يفهم البشر الطريقة السليمة لإدارة مواردهم والاستفادة منها.
الجدار الأخضر
التشجير هو أهم الطرق واكثرها إيجابية فى مكافحة التصحر وآثاره، وطريقة التشجير دى بتبقى عن طريق زراعة الاشجار وبعض المحاصيل على حواف الاراضى الصحراوية القاحلة، بحيث تبقى بمثابة مصدات للزحف الصحرواى اللى بيحصل وكمان توقف العواصف الرملية اللى ممكن تروح باتجاه المدن، وموضوع التشجير ده انتشر فى العالم كله، حتى الاراضى الإفريقية اللى بتعانى من نقص الموارد المالية بدأت مشروعها الكبير المسمى بالجدار الاخضر سنة 2007، وهو المشروع اللى بدأ بمشاركة 11 دولة إفريقية، ووصل فى النهاية انه يكون تحت رعاية الاتحاد الافريقى وانضمت ليه معظم دول القارة، وعلى بالرغم من قلة الإمكانيات والموارد المالية، إلا إن المشروع نجح في إستعادة 120ألف فدان من الأراضي القاحلة، لكن النجاح الحقيقى فعلأ لفكرة التشجير دي، كانت على أرض الصين صاحبة الخبرة الكبيرة فى الموضوع من سبعينات القرن الماضى.
سر الكمامة في العاصمة الصينية
يعتبر عام 1978 اللى تولى فيه قيادة البلاد الزعيم الصينى (دينج شياو بينج)، هو بداية نهضة الصين الحديثة، وهى السنة اللى انطلقت فيها الصين لإعادة البناء فى كل القطاعات، وكان من أهم القطاعات دى طبعا القطاع الزراعي، الصين بلد زراعية عريقة وصاحبة واحدة من أقدم الحضارات اللى قامت على ضفاف النهر الأصفر، ومكانش ينفع أبداً إن بلد زى دي تتحول فى يوم من الأيام لصحراء تستورد غذاءها، لكن كانت الصين بتخسر آلاف الافدانة كل سنة بسبب التصحر، وفى نفس الوقت كل سنة الناس أعدادها بتزيد، وكان التصحر بيهدد بالفعل حياة 400 مليون انسان بيعيشوا بالقرب من المناطق الصحراوية فى الصين، ومنهم طبعا سكان العاصمة الصينية نفسها بكين واللى بتبعد عن الصحارى أقل من 250 كم فقط، وطبعا كانت من المناطق اللى بتتعرض بصورة دورية للعواصف الرملية، ومع بدء الاعمال الصناعية وانتشار الدخان والتلوث كان هيتكتب على سكان العاصمة انهم يهجروها، ويمكن لغاية النهاردة ورغم كل الجهود المبذولة، لو بصيت على العاصمة هتلاقى منتشر فيها لبس الكمامة وفلاتر الهواء حتى قبل الوباء، والمهم بقى إن الأراضي الصحراوية فى الصين متنتشر فى المناطق الشمالية، وبتزحف منها الرمال بصورة مستمرة باتجاه وسط وجنوب الصين، ومن أشهر صحاري المنطقة دى هى صحراء سايهانبا Saihanba و صحراء الكوبوكى Kubuqi وصحراء أوردوسOrdos ، وطبعاً لصحراء جوبى Gobiاللى بتعتبر اكبر الصحارى وأسرعها تصحراً على مستوى العالم.
سور الصين العظيم الأخضر
وكان واضح انه على الحكومة الصينية اذا كانت عايزه البقاء والرخاء للشعب الصينى انها زى ما بنت سور من الحجارة عشان يحميها من الترك والمغول فى القرن السابع قبل الميلاد، فعليها برضه إنها تبنى سور تانى جديد لكن المرة دى يكون من الاشجار، وعشان كده بدات الحكومة الصينية فى وضع خطة سور الصين العظيم الاخضر، وهى الخطة اللى كانت بتهدف لبناء أكبر غابة من صنع الانسان على مستوى العالم، وكانت الحكومة الصينية بتخطط إنها توصل بحلول سنة 2050 لزراعة غابة بتحتوى على مليارات الاشجار، وتم التخطيط ليها عشان تقام على شكل حزام أو جدار على امتداد الآراضى الشمالية كلها، وكان مخطط انه بيبلغ طولها حوالى 4480 كيلو متر، وكمان كانت الحكومة عايزة ان الغابة دى تكون بعرض 150 كيلو متر على الاقل وعشان تقدر الحكومة الصينية انها توصل للهدف الكبير ده، أخدت مجموعة من التدابير المختلفة وشملت التدابير دى بقى مجموعة من القوانين الصارمة اللى بتحظر قطع الاشجار وتخريب الاراضى، وكمان شرعت العقوبات الشديدة ضد عمليات الرعى الجائر غير المنظم، وفى نفس الوقت شجعت المواطنين على زراعة كل انواع المحاصيل والنباتات حتى الغير تجارى منها، بل أن قامت الحكومة نفسها بشراء بعض المحاصيل كنوع من انواع التشجيع، وكمان اصدرت الحكومة قانون بيلزم كل فرد من الشعب الصينى انه يقوم بزراعة 3 اشجار على الاقل سنويا بالاضافة لجهود الحكومة الصينية نفسها اللى برضه بتقوم بالتشجير، وبيستعينوا على الموضوع ده بكل التقنيات المتاحة فى مجال الزراعة الحديثة حتى انهم استخدموا الطيارات الصغيرة من غير طيار فى عمليات الرى بالغمر او نشر انواع مختلفة من البذور، ووصلت المحاصيل فى الغابة المصنوعة دى مع الوقت لـ 70 محصول مختلف، ومنها على سبيل المثال الطماطم والبصل والبطيخ، والتنوع الكبير فى الزراعات ده قضى على واحدة من الانتقادات اللى كان بيتعرضلها المشروع فى البداية، وكانت الانتقادات بتقوم على فكرة ان الفقر البيولوجى فى الغابة نتيجة لوجود انواع محدودة من الاشجارهيخلى من السهل القضاء عليها عن طريق انتشار العدوى والآفات، لكن الحكومة الصينية انها تتدارك العيب ده مع الوقت، ومع كل شجرة جديدة كانت بتتزرع التربة بتتحسن للافضل، وده لأن الاشجار غير انها بتصد العواصف الرملية باتجاه المدن، فهى كمان بتصد اشعة الشمس باتجاه التربة، والأوراق والزهور اللى تساقطت على مدار السنين هتبقى نوع من أنواع السماد الطبيعى اللى مع الوقت هيقوي التربة.
نتائج مبهرة
كان طبيعى مع كل التدابير الجادة دى اللى أخدتها الحكومة الصينية ان النتائج تكون على المستوى المطلوب، عشان كده خرج رئيس الوزراء الصينى فى سنة 2016، وأكد ان بلاده قدرت انها تستعيد خلال السنين اللى فاتت ما يعادل 25 مليون فدان من الأراضى الصحراوية، وصرح الوزير ان معدل الزراعة فى صحراء أوردوس Ordos وصل لنسبة 94% من مساحتها الكلية، يعنى فى خلال سنوات قليلة مش هيكون فى جغرافية الصين صحراء باسم Ordos، أما باقى الصحارى الشمالية فتراوحت معدلات زراعتها من 40% الى 60%، وعشان نتخيل بس معنى استصلاح 25 مليون فدان حاجة اد ايه، فخلينى اقولكم إن الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء فى مصر أعلن ان المساحة المزروعة بالبلاد بالكامل هى 10.3 مليون فدان، يعنى المساحة اللى المشروع ده أنقذها فى الصين تعتبر أكتر من ضعف المساحة المتوفرة للزراعة فى مصر كلها.
مؤيد ومعارض
على الرغم من النجاحات العظيمة لمشروع سور الصين الاخضر العظيم، إلا إن برضه كان فيه انتقادات، فكتير من الاصوات المعارضه بتقول انه حسب الإحصائيات اللى صدرت من المراكز البحثية الحكومية نفسها، فـ 15% بس من الأشجار والمحاصيل اللى تم زراعتها على مدار السنين هى اللى اتكتب ليها النجاة، وده من وجهة نظرهم معناه إن احنا محتاجين نزرع اكتر بكتير عشان البناء يبقى أسرع من الهدم، وهو الأمر اللى بيخلى عدد الاشجار المزروع مهول جدا وهيأثر على المياه الجوفية، واللى تعتبر أصلاً مصدر محدود، وعلى حد تعبيرهم مستحيل وقف التدهور اللي بيحصل، فالسور الاخضر من وجهة نظرهم هو عبارة عن وسيلة إسعاف باهظة الثمن لجرح هيظل لقرون طويلة، لكن طبعا الاصوات اللى بترد على المعارضين بتقول: لو حتى فعلا كانت نسبة الاشجار اللى بتنجو هى 15% بس، فده برضه معناه ان الارض كسبت 15% من الاشجار اللى مكنتش موجودة أصلاً، أما بقى التأثير السلبي على المياه الجوفية، فردهم عليه إن لما الاشجار والنباتات تبقى موجودة والتربة الخصبة، هتبدأ تحصل دورة حياة طبيعية فى المكان هتساهم فى سقوط الامطار عليها، يعنى مع الوقت سحب الميه مش هيبقى كله من الآبار الجوفية، ده غير إن البعض بيقول وفيها ايه لو خدنا من المياه الجوفية اصلا ما هى مورد طبيعى ما حدش بيستثمره.
وبعيدا بقى عن المؤيد والمعارض للمشروع فالمشروع فعلا إنجاز رهيب أتمنى إن احنا نشوف زيه عندنا.