تفتكروا إيه اللي ممكن يعمله طفل صغير عمره لا يتعدى 12 سنة من غير أي أدوات تساعده غير أسلوبه اللبق وابتسامته اللطيفة وذكائه المتوسط، طب لو مراهق صغير في السن وبنفس المواصفات، هل من الممكن إنه يكون شخص خطير، غالبًا هتكون الإجابة لأ، لكن لما تعرف موضوعنا النهارده هتغير رأيك تمامًا وهتعرف إنه مع شويه ذكاء إجتماعي وخبرة في التعامل مع الناس وأصحاب سيئين، ممكن يتحول الطفل العادي متوسط الذكاء لشاب مطلوب من لـ FBI.

الأتوبيس

في عام 1963 وبالتحديد في مدينة “لوس أنجلوس Los Angeles” الأمريكية ، اتولد الطفل “كيفن متنك Kevin Mitnick”، اللي أصبح فيما بعد واحد من أكثر الهاكرز خطورة في الولايات المتحدة الأمريكية.
في بداية حياته كان طفل منطوي وكان منعزل عن الناس، لكن الموضوع بدأ يتغير في سنة 1975 لما ارتكب كيفن أول عمل ضد القانون وهو طفل عنده 12 سنة.
في يوم كيفن كان راكب الحافلة زي أي يوم تاني لاحظ حاجة هو بيشوفها بتتكرر كل يوم، كل يوم كان بيركب فيه كيفن الأتوبيس كان بيدي التذكرة بتاعته لعامل حجز التذاكر قبل ما يركب، واللي بيستعمل آلة لثقب الأوراق ويثقب التذكرة الخاصة به، فلما يركب يعرف الموظف اللي موجود جوا إن التذكرة دي صالحة للإستخدام، اللي لاحظة كيفن إن الموظفين بيستعملوا نفس المثقاب كل يوم.

وهنا بدأت فكرة خبيثة تخطر على باله، لو قدر يحصل على مثقاب زي اللي معاهم هيقدر يركب كل يوم بدون ما يحجز أي تذاكر “لو سمحت يا عمو أنا شغال على مشروع في المدرسة، وكنت عاوز أزين ورق المشروع ده بالثقوب علشان شكله يبقا جميل، ممكن أعرف ازاي بتعمل الثقب ده في التذكرة”، دي كانت كلمات كيفن لعامل حجز التذاكر، واللي بمجرد ما سمع الكلام البرئ ده قاله فوراً ازاي يقدر يحصل على الآلة بتاعته.
وهنا بدأ كيفن أولى خطوات الإختراق وهي الهندسة الإجتماعية وهو عنده 12 سنة، “الهندسة الإجتماعية Social engineering” هو مصطلح بيوصف الطريقة اللي بيستعملها المُخترقين في معرفة مجموعة من المعلومات تسهل ليهم عملية الإختراق، وبيستخدم الهاكر في الطريقة دي ذكاؤه الإجتماعي فقط، وعلى الرغم من إن ركوب الحافلة مجاناً مش عمل خطير، إلا إن الشعور اللي حسه كيفن بعدها هو اللي كان في منتهى الخطورة، كيفن حس بإنه فوق أي سُلطة وأي قانون.

الهواتف الأرضية وماكدونالدز

في سن المراهقة إتعرف كيفن على أصدقاء من نفس سنه ليهم نفس اهتماماته، أصحابه علموه إزاي يقدر يخترق الهواتف الأرضية ويعمل منها مكالمات بالمجان، وهو الأمر اللي كان شائع جدًا في السبعينات.

بدأ كيفن يطور المهارة الجديدة اللي إتعلمها ويوصلها لأبعد مدى ممكن توصله، لدرجة إنه قدر يحول المكالمات اللي المفروض توصل لقسم الإستفسارات أو دليل الهاتف لتليفونه الشخصي، ده غير إنه كان بيقدر يتنصت على أي مكالمات بكل سهولة، وكان هدفه من كل ده التسلية مش أكتر من كده، وفي كل مرة كان بينجح فيها كيفن في التغلب على أي نظام كان بيزيد عنده الشعور إنه لازم يعمل حاجة أكبر من كده، وبعد إختراق الهواتف، كان هدفه المرة دي الـDrive through الخاص بمطعم “ماكدونالدز McDonald’s”، والدرايف ثرو هو أنك تدخل بالعربية من جنب المطعم وتاخد طلباتك وأنت في العربية .
كيفن كان بيشتغل على فكرة جديدة للاختراق من خلال موجات الراديو، وبعد تطوير جهاز راديو خاص بيه، قرر إنه يخترق مكبرات الصوت اللي بتكون موجودة في الـ Drive through الخاص بمطعم McDonald’s، بحيث إنه يقدر يسمع طلبات العملاء ويرد عليهم، ولما جه ميعاد اختبار جهازه الجديد، ركن كيفن سيارته بالقرب من مكان المطعم وشغل الجهاز والمفاجأة إن الفكرة نجحت.

القضية الأولى

في عام 1981 ولما كان عُمر كيفن 17 سنة، الهزار اتقلب جد وتم إلقاء القبض عليه لأول مرة في حياته، في أحد اليالي قرر كيفن هو وصديق له إسمه “لويس Louis”، سرقة وثائق بتحتوي على مجموعة من كلمات مرور الخاصة بحواسيب شركة الهواتف Pacific Bell، وبعد نجاح الثنائي في سرقة الوثائق، كيفن قال للويس إنهم لازم يعرفوا المعلومات اللي عاوزين يعرفوها بسرعة، ويرجعوا الوثائق دي في مكانها قبل الصبح؛ لإن الشركة لو اكتشفت السرقة هتغير كل كلمات المرور اللي قدروا يحصلوا عليها، بس من سوء حظ كيفن، لويس مسمعش الكلام، وكمان قال لواحدة من أصدقاؤه على اللي هوه عمله هو وكيفن، وصاحبته دي بلغت الشرطة، واتقبض على كيفن لأول وهو عُمره 17 سنة، وتم الحكم عليه بالسجن 3 أشهر ومُراقبته لمدة سنة.

الاعتقال الثاني

بعد الحبس والمراقبة اللي اتعرض لهم كيفن تفكيره متحسنش على الإطلاق، بل على العكس زيادة إحساسه بخطورة اللي هو بيعمله، زودت إدمانه إنه يكون فوق السُلطة، وفي أحد الأيام من عام 1983 كان الأمن الجامعي في جامعة جنوب كاليفورنيا بيحاصر أوضتة من جميع الإتجاهات، المرة دي كيفن كان بيحاول يخترق موقع وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون Pentagon”.
كيفن كان عارف إن الحواسيب الجامعية ليها القدرة على الدخول على شبكة إسمها ARPAnet، ومن خلال الشبكة دي كان يقدر يدخل لثغرة في موقع وزارة الدفاع، بس اللي كيفن ميعرفهوش إن الموقع كان بيحتوي على أنظمة متطورة لكشف هجمات الهاكرز، وبمجرد ما تم إختراق الموقع حددت أنظمة الدفاع مكان كيفن على الفور، وقبل ما يفكر يطلع من الأوضة كان الأمن الجامعي محوطها من كل الإتجاهات، وتم إلقاء القبض على كيفن للمرة التانية بعد سنتين فقط من المرة الأولى.
وعقوبة كيفن المرة دي كانت قضاء ستة أشهر في مدرسة “كارل هولتون Karl Holton”، وهي سجن للأحداث بيتم تقويم سلوك بعض المجرمين صغار السن فيه، وبعد قضاء المدة البسيطة دي اختفى كيفن عن الأنظار تمامًا لمدة أربع سنوات.

بداية النهاية

بعد أربع سنين من الهدوء رجع كيفن لعمليات الاختراق مرة تانية في سنة 1987، بس المرة دي مكنش لوحده، اتصاحب كيفن في الفترة دي على صديق جديد إسمه “ليني ديسيكو Lenny DiCicco”، وليني كان هاكر ميقلش ذكاء وخطورة عن كيفن، والاتنين مع بعض شكلوا تحالف قوي كان هدفه إختراق شركة “ديجيتال إكويبمنت Digital Equipment”؛ للحصول على نسخة من نظام التشغيل الخاص بالحواسيب المصغرة اللي بتنتجها الشركة.
ليني كان بيشتغل في خدمة الدعم الفني لأجهزة الكمبيوتر في شركة صغيرة في ولاية “كاليفورنيا California”، ومقر الشركة دي تحول للمركز الرئيسي لهجمات كيفن وليني الإلكترونية على شركة ديجيتال.
وكل يوم على مدار عامين كان بيحاول كيفن وليني إختراق الشركة عن طريق شبكة Easy net، ليني كان مسؤول عن شن الهجمات الإلكترونية وكيفن كان بيتلاعب بأرقام الهاتف اللي بتتوصل بالمودم الخاص بتنفيذ عملية الإختراق، علشان لو تم تعقب الخط الأرضي يعرف كيفن يضلل المحققين وميعرفوش يوصلو لهم.

واستمرت هجمات كيفن وليني اليومية واستمرت معها محاولات الشركة المُستميتة في صد هجماتهم ومحاولة تعقب مصدر الهجمات، وعلى الرغم من فشل كيفن وليني في إختراق الشركة إلا أن محاولاتهم موقفتش غير بالقبض عليهم سنة 1989.
المفارقة هنا إن سبب القبض على كيفن وصديقه، مش الـ FBI اللي كانت بتدور كل يوم على أي خيط يوصلهم لمصدر الهجمات على شركة Digital، ولا خبراء الأمن في الشركة اللي كانوا بيقضوا اليوم كله في محاولة الوصول ليهم، سبب القبض على الثنائي كان هزار كيفن السخيف.
كيفن حب يهزر مع صديقه ليني في أحد الأيام وبإستعمال مهاراته المذهلة في اختراق الهواتف، إتصل بمدير ليني في الشغل وقاله إنه محقق من الـFBI وإن ليني بيقوم بعمل غير قانوني في مقر الشركة، وعلى الفور استدعى المدير ليني علشان يواجهه باللي عرفه، وساعتها ينهار ليني ويعترف بكل حاجة للمدير اللي بلغ الشرطة فورًا وتم القبض على كيفن للمرة التالتة، والمرة دي كانت عقوبة كيفن السجن لمدة سنة، ولكن في فترة تواجده في السجن حصلت حاجة غريبة جدًا.
ملفات كيفن اللي موجودة عند الشرطة وسجله الإجرامي وسجل إعتقالاته اِختفوا كلهم وبدون أي أثر، وطبعًا الحكاية دي أحرجت الشرطة جدًا والإعلام في وقتها مبطلش كلام عن كيفن وإنه قدر يخترق الشرطة والـ FBI حتى وهو في السجن، والإهتمام الإعلامي ده أجبر الـ FBI إنها تراقبه من وقت خروجة من السجن، لكن في سنة 1990 وأثناء الفترة اللي المفروض كيفن يكون مراقب فيها اِختفى كيفن ومعدش ليه أي أثر.

أشهر السحرة في التاريخ

“إريك وايز Eric Weiss” هو اسم الحقيقي لـ “هاري هوديني Harry Houdini” اللي يعتبر من أشهر السحرة في التاريخ، وهو برضه الإسم الجديد اللي اختاره كيفن لنفسه بعد تزوير بطاقة هويته وبالهوية الجديدة قدر كيفن يتخلص من كل الضغوط اللي كانت عليه بسبب مراقبة الـ FBI والحرية دي كانت أكبر خطر على كيفن نفسه.
كيفن غلط غلطة كبيرة وزي ما بيقولوا غلطة الشاطر بألف، غلطة كيفن المرة دي كانت كفيلة بإنها توديه السجن وتوقفه عن القيام بالاختراق للأبد، استعمل كيفن الحرية اللي اكتسبها بعيد عن أعين الـ FBI في إنه يخطط لأكبر عملية إختراق ممكن هكر يفكر إنه يعملها، والمرة دي العملية هتكون أصعب من أصعب عملية هو عملها قبل كده، أو بمعنى تاني هتكون أصعب من إختراق موقع وزارة الدفاع.
العملية هتكون إختراق الكمبيوتر الشخصي لـ”تسوتومو شيمومورا Tsutomu Shimomura”، وهو واحد من أبرز المطورين وعلماء الحواسيب في العالم كله.
وأخيرًا وبعد تخطيط استمر لعدة أشهر وعدد لا بأس به من المحاولات الفاشلة، ينجح كيفن في اختراق كومبيوتر شيمومورا وسرق منه برمجيات قيمتها تساوي ملايين الدولارات، ومن هنا كانت النهاية.
شيمومورا اعتبر إختراقه إهانة شخصية له، واشترك على الفور مع الـFBI في فريق التحقيق، ومن سوء حظ كيفن إن شيمومورا في الوقت ده كان بيطور برنامج حماية جديد يقدر من خلاله تعقب مصدر الإختراق، وماهي إلا أسابيع قليلة ويتم إلقاء القبض على إريك وايز أو كيفن ميتنك علشان يدخل السجن للمرة الأخيرة في عام 1996.

وبعد خروج كيفن من السجن في عام 2000، نشر شيمومورا كتاب عن كيفن وعن كل الطرق اللي بيستخدمها في الإختراق وإزاي تقدر الشركات تحمي نفسها منه، وساعتها قرر كيفن إنه ينهي حياته الإجرامية ويشتغل مع الشرطة وشركات الكمبيوتر في تطوير أنظمة الحماية من الإختراق.
وأخيرًا وبعد معرفة قصة كيفن هل يستحق إننا نطلق عليه أخطر هكر في العالم زي ما الإعلام كان بيلقبه ولا لأ؟