أول ما بنسمع كلمة تل غالبًا بييجي في بالنا منظر الصحراء القاحلة، البارز منها أشكال جيولوجية رملية أو كلسية شبه هرمية، لكن الظاهر كدا إن الفلبين كان ليها رأي تاني في موضوع التلال دا؛ ولإنها بتشتهر بزراعة البن والكاكاو وجوز الهند اللي بيدخلوا في صناعة أغلب أنواع الشوكولاتة؛ فقررت تغير مفهوم التلال عند الجيولوجيين، ويكون لها رمز خاص بيها وهو تلال الشوكولاتة.
بس قبل ما تسرح بخيالك ويسيل لعابك وتتخيل إن التلال الفلبينية دي بتتكون فعليا من الشوكولاتة، هقول لك إن التلال دي تكوينات جيولوجية زيها زي التلال العادية، لكن عشان نعرف إيه السبب في تسمية تلال الشوكولاتة بالاسم ده لازم نروح لجزيرة “بوهول Bohol” الفلبينية ونلقي نظرة عن قرب.
أساطير التكوين
مع دخولك مقاطعة بوهول الفلبينية هيقابلك صف من الأعلام كلها نفس الشكل وهو علم بوهول، ولو ركزت في شكل العلم هتلاقي فيه رموز كتير خاصة بالمقاطعة وبيعلوهم تلال بتمثل تلال الشوكولاتة -أشهر معلم في أرخبيل جزر الفلبين كلها، والوجهة اللي إحنا قاصدينها-.
وتلال الشوكولاتة دي هي مجموعة من التلال بيقدر عددها بما لا يقل عن 1260 تل، وممكن يوصل عددهم لحوالي 1776 تل بيشكلوا بقعة كبيرة بتقدر بـ 50 كيلو متر مربع من مقاطعة بوهول، والبقعة دي متشكلة في تضاريس على شكل قباب مخروطية بيعلوها نباتات خضراء، والنباتات الخضراء دي مع بداية موسم الجفاف بتبدأ تجف بالتدريج، ومع نهاية الموسم بتكون جافة تمامًا وبيتحول لونها من اللون الأخضر للون البني الفاتح والغامق، اللي بيدينا إحساس لما بنبص عليها من مسافة بعيدة بإن التلال دي تلال مكونة من الشوكولاتة.
ومن المعروف عن التلال إنها عادة بيكون ليها منحدر خفيف، وبتكون جزء من الأرض اللي بتبدأ تعلو شوية بشكل تدريجي وتدينا شكل موجة بتتشكل في التل؛ لكن العجيب بقى إن تلال الشوكولاتة مش متكونة بنفس الشكل ده، الناس لاحظوا إن التلال دي طالعة مرة واحدة من الأرض، بمعنى إنك أنت كزائر لو بصيت على قاعدة تلال الشوكولاتة؛ هتلاحظ إنها تلال بترتفع من العدم، ومش ممزوجة مع الأرض.
ومن هنا بقى بدأت تنتشر الأساطير المحلية اللي بتشرح طريقة تكوين تلال الشوكولاتة، واتقسموا لـ3 قصص خرافية، بتحكي الأسطورة الأولى عن اتنين من العمالقة جاءوا من منطقتين مختلفتين لأرض بوهول، ودار بينهم صراع عنيف ولما الصراع اشتد بدأ كل عملاق منهم يرمي على خصمه كومات من الطين والرمل والصخور، وبعد فترة من الصراع غلبهم الإرهاق ونسيوا صراعهم وأخدوا هدنة من بعدها بقوا أصحاب وخدوا بعضهم ومشيوا، لكنهم سابو وراهم كومات الطين والقش والرمل اللي حدفوهم على بعض أثناء المعركة؛ مكونة بدورها تلال الشوكولاتة.
أما الأسطورة التانية أخدت طابع رومانسي شوية، وحكت قصة شاب عملاق بيدعى “أروغو – Arogo”، وقع في حب بنت جميلة من البشر اللي بالحجم الطبيعي اسمها “ألويا – Aloya”، وفي يوم حزين على أروغو توفت ألويا اللي كان بيحبها وسابته وحيد بائس والألم والحزن بياكلوا فيه، وحزنه دا خلاه بيبكي طول الوقت بدون انقطاع، ومع الوقت جفت دموع أروغو وشكلت تلال الشوكولاتة اللي واخدة شكل قطرة الدموع.
وبالنسبة للأسطورة التالتة، فبتحكي عن إن بوهول في يوم من الأيام جاتلها جاموسة عملاقة بتاكل الأخضر واليابس وخلصت على كل المحاصيل الزراعية بتاعة السكان، ولما السكان زهقوا واعترضوا على اللي بيحصل قرروا يدبروا مكيدة للجاموسة دي ويحطوا قدامها كل الأكل الفاسد اللي عندهم، ولما كلت الجاموسة من الأكل الفاسد ده معدتها ما استحملتش وخرجته كله من الناحية التانية؛ جف بعد كدا وكون تلال الشوكولاتة، لكن من الواضح كدا إن الأساطير دي مفيهاش أدلة قوية يعني.
أصل التكوين
علماء الجيولوجيا وجدوا إن تلال الشوكولاتة المخروطية هي في الأصل تلال “كارستية – karst” مماثلة لتلال تانية؛ موجودة في مناطق الحجر الجيري في كرواتيا وشمال بورتو ريكو وكوبا، والتضاريس الكارستية دي عمومًا بتكون تضاريس متشكلة من تفكك الصخور القابلة للذوبان زي الدولوميت والجبس والحجر الجيري.
واتكونت تلال الشوكولاتة الكارستية خلال العصر الجليدي المتأخر والمبكر، ولما تم فحصها وُجد إنها بتحتوي على أحجار بحرية وحجر جيري بيحتوي على أحافير بحرية من المياه البحرية الضحلة زي المرجان والرخويات والطحالب.
والنظرية -اللي غالبا هي الأصح- بتقول إن تلال الشوكولاتة دي تم إنشاءها من انحلال وذوبان الحجر الجيري اللي كان تحت سطح البحر قبل تراجعه، وبعد كده اتنقلت لموقعه في بوهول عن طريق الأنهار والجداول المائية، وبيعتبر الجيولوجيين تلال الشوكولاتة مثال مذهل على تكوين التضاريس الكارستية المخروطية بشكل عام، ولو زورت تلال الشوكولاتة بنفسك هتلاقي كل النظريات دي مكتوبة على اللافتة البرونزية التعريفية بالمكان في أحد منصات المشاهدة اللي هنروح لها كمان شوية عشان نلقي نظرة كاملة على منطقة تلال الشوكولاتة.
زيارة لتلال الشوكولاتة
لما توصل لمقاطعة بوهول في الفلبين ده معناه إنك هتقدر توصل لتلال الشوكولاتة من أي مكان أنت فيه عن طريق الوكالات السياحية اللي بتخصص رحلات مدتها يوم تتجول فيها في منطقة تلال الشوكولاتة كلها.
وأول ما هتوصل لمنطقة التلال هتحس وكإن قدامك وادي ما لوش نهاية مكون من القمم التلالية، وهتلاحظ تراوح ارتفاعات قباب التلال بين 30 و50 متر (وأنا شخصيا بنصحك بإنك تظبط يومك بحيث توصل منطقة تلال الشوكولاتة مع بزوغ الشمس) ودا لسببين؛ السبب الأول هو إنك تبدأ رحلتك من بداية اليوم وما يفوتكش حاجة.
والسبب التاني والأهم هو إنك لو كنت في موسم الجفاف -اللي بيمتد هناك من شهر فبراير لمايو- هتشوف منظر ساحر من تداخل اللون البني اللامع مع اللون الأصفر الدهبي للشمس ومعاهم لون الأشجار الأخضر، ويا سلام لو أخدت منطاد ناري وعيشت المنظر الساحر ده وأنت في السما، ولكن حتى لو ما كنتش في موسم الجفاف وكنت في مواسم الأمطار؛ فهتعيش تجربة مميزة وهتمتع عينك باللون الأخضر اللامع اللي بيتلون بيه كل جزء في المنطقة، وبرضو لو فاتك الشروق فالغروب لا يقل جمال أبدا عنه في تلال الشوكولاتة.
بانوراما تلال الشوكولاتة
لو أنت مش من هواة المنطاد الناري؛ فهتلاقي اتنين من تلال الشوكولاتة تم تطويرهم وتحويلهم لمنتجعات سياحية من قبل الحكومة، التل الأول هو مجمع تلال الشوكولاتة اللي بيعتبر أكبر تل فيهم، والتل دا بيعتبر منتجع فيه أماكن للإقامة ومطعم ومتجر لبيع الهدايا التذكارية، وموجود فيه سلم مكون من 214 درجة هيقودوك لقمة التل اللي بتعتبر سطح مراقبة هتقدر من خلاله تطلع على تلال الشوكولاتة ومقاطعة كارمن كلها -واللي هي مقاطعة تلال الشوكولاتة-.
لكن لو عايز ترفيه أكتر ومش مجرد مكان تشوف من خلاله تلال الشوكولاتة بمنظر بانورامي وخلاص، أو لو معاك أطفال فيستحسن تبعد 18 كيلو متر من كارمن وتروح Sagbayan Peak اللي هو برضو تل من تلال الشوكولاتة لكنه اتطور وبقى أشبه للملاهي، ومع دخولك Sagbayan Peak هيقابلك ألعاب وتماثيل لحيوانات وأبطال خارقين وأبطال أفلام الأنيميشن، وبعد ما تدخل جوه هتشوف ملعب كبير في وسط حقل عشبي، وسوق لبيع السلع بأسعار رمزية ومطعم.
جنب المطعم هتلاقي كافيه بأبواب خشبية زجاجية بتطل على غرفة زجاجية بتحتوي على نباتات مزهرة ملونة، بيعيش عليها مجموعة متنوعة من الفراشات الزاهية بيوصل عددها لـ 18 نوع من أنواع الفراشات المختلفة.
والجميل كمان في Sagbayan Peak إنه مش بس فيه بيت زجاجي للفراشات؛ بل كمان فيه مأوى للأبخص الفلبيني أو المعروف بالـ”ترسير الفلبيني – Tarsius”، والترسير دا هو حيوان ثديي مهدد بالانقراض بيمتلك عينين كبار جدًا بالنسبة لحجمه لكنه ما بيقدرش يحرك عينيه وعوضًا عنها بيقدر يحرك رأسه في كل الاتجاهات، والحيوان ده مش بيعيش إلا في إندونيسيا والفلبين؛ فهتكون محظوظ أوي لو كان صاحي في الوقت اللي أنت فيه هناك لإنه بينام طول النهار، ولو كان صاحي هتحظى معاه بوقت لطيف جدا بشرط إنك ما تخضوش لإنه خواف بدرجة كبيرة وممكن لو خاف منك توصل معاه لدرجة إنه يقتل نفسه من الخوف.
ولإن Sagbayan Peak معمول في الأساس عشان يكون بمثابة مرصد تشوف من خلاله مشهد بانورامي لتلال الشوكولاتة، فهتلاقي سلم مزخرف جميل هيطلعك قمة التل الموجود فيها سطع عرض ضخم، فيه تليسكوب عالي القدرة هتقدر تشوف بيه أفق المدينة بأكملها والبحر والجزر المجاورة.
الحفظ كتراث عالمي
بعد يوم طويل شاق دخلت من خلاله في دماغك صور مناظر طبيعية لأول مرة بتشوفها، ممكن تسترخي على ما أحكي لك شوية عن سعي وزارة البيئة الفلبينية في الحفاظ على البيئة الفريدة اللي أنت شوفتها دي.
الموازنة بين حماية تلال الشوكولاتة واستخدام مواردها والسياحة تحديات كبيرة بتواجه الحكومة الفلبينية، ودا لإن منطقة تلال الشوكولاتة بتعتبر منطقة خصبة جدا بالموارد الطبيعية ولعمليات التعدين، واللي بدوره أدى لتصنيف بعض التلال فيها إنها ما لهاش لازمة ونقدر نتخلص منها في مقابل الحصول على الكنوز اللي في منطقتها من موارد طبيعية.
وفيه أجزاء من تلال الشوكولاتة اعتبرها السكان المحليين أراضي خاصة مملوكة ليهم ويحق لهم التصرف فيها (حاجة كدا أشبه بالزحف العمراني على الأراضي الزراعية)، ونتيجة لده حصلت اضطرابات اجتماعية في بوهول ما بين مؤيدين للي بيحصل وما بين معارضين، واتأسست جبهات شعبية اتعرفت باسم قيادة تلال الشوكولاتة لحمايتها، واعتبر المزارعين إن ده مخطط حكومي بيلغي حقهم في ملكية الأراضي دي؛ وفضلت النزاعات قايمة لحد ما قدمت وزارة البيئة والموارد الطبيعية في الفلبين تلال الشوكولاتة لمنظمة حفظ التراث العالمي اليونيسكو، وفي مايو 2006م لإدراجها في قائمة الآثار الطبيعية.