لو جبتلك تليفون دلوقت وقولتلك التليفون ده ما بيتكسرش، إيه أول حاجة هتفكر تعملها؟
إنك تتأكد من صدق كلامي، وتجرب كل حاجة ممكن تجربتها عشان تشوف إن كان التليفون بيتكسر فعلا ولا لأ، ترميه على الأرض؛ تضرب عليه بألة حادة، تخبطه في الحيطة، وهكذا.
المثل ده ملائم جدًا لما نتكلم عن دب الماء، الحيوان ده قيل إنه غير قابل للتدمير، فبدأ العلماء والباحثين ياخدوه في تجارب مجنونة لمحاولة تدميره واكتشاف صدق الادعاءات عن قواه الخارقة، حرق بقى وتجميد وإشعاعات ويشوفوا النتيجة، هل هو أقوى المخلوقات على وجه الأرض وغير قابل للتدمير فعلًا، ولا هي إدعاءات فارغة؟

الحيوان المجهري / موجود في كل مكان حواليك وماتقدرش تشوفه

يعتبر دب الماء واحد من أغرب المخلوقات اللي ممكن تتعرف عليها في حياتك، مخلوق مجهري ما تقدرش تشوفه بالعين المجردة، لكنه منتشر في كل حتة ممكن تفكر فيها تقريبًا، من القمم الجبلية لأعماق البحار، من البراكين الطينية للصحاري الجافة للقطب الجنوبي، على الطحالب والرواسب في البحيرات والأنهار والأدغال، حتى إنك ممكن تلاقيهم بالقرب منك في الحدائق وغيرها.

تم وصف دب الماء للمرة الأولى عام 1773 عن طريق العالم الألماني “يوهان أوجوست إفرايم Johann August Ephraim”: “غريبة هي تلك الحيوانات الصغيرة، بسبب شكلها الغريب والاستثنائي الأشبه بدب في صورة مصغرة، قررت تسميتها بدب الماء”، المخلوق ده شكله فعلًا استثنائي، فـ طوله ما بيتعداش في الغالب الـ 1 ملم وعنده رأس مدببة على جسم ممدود ومليان كده زي البرميل، مع 8 أرجل في أطرافها من 4 لـ 8 مخالب.
وبتساعدهم المخالب دِه في التشبث بالطحالب وأي مواد هو عايزها، وفمه الأنبوبي مُهيأ بحاجة أشبه بسن بيسمح باختراق الخلايا النباتية وامتصاص العناصر الغذائية سواء منها أو من الكائنات الحية الدقيقة.

وبالرغم إن شكله يبان وكأن جسمه اسفنجي، إلا أن دب الماء مغطى في الحقيقة ببشرة صلبة على غرار الهياكل الخارجية للجنادب وفرس النبي وغيرها من الحشرات.
ويعتبر دب الماء من الحيوانات المائية؛ لأنه بيحتاج طبقة رقيقة من المياه حوالين جسمه للحفاظ عليه من الجفاف، وحتى الأن تم اكتشاف ما يقرب من 1300 نوع مختلف من دب الماء مُصنفين في مجموعتين رئيسيتين.
والفرق ما بينهم ببساطة شديدة أن مجموعة عندها فتحة واحدة لإخراج الفضلات ولوضع البيض ومجموعة عندها فتحتين، واحدة لكل مهمة.

وبتتكاثر دببة الماء عن طريق التكاثر الجنسي واللاجنسي، حسب النوع، وعادة ما يضعوا من بيضة لـ 30 بيضة في المرة الواحدة.
وبعد 3 سنين من أول وصف علمي لدب الماء، أطلق عليه العالم الإيطالي “لازارو سبالانزاني Lazzaro Spallanzani” اسم “بطيء الخطو Slow stepper” نسبة لحركته البطيئة.
سبالانزاني ده اكتشف حاجة عجيبة في دب الماء لما جاب رواسب من مزراب المياه عنده على السطح وحطها تحت المجهر.
وقتها ماكنش فيه أي دليل على وجود مخلوقات حية ولا غيره، لكن لما أضاف حبة مياه للرواسب دِه ورجع بص عليها مرة تانية، إكتشف أن في غضون ساعة تقريبًا بدأت مئات من المخلوقات الأشبه بالدببة تظهر وهي بتتحرك، ومابقاش فاهم ساعتها يعني هي كانت تعبانة مثلًا ولا ميتة ولما أضاف المياه صحيت ولا إيه بالضبط، ولما هي محتاجة مياه عشان تعيش، إزاي قدرت تعيش من غيرها لفترة الله أعلم قد إيه بالضبط؟، وهنا تأكد أن الحيوان المجهري ده عنده قوة غير طبيعية.

100 سنة بدون مياه ولسه عايش

معظم المخلوقات الحية ما تقدرش تعيش من غير مياه، الإنسان مثلًا لو قعد من غير مياه لمدة 100 ساعة يموت فيها، والرقم ده في الحالات الاستثنائية كمان، لكن المتعارف عليه إنه 3 أيام بس من غير مياه، كافيين إنهم يموتوا إنسان.
المياه هي العامل الأساسي اللي بتسمح لعملية الأيض أو تحويل الطعام لطاقة أنها تتم، ضيف على كده إن الطبيعي مع جفاف أي خلية أن مكوناتها من أغشية وبروتينات وحمض نووي، بتكون معرضة للخطر، فإزاي ممكن دب الماء يقعد من غير مياه لفترات طويلة، ويا ترى الفترات الطويلة ده ممكن توصل قد إيه بالضبط؟
حسب عالمة الحيوان الإيطالية “تينا فرانشيسكي Tina Franceschi” دب الماء يقدر يعيش من غير مياه لما يصل لـ 120 سنة، “فرانشيسكي” دِه جت عام 1948 وأخدت عينة من دب ماء متحفظ عليه في متحف كان بقاله فيها 120 سنة بدون مياه وبدون أي حركة، وكأنه ميت، وبعد ما أضافت المياه عليه، بدأت تظهر عليه علامات الحياة والحركة بعد كام ساعة.
وبالرغم إن التجربة دِه تم التشكيك في صحتها، إلا أن فيه من الباحثين اللي بيشوفوها ممكنة، خصوصًا إن فيه تجارب بتدعم المسألة دِه.

مثلًا في عام 1995 عاد دب ماء لحياته الطبيعية مرة تانية بعد التحفظ عليه بدون مياه لـ 8 سنين كاملة.
وبحسب موقع ناشيونال جيوجرافيك، دب الماء يقدر إنه يقعد 30 سنة كاملة من غير أي مياه ولا مواد غذائية، وبالرغم من غرابة الموضوع، إلا أن القصة دِه مش هي أهم مميزاته ولا أكثرها إبهارًا، بل إن دب الماء مش هو المخلوق الوحيد في عالمنا اللي بيتمتع بالخاصية العجيبة دِه، فيه أنواع من النباتات والبكتيريا وكائنات وحيدة الخلية معروفة باسم العتائق Archaeans” كلها تقدر تعيش مع الجفاف.
لكن العجيب فعلًا مع دب الماء أن قدرته على التحمل بتتجاوز مجرد مقاومته للجفاف، ومن وقت اكتشافه والعلماء أخدوا المخلوق الغريب ده في رحلة عجيبة ومثيرة من التجارب لاكتشاف مدى قوة تحمله ولأي حد بتوصل قدراته الخارقة.

تجارب مجنونة

من منتصف القرن الـ 19 ميلادي، بدأت الأبحاث لاكتشاف قدرات دب الماء الخارقة تاخد منعطف مجنون، مفيش حاجة ممكن تفكر فيها تخلص على حياة أي مخلوق مفكرش فيها العلماء والباحثين، إلا وجربوها على دب الماء.
واحدة من أولى التجارب الغريبة اللي تم إجرائها لاختبار قوة تحمل دب الماء، كانت تعرضه لدرجات حرارة عالية ومنخفضة ويشوفوا هيقدر يتحمل لحد فين، وكانت النتيجة أن دب الماء قدر يتحمل درجات حرارة عالية جدًا، وصلت لـ 150 درجة مئوية، علمًا إن نقطة غليان المياه هي 100 درجة مئوية.
وبالرغم إن فيه مخلوقات ربنا أنعم عليها بالقدرة على الحياة والنمو في ظل درجات حرارة عالية بالصحاري الحارقة، إلا أن النوعية ده من المخلوقات معروف عنها إنها بتُنتج مواد كيميائية معروفة باسم بروتينات الصدمة الحرارية، وهي بتساعد في الحفاظ على شكل الخلايا، بل وبتساعد كمان على إصلاح البروتينات التالفة بسبب الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة.
بس المشكلة هنا فيما يخص دب الماء، أن العلماء مقدروش يوصلوا لأي دليل قاطع على إنتاج دب الماء للنوعية ده من المواد الكيميائية، وعلى الجانب الآخر، رجع دب الماء لحياته الطبيعية بعد ما تعرض لأجواء باردة وصلت درجة الحرارة فيها لـ 272.8 درجة مئوية تحت الصفر.
وعشان تجمع معايا قد إيه الرقم ده مخيف، فتخيل معايا إن أقل درجة حرارة تم تسجيلها على سطح الأرض كانت 97.8 درجة تحت الصفر، والإنسان اللي ياخدله كام نفس كده في الجو ده هيحصله نزيف في الرئتين قبل ما يموت في دقائق معدودة، والتجربة ده زادت من حيرة العلماء لقدرات دب الماء الخارقة؛ لأن زي ما الحمض النووي بيكون معرض للتفكك إذا طالت مدة تعرض الخلية للجفاف، فــ دب الماء في الوضعية دِه وهو متجمد بتواجه خلاياه خطر تشكل بلورات ثلجية جواها، ومعاها يحصل تفكك للجزيئات المهمة داخلها وعلى رأسها الحمض النووي، فإزاي بيقدر يخرج من التجربة ده وخلاياه سليمة ويرجع تاني لحياته بصورة طبيعية.
وقتها العلماء فكروا إن ممكن دب الماء يكون زيه زي الأسماك اللي بتعيش في المياه الباردة واللي بتمتاز ببروتينات مضادة للتجمد بتضمن لها عدم تشكل البلورات الجليدية داخل خلاياها، بس العجيب هنا، إنهم مالاقوش أي أثر للبروتينات دِه عند دب الماء، وزادت القصة تعقيدًا عن القدرات العجيبة للمخلوق ده.

طيب هل العلماء وقفوا لحد هنا فيما يخص التجارب؟ لأ، دوول جابوا دب الماء وعرضوه لإشعاعات أعلى ألف مرة من اللي ممكن يتحملها سائر الحيوانات، وشملت التجارب تعريض دب الماء لإشعاعات أعلى ألف مرة من اللي ممكن يتحملها سائر الحيوانات، ومع ذلك مقدروش يكسروا قدرة المخلوق العجيب ده على التحمل.
بعدها، قالوا ما تيجوا نجرب معاه الضغط العالي، واكتشفوا إنه يقدر يتحمل ما يصل لـ 6 أضعاف الضغط الموجود بأعمق نقطة على الأرض في خندق ماريانا، علمًا إن الضغط في النقطة دِه بيوصل لدرجة إنه بيفتت البروتينات والحمض النووي تمامًا لأغلب الكائنات الحية.
طيب خلاص نكتفي بهذا القدر من التجارب العجيبة؟
لأ، في عام 2007 هبت فكرة أكثر جنونًا مع العلماء، وقرروا يطلعوا دب الماء الفضاء ويشوفوا هيتحمل ده كمان ولا إيه، وكانت النتيجة أن مجموعات من دب الماء اللي تمت التجربة عليها، ثبت قدرتهم على تحمل الحياة في الفراغ الشاسع بالمدار الأرضي المنخفض لـ 10 أيام كاملين، وكأن دب الماء بيقولهم “أدوني كمان وهاتوا اخركوا”، طبعًا السؤال اللي بيطرح نفسه، هو إيه السر ورا قدرته الخارقة دِه على التحمل؟

سر القدرة الخارقة

بالرغم من اكتشافه في القرن الـ 18، إلا أن السر ورا القوة الخارقة لدب الماء فضل لغز ماحدش عارف اجابته لحد أوائل القرن العشرين تقريبًا، لو بصيت على كل الحاجات العجيبة اللي بيتحملها دب الماء من جفاف وحرارة أو برودة عالية، إشعاعات وضغط عالي، كلها بتدور حوالين حاجة واحدة أو كلهم ما بينهم عامل مشترك أساسي، ألا وهو التأثير على الجزيئات المهمة في الخلايا، وهنا بتيجي القدرة الخارقة لدب الماء عشان يحمي الخلية من أي خطر كان.

مع شعوره بالخطر، بيدخل دب الماء في حالة من السبات إسمها “cryptobiosis”، الحالة دِه بتخليه أقرب للميت منه للعايش، في الوضعية دِه شكل المخلوق بيتغير، فتلاقيه سحب رجليه ورأسه جوا جسمه وبيتحول لكرة جافة بيسميها العلماء باسم”Tun”.

وفي نفس الوقت بتنزل معدلات الأيض عنده أو تحويل الغذاء لطاقة لـ 0.01% من المستويات الطبيعية، وساعتها بيقدر يستغنى عن المياه وأي مواد غذائية لسنين طويلة، ومع دخوله في الحالة دِه بيبدأ ينتج مضادات أكسدة لحماية نفسه بالإضافة لجزيئات خاصة بتشكل ما يشبه المصفوفة.
المصفوفة دِه بتحاصر المكونات الهامة في الخلية من أغشية وبروتين وحمض نووي وبتثبتهم في مكانهم وتحافظ عليهم من التأثيرات الطبيعية.
ومن ضمن الجزيئات الخاصة دِه، فيه بروتين فريد من نوعه معروف باسم “قامع الضرر damage suppressor” وهو البروتين اللي بيلعب دور رئيسي في حماية الحمض النووي لدب الماء.
وبالرغم من أن دب الماء له سقف برده؛ إلا أن الباحثين بيشوفوا إن معظم الكوارث الطبيعية اللي ممكن تضرب الأرض وتمحي أجناس بأكملها من على الأرض، سهل ينجو منها دب الماء.

ومازالت الدراسات لحد النهاردة شغالة على دب الماء لفهم طريقة عمل قدراته بشكل أفضل، ومن المسائل المثيرة عن الدراسات دِه أن العلماء بيحاولوا يستفيدو من قدرته على تثبيت جزيئاته الحيوية الحساسة ومحاولة تطبيق نفس الأمر على اللقاحات أو تطوير محاصيل عندها القدرة على التحمل والتكيف مع المناخ المتغير، أو يمكن نوصل لحاجة في المستقبل تعزز من قوة تحمل الإنسان نفسه.