روسيا هي أكبر دولة في العالم بمساحة 17 مليون و 100 ألف كيلو متر مربع، والفاتيكان واللي بتقع في قلب أوروبا هي أصغر دولة في العالم كلها على بعضها كده بسلطاتها ببابا غانوجها مساحتها أقل من نص كيلو متر مربع وعدد سكانها 800 إنسان، وعندك أمريكا دولة ضخمة ومساحتها حوالي 9 مليون و 800 ألف كيلو متر مربع، وعندك مصر بلد متوسطة في الحجم مساحتها حوالي مليون كيلو متر مربع، لكن الحقيقة مفيش أي دولة في العالم كانت بنفس مساحتها الحالية طول الوقت، ولو أخدنا مصر على سبيل المثال، فاللي قدامنا دي خريطة مصر أيام عهد الدولة الطولونية.

أما دي، فخريطة مصر في عهد الدولة الفاطمية

أما دي، ف خريطة مصر في عهد الدولة الأيوبية ومن بعدهم المملوكية.

ودي خريطة مصر العملاقة في عصر الدولة العباسية.

ودي خريطة مصر في عهد محمد علي باشا.

و قيس بقى السيناريو المصري ده على جميع دول العالم تقريبًا، فياترى إيه اللي بيحصل بالظبط، وإيه سبب التغييرات والتقسيمات دي كلها، ومين اللي بيقسمها؟

مفهوم القومية

كان يا مكان يا سعد يا إكرام ما يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام، كان فيه زمان مجموعة بسيطة من البشر عايشين في أماكن متفرقة على سطح الأرض كان عددهم قليل جدًا والأرض كانت مكان عملاق، وموجود على سطح الأرض حواليهم عدد لا نهائي من المساحات الفاضية؛ وعشان كده كل مجموعة من البشر وقتها اختارو المكان اللي يريحهم وسكنوا فيه، كده كده الأماكن كتير والناس قليلة واللي عاوز يقعد في حتة يروح يقعد فيها، لكنهم بشكل تلقائي كانوا بيقربوا من المصادر الطبيعية المفيدة بقدر الإمكان، الأنهار البحيرات التضاريس المُمهدة، وغيرهم؛ وعشان كده لما نشأت الزراعة في الأربع الحضارات الأولى في العالم، نشأت حوالين الوديان النهرية؛ لأنها كان بيتوفر فيها تربة صالحة للزراعة ومصادر مياه للري، وغيرها من الظروف الحياتية المناسبة؛ وعشان كده هتلاقي حضارة حوالين وادي النيل في مصر، وحضارة حوالين وادي دجلة والفرات في بابل، وحضارة في وادي السند في باكستان، وحضارة في وادي نهر اليانغتسي والنهر الأصفر في شمال الصين، وبكده الإنسان القديم حل مبدأيًا مشكلة التنقل والترحال بحثًا عن الطعام.
لحد دلوقتي الموضوع تمام ومفيش أي مشاكل، لكن مع مرور الوقت بدأت تحصل حاجة جديدة ومختلفة شوية، والحاجة دي هي ظهور مفهوم الإستقرار والتعمير، المكان الفاضي اللي مجموعة من البشر سكنوه من شوية ومكنش موجود فيه أي مظهر من مظاهر العمران اتحول مع مرور الوقت لمستوطنة مُنظمة، بيوت، ومنشأت، وأراضي زراعية، ومخازن في كل مكان، والسكان الموجودين في المكان تعبوا وبذلوا مجهود كبير عشان يوصلوه بالشكل ده، وبالتالي مش هيحبوا إن حد غريب يجي وياخد الحاجات دي منهم أو يستفاد بيها دونًا عنهم، وكمان مش هيحبوا إن حد غريب يجي يأذيهم هما أو أقاريبهم، وهنا ظهر مفهوم القومية لأول مرة في التاريخ.

أنواع الحدود

المنشأت والمباني الموجودة في مكان ما هي في حد ذاتها الحدود اللي بتفصله عن المكان التاني ومش مسموح إن حد يتخاطاها فأول ماتشوف حصن في مكان فتعرف إن دي المنطقة الفلانية، ولو شوفت هرم أو معبد في مكان تبقى دي المنطقة العلانية، وده معناه إن المنشأت هي اللي كانت بترسم الحدود بين البلدان في الأول، وبالإضافة للمنشأت كانت المعالم الطبيعية كمان بمثابة الحدود أحيانًا، سلسلة جبال مثلا مُمكن تفصل بين منطقتين زي الحدود بين الصين والهند مع جبال الهيمالايا، أو الحدود بين تشيلي والأرجنتين مع جبال الإنديز، وممكن الأنهار والبحار تقوم برده بنفس الوظيفة.
بعدها بقى ظهر نوع تاني من الحدود على هيئة أسوار، حاجة كده مثلًا زي سور الصين العظيم، واللي الغرض منه كان حماية حدود الصين وفصلها عن المخاطر الخارجية، لكنه طبعًا شئ مكنش منتشر بكثرة وكان موجود في أماكن محدودة، لكن في النهاية كان كل مجموعة من الناس بينتموا لعرق واحد وبيتكلموا لغة مشتركة كانوا بيحوطوا على نفسهم ضمنيًا كده ويعيشوا مع بعض في سلام، كل مدينة أو دولة عارفين حدودهم شفاهيًا بدون اتفاقات أو أسوار، والعُرف المشترك والتشابه اللي بينهم هو اللي فرض نفسه، وده زي دِول قارة أوروبا كده في بداية نشأتها، الشعوب الأوروبية اللي كانت بتتكلم نفس اللغة كانوا بيلموا بعض وياخدوا جنب كده مع نفسهم وينفصلوا، وده حصل مع بلجيكا وهولندا وألمانيا، ولحد كده الدنيا بمبي والعشاق بيتجوزوا والشرطة بتيجي في نهاية الفيلم تنقذ الموقف والورد في كل مكان ومفيش مشاكل، لحد ما ظهر الإستعمار بفكره الحديث.

التقسيم حديثا

طيب هو إيه الإستعمار أبو فِكر حديث ده، وهل كان فيه إستعمار بفكر قديم؟
الحروب أو إغارة الدول على بعضها حاجة موجودة من قديم الأزل حاجة مش حديثة العهد بالبشرية، زمان الحروب كانت محترمة شوية من ناحية الحدود، يعني لو دولة هجمت على دولة تانية، أو حتى لو إتغير نظام الحكم تمامًا داخل الدولة وحكمها أشخاص من أعراق وجنسيات مختلفة مكنش حد بيغير حدود الدولة، القائمين على الحكم بس هم اللي بيتغيروا، أو يضموا الدولة بالكامل ضمنيًا ليهم، لكن الحدود مازالت قائمة على حالها، الإستعمار أبو فكر حديث بقى مابيعملش كده، لو فيه دولة معينة حدودها مش عجباهم، عادي يوسعوها يضيقوها ياخدوا من هنا حتة يحطوا هنا حته وهكذا.
والفِكر ده للأسف بيظلم الشعوب المُترابطة اللي بينتموا لـ أصل وعِرق واحد وبيدمر الترابط اللي بينهم، يعني تلاقي شعب عايش في منطقة معينة لا بيه ولا عليه، يصحوا فجأة من النوم الصبح يلاقوا نفسهم إتقسموا إداريًا بسبب قرارات المستعمرين والمساحة أو المنطقة اللي عايشين فيها، يتم تقسيمها بين عدة دول كل دولة تاخد حتة منها وتضمها ليهم.

وده زي ما حصل مع (الأكراد)، الأكراد هما شعب تاريخه عريق، وبيبلغ عددهم حوالي 30 مليون إنسان، وخرج من وسطهم عظماء أثروا في التاريخ البشري زي (صلاح الدين الأيوبي)، الأكراد كانوا بيعيشوا في منطقة داخل آسيا معروفة باسم إقليم (كردستان) كانت منطقة جميلة مليئة بالحقول والجبال والبحيرات، وبيتخللها عدد من الأنهار المُهمةزي دجلة والفرات ونهر (آراس Aras)، كانوا عايشين في سلام عادي جدًا لحد بعد الحرب العالمية الأولى وتفكك الدولة العثمانية، في الوقت ده إتقسمت الأرض اللي بيعيش عليها الأكراد بين الدول اللي حدودهم تشكلت حديثًا وقتها، ألا وهم العراق وسوريا وتركيا وإيران، وبناءًا عليه الأكراد إتحولوا من شعب مترابط، لأقلية عِرقية مُقسمة على عدة دول، وظهر ما يُسمى بـ كردستان العراق، وكردستان إيران، وكردستان سوريا، وكردستان تركيّا.
يعني عائلة من الأكراد ممكن يكونوا تفاجئوا إن قوانين الإستعمار قررت تحط خط فاصل في المنطقة السكنية بتاعتهم، فيبقى إتنين إخوات عايشين جنب بعض، واحد منهم بقى تبع دولة والتاني بقى تبع دولة مختلفة؛ وده كله بسبب قرار أو قانون أصدره المستعمر لأنه عندهم سُلطة.
وقصة (الأكراد) بتاخدنا لأشهر مثال تقسيم للدول، حصل في العصر الحديث،ألا وهو إتفاقية سايكس بيكو.

اتفاقية سايكس بيكو

أثناء الحرب العالمية الأولى ومع حلول عام 1915م، وقعت فرنسا وبريطانية معاهدة سرية بينهم وبين بعض تحت الإشراف الروسي، والمعاهدة دي كانت بتهدف لـ تقسيم الدول العربية وخصوصًا الموجودة في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، واللي كانت بتخضع لسيطرة الدولة العثمانية وقتها، فرنسا إختارت (جورج بيكو George Biko) كمتحدث رسمي في المفاوضات، وبريطانيا فوضت واحد اسمه (مارك سايكس Mark Sykes) وأشرف عليهم مندوب تالت من روسيا.
التلاتة دول بقى مسكوا الخريطة وقعدوا يلونوا فيها ويقسموها على كيفهم، وغيروا حدود معظم الدول العربية، وإستمرت السيطرة البريطانية-الفرنسية على بلدان الشرق الأوسط لحد بداية الحرب العالمية التانية، لكن مع نهاية الحرب تلاشي النفوذ بتاعهم داخل المنطقة العربية وكمان الإتفاقيات اللي كانت ما بينهم، وما إتبقاش منها غير التقسيم اللي عملوه في حدود الدول.
وبالرغم من إنسحاب فرنسا وبريطانيا وإستقلال الدول العربية، إلا إن الحدود قائمة لحد كبير على نفس التقسيمة اللي أجراها سايكس وبيكو.