من آلاف السنين والسما كانت ولازالت مصدر كبير للتساؤلات، يا ترى إيه اللي موجود هناك، وهل في حدود للكون، طيب النجوم اللي بنشوفها، كلها نوع واحد ولا مختلفة؟ ولو هي فعلًا نوع واحد، ليه مجموعة منهم بتنور بصورة مختلفة عن باقي النجوم؟ ولا دول مش نجوم أصلًا، طب هل فيه كواكب تانية زينا ولو فيه، فياترى شكلهم عامل إزاي؟
عشرات من التساؤلات اللي مالهاش حدود، وللأسف لفترة كبيرة مكنش ليها أي إجابات، لكن يشاء الله عز وجل إن حل معظم التساؤلات دي يكون عن طريق صدفة جمعت بين عدستين عشان يكونوا السبب في واحد من أعظم اختراعات البشرية، التليسكوب كان سبب في إنه يفتح عيونا على الكون بكل أسراره.
تاريخ التلسكوب
التلسكوب ببساطة شديدة هو جهاز بيقدر يجذب أكبر كم من الضوء وبناءًا على كمية الضوء دي بتظهر الأجسام بصورة أوضح، وتكوينه الأساسي معتمد على وجود العدسات أو المرايا، والحقيقة إستخدام العدسات والمرايا هي فكرة موجودة من آلاف السنين، ومش جديدة ولا حاجة.
عالم الفيزياء اليوناني “أرشميدس Archimedes” إستخدم عدسة مقعرة حجمها كبير جدًا واستقبل بيها ضوء الشمس ووجِهه على بواخر الأعداء وقت الغزو على مدينة “سيراكيوز Syracuse”، وده تسبب في إنه يعطل الغزاة لعدة سنوات.
لكن لو إتكلمنا عن مين أول شخص كان له الفضل في وضع اللبنات العلمية الأولى لإختراع التليسكوب، فهنلاقي إن العالم المسلم الحسن بن الهيثم كان أول شخص إتكلم عن كيفية إبصار الأشياء وكان من أوائل العلماء اللي كتبوا عن المرايا والعدسات.
وألف عدد من الكتب والمقالات والرسائل العلمية الدقيقة، وصل عددهم لأكتر من 80 رسالة وكتاب، ومن ضمنهم كتاب المناظر اللي اتكلم فيه عن البصريات والضوئيات بشكل مفصل، وانتقد وصحح كل المفاهيم الخاطئة الخاصة بالرؤية، واللي كانت سائدة من أيام اليونان.
وابن الهيثم أيضًا كان أول شخص أكد على إن الرؤية بتتم على أساس مقدار الضوء المنعكس أو الصادر من الأشياء على العين، مش العكس؛ لأن زمان كانوا بيعتقدوا أن الرؤية هي عبارة عن أشعة بتخرج من العين فتشوف الحاجة، وبناءًا على نظرياته إستوحى العلماء فيما بعد فكرة إنهم ممكن يخترعوا جهاز، يقدر يستقطب أكبر قدر من الضوء الصادر من الأجسام البعيدة واللي بين قوسين كده (الكواكب والنجوم والأقمار).
وأول وجود فعلي للتليسكوب بشكل بدائي كان في سنة 1608، على إيد صانع النظارات الهولندي “هانز ليبرشي Hans lippershey” والموضوع كان بالصدفة البحته، أثناء فحصة لزوجين من العدسات واحدة ورا التانية، لاحظ ليبرشي إن الأجسام لسببٍ ما بتظهر بصورة أكبر من الطبيعي، وبناءًا عليه عمل تليسكوب بدائي.
والناس في الوقت ده بدأوا يستخدموا الإختراع بتاعه، وبقوا يشوفوا تفاصيل الأشياء البعيدة بدرجة مقبولة، والإختراع زاع سيطه في كل أنحاء أوروبا، وفي إبريل 1609 بدأ إختراع ليبرشي يتباع بس على أساس إنه نظارة رؤية عن بعد.
لكن بعدها بفترة بسيطة بدأ عالم الفلك والفيزياء “جاليليو جاليلي Galileo Galilei” محاولاته في بناء تلسكوبه الخاص على نفس طريقة العدسات، وهنا حصلت طفرة كبيرة جدًا في مجال المناظير؛ وده لأن جاليليو نجح في إنه يخلي التليسكوب بتاعه بقدرة تكبير 3 أضعاف وده كان رقم ضخم جدًا وقتها.
وفي أكتوبر من نفس العام قدر ينهي تليسكوب بقدرة تكبير 20 ضعف، واللي تعتبر كانت قفزة فلكية في تاريخ علم الفلك، وعلى الرغم من إن قوة التكبير مكنتش عملاقة إلا إنها كانت كافية لإستكشاف القمر والكواكب القريبة، وقدر جاليليو بالفعل إنه يشوف كوكب المشتري وأقماره، وكذلك القمر بتاعنا بكل تفاصيله.
وواحد من أهم إكتشافاته، هو إنه أثناء متابعته لكوكب الزهرة لاحظ إن شكله بيختلف من ليلة للتانية ومن أسبوع للتاني، وإستنتج في النهاية إن أطواره المختلفة دي ما هي إلا دليل على إنه بيدور حوالين الشمس، زيه زي الأرض بالظبط، عشان يأكد نظرية مركزية الشمس.
وفي عام 1611 جِه عالم الفلك “جوهانس كيبلرJohannes Kepler” وحسِّن من التلسكوب بحيث إنه إستخدم عدستين محدبتين بعد ما كان التصميم معتمد على عدسة مُحدبة وعدسة تانية مُقعرة، والتصميم اللي عمله كيبلر هو اللي مازال بيتم إستخدامه حتى الآن مع بعض التعديلات والتحسينات المستمرة.
آلية عمل التليسكوب
وبالدخول أكتر في آلية عمل التليسكوب، ففكرة العمل كلها بتكمن في خطوتين، الخطوة الأولى هي تجميع أكبر كمية ممكنة من الضوء لداخل التليسكوب، وقدرة التلسكوب على جمع الضوء بتعتمد في الأساس على قطر العدسة أو المرآة اللي بيتم إستخدمها، وكل ما كانت فتحة العدسة أكبر، كل ما زاد الضوء اللي بيجمَّعه التلسكوب وزاد وضوح الصورة في النهاية.
أما الخطوة التانية واللي متقلش أي أهمية عن الخطوة الأولى، هي إن التليسكوب يكبَّر الصورة اللي وصلته دي، بحجم تقدر العين إنها تشوفه بوضوح تام، وده بيتم عن طريق عدسة مكبرة، واللي بتعمله العدسة المكبرة على وجه التحديد، هو إنها بتاخد الضوء من العدسة أو المرآة وتضخمه بحيث تنقله لأكبر حيز من شبكية العين، وده نفس المبدأ اللي بتقوم عليه العدسات المُكبرة البسيطة اللي بنستخدمها في تكبير الكلام، واللي لما بنحطها على ورقة مكتوب فيها كلام بخط صغير، بتاخد الصورة وتنشرها بشكل أوسع على شبكية العين، بحيث الكلام يبان أكبر من الطبيعي.
ولو إتكلمنا عن أنواع التليسكوبات فأشهر نوعين هما، التلسكوب الكاسر و التلسكوب العاكس.
ما الفرق؟
بخصوص التليسكوب الكاسر هو أول تليسكوب في التاريخ، فهو بيتكون من أنبوب طويل مصنوع إما من المعدن أو البلاستيك أو الخشب، وعدسة من الزجاج منحنية موجودة في الواجهة الأمامية بالإضافة لعدسة تانية عينية، وفكرة التلسكوب الكاسر قائمة على إن العدسة المنحنية مهمتها إنها تركز الضوء في الأنبوب الطويل بإتجاه العدسة العينية، اللي في النهاية بتجذب وتركز الضوء على شبكية العين.
وبخصوص التلسكوب العاكس ففي عام 1680 طور عالم الفيزياء إسحاق نيوتن التلسكوب العاكس لأول مرة، عشان يحل مشكلة عدم وضوح الرؤية اللي أتعرض لها التلسكوبات الكاسرة في عصره، وبقى بدل ما بيتم إستخدام عدسة لتجميع الضوء، إستخدم نيوتن مرآة، واللي بيحصل ببساطة هو إن الضوء بيمشي داخل أنبوب التلسكوب لحد ما يوصل للمرآة الأساسية الكبيرة، واللي بدورها بتعكس الضوء مرة تانية لحد ما يوصل لـ مرآة ثانوية بتكون مُثبتة في وضعية مائلة، فتعكس الضوء بإتجاه العدسة العينية المُكبرة، واللي بتقوم بنفس الدور اللي قامت بيه العدسة المُكبرة في التلسكوب الكاسر.
التلسكوب الراديوي والفضائي
بالإضافة للتلسكوب العاكس والكاسر، بيوجد تلسكوبات آخرى، زي التلسكوبات الراديوية، وهي نفس فكرة عمل التليسكوب الضوئي مع إختلاف إن بدل ما التليسكوب هيجمع ضوء، التليسكوب هنا هيجمع موجات راديو، ومن أهم إستخدامات التلسكوبات الراديوية هو دراسة الضوء الراديوي الطبيعي اللي بيصدر من النجوم والمجرات والثقوب السوداء.
ومن أحدث التليسكوبات الراديوية وأكبرها على الإطلاق هو مرصد “فاست بالصين Fast Telescope واللي بيتكون من طبق واحد بقطر 500 متر، واللي تم تصميمه لرصد أمواج الراديو اللي بتتدفق على الأرض من الفضاء، واللي قدر إنه يجمَّع معلومات عن السُدم والثقوب السوداء البعيدة.
وواحد من ضمن أهم أشكال التلسكوبات أيضًا هو التلسكوب الفضائي، واللي لازت من أهم المراصد الفلكية على الإطلاق، وهي بالمناسبة مابتكونش تلسكوبات عادية مُثبتة على الأرض، ولكنها بتكون عبارة عن تليسكوب بيتركب على قمر صناعي في مدار بعيد حوالين الكوكب.
ومن أهم الأشياء اللي بتميز النوع ده من التلسكوبات، إنه بيكون بعيد عن كل شوائب الغلاف الجوي، ويعتبر تلسكوب “هابل” بالمناسبة، واحد من ضمن التلسكوبات دي، وهو من أكبر المراصد الفضائية اللي بتمد الفلكيين بأوضح وأفضل رؤية للكون.
لو ناوي تشتري تليسكوب
وأخيرًا بقى لو كنت من هواة علم الفلك، وكنت مخطط إنك تشتري تليسكوب بس لسه محوشتش تمنه، فأفضل شئ ممكن تعمله عشان تستكشف الفضاء الخارجي، هو إنك تشتري منظار.
منظار بجودة عالية هيمكنك من إنك تشوف فوهات القمر، وكمان أكبر أربعة أقمار لكوكب المشتري، ومن خمس لعشر أضعاف عدد النجوم اللي بتشوفها بعينك المجردة.