تعتبر الكباري من أحد دعائم البنية التحتية لأي بلد؛ لإنها من أفضل الطرق لحل مشاكل المرور والإزدحام داخل المدن، ومش بس حل مشاكل الإزدحام هو السبب لبناء الكباري، ممكن يكون سبب البناء، هو الربط بين المدن الواقعة علي ضفاف الأنهار.
وعملية بناء الكباري هي واحدة من أعقد عمليات بناء البنية التحتية للطرق، وأكثرها تكلفة علي الإطلاق، ووقت تنفيذ المشروع يُقدر بالسنوات، وآلاف الأيدي العاملة إللي بتشتغل بلا هوادة، والعديد من المعدات الضخمة اللي بتساهم في الإنشاء، وغيرها كتير من الأسباب إللي بتخلي قرار بناء كوبر، واحد من القرارات اللي بتستوجب دراسة مستفيضة، دراسة بقى للمكان والتكلفة والفائدة اللي هترجع على البلد من بناء الكوبري دا.
وبالرغم من كل دا بقى، حكومة روسيا في عام 2008 قررت إنها تبني كوبري ضخم جدًا في مكان عدد سكانه تقريبًا 5000 شخص بس، فياترى إيه الحكاية؟
مكان إنشاء الكوبري
يعد كوبري جزيرة “روسكي Russky Bridge” الروسية، الواقع علي مضيق “البسفور الشرقي Eastern Bosphorus strait”، والمُلقب بكوبري اللامكان، واحد من أكثر الكباري المُثيرة للجدل علي الإطلاق، والكوبري دا بيَربط بين جزيرة “روسكي island Russky” الواقعة علي “بحر اليابان Japan sea”، وبين مدينة “فلاديستوك Vladivostok” اللي تعتبر من أكبر المدن في أقصى الجنوب الشرقي الروسي.
واستحق الكوبري لقب كوبري اللامكان عن جدارة؛ لأن الكوبري بيخدم مدينة كان عدد سكانها في وقت الإنشاء 5360 نسمة فقط.
مش بس علشان عدد سكان المدينة قليل، ولكن التكلفة المُقدرة للبناء، واللي تجاوزت المليار دولار، رسمت صورة في أذهان البعض، إن بناء الكوبري إهدار للوقت والجهد وبالطبع الكثير من الأموال.
واللي خلى الكوبري دا مثير جدًا للاهتمام بعد موقعه وتكلِفة بناؤه، هو إنه تحفة هندسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
حقائق عن الكوبري
كوبري “روسكي Russky Bridge” هو أطول كوبري مُعلق بالكابلات في العالم بطول يبلغ 3100 متر تقريبًا، ويمتلك الكوبري عمودين إرتكاز على شكل حرف A، يبلغ طول العمود الواحد حوالي 324 متر، وأعمدة الإرتكاز دي هي تاني أطول أعمدة إرتكاز في العالم، بعد أعمدة إرتكاز جسر “ميلو Millau Viaduct” اللي طولها 335 متر.
الكوبري كمان مُدعم بكابلات عملاقة بأطوال مختلفة، بيوصل طولها إلى حوالي 580 متر تقريبًا، وطول الكابلات دي دخل الكوبري الروسي موسوعة جينيس للمرة التانية، وحطم الرقم القياسي لأطول كابلات مُستخدمة لتثبيت كوبري علي مستوي العالم، والحقيقة إن الإبداع في تصميم الكابلات دي هو أول حاجة هتلاحظها عينك لما تشوف الكوبري؛ لإنك لو سافرت في يوم من الأيام روسيا، وحبيت تزور “جزيرة روسكي Russky island” بالليل، لازم تقف مذهول للحظات وده ببساطة؛ لإنك هتشوف أكبر صورة للعلم الروسي ممكن تشوفها في حياتك، الكابلات العملاقة دي مُضاءة بالكامل بألوان العلم الروسي الأحمر، الأبيض، والأزرق.
أما عن المدة إللي أتبنى فيها الكوبري فهي كانت قياسية، التحفة المعمارية إللي حطمت كل الأرقام القياسية دي إتبنت في وقت قليل جدًا، وهما 4 سنين فقط.
صعوبات بناء الكوبري
المشروعات الكبيرة غالبًا بتكون تحدياتها وصعوبَتها بنفس ضخامتها، وبالنسبة لمشروع “كوبري روسكي Russky Bridge” فالصعوبات وصلت لأقصى حد ممكن توصله، حجم الكوبري العملاق، وطول أعمدة الإرتكاز، وزمن تنفيذ المشروع القليل دي أبسط التحديات إللي واجهت العمال خلال فترة البناء.
في بداية تنفيذ المشروع كان عامل الزمن هو أهم نقطة ركز عليها القائمين على الإنشاء، إزاي هنبني كوبري يتسع لمرور حوالي 50 ألف سيارة يوميًا، في مدة أقصها 4 سنوات؛ وعلشان كدا قرروا إنهم يشتغلوا بنظام الوَرديات، النظام دا هيمكنهم من الشغل 24 ساعة يوميًا لمدة 365 يوم في السنة.
وعلي مدار الأربع سنوات، كانت المشكلة الوحيدة للنظام دا هي التكلفة، لكن مع ميزانية تخطت المليار دولار أصبحت المشكلة دي زي عدمها.
ومن الصعوبات إللي واجهت المهندسين أثناء البناء، طول أعمدة إرتكاز الكوبري، أعمدة إرتكاز “كوبري روسكي Russky Bridge” كانت الأطول في العالم في وقت البناء، إزاي هنبني أعمدة بطول 324 متر يتعلق فيها حوالي 186 كابل أطول واحد فيهم بطول 580 متر، وكان جواب المهندسين على السؤال دا هو الحفر، كل عامود من أعمدة الإرتكاز اتحفر له قاعدة أسطوانية بطول 77 متر تحت الأرض، بس كل المشاكل دي كانت صفر على الشمال لما نيجي نقارنها بمشكلة الطقس.
الطقس في روسيا أقل كلمة ممكن نوصفه بيها إنه مُتَطرف، العمال كان عليهم إنهم يواجهوا ظروف عمل قاسية جدًا، درجات الحرارة في المنطقة دي من العالم بتتراوح مابين 30 درجة مئوية تحت الصفر في أشهر الشتاء، و30 درجة مئوية في أشهر الصيف، تباين درجات الحرارة خلق بيئة عمل قاسية جداً، ومش بس درجات الحرارة، الرياح كمان كانت مُخيفة بمعنى الكلمة، بسرعة تصل إلى 36 متر في الثانية الواحدة، وعلى الإرتفاع الشاهق للكوبري كان لازم تتحسب كل خطوة؛ لإن الغلطة الواحدة ممكن تكلف العامل حياته.
الرياح ودرجات الحرارة المُتباينة زي ماكانوا تحدي لقدرات العمال كانوا تحدي للمهندسين كمان، الكابلات المُستخدمة في الكوبري مصنوعة من المعدن، ودرجة الحرارة في الشتاء اللي بتوصل لـ 30 تحت الصفر كانت كفيلة إنها تغير من طول الكابلات ولو سنتي مترات بسيطة، والسنتي مترات دي كانت كافية جدًا لإنها تخلي الكابلات متركبش في أماكنها المخصصة وتعَطل سير العمل، بس كالعادة التخطيط الجيد كان سبب في تخطي العقبة دي كمان.
الحل كان في تصميم “شركة فريزنية company Freyssinet’s”، ودي شركة إنشاءات فرنسية شاركت في إنشاء المشروع، تصميم الشركة للكابلات كان بيركز بشكل رئيسي على إمكانية صمودها لسنوات تحت الظروف القاسية دي.
ومش بس الكابلات اللي تصميمها كان مختلف، مُعدات التركيب كانت مختلفة كمان، وعلشان كل الصعوبات دي وتصميم المعدات المُعدل كان على العمال قضاء 200 ساعة من التدريب، والتدريب دا مش بس ساهم في تسريع وتيرة العمل، لأ دا كمان ساهم في حماية العمال نفسهم، وإنتهى العمل في المشروع العملاق دا بدون أي حوادث.
والسؤال المنطقي بعد كل دا هو ليه الروس عملوا كل دا، إيه الهدف من بناء الكوبري دا؟.
سبب بناء الكوبري
سبب من أسباب بناء الكوبري هو “منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ Asia-Pacific Economic Cooperation” وده منتدى إقتصادي إقليمي، مكون من 21 دولة، والهدف الرئيسي للمنتدى دا هو تحقيق التنمية الإقتصادية الشاملة للدول المشاركة فيه، ولما جه ميعاد روسيا في إستضافة المنتدى على أرضها؛ قررت الحكومة الروسية يكون مكانه في “جزيرة روسكي Russky island”، وقبل ماتستغرب وتقول إن كل دا إتعمل علشان مؤتمر، خليني أزيدك من الشعر بيت وأقولك إن مشروع “كوبري روسكي Russky Bridge” كان مجرد نقطة في بحر.
الحكومة الروسية خصصت ميزانية قدرها 20 مليار دولار لتطوير المَنطقة بالكامل، والإنشاءات اللي تمت من كباري وطرق وفنادق وجامعات كانت بالفعل مذهلة، وقبل ما تفكر في إن الرقم دا يعادل ميزانيات دول صغيرة، وتقول في نفسك إن مفيش جدوى من المشاريع دي، والفلوس اللي إتصرفت كانت مجرد تباهي بالقدرات المالية الروسية، خليني أقولك إن هدف المشاريع دي كلها مكانش خدمة المنتدى وبس.
بالرغم من فرع “جامعة الشرق الأقصي الفدرالية Far Eastern Federal University”، و”كوبري زولوتويZolotoy Bridge”، وعدد كبير من الفنادق، وبطبع “كوبري روسكي Russky Bridge”، كل دا اتبنى وقت المؤتمر، بس كل دا كان جزء من تخطيط مستقبلي شامل للمنطقة بأكملها.
روسيا قررت تعمل تنمية دائمة في منطقة الشرق الأقصى، وكان المنتدى أفضل طريقة لعرض المنطقة علي العالم كله، هدف روسيا الأساسي هو تحويل المنطقة لمنطقة سياحية واقتصادية عالمية، وبالفعل روسيا بدأت تجني ثمار إستثمارها بعيد المدي، وفرع “الجامعة الفدرالية University Federal” دلوقت بقا بيضم 41 ألف طالب.
وأخيرًا وسواء اتفقنا أو اختلفنا على مدى جدوى التطوير دا، لكننا منقدرش ننكر أبدًا روعة بناء كوبري روسكي Russky Bridge وبُعد نظر الحكومة الروسية