دائماً ما تتباهى أحواض الأسماك الكبرى على مستوى العالم بأمرين رئيسين، الأول هو حجم الأحواض الرئيسية الموجودة بالمنشأة، وثانياً نوعية الحيوانات البحرية اللي بتحتوي عليها، وخصوصاً الأنواع الخطيرة والعملاقة النادر انك تشوفها خارج عالم المحيطات.
وبالرغم إن فيه عدد كبير من أحواض الأسماك نجحت في جذب زائريها من خلال عرض بعض أغرب وأخطر الحيوانات البحرية في العالم بما فيها الأوركا وبعض أنواع القروش، إلا ان فيه نوع واحد مافيش ولا حوض أسماك عارف يقدمه للجمهور ويحافظ عليه داخل المنشأة.

القروش في أكبر أحواض الأسماك في العالم

أحد أحواض أسماك مملكة محيط شيمولونج الصينية

لو بصينا على أكبر 3 أحواض أسماك على مستوى العالم: مملكة محيط شيمولونج Chimelong Ocean Kingdom في الصين وحديقة الحياة البحرية في سنغافورة وحوض أسماك جورجيا في الولايات المتحدة الأمريكية، هنلاقي انهم بيضموا مجموعة متنوعة من أسماك القرش بجانب عدد مهول من الحيوانات البحرية المختلفة، أسماك القرش الموجودة في الأحواض دِه بتتنوع ما بين القرش الرملي وقرش الجرف وقرش المطرقة وغيرهم، حتى ان اكبر أنواع القروش في العالم وهو قرش الحوت اللي بيوصل طوله لـ 10 أمتار ووزنه لـ 20 طن، نجحت بعض الأحواض انها تجيبه وتقدمه لجمهورها بصورة دايمة.
ومع ذلك نوع واحد من القروش مافيش حوض أسماك قادر يجيبه ويحافظ على وجوده باستمرار للجمهور، وده مش بسبب قلة المحاولات مثلاً، بالعكس؛ مؤسسات عملاقة حاولت إنها تجيب الأبيض الكبير وتعرضه للجمهور في أحواضها المائية، لكنها فشلت فشل ذريع، منها Marineland و SeaWorld وحوض أسماك ستينهارت steinhart وغيرها، وقبل ما نعرف أسباب فشلهم، تعالوا الأول نتعرف على رعب المحيطات و أحد أخطر ضواري عالم البحار، القرش الأبيض الكبير.

رعب المحيطات

مع طول بيوصل لـ 6.4 متر ووزن يقدر بـ 2200 كجم، يعتبر القرش الأبيض الكبير هو أضخم الضواري البحرية من الأسماك، بيعيش في المياه المفتوحة للبحار والمحيطات المعتدلة، وبيتواجد بالقرب من سطح المياه وحتى عمق يصل لـ 1280 متر، الدم الدافي للقروش دِه بيسمحلها تعيش في أماكن بتتنوع فيها درجة حرارة المياه، عشان كده ممكن تلاقيها في المناطق الساحلية الاسترالية وشمال الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب كاليفورنيا وجنوب افريقيا، وبالرغم من حجمها الضخم إلا إن القروش البيضاء الكبيرة بتمتاز بسرعة محترمة بتوصل لـ 24 كم في الساعة، وبتستغلها في صورة اندفاعات سريعة في مسافات قصيرة للإنقضاض على فريستها، وبمجرد ما تمسك فيها بيبقى من المستحيل على اي فريسة الهرب منها.
عدد أسنان القرش الأبيض الكبير ممكن يوصل لـ 300 سن، وبتمتاز بشكلها اللي عامل زي المثلث، وحدة أسنانها مع قوة عضتها بتخليها تخترق أجساد ضحاياها وتاخد منهم أكبر كمية ممكنة من اللحم في المرة الواحدة، وعضة واحدة من الأبيض الكبير، كافية لاقتلاع ما يصل لـ 15 كجم من لحم فريسته، ومجموع هجمات القرش ده على البشر وعلى القوارب، بيتخطى مجموع هجمات جميع أسماك القرش بلا استثناء، والسبب في ده ان الأبيض الكبير من مُحبي التذوق، يعني اي جسم حواليه يحب ياخد منه قضمة ويشوف لو عجبته واستذاغها ولا لأ، شهرته بين الناس مش نابعة من حجم جرائمه السنوية بقدر الأفلام السينمائية اللي تناولته، ومن أشهرها على الإطلاق سلسلة أفلام jaws، لكن الحقيقة ان شراسته وإدمانه على سفك الدماء مش هي الأسباب الرئيسية ورا عدم قدرة أي حوض أسماك في العالم على الاستحواذ عليه وتقديمه للجمهور بين جنبات الألواح الزجاجية.

محاولات مستمرة

في السبعينيات والتمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حاولت عدد من المؤسسات إنها تجيب القرش الأبيض الكبير وتعرضه للجمهور، وكلهم نجحوا بالفعل وجابوا القرش، والجمهور بقى بيروح بالألاف مخصوص عشان يشوفه، لكن نجاحهم ده ما استمرش غير لأيام معدودة، لأن جميع القروش اللي جابوها ماتت بعد فترة قصيرة، وأحياناً كان بيحصل أسوء من كده كمان.
أكتر واحد عاش من القروش دِه، استمر في الاسر لـ 16 يوم مش أكتر، معظم القروش ماكنتش عايزة تسبح داخل الأحواض ولا كانوا عايزين ياكلوا، وفضلوا على الحال ده لغاية ما ماتوا، وفي منتصف التمانينيات خرج تصريح من المسئولين عن حوض أسماك ستينهارت steinhart التابع لأكاديمية كاليفورنيا للعلوم، بيوصف القروش الأسيرة من نوعية الأبيض الكبير إن قرار وضعهم في الأحواض أقرب لحكم بالإعدام، مهما كانت الجهود المبذولة للحفاظ عليهم، واستمر الوضع على ما هو عليه لحد عام 2004، لما نجح حوض أسماك خليج مونتيري Monterey Bay Aquarium انه يحقق المستحيل، حتى ولو لفترة وجيزة من الزمن.

أول محاولة ناجحة.. نسبياً

حوض أسماك خليج مونتيري

في 2004 أثبث حوض أسماك خليج مونتيري انه من الممكن الاستحواذ على قرش أبيض كبير والحفاظ عليه على قيد الحياة في حوض أسماك، بس الكلام ده بشروط محددة ولفترة وجيزة لا تتعدى الـ 6 شهور، ازاي نجحوا في العملية دِه؟
بيحكي “جون هوتش Jon Hoech” نائب رئيس العناية بالحيوان في حوض أسماك خليج مونتيري، إن المؤسسة انتهجت تسلسل منطقي للعملية من بداية اختيار عمر القرش وحجمه وتوفير البيئة المناسبة له، قبل احضاره داخل الحوض المائي، أول خطوة قاموا بيها كانت تصميم خزان مناسب لاحتواء حيوانات المحيطات المفتوحة زي القروش والتونة، وقاموا بانشاء حوض أسماك بيضاوي بيوصل عمقه لـ 10 أمتار وبيشيل ما يقرب من 4 مليون لتر من المياه، تاني خطوة كانت اختيار الفئة العمرية المناسبة للقرش اللي هيجيبوه، لأن في الوقت اللي بتوصل فيها طول القروش البيضاء الكبيرة لـ 6.4 متر مع بلوغها، إلا إن قبل ما توصل للعام الأول من عمرها بيبقى طولها أول عن اخر أقل من متر ونصف، وفي المرحلة ده من عمرهم بتبقى حميتهم الغذائية أبسط بكتير عن وهما بالغين، لأن في الوقت ده أكلهم بيعتمد على الأسماك وخصوصاً الصغيرة في الحجم، لكن لما بيكبروا الموضوع بيبقى كابوس حقيقي، لأن مافيش حاجة وقتها تقريباً ما بياكلوهاش، فقمات ودلافين وأسماك الراي والسلاحف والطيور البحرية وصغار الحيتان وحتى أسماك القرش الأخرى، وبالتالي اختيار القرش في المرحلة العمرية دِه سهِّل على فريق العمل عملية نقله والحفاظ على حميته الغذائية الطبيعية في السن ده من عمره.

وبعد ما حصلوا على القرش، مانقلهوش على طول لحوض الأسماك، لكنهم أقاموا حوض داخل المحيط بيشيل 15 مليون لتر من المياه وحطوه فيه، وبالطريقة دِه أقاموا للقرش بيئة قريبة من اللي هيعيش فيها داخل المنشأة وفي الوقت نفسه خدوا فرصتهم في مراقبته والتأكد إذا كان هياكل بصورة طبيعية داخل الحوض ولا هيمتنع عن الأكل، الخطوة اللي بعد كده كانت نقل القرش من جنوب كالفورنيا للمنشأة النهائية في حوض أسماك خليج مونتيري، وهي خطوة في منتهى الخطورة بسبب استغراق الرحلة لمدة طويلة تتراوح من 9 ساعات لـ 11 ساعة، والأخطر من كده هو طبيعة القرش نفسه والطريقة اللي بيتنفس بيها، القروش زيها زي باقي الأسماك بتحتاج لمرور المياه باستمرار داخل الخياشيم عشان تقدر تحصل على الأكسجين، معظم أنواع الأسماك بتقدر تفتح وتقفل فمها عشان تضخ المياه داخلها، لكن القرش الأبيض الكبير مع بعض الأنواع الاخرى ما بتستخدمش الطريقة دِه.

عشان يتنفس، لازم الأبيض الكبير يتحرك في المياه وهو فاتح فمه، عشان كده في حالة انه علق في شبكة صيد في المياه بيبدأ يضعف وبيفقد القدرة على التنفس، ولنفس السبب كان من الضروري توفير حافلة مخصصة لنقل القرش بأمان لوجهته، فتم اختيار شاحنة بحجم يستوعب القرش ومجهزة بالوسائل اللازمة للحفاظ على حياته، من مستشعرات لمستويات الأكسجين وكاميرات مراقبة وأجهزة فلترة للمياه على مدار الرحلة، وبمجرد الإعلان عن عرض القرش الأبيض الكبير في حوض أسماك خليج مونتيري وارتفعت نسب الحضور لـ 30%، وبالفعل نجح فريق العمل في الحفاظ على القرش داخل المنشأة لحوالي 6 شهور، لكنهم اضطروا بعدها لإعادته مرة تانية للمحيط، والسبب ماكنش الحفاظ على حياته ولكن الحفاظ على حياة باقي الحيوانات البحرية في حوض الأسماك وعلى سمعتهم.
القرش اللي أحضره فريق العمل وعمره أقل من سنة واحدة، بعد الـ 6 شهور في الحوض زاد طوله نص متر ووزنه زاد أكتر من 45 كجم، وفي ظرف اسبوعين التهم قرشين من أنواع مختلفة، وأدت الحادثة الاخيرة لاحتجاج الناس على استمرار وجوده في الحوض والخطر اللي بيمثله ضد الحيوانات الاخرى، ومع الضغط الإعلامي اضطر القائمين على الحوض اخلاء سبيله والاستغناء عن الأرباح الضخمة اللي عادت عليهم بسبب عرضه وباعتبارهم الحوض الوحيد في العالم اللي عنده الأبيض الكبير، لكن ده ما منعهمش على مدار الـ 7 سنين اللاحقة للواقعة انهم يكرروا نفس العملية مرة تانية ويجيبوا صغار القروش البيضاء لعرضها للجمهور، وتراوحت فترة استمرار القروش داخل الحوض من 11 يوم لـ 5 شهور، منهم اللي كان بيموت ومنهم اللي كانوا بيطلقوا سراحه بسبب مشاكل تانية، أغربها على الإطلاق كانت محاولة كسر حوض الأسماك!

كسر حوض الأسماك

النوعية ده من القروش معتادة على السباحة لمسافات طويلة في المياه المفتوحة وتغيير اتجاهاتهم زي ما هما عايزين وبدون أي عوائق، عشان كده بيواجه الأبيض الكبير مشكلة مع جدران الخزانات، فريق العمل في حوض الأسماك لاحظ ان فيه عادة غريبة تولدت عند القروش بعد وجودهم لفترة في الحوض، وهي محاولة كسر الخزان نفسه!
القرش بقى كل شوية يقرب من زجاج الخزان السميك ويضرب فيه جامد، والقصة دِه أدت لتعرضه لإصابات في وجهه، والحكاية دِه خوفت القائمين على الحوض انهم لو سابوا القرش يكبر ووصل لحجمه النهائي، ممكن يمثل خطورة على عوامل الأمان والسلامة بالمنشأة، وطبعاً مافيش أطفال أو حتى كبار هيبقوا مطمأنين وهما شايفين قرش أبيض كبير عمال بيخبط الزجاج قدامهم مهما كانت سماكة الخزان، وحتى انك تبقى شايف حيوان بيأذي نفسه داخل الحوض أمر بعيد عن الإنسانية والهدف من أحواض الأسماك في العالم، والقصة ده حصلت مع أول قرش جابوه في 2004 ومع القرش السادس عام 2011، والاخير قرروا انهم يطلقوا سراحه بعد 55 يوم بس وحطوا عليه جهاز تتبع للإطمئنان عليه، لكنهم فوجئوا انه مات بعد ما سابوه بوقت قليل، ومن بعدها وقرر القائمين على حوض أسماك خليج مونتيري انهم ما يجيبوش قروش بيضاء كبيرة مرة تانية عندهم، وفي أوائل عام 2016 حاول حوض أسماك في اليابان انه يحقق المستحيل ويجيب قرش أبيض بالغ مش صغير ويعرضه للجمهور، وبعد 3 أيام من عرضه، مات القرش.

وبغض النظر عن المجهود والتكلفة العالية اللي بيتحملها حوض الأسماك في احضار الأبيض الكبير، ومخاطر تعرض صغار القروش للوفاة و خطورتها على الحيوانات التانية، ومهما كانت الجهود المبذولة في الحفاظ عليه، إلا ان التجارب لحد النهاردة علمتنا ان فيه أنواع من الحيوانات من الصعب انها تتحمل الحياة في الأسر، وبغض النظر عن المشاكل اللي واجهت القائمين على أحواض الأسماك مع القرش الأبيض الكبير لحد النهاردة، إلا ان عِناد البعض في المستقبل على اسر النوعية ده من الحيوانات بهدف الربح ممكن ينتج عنه أمور خطيرة لا يُحمد عقباها على الإطلاق.