في الأيام اللي فاتت شهدت مصر موكب المومياوات الملكية؛ واللي تم فيه نقل 22 مومياء من مومياوات ملوك مصر القديمة من المتحف المصري القديم بميدان التحرير، للمتحف القومي للحضارة المصرية بمدينة الفسطاط التاريخية -المدينة اللي أسسها “عمرو بن العاص” -رضي الله عنه-، وتم اعتبارها أول عاصمة إسلامية في البلاد-.
ليه 3 متاحف للآثار ما واحد كفاية
قبل زيارتنا للمتحف القومي للحضارة المصرية أو متحف الحضارات، فيه سؤال جه على بال ناس كتير، “دلوقتي مصر بقى عندها 3 متاحف رئيسية؛ المتحف المصري بالتحرير، والمتحف المصري الكبير جنب الأهرامات، والمتحف القومي للحضارة المصرية في مدينة الفسطاط؛ ليه كل المتاحف دي؟! ما واحد بس كفاية خصوصا إنهم كلهم يعتبروا في نفس الدايرة في محيط محافظتي القاهرة والجيزة؟”
الحقيقة الأجابة على السؤال ده ليها علاقة بالاقتصاد والإدارة شوية، أول متحف في مصر والأقدم في التلاتة وهو المتحف المصري بالتحرير، كان بيضم أغلب الآثار اللي هنلاقيها موجودة في المتاحف الجديدة، ولكن كان في مشكلة كبيرة جدا فيه، وهي إن المساحة كانت صغيرة مقارنة بالآثار اللي بتمتلكها مصر، واللي لسة هتمتلكها كمان، طبقًا لكلام عالم الآثار الدكتور زاهي حواس إن حوالي 70% من الآثار المصرية لم تكتشف بعد، بل إن الآثار اللي تم اكتشافها كان أغلبها محطوط في كراتين في مخازن المتحف المصري بالتحرير، اللي جواه قرابة 200 ألف قطعة أثرية أغلبهم قطع ما لهاش مكان تتعرض فيه، وحتى القطع المعروضة ما هياش معروضة بارتياح ولا واخده حقها في العرض؛ بل إنها متكدسة في صالات العرض عشان نقدر نشوف أكبر عدد منها، وبالتالي ممكن تكون القطعة الأثرية ثمينة جدًا وحواليها معلومات وتاريخ دسم؛ لكن أنت كزائر ما تحسش بقيمتها لمجرد إن فيه جنبها قطعة تانية ملفتة أكتر في الشكل وقيس ده بقى على آلاف القطع الأثرية، فلو كنا مشينا على نفس النهج كنا هنستمر في إهدار عدد كبير جدا من الآثار القيمة.
ده كله بقى بجانب إن كل متحف من المتاحف التلاتة الرئيسية في مصر له أهمية ثقافية معينة، والغرض من كل واحد فيهم مختلف، وده اللي هيبان لنا أكتر لما ندخل المتحف القومي للحضارة المصرية.
وخصوصًا إن مصر بقى فيها متحف الحضارة المصرية واللي بيعد من أكبر متاحف الآثار في العالم -حسب وصف وزارة السياحة والآثار المصرية-، وبيعد كمان أول متحف يتم تخصيصه لمجمل الحضارة المصرية في خطوط مترابطة من الآثار ذات القصص التاريخية واللي لما اتجمعت بقت بتحكي لنا تاريخ مصر الحضاري بالكامل.
موقع المتحف الحافل بالمعالم التاريخية
أول ما تنزل مدينة الفسطاط وتحدد وجهتك للمتحف القومي للحضارة المصرية؛ هتلاحظ إن المتحف بيقع في مكان ذو طابع تاريخي عظيم، فكل ما هتتقدم كام خطوة في مدينة الفسطاط هتلاقي نفسك بصدد موقع أثري تاريخي، ومن أبرز المعالم اللي بتميز المدينة هي مسجد “عمرو بن العاص” -رضي الله عنه- المعروف بالجامع العتيق، بالإضافة للكنيسة المعلقة اللي بتعتبر من أقدم الكنائس المصرية، وحصن بابليون واللي هتلاقي متحف الحضارة قريب جدًا منه.
وأول ما تقرب لمتحف الحضارة المصرية هتلاحظ إنه بيطل على بحيرة طبيعية بتعتبر الوحيدة من نوعها في القاهرة، وهي بحيرة عين الصيرة اللي تم تعقيمها وتهيئها عشان تكون الواجهة اللي بيطل عليها المتحف، وفي نفس الواجهة دي.. لو بصيت على شمالك هتلاقي قبة مش غريبة عليك أبدًا، ولو طولت النظر فيها هتكتشف إنها قبة قلعة صلاح الدين الأيوبي، واللي بتضفي طابع تاريخي أكتر في أرجاء المكان.
ودلوقتي بقى سيب كل اللي قدامك وبص وراك عشان تعرف قصة حضارة كل معلم من المعالم اللي أنت شوفتها وأنت جاي للمتحف، وتعرف التسلسل التاريخي اللي حصل على أرض مصر مهد الحضارة، لحد يومنا هذا.
نبذة عن تاريخ المتحف
وإحنا داخلين المتحف كده محتاج أديك نبذة عن تاريخ المتحف ده وفكرة بناءه، فكرة المتحف القومي للحضارة المصرية -على عكس المتوقع- ما هياش فكرة جديدة أبدا؛ بل إنها فكرة قديمة جدًا طرحها الملك فاروق في الفترة ما بين عامي 1938 و1949م؛ عشان يعمل متحف مصري مشابه للمتاحف الأوروبية، واتغمرت الفكرة دي لحد عام 1982 لما أطلقت منظمة اليونيسكو حملة دولية بتدعو فيها لإقامة متحف للحضارة، وبعد مرور حوالي 17 سنة وفي عام 2000م بدأ فعليا اختيار موقع المتحف الحالي، وبدأت أعمال البناء على يد المهندس المعماري المصري (الغزالي كسيبة) واللي انتهت في عام 2005، وفضل المتحف من بعدها في تطور مستمر لحد ما تم افتتاحه جزئيًا بقاعات عرض مؤقتة في عام 2017م، والأسبوع اللي فات بس، تم افتتاح القاعتين الرئيسيتين من المتحف بشكل رسمي، واللي هما قاعة العرض المركزي، وقاعة المومياوات الملكية.
قاعة العرض المركزي
بمجرد ما تقطع التذكرة وتعدي من بوابة العبور الإلكترونية، هيقابلك بهو أو ممر واسع طويل محاط بالزجاج من كل مكان تقدر تشوف منه الواجهة الخارجية للمتحف، وتقدر تلتقط منه صور بمشاهد بانورامية مميزة.
وواحدة واحدة وأنت ماشي في الممر الدائري المظلم نسبيًا ده هتلاقي نفسك بيتم تأهيلك نفسيًا للانعزال عن العالم الخارجي للمتحف، وتبدأ تنخرط في رحلة عبر التاريخ من أول دخولك قاعة العرض المركزية، اللي بتتميز بإضاءات خافتة بيتخلل منها شعاعات النور على كل صندوق عرض زجاجي، في رسالة من مصمم المتحف بإنك تركز في المكان اللي عليه النور.
ولو مررت بصرك من أقصى اليمين لأقصى اليسار في المتحف هتبحر بالقطع الأثرية في خيوط من النور بترسم الخريطة الزمنية لتاريخ مصر، وبيبدأ التاريخ في متحف الحضارة، واللي بيمثل التاريخ المصري بإنسان نزلة خاطر؛ أول إنسان احتفظت أرض مصر برفاته من ما قبل التاريخ، واللي تم اكتشافه بنزلة خاطر بمحافظة سوهاج، وتم ترحيله لبلجيكا بهدف الدراسة والترميم، لحد ما استعادته مصر في عام 2015م.
ومن إنسان نزلة خاطر هيتسرد التاريخ المصري قدامك واحدة واحدة وهتوضح لك معالم الحضارة المصرية، واللي بتمتد من عصور ما قبل الأسرات مرورا بالعصر اليوناني والروماني، وحضارات الإسكندرية، وصولًا للعصر القبطي والإسلامي وحتى الدولة المصرية الحديثة، متمثل في اللوحات والجداريات والعمارة والكتابة والفنون والأزياء والنسيج والتحف الخزفية، وحتى علاقة كل حضارة منهم بالإله، وإزاي عبدوه، وبين المعالم دي هتمر كمان بقسم التراث الشعبي اللي هتشوف فيه التراث السيناوي والبيوت النوبية وأزياءهم، وهتشوف معروضات من العصر القبطي المصري هيوصلوك لمنابر إسلامية ومعروضات فريدة بتنتمي للعصر الإسلامي، واللي هي زي مفاتيح الكعبة اللي كان بيتم صنعها هنا في مصر بجانب قطعة من كسوة الكعبة الشريفة.
وهتلاقي جنب كل قطعة أثرية شاشة موجود فيها فيديو تعريفي أو جدارية مكتوب فيها معلومات عن القطعة دي والعصر اللي بتنتمي ليه، ولو لاقيت قطعة مش عليها جدارية؛ فهتلاقي كتير من المرشدين السياحيين في المتحف بيساعدوك تتعرف على التاريخ، وهيرحبوا بأي سؤال تسأله.
وبتعزز تجربة المتحف وجود كتير من شاشات العرض الحديثة اللي طول ما أنت هناك هتلاقيها شغالة على أفلام وثائقية بتديك نبذة تاريخية عن مصر، وفي نص قاعة العرض المركزية، هتلاقي هرم مقلوب في السقف، موجود تحته على الأرض شاشة عرض كبيرة بتعرض المومياوات الملكية، وهتقدر تبص عليها من خلال سور دائري موجود فيه شاشة دائرية برضو معروض فيها مومياوات ووثائقيات عنها، والشاشات دي لو نزلتلها هتقودك لتحت الأرض، مكان تواجد مقابر المومياوات الملكية، اللي تم نقلها الأسبوع اللي فات من المتحف المصري بالتحرير، للمتحف القومي للحضارة المصرية.
قاعة المومياوات الملكية
عشان تنزل من مكانك لمكان تواجد شاشة عرض المومياوات، ومنها تدخل المقابر الملكية هتلاقي جنبك سور زجاجي صغير لو مشيت جنبه هيوصلك لسلم، وأول ما تنزل على السلم ده هتلاقي نفسك ماشي على شاشة العرض اللي هتكتشف إنها جزء من الأرض، وبعد ما تدخل هتلاقي نفسك في ممر هيحسسك إنك دخلت مقابر وادي الملوك بمنطقة تلال طيبة، بممراتها اللي بتعتبر مداخل بتنتهي عند حجرات الدفن، لكن بلمسة تكنولوجية حديثة شوية في المتحف القومي للحضارة المصرية.
أول ما هتدخل قاعة عرض المومياوات، هتلاحظ الجدران الغامقة والإضاءات الخافتة اللي بتهيأك لكونك في مقبرة حقيقية، وبرضو جنب كل مومياء هتلاقي جدارية أو شاشة فيها كل المعلومات عنها، زي قصة حياتها ووفاتها وإزاي ماتت والأمراض اللي كانت بتعاني منها وهكذا.
واللي هيبهرك في المكان ده إنك هتعرف إن المتحف مش معمول لعرض المومياوات كده وخلاص، ومش بس قاعة المومياوات، المتحف ككل بيعتبر صرح علمي لكل دارسي التاريخ والآثار والباحثين في علم المصريات كله، هتلاقي كمان غرفة مصاحبة لقاعة المومياوات الملكية بيتم فيها تعقيم المومياوات وتجهيزها للعرض، وبالمناسبة الغرفة دي مش موجود منها غير تلاتة بس في العالم، واحدة في متحف اللوفر في باريس، والتانية في متحف اللوفر في أبوظبي، والتالتة هنا في متحف الحضارة في مصر، وفي الغرفة دي بيتم فيها تعقيم 20 مومياء مع بعض في نفس الوقت عن طريق التعقيم بالنيتروجين، وغير غرف التعقيم هتلاقي كمان غرف تحت الأرض لترميم الآثار المصرية في أي وقت يحتاج فيها أي أثر أو معلم للترميم.