بقالك شهور منتظم على ارتداء الكمامة بصفة يومية وأنت نازل من البيت حرصًا على صحتك، والمرة الأولى اللي تقرر إنك تنزل من غيرها تتعدي فيها، معتاد تركب أتوبيس معين عشان تزور حد من أهلك، وكل يوم وأنت رايح شغلك أو جامعتك، تلاقي الاتوبيس معدي من قدامك، لأ وإيه، فاضي كمان، تيجي بقى في اليوم اللي أنت نازل فيه تدور على الأتوبيس، مافيش، ولما تلاقيه جي عليك تبقى الناس طالعة منه من كتر الزحمة، الشتا دخل وقررت تلبس تقيل عشان ما تبردش، وكل يوم تنزل فيه، الجو يحرر بشكل غير طبيعي، ولما تقرر تخفف، تكتشف إنك ماشي بتكتك من كتر السقعة.
ممكن تفتكر إن اللي بيحصلك ده نتيجة مؤامرة كونية عليك، بس الحقيقة إن معظم المواقف المؤسفة دِه وغيرها كتير، بيفسرها البعض من خلال قانون “ميرفي Murphy”، واللي بيقول “أي خطأ في احتمال انه يحصل، يبقى هيحصل”.
قوة التسارع
قبل ما نتكلم عن قانون ميرفي دلوقتي، خليني أقولكم أن فيه ناس في الشارع مشغلة طبلة ومزمار، مع أن مكنش فيه صوت من الصبح، أنا لسه مقرر حالًا أني أقعد أسجل، مش عارف أنتو سامعنها دلوقتي ولا لأ، بس ده أبسط مثال على اللي هنتكلم فيه النهارده.
من ساعة ما طلع علينا أحمد أمين في مسلسل “ما وراء الطبيعة”، والناس بقت تسأل عن قوانين ميرفي، هل ده عالم حقيقي ولا شخصية خيالية مثلًا ضمن الحبكة الدرامية.
في الواقع ميرفي هو شخصية حقيقية لضابط مهندس في الجيش الأمريكي، مقولته المأثورة اللي اتحولت لقانون بعد كده، وُلدت في قاعدة عسكرية بالولايات المتحدة الأمريكية في منتصف القرن الماضي ضمن تجربة عجيبة ومليانة بالغرائب، بترجع بداية القصة لعام 1949 ميلاديًا بقاعدة “إدواردز Edwards” الجوية في كاليفورنيا، في الوقت ده كان فيه ضابط في القوات الجوية حاصل على دكتوراه في الطب وعالم في الفيزياء الحيوية اسمه، جون بول ستاب John Paul Stapp.
ستاب ده كان عنده شغف لدراسة آثار قوة التسارع والتباطؤ على البشر، وكان بيأمل في الوصول لتقنيات جديدة تساعد على توفير بيئة آمنة للطيارين العسكريين، وفي نفس الوقت كان عنده رغبة إنه يكتشف لأي مدى ممكن الإنسان يتحمل قوة التسارع أو الـ G-force، واللي بيتعرض لها الطيار أثناء المناورات بالسرعات العالية، والحقيقة موضوع الـ جي فورس ده مرعب لأقصى درجة.
وعشان نبسط الموضوع، جاذبية الأرض بتأثر على كل واحد فينا بمقدار 1G، لكن لو تسارعت أجسامنا في أي اتجاه، بتحاول أجسامنا تقاوم التغيير ده وساعتها بتحس بتقل وبضغط شديد، زي بالضبط لو راكب عربية وسرعت جامد تحس إن جسمك بينضغط جوا الكرسي، ولو راكب طيارة وارتفعت بيك مرة واحد بسرعة عالية هتحس بضغط شديد لدرجة إن مجرد رفعك لإيدك هتبقى عملية صعبة، وبالرغم من متعة الشعور اللي بتحس بيه وأنت بتسرع مرة واحدة بالعربية، إلا إن لو قوة التسارع زادت عن حدها ممكن تؤدي لعواقب مش ممكن تتخيلها، طيب لأي حد ممكن يتحمل الإنسان قوة التسارع؟.
زلاجة صاروخية
في اربعينيات القرن الماضي، كان الاعتقاد السائد إن الإنسان ما يقدرش يتحمل أكتر من 18Gs، وأن اكتر من كده هيؤدي لكسر كل عظمة مع عظام جسمه من كتر الداخل، ومن هنا قرر “ستاب” انه يشتغل على مشروع بهدف دراسة مدى قوة التسارع اللي ممكن إنسان يتحملها، واتعرف المشروع ده بإسم المشروع MX981، صمم “ستاب” وفريق العمل زلاجة صاروخية وزنها 680 كجم، أطلقوا عليها إسم “جي ويز Gee Whiz”، الزلاجة دِه كانت بتتحرك على قضبان لمسافة 600 متر بسرعة تبدأ من 241 كم في الساعة وأنت طالع، وبمجرد ما توصل للسرعة المطلوبة بتفرمل الزلاجة الصاروخية مرة واحدة.
الفكرة هنا بقى، إن عشان تعرف قوة التسارع اللي ممكن إنسان يتحملها باستخدام النموذج ده، فأنت كده مش ناقصك غير متطوع، بس مين ممكن يخاطر بنفسه في تجربة زي دِه؟.
أسرع رجل على وجه الأرض
في البداية استعان فريق العمل بدمية بيقعدوها على الزلاجة ويربطوها بأحزمة الأمان، وشهدت المحاولات الأولى من المشروع عام 1947 فشل ذريع، مرة نظام الكبح ما يقدرش يوقف الزلاجة من أساسه وتطير من على القضبان، ومرة الزلاجة تقف بالفعل لكن الدمية نفسها تفك من أحزمة الأمان وتطير في الهواء، وهكذا، وبالرغم من تحسن النتائج بمرور الوقت، إلا إن فريق العمل على المشروع كان غير مقتنع بمصداقية النتائج؛ لأن في النهاية مافيش انسان حقيقي قاعد في الزلاجة، وبعد عدة تجارب أصر “ستاب” على استخدام متطوع بشري للتأكد من صحة التجارب، وقرر في النهاية إن هو اللي يتطوع بنفسه.
“ديفيد هيل David Hill” أحد مساعدي “ستاب” في فريق العمل والمسئول عن معدات القياس وجمع البيانات، صرح إن جميع المشاركين في المشروع رفضوا اقتراح “ستاب” خصوصًا وإن جميع الخبراء وقتها كانوا متفقين إن الموضوع في منتهى الخطورة، ومع ذلك أصر “ستاب” على التطوع مع أخذ الاحتياطات اللازمة والانتفاع من التجارب السابقة، أول تجربة قام بيها انطلقت فيها الزلاجة بسرعة 321 كم في الساعة قبل ما تتوقف مرة واحدة عشان توصل قوة التسارع على جسمه لـ 35 G.
وبحلول عام 1951 كانت الزلاجة الصاروخية تمت 74 تجربة بشرية ناجحة، وفي الوقت ده كان تعرض “ستاب” لمجموعة من الإصابات منها على سبيل المثال لا الحصر، كسور في العظام، ارتجاج في المخ، نزيف في شبكية العين، فتق في البطن وكسر في الترقوة، وأدت الإصابات دِه لدخوله المستشفى لفترات طويلة، حل محله فيها متطوعين آخرين، لكن بمجرد تعافيه كان بيرجع “على الزلاجة مرة تانية”.
وفي عام 1952 خد التجربة لمستوي جنوني لما انطلق بالزلاجة بسرعة 1017 كم في الساعة، قبل ما يقف مرة واحدة مع قوة تسارع وصلت لـ 43 G، وعشان تجمع معايا، فالتجربة دِه أقرب لواحد ماشي بعربية على سرعة 193 كم في الساعة ولبس مرة واحدة في حيطة، وبالرغم من حصده لقب “أسرع رجل على وجه الأرض” إلا ان”ستاب” بعد التجربة دِه، جاله عمى مؤقت لمدة ساعة إلا ربع وقعد ينزف من عينه بخلاف الكسور اللي في جسمه.
طيب فين بقى دور ميرفي من كل الموضوع؟
قانون ميرفي
في الوقت اللي “ستاب” كان شغال فيه على مشروعه، كان ميرفي شغال على مشروع تاني متعلق بجهاز طرد مركزي، وكان مشارك في تصميم نظام استشعار جديد ومميز، ولما سمع “ستاب” عن المشروع اللي “ميرفي” شغال عليه، طلب منه لو يقدر يوفر حاجة مماثلة تديله بيانات أكثر دقة في مشروعه.
وكان المميز في أجهزة ميرفي إن ممكن استخدامها على الحزام اللي بيثبت “ستاب” على الزلاجة، ومن خلالها يقدروا يقيسوا مقدار قوة التسارع بدقة شديدة لحظة توقف الزلاجة مرة واحدة، وهي العملية اللي هتدي التجربة ونتائجها مصداقية أكبر، وكان يوم التجربة باستخدام أجهزة استشعار ميرفي، هو اليوم اللي شهد مولد قانونه، لكن ياترى إيه اللي حصل بالضبط؟
فيه أكتر من رواية عن الواقعة وكل واحدة فيهم بتفاصيلها، أقربها للصحة بتتكلم إن بعدما الزلاجة انطلقت بـ “ستاب” ووقفت في النهاية بسلام، خرج “ستاب” وهو متألم وعنيه مليانة دم ومستني يعرف النتيجة، لكنه اكتشف إن أجهزة الاستشعار مسجلتش أي بيانات بالمرة، وإن التجربة كانت على الفاضي، ولما عاين ميرفي التوصيلات الخاصة بالأجهزة، اكتشف إنها متوصلة بشكل غير صحيح، فكل مستشعر كان فيه طريقتين لتوصيله، وكل واحد فيهم تم توصيله بشكل غلط.
هنا، زعق “ميرفي” في الفني اللي قام بتثبيت أجهزة الاستشعار، وقال فيما معناه “لو هناك طريقتان لفعل شئ ما إحداهما ستؤدي إلى كارثة، فسيفعلها شخص ما بهذه الطريقة”، وهي ده الصيغة الأصلية لقانون ميرفي، ويقال إنه بعد الواقعة دِه، قرر تعديل تصميم أجهزة الاستشعار بحيث يبقى تثبيها مالوش غير طريقة واحدة بس، يعني ببساطة مش هينفع تركب غلط مهما حاولت.
وفي المؤتمر الصحفي اللاحق للتجربة، أشاد دكتور “ستاب” بـ ميرفي وبروز كلمته المأثورة أثناء التجربة وقال إن معناها ببساطة “أي خطأ في احتمال إنه يحصل، يبقى هيحصل”، وده كل اللي احتاجه قانون ميرفي عشان يظهر في المنشورات المتعلقة بالطيران والفضاء وبعدها يشق طريقه للثقافة الشعبية وحتى يتحول لكتب كاملة في السبعينيات.
و بالرغم من إن المقولة أو القانون ده بيُنسب لميرفي، إلا ان مفهومها وفكرتها موجودة ما بينا من مئات السنين باختلاف توصيفها، بل ان توصيفها حرفيًا تقريبًا اتذكر قبل ظهور ميرفي بسنين طويلة.
قانون سود
مؤدي الخدع السحرية “أدم هال شيرك Adam Hull Shirk” كتب في مقالة عام 1928، “في أي استعراض سحري، 9 من 10 أشياء خاطئة ممكن حدوثها، غالباً ما ستحدث بالفعل”، وحتى من قبل “شيرك” كان قانون ميرفي معروف بإسم “قانون سود Sod’s Law” واللي بيقول “اي شئ سئ ممكن يحصل للفقير سود، هيحصل بالفعل”، والحقيقة إنه ولحد النهاردة مازال الإنجليز في بريطانيا بيشيروا لقانون ميرفي باعتباره “قانون سود”، وده معناه أن الموضوع نفسه له جذور في ثقافة كل شعوب العالم تقريباً، والقصة نابعة في الأساس من فكرة المؤامرة الكونية أو الحظ العثر اللي بيواجه كل انسان فينا أحياناً، والحقيقة ان القانون بيستمد أهميته مننا احنا لأننا احنا اللي بنفكر فيه مع أي موقف سئ يقابلنا.
يعني تلاقي الواحد ما بيفكرش ان يومه عدى على خير أو انه لقى فردتين الشراب الصبح النهاردة مع بعض أو لقى طريقه سلس وماشي، إنما يفكر فيها ويقعد يعيد ويزيد لما مايلاقيش فردتين الشراب أو الطريق يبقى واقف، وقتها يبدأ يدور على الأسباب واحتمال يكون فيه مؤامرة كونية عليه.
وفي النهاية المسألة ببساطة قضاء وقدر نعمل اللي علينا ونُسلم لقضاء الله.