الشلالات واحدة من أجمل الظواهر الطبيعية الموجودة في العالم، والسياح اللي بتحب المناظر الطبيعية بتشد الرِحال للبلاد اللي بتتمتع بالظاهرة الطبيعية الجميلة دي.
مشهد عظيم وساحر بتظهر فيه الطبيعة في أقصى درجات التناغم والجمال، لما تلاقي أطنان من المياه بتتساقط من بين الصخور الصلبة أو من أعلى حافة جُرف.
اكتشاف شلالات الدم
في عام 1911 وعلى بعد آلاف الكيلومترات في قارة انتاركتيكا المتجمدة، وأثناء رحلة استكشافية اكتشف المستكشف الأسترالي “جريفيث تايلور Griffith Taylor” شلالات الدم، أطنان من المياه لونها أحمر بتتدفق بغزارة من على ارتفاع 100 متر تقريبًا، والشلالات دي مصدر تدفقها نهر تايلور الجليدي الذائب اللي موجود في منطقة من القارة المتجمدة إسمها وادي “مكموردو McMurdo” الجاف، وهو أكبر مناطق القارة المتجمدة الخالية من الثلوج، لكنه في نفس الوقت من أكتر الأماكن برودة وجفاف في العالم كله.
والوادي خالي من الثلوج بسبب سلسلة الجبال العابرة للقارة المتجمدة بتمنع ثلوج الهضبة القطبية من الانحدار باتجاه وادي مكموردو، وتمت تسميته على إسم المستكشف الأسترالي جريفيث تايلو، وهو مستكشف وعالم انسانيات بريطاني، اتولد في الأول من ديسمبر 1880 في مدينة “والثامستو Walthamsto” الإنجليزية، والسبب اللي خلى تايلور ينضم لفريق استكشاف قارة انتاركتكيا المتجمدة الجنوبية إنه كان عاشق للقارة دي، وكانت أول رحلاتهم الاستكشافية هي رحلة “تيرا نوفا Terra Nova” واللي خلالها اكتشف تايلور وأعضاء فريقه شلالات الدم.
سبب تسميته بشلالات الدم
لما اكتشف تايلور واصحابه الشلالات حاولوا يحلوا لغز الشلالات اللي أطلقوا عليها فيما بعد إسم شلالات الدم، والتفسير اللي قدروا يوصولوا تم إثبات إنه تفسير خاطئ فيما بعد، والحقيقة كان فيه سببين رئيسيين في إن تفسير تايلور وزملاؤه كان تفسير خاطئ، أول سبب هو إن المعدات والتقنيات اللي كانت متاحة ليهم وقتها، واللي ساعدتهم على فهم الظاهرة وتفسيرها كانت متواضعة جدًا، والسبب التاني هو الانخفاض الشديد في درجة الحرارة اللي متوسطها تقريبًا 17 درجة تحت الصفر، وبالتالي كان جزء بسيط فقط من النهر الجليدي هو اللي ذائب بالفعل، وده ما سمحش للباحثين والمستكشفين دول يعرفوا إيه طبيعة التكوينات الجيولوجية الموجودة أسفل النهر، واللي لو عرفوها كان من الممكن يوصولوا لتفسير أقرب للصحة.
وكان تفسير هم وقتها هو وجود تكوينات جيولوجية معينة أسفل نهر تايلور المتجمد، والتكوينات دي بتحتوي على كمية هائلة من الطحالب اللي أثناء ممارستها للعمليات الحيوية بتتحول للون أحمر داكن، ومع ذوبان المياه في التكوينات الجيولوجية دي وبالتالي تدفق الشلال منها بتتحول مياه الشلال للون الأحمر.
هي دي النظرية اللي حاولوا من خلالها يفسرو ظاهرة الشلال الأحمر، والتفسير ده فضل سائد لغاية سنة 2017؛ لأنه في سنة 2017 وعلى يد باحثين من مجلة “عالم الجليد-Journal of Glaciology”، تم التوصل لتفسير مختلف وأقرب للصحة لظاهرة شلالات الدم، والحقيقة أنه قبل نشر دراسة باحثي مجلة علم الجليد في 2017، كان فيه كتير من الانتقادات الهامة اللي اتوجهت لتفسير فريق رحلة تيرا نوفا الاستكشاف، ربما أهم الانتقادات هو إن تايلور ورفاقه ما قدموش أي تفسير لتدفق النهر أصلاً؛ يعني المفروض إن ده نهر متجمد موجود في وادي درجة الحرارة فيه 17 تحت الصفر؛ فـَ يا ترى ايه السبب في ذوبان مياه النهر المتجمد اللي بتخليه يتدفق منه شلال جميل أو مخيف، على حسب موقف كل واحد من اللون الأحمر، بالإضافة أن الشلال بيتدفق من أعلى وادي مكموردو طول أيام السنة يعني مش في موسم الصيف بس اللي ممكن نقول درجة الحرارة بترتفع فيه، وحتى ده مش ممكن يكون رد لفريق تايلور الاستكشافي على الانتقادات دي؛ لإنه حتى في فصل الصيف وادي مكموردو الجاف درجة الحرارة فيه بتكون تحت الصفر، وفي الحقيقة فضل السؤال ملهوش أي إجابة لا عند تايلور ولا زملاؤه ولا أي حد جه بعدهم لغاية سنة 2017.
تكوينات جيولوجية
الدراسة اللي اتنشرت في إبريل 2017 على موقع مجلة عالم الجليد، كانت نتاج عمل مجموعة من الباحثين من ضمنهم مسكتشفة مؤسسة ناشيونال جيوجرافيك المعروفة “إيرين بيتيت Erin Pettit”، والحقيقة إن الدراسة الأخيرة كانت متشابهة في بعض الجوانب في تفسيراتها للظاهرة مع تفسير تايلور جريفيث ورفاقه، ومن ضمن أوجه التشابه مثلاً أن فريق تيرا نوفا اقترح إن فيه تكوينات جيولوجية تحت النهر الجليدي هي السبب الرئيسي في ظاهرة الشلال الأحمر، صحيح ما قالولناش إيه طبيعة التكوينات الجيولوجية، لكن الراجل كان عنده حق في فكرة إن السبب الحقيقي لظاهرة الشلال الأحمر، وزي ما وضحنا، السبب الرئيسي في قصور نظرية فريق تايلور الاستكشافي عن تفسير سبب إحمرار الشلال هو عدم توافر التقنية اللي تسمح لهم بالتفسير، وفي عام 2017 طبعًا تقنيات استكشاف طبقات الأرض وتكويناتها الجيولوجية أصبحت متطورة إلى أبعد حد، وبسبب التقنيات دي الباحثين اللي أعدوا الدراسة الجديدة قدروا يعرفوا إيه التكوينات الجيولوجية الموجودة أسفل النهر، واللي قلنا إنها المفروض هتحمل كل الإجابات اللي محتاجينها، وقد كان بالفعل.
البحيرة الحبيسة
أسفل نهر تايلور الجليدي فيه بحيرة حبيسة ومعزولة عن العالم الخارجي، والبحيرة دي بشكل ما هي سبب في كون مياه الشلال لونها أحمر، لكن مش لأن الطحالب اللي عايشة في البحيرة هي اللي بتحول لون مياه الشلال للأحمر، وإنما لسبب تاني مختلف تمامًا هنعرفه كمان شوية، البحيرة دي أُطلِق عليها بحيرة “بوني- Lake Bonney” طولها تقريبًا 7 كيلو متر وعرضها يقرب من الـ 900 متر، وفي منتصف البحيرة تقريبًا فيه تل جليدي صغير بعرض 50 متر بيقسم البحيرة لنصفين؛ ولذلك أصبح عندنا بحيرة بوني شرقية وأخرى غربية، وفي أقصى شمال وأقصى جنوب البحيرة فيه قمم جبلية متجمدة بيصل ارتفاعها 1500 متر، وما بين القمم الجبلية المتجمدة دي وبالتحديد فوق بحيرة بوني الغربية، بنلاقي نهر تايلور الجليدي اللي بيتدفق منه الشلال الأحمر.
والبحيرة دي أصبحت بتحظى باهتمام بالغ وكثير من الدراسات اتنشرت عنها مؤخرًا؛ وده لأن عمرها 2 مليون سنة تقريبًا ومن وقتها وهي معزولة عن العالم الخارجي تمامًا ومش بيصلها أي أكسجين، ولكن على الرغم من كده العلماء اكتشفوا نظام بيئي فيه كائنات دقيقة عايشة في البحيرة من مئات الآلاف من السنين، وبناء عليه العلماء بيعتقدوا إنها بتحتوي على معلومات مهمة جدًا عن كل القارة المتجمدة، والحقيقة ده دفع وكالة ناسا لتصميم روبوت وارسلته في بعثة طويلة الأمد لاستكشاف الحياة والنظام البيئي الموجود في البحيرة العجيبة دي؛ وده لأن علماء وكالة ناسا بيعتقدوا إن خصائص البحيرة دي بتتشابه إلى حد كبير جدًا مع خصائص المحيط اللي اكتشفوه على قمر كوكب المشتري.
بحيرة عذبة أم مالحة
الباحثة الرئيسية في الدراسة المنشورة مؤخرًا “جيسيكا برادجيليJessica Bradgeley”، وصفت التفسير اللي بيقول إن وجود طحالب بتحول لون المياه للأحمر ده تفسير سطحي جدًا، وإن ده السبب اللي دفعهم للبحث عن تفسير أكثر دقة، وملخص الدراسة إن البحيرة الحبيسة تحت النهر الجليدي بتحتوي على تركيز عالي من الأملاح وغير مألوف في بحيرة المفروض إنها بحيرة عذبة مش مالحة، والمياه اللي تركيز الأملاح فيها عالي بيتجمد عن درجة حرارة أقل من المياه اللي تركيز الأملاح فيها أقل، وأثناء تجمد المياه ذات التركيز العالي من الأملاح بتطلق كميات معتبرة من الطاقة الحرارية، والطاقة الحرارية المنطلقة من البحيرة أثناء التجمد بتؤدي لذوبان مياه النهر الجليدي الموجود فوقها وتخليه يبدأ في الانسياب والتدفق؛ ده بالإضافة لاكتشاف مهم توصل له الباحثين من مجلة عالم الجليد، والاكتشاف ده مفاده إن البحيرة اللي لا عارفينها عذبة ولا مالحة دي، بتحتوي على تركيز عالي جدًا من الحديد كمان، والاكتشاف ده مهم جدًا؛ لأنه يعتبر السبب الرئيسي في كون مياه شلال نهر وادي مكموردو حمراء اللون.
الطاقة الحرارية اللي بتنتج أثناء تجمد المياه عالية التركيز من الأملاح بتدوّب النهر الجليدي، وخلال العملية دي يبدأ النهر إنه يتشقق وبالتالي ده بيسمح لمياه البحيرة بالاندفاع لأعلى وبتختلط بمياه النهر اللي بيتدفق منه الشلال؛ والنتيجة لاختلاط مياه البحيرة اللي بتحتوي على كميات كبيرة من الحديد بمياه النهر، الشلال المتدفق من أعلى وادي مكموردو الجاف بيتحول للون الأحمر، طيب ازاي برضو؟
السبب الحقيقي وراء اللون الأحمر
اللي بيحصل بكل بساطة إنه بعد اختلاط مياه البحيرة بمياه النهر بتتعرض بطبيعة الحال للأكسجين اللي موجود في الجو؛ ولأن مياه البحيرة بتحتوي على تركيز عالي جدًا من الحديد، فبمجرد ما يتعرض للأكسجين اللي موجود في الجو بيتأكسد الحديد وبيتحول للون أحمر داكن؛ وده السبب الحقيقي اللي بيخلي المياه المتدفقة من أعلى وادي مكموردر حمراء اللون، وبكده تكون الدراسة الأخيرة حلت لغز دام من 1911 لغاية 2017، يعني قعدنا حوالي أكتر من 100 سنة فاهمين موضوع الشلال الأحمر ده غلط خالص، رغم أن الموضوع تفسيره وفهمه مش معقد إطلاقًا زي ما شفنا، والحقيقة لو ده بيعلمنا حاجة فبشكل أساسي هيكون الدرس إننا كبشر ما نتغرّش بمعرفتنا مهما زادت؛ لأنه في النهاية “وفوق كل ذي علم عليم”.