في يوم مُشمس من أيام الصيف، كان شمشون بيلف طول النهار علشان يخلص طلبات البيت، وبمجرد ما وصل بيته حس إنه مُجهد ومش متظبط خالص، وشوية وبدأ يحس بحرارة جسمه العالية، وهنا قرر إنه يتصل بصاحبه العزيز نعناع ويقوله على اللي فيها، وعلى الجانب الأخر صديقنا نعناع مكدبش خبر، وراح فورًا لصديقه شمشون، بس عقبال ما وصله، كانت علامات التعب ظهرت على شمشون أكتر، والحرارة هي كمان زادت، لكن الغريب إن شمشون كان عمال يقول أنا سقعان، أنا متلج!
نعناع إستغرب شوية من الجملة دي، لكنه بالرغم من كده قام وجابلوا كل بطاطين البيت عشان يدفيه، والحمد لله بعد العلاج والكمدات بدأ شمشون يتحسن ويبقى عال العال، وهنا نعناع ابتدا يفكر هو ليه معظمنا لما بيجلنا سخونية بنحس ببرودة شديدة وإن جسمنا متلج، وده بالرغم من إن حرارتنا في الوقت ده بتكون بالفعل عالية، ياترى الحالة دي بتحصل ليه، وإمتى الحُمى اللي من النوع ده تكون دليل ومؤشر خير، وإمتى تكون بالفعل مؤشر على وجود خطر؟
سبب الحُمى
العقل والمنطق بيقولوا إن لما حرارة جسمنا تبقى منخفضة نسقع، ولما حرارة الجسم تبقى مرتفعة نتحر، لكن الحقيقة مش دايمًا المنطق البسيط بيسري في كل شئ، وخصوصًا لو الشئ ده هو جسم الإنسان؛ وده لأن جسم الإنسان له ديناميكيته الخاصة اللي بيتعامل بيها مع أي شئ بيطرأ عليه، وبيكون قادر إنه يتعامل بطريقة مختلفة ومميزة، عشان يحافظ على نفسه.
وخلينا في البداية نفهم هو ليه أصلاً الجسم بيسخن وحرارته بتعلى عن معدلها الطبيعي واللي هي 37 درجة مئوية، حرارة الجسم المرتفعة بتكون عبارة عن رد فعل طبيعي جدًا من الجسم في حالة إنه يكون بيتهاجم من أي مُسبب مرضي؛ وده لأن معظم الفيروسات والبكتيريا بتواجه صعوبة بالغة في إنها تفضل على قيد الحياة فوق درجة حرارة جسم الإنسان العادية، وعشان كده الجسم بيستغل النقطة دي كويس جدًا ويبدأ يرفع من حرارة الجسم، وبمجرد ما بيحس بأي إعتداء أو هجوم من البكتريا أو الفيروسات، بيبدأ فورًا في رفع درجة الحرارة وده عشان يصعب عليهم المُهمة دي عليهم، ويبدأ يقتل في الكائنات الدقيقة، اللي كانت السبب في الهجوم ده من الأساس.
ومن المدهش إن إرتفاع درجة الحرارة بمقدار درجة أو درجتين، واللي ممكن يبدوا لينا شئ بسيط، فـ الدرجتين دول في عالم الكائنات الدقيقة ممكن يكونوا سبب في القضاء على أنواع عديدة منهم، وعلى مر الزمن والحُمى والسخونية، بيتم إعتبارهم من أهم الوسائل الدفاعية، اللي الجسم بيلجألها عشان يدافع بيها عن نفسه، وبكده العطل الغريب اللي بيحصل في جسمنا (من وجهة نظرنا طبعاً)، وهو إن حرارتنا تعلى، ما هو إلا علامة على إن جسمك شغال بكل طاقته، وبيحارب في الجبهة الصح، عشان يحافظ عليك.
سبب إحساسنا بالبرودة
طيب بنسخن وحرارتنا تعلى كنوع من أنواع المقاومة وفهمناها، طيب إيه بقى اللي يخلي الجسم وهو أصلاً حرارته مرتفعة، يحس بالبرودة؟، هو الواقع البرودة اللي من النوع ده بتكون ناتجة عن المسار اللي الجسم بيسلكه عشان يوصل للحرارة العالية المطلوبة، واللي عندها هيقدر يقاوم المُسبب المرضى، طيب يعني إيه الكلام ده، يعني إيه البرودة مسار بيؤدي للوصول إلى الحرارة العالية؟.
بص يا سيدي، عشان الجسم يدي الأمر بزيادة درجة الحرارة، في البداية بتكون عند (الجهاز المناعي)؛ لأن الجهاز المناعي بيفرز مجموعة من الجزيئات بيطلق عليها إسم البيروجينات pyrogens أو مُولدات الحمى، وبتبدأ الجزيئات دي بشكل تتفاعل بشكل مباشر مع منطقة الغدة النخامية The hypothalamus أو منطقة تحت المهاد في الدماغ، والمنطقة دي تحديدًا هي اللي بتعتبر المنظم الرئيسي لدرجة حرارة الجسم، وأول حاجة بتعملها إنها بتعيق أو بتقفل الخلايا العصبية الحساسة للحرارة؛ عشان ما تتأثرش بالإرتفاع الكبير اللي هيحصل في درجة الحرارة، وبعد كده بتدي أمر لباقي الجسم بإنه يبدأ في العمل ككيان واحد، وده في محاولة منه لتوليد حرارة إضافية.
وكنتيجة للإشارات دي الجسم بيعمل حاجة غريبة جدًا، الخلايا العصبية الحساسة للبرودة بتتحفز، وبيبدأ الجسم يولد طاقة عن طريق الإرتجاف والرعشة، وكذلك بيحصل زيادة في إنقباضات الأوعية الدموية القريبة من سطح الجلد، وكمان إنقباضات في العضلات، والأسباب دي مُجتمعة، هي اللي بتخلي الشخص المريض يحس بالبرودة وبيبقى عايز يلبس تقيل ويتغطى بأكبر عدد من البطاطين، لكن طبعًا اللي حصل ده هو مجرد (نشاط إرتجافي مؤقت) بيشجع على رفع درجة حرارة الجسم.
ومن الجدير بالذكر، هو إنه بالرغم من كون إرتفاع درجة الحرارة مؤشر خير على إن الجسم بيبذل جهده في محاربة المرض وبيُعيق من نمو مُسبباته زي ماقولنا، لكن للأسف بالرغم من كده، مفيش حرب وملهاش خساير، والتغيير في حرارة الجسم شئ مش هين بالمرة وبينتج عنه أعراض كتير ، و من ضمنها إنخفاض نسبة المياه، واللي بالفعل بيفقدها المريض عن طريق التَعرُق الزيادة في الوقت ده، وكذلك البروتين اللي في الجسم بيبدأ يتحلل أسرع من المُعتاد، وده اللي بيؤدي لزيادة إفراز المنتجات النيتروجينية في البول، لكن كل الأعراض دي بتختفي وبيرجع كل شئ لطبيعته مع بداية إنخفاض درجة الحرارة من تاني، وحتى الرعشة والإرتجاف اللي المريض كان حاسس بيهم بيتحولوا لدفء ورطوبة في الجلد بشكل ملحوظ.
مدة إستمرار الحُمى والإرتجاف
طيب خلينا دلوقتي نطرح سؤال وارد جدًا، ياترى لو الحرارة منزلتش، لحد إمتى رعشة الجسم دي هتفضل مستمرة؟، الحقيقة مدة الحمى والرعشة اللي بتكون مُصاحبة لإرتفاع درجة الحرارة، بتعتمد في المقام الأول على سبب الحمى، فمثلاً لو كان السبب فيروس ضعيف، فـ الحُمى ممكن تستمر لمدة يوم واحد، لكن في بعض الحالات، الحمى ممكن تستمر أسابيع وتوصل لشهور كمان، وأفضل شئ المريض يقدر يعمله في بداية السخونية، هو إنه يقوم بدور المحقق، ويحاول قدر الإمكان إنه يحدد مصدر الحرارة العالية دي، والحمى مُسسباتها كتير، لكن من أشهر المُسببات دي هي العدوى البكتيرية، أو في بعض الأحيان، حالات الإلتهاب، زي إلتهاب المفاصل الروماتويدي أو إلتهاب بطانة المفاصل أو أحد الأورام الخبيثة.
ده غير إن الأدوية في حد ذاتها ممكن تكون سبب في الحمى، فعلى سبيل المثال، ممكن بعض المضادات الحيوية والأدوية المستخدمة لعلاج حالات إرتفاع ضغط الدم أو النوبات القلبية، وكتير من التطعيمات كمان، بيصاحبهم إرتفاع مباشر في درجة الحرارة، يعني لو أخدت دوا معين، وبعدها درجة حرارتك إرتفعت فالدوا اللي إنت لسه واخدة ده ممكن يتم الإشارة إليه بأصابع الإتهام بإنه السبب في إرتفاع درجة حرارتك، ده غير إنه قبل كل الحاجات دي، الفيروسات بتعتبر من أول وأهم المُسببات المرضية الرئيسية للحمى.
إمتى نلجأ للطبيب؟
طيب إمتى بقى الحُمى تكون مؤشر خطر ويبقى لازم نلجأ للطبيب؟، اللي بيأكده الأطباء إن لكل مرحلة عمرية، درجة حرارة حرجة ماينفعش نتخطاها، ولو المريض وصلها، فلازم يبدأ فورًا يعرض نفسه على الطبيب المختص، يعني في حالة الرضع والأطفال مثلاً على سبيل المثال، واللي عمرهم بيكون أقل من 3 شهور ، لما تزيد درجة الحرارة عن الـ 38 درجة مئوية لازم يزورا الطبيب فورًا، أما بالنسبة للي أعمارهم بين 3 و 6 أشهر، فلما تزيد الحرارة عن 38.9 درجة مئوية، وفي حالة الأطفال والمراهقين اللي عمرهم من سنتين لـ 17 سنة، بعد ما تزيد الحرارة عندهم أيضًا عن 38.9 درجة مئوية.
وأخيرًا في حالة البالغين، فلو الحرارة كانت بين 37.7 لحد 37.9، ومكنش في أي أعراض تانية تانية، ففي غضون أيام بس ومع بعض الأدوية خافضة الحرارة، الحمى بتخف تلقائيًا، وكذلك الرعشة المُصاحبة ليها، وكل اللي يعمله المريض المُصاب بالحمى في الوقت ده هو الراحة وشرب أكبر قدر من السوائل، وده عشان يتجنب الإصابة بالجفاف، وعلى الرغم من إن مريض الحُمى بيكون سقعان، إلا إن من أهم النصايح اللي بيقدمها الأطباء، هو إنه مايتقلش ومايزودش في الهدوم والبطانيات اللي هيتغطى بيها.
وأخيرًا كل اللي ذكرناه ده كان في حالة إن حرارة الجسم أقصى درجة ليها هي 37.9 درجة مئوية، لكن في حالة بقى إن الحرارة توصل لأعلى من 39.9 درجة مئوية، وصاحِب الحرارة دي أعراض زي؛ الإرتباك أوالصداع أو تصلب في الرقبة، أوظهور أي بقع حمرا أو موف مُسطحة صغيرة على الجلد، أو إنخفاض في ضغط الدم وزيادة في سرعة ضربات القلب أو التنفس السريع أو ضيق التنفس، ففي الحالات دي كلها، لازم الشخص يتوجه للطبيب؛ نظرًا لإن الأعراض دي في العادة بتكون مؤشر على خطورة الحالة، وإنها مش بس مجرد شوية سُخونية وهيروحوا لحالهم.
وربنا سُبحانه وتعالى يَشفي ويَعفو عن الجميع بإذن الله.