كلنا بلا إستثناء بنلاحظ مواقف غريبة بتحصل معانا كل يوم متعلقة بالأكل، أي حد فينا لو رجع البيت بعد يوم طويل ولم يجد طعام يشعر بشكل لا إرادي إننا عصبيين وغير قادرين على الدخول في نقاش مع أي شخص وبنكون في حالة مزاجية غير عادية ومش قادرين على التركيز في أي شئ، وكتير ما نسمع جمل زي “اقفل بس دلوقتي لحد ما أكل علشان أبقى مركز معاك”، أو “تعالى ناكل حاجة الأول وبعدين نكمل كلامنا”وغيرهم، لكن ياترى إيه السبب؟ ليه بنكون عصبيين زيادة وإحنا جعانين، وهل الشخص اللي بيبقى جعان بيكون فعلاً متعصب غصب عنه ولا الموضوع فيه شئ من المبالغة.
الحياة حلوة وإحنا شبعانين
عشان نفهم الموضوع من أوله، لازم نفهم الأول ايه الل بيحصل داخل الجسم أثناء الشبع ومقارنته بحالات الجوع، في وقت تناول الطعام وبمجرد وصول الطعام لمرحلة الهضم، تبدأ أهم العناصر الغذائية الموجودة في طعامنا سواء الكربوهيدرات أو البروتينات والدهون، ويتم تحويلهم جميعًا لـسكريات بسيطة مثل الجلوكوز وأحماض أمينية وأحماض دهنية، وبعدما تتم عملية الهضم بنجاح تبدأ المواد البسيطة دِه بالوصول لمجرى الدم، ويجي بعدها دور الدم في إنه يوزعهم لكل أعضاء وأنسجة الجسم علشان ياخدوا طاقتهم منها، وطول الوقت اللي بتكون فيه المواد موجودة داخل الخلايا وبتمدهم بالطاقة؛ هتكون حاسس بإستقرار في كل شئ تقريبًا، بما فيهم الإستقرار النفسي والذهني.
فِسيولوجيا الجوع
بعد مرور وقت طويل على تناول أخر وجبة، تبدأ كمية العناصر الموجودة في مجرى الدم بما فيها الجلوكوز بالانخفاض تدريجًيًا، ولو انخفضت مستويات الجلوكوز في الدم تحديدًا تبدأ تظهر المشاكل، عقلك أول ما بيحس بنقص الجلوكوز عن مستوياته العادية بيتعامل مع الموضوع كأنه حالة طوارئ؛ لأن العقل مختلف عن باقي أعضاء الجسم، الأعضاء وأنسجة الجسم العادية لو مافيش غذاء داخلها من خارج الجسم، في الحالة دِه يقدروا بسهولة إنهم يحصلوا على طاقة من خلال مجموعة تانية من العناصر الغذائية الموجودة أو المُخزنة داخل الجسم بالفعل، وبالتالي يقدروا استكمال مهامهم بدون أي مشاكل.
أما الدماغ للأسف مايقدرش يعمل كده؛ لإنه بيعتمد إعتماد أساسي على الجلوكوز تحديدًا عشان يكون عنده القدرة على إكمال مهامه بكفاءة، ومع غياب الغذاء أو وجبات الطعام اللي بتمد الجسم بالجلوكوز بشكل مباشر، بيكون من الصعب على الدماغ إنه يحصل على الجلوكوز من أي مصدر آخر؛ لأنه بدوره بيأثر بالسلب على وظائف الدماغ الأساسية زي التحكم في النبضات وتنظيم الدوافع وردود الأفعال وغيرهم، وبسبب ده تلاحظ إنك وأنت جعان أول حاجة بتحصلك هي إنك بتفقد تركيزك وتكون في حالة مزاجية سيئة ودماغك حرفيًا بيُصبح مشوش.
إنت مكتئب وإنت جعان!
عند نقص السكريات والجلوكوز بوجه عام في الجسم، العقد ما بيقدرش يسكت وبيحاول بشتى الطرق التصرف لحد ما الأوضاع ترجع لطبيعتها، وفي الوقت ده بيدخل الجسم في حالة إسمها “الإستجابة التنظيمية المضادة للجلوكوز” أو “The glucose counter-regulatory response، والإستجابة بتبقى عبارة عن الآتي: أول ما بتنخفض مستويات الجلوكوز في الدم لحد معين، الدماغ بيبعت تعليمات لأكثر من عضو في جسمك للبدء بإفراز بعض الهرمونات اللي تقدر إنها تزود من كمية الجلوكوز في مجرى الدم من جديد، والهرمونات دِه عبارة عن 4 هرمونات رئيسية “هرمون النمو growth hormone وده بيتم افرازه من الغدة النخامية”، و”هرمون الجلوكاجون glucagon وده بيتم افرازه من البنكرياس”، وأخيرًا “الأدرينالين adrenaline” و”الكورتيزول cortisol”، وبيتم افرازهم من الغدد الكظرية، أينعم الهرمونات دِه تقدر تعوض الفقد اللي بيحصل في الجلوكوز، لكن خلينا نقف عند أخر هرمونين تحديدًا، الأدرينالين والكورتيزول يطلق عليهم هرمونات الإجهاد، وبيتم إطلاقهم في مجرى الدم في كل أنواع المواقف الصعبة اللي بنمر بيها، والأدرينالين على وجه الخصوص زي ما أغلبنا عارف إنه واحد من الهرمونات الرئيسية اللي بيتم إفرازها كاستجابة للقتال أو الهروب ومواقف الرعب المفاجئة، والكورتيزول كمان بيسبب العدوانية عند بعض الناس، وعشان كده وجود تلك الهرمونات بيساهم بشكل أو بآخر إن الشخص يكون مائل أكثر للعصبية والضيق في وقت الجوع، وممكن كمان يمر بحالات غضب وشعور عدواني.
دور الچينات
فيه كمان عامل مهم بيتسبب في حدوث نوبة الغضب أو العصبية وقت الجوع, وهو إن الجوع والغضب يخضعوا لسيطرة الجينات من خلال مصدر مشترك، وللتوضيح هنلاقي إن واحد من منتجات الچينات في الجسم هو “الببتيد العصبي Y أو neuropeptide Y”، وهو عبارة عن مادة كيميائية طبيعية يتم إطلاقها في الدماغ، في الوقت اللي الجسم بيكون في حاجة إلى طاقة، والهدف إنها تحفز شعورك بالجوع عشان تاكل، والموضوع بيتم عن طريق إن “الببتيد” يعمل على مجموعة متنوعة من المستقبلات الموجودة في الدماغ من ضمنهم مُستقبل إسمه Y1 أو Y1 receptor، الشاهد في الأمر إن الببتيد العصبي Y والمستقبل Y1 بجانب دورهم في تنظيم عملية الشعور بالجوع، فالإثنين لهم دور إضافي في تنظيم الشعور بالغضب والعدوانية، وهو أحد الأسباب اللي بتخلي شعور الجوع وشعور الغضب يكونوا مرتبطين، والموضوع يظهر أكثر خصوصًا عند الأشخاص اللي بيكون عندهم مستويات عالية من مادة الببتيد العصبي Y في الدماغ أو في الحبل الشوكي.
وأخيرًا بما إننا كلنا مختلفين في كل العوامل اللي ذكرناها؛ فمن الطبيعي جدًا إن يكون فيه إختلافات واضحة في مَدى غضب الأشخاص لما بيكونوا جعانين، عشان كده عادي جدًا إن بعض الناس لا يشعروا بالغضب والعصبية لما يجوعوا، غير إن بجانب الأسباب الفسيولوجية يوجد مجموعة من العوامل النفسية والإجتماعية مثل ثقافة الشخص وتربيته ودينه، كلهم بيكون لهم دور مؤثر في تفاوت مستوى المشاعر اللي من الممكن للشخص الشعور بها وقت الجوع، وهو ما توضحه الأبحاث بالفعل.
هل الجوع شئ مُضِر؟!
نسأل سؤال مهم، ياترى هل إحساسنا بالجوع فيه خطورة على صحتنا؟ الحقيقة شعور الجوع في الدقائق الأولى بيخلي الشخص يحس إنها نهاية العالم، لكن بعد فترة من الوقت تبدأ الإستجابة التنظيمية المضادة للجلوكوز تشتغل وتبدأ تستقر مستويات الجلوكوز في الدم، والعصبية والصداع يبدأوا بالإختفاء تدريجيًا، غير إنه في الليل لو دخلت تنام وأنت جعان؛ يبدأ جسمك يفكك مخازن الدهون الخاصة به عشان يحصل على طاقة، ويتم تحويل بعضها إلى “كيتونات” وهي عبارة عن ناتج التمثيل الغذائي للدهون، والكيتونات بالفعل تقلل شعورك بالجوع لأن عقلك يقدر يستخدمها بدلًا من الجلوكوز، وبسبب ده لما الجسم بيحس بالجوع ولو على فترات متقطعة، بيكون في حد ذاته شيء صحي، وخصوصًا لأصحاب الوزن الزائد، مش شرط عند شعورنا بالجوع نجري على المطبخ وناكل، ممكن نستنى شوية وخصوصًا إنه بعد دقائق معدودة هيبدأ شعور الجوع يتلاشى تدريجياً، وبعض أطباء التغذية بيقولوا عند الشعور بالجوع قم بشرب كوب ماء كبير أولًا، لأن من الممكن ماتكونش جعان في الأصل، لكن طبعًا مايمنعش إن الجوع لفترات طويلة يكون مصدر خطر حقيقي، وخصوصًا مع الأشخاص اللي بيعانوا من مشاكل صحية بالفعل.
إيه الحل؟
في النهاية نقدم بعض النصائح السريعة، ياترى لما أي حد فينا بيحس بالجوع إيه أول حاجة بنعملها؟ الإجابة ببساطة هي إننا بندور على أي حاجة سريعة ممكن تتاكل، شيكولاتة، بطاطس مقلية، إندومي، وغيره، لكن يؤسفني أقولك إن كل الأطعمة السريعة عمومًا أينعم بترفع فعلاً مستويات الجلوكوز في الدم وبشكل كبير كمان، لكن السرعة اللي بتعلي بيها الجلوكوز هي بالظبط نفس السرعة اللي هينخفض بيها، وهَتحس تاني بالجوع في وقت قليل جدًا، وده اللي هيخليك تلجأ مرة تانية لنفس الوجبات السريعة، وللأسف أضرارها الصحية مالهاش اخر، وعشان كده فيه بعض النصائح لو خلتها روتين في حياتك، صحتك النفسية والجسمانية هيكونوا فعلاً في أحسن حال.
لما تكون جعان فكر في أي وجبات خفيفة تكون غنية بالمغذيات والألياف في نفس الوقت، زي الشوفان والمكسرات وخصوصًا اللوز، أو إنك تلجأ للخضراوات والفاكهة، وأيضًا البقوليات وعلى راسهم العدس، كلها مواد غذائية من السهل تكون معاك في أي مكان، وفعلاً هتوفرلك إحساس بالشبع لأطول وقت ممكن.
تاني نصيحة هي إنك تاكل وجبات صغيرة كتير على مدار اليوم، ولو ماعرفتش حاول إن وجبات الفطار والغداء والعشاء تكون فعلاً مشبعة ومغذية في نفس الوقت، مارس رياضة بإنتظام حتى لو 10 دقائق في اليوم، اشرب مياه كتير، وأخيرًا خد كفايتك من النوم.