أي حد فينا لو خرج من بيته أيًا كانت المنطقة اللي ساكن فيها، بنسبة كبيرة لازم هيشوف قطة أو كلب ماشين في الشارع، بل إنك لو قومت بصيت من بلكونة بيتك دلوقتي فيه نسبة كبيرة برضه هتلمح قطة أو كلب ماشيين دلوقتي، الحيوانين دول بالتحديد موجودين حوالينا في كل مكان وبأعداد كبيرة كمان، وتقريبًا هم أكتر حيوانين منتشرين في المجتمعات البشرية، الموضوع ده بيطرح تساؤل مهم، اشمعنا الحيوانين دول بالتحديد، وليه المخلوقين دول بالذات منسجمين مع البشر وواخدين راحتهم على الآخر، هل الموضوع من قبيل الصدفة مثلاً، ولا فيه أسباب معينة أدت للنتيجة دي.

أعداد القطط والكلاب

لو هنتكلم بلغة الأرقام فطبقًا لأحدث التقديرات، أعداد القطط في العالم يتخطى حاجز الـ 600 مليون فرد على أقل تقدير، والكلاب بتتخطى أعدادها حاجز الـ 900 مليون، الأرقام دي مهولة جدًا في عالم الحيوان، وخصوصًا لما نكون بنتكلم عن الثدييات، يعني لك أن تتخيل إن أعداد الذئاب في العالم مثلاً، واللي هم ولاد عمومة الكلاب، بيتراوح من 250 ألف إلى 300 ألف ذئب فقط، الببر مثلاً اللي من نفس عائلة القطط، أعدادهم لا تتجاوز الـ 4 آلاف فرد في العالم كله، المدهش في الأمر إن الحيوانات دي عندها قدرات أفضل بكتير جدًا من القطط والكلاب، سواء في الصفات الجسدية أو في السلوك، لكن بالرغم من كده أعدادهم في تناقص مستمر، في حين إن القطط والكلاب يكادوا يكونوا بيغزوا العالم تقريبًا، مصر لوحدها على سبيل المثال موجود فيها أكتر من 20 مليون جرو أو كلب، بالإضافة لعشرات الملايين من القطط واللي متفرعين من ست أنواع مُختلفة.

الإنسان هو السبب

طيب ياترى بقى إيه السبب في الظاهرة الغريبة دي، إزاي حيوانات قدراتها متواضعة جدًا قدرت إنها تنتشر بالشكل المذهل ده، الإجابة ببساطة تكمن في أنهم انضموا في صف الجانب القوي في المعادلة، واللي هم البشر، وقدروا إنهم ينشئوا علاقة ود وصداقة مع الإنسان، وبالتالي هيكونوا دايمًا في أمان، وخلينا نوضح الصورة أكتر ونفصص الكلام المجعلص ده.

تفتكر إيه أكتر عامل بيأثر بالسلب على حياة أي مخلوق موجود على سطح الأرض، الإجابة بدون تفكير هي “الإنسان”، التوسع في المجتمعات البشرية كان السبب الأساسي في نقص أعداد الحيوانات والنباتات وإنقراض بعضهم، الإنسان بيدمر البيئة الطبيعية علشان يستوطنها ويعيش فيها، وده بدوره بيتسبب في نقص عدد الحيوانات وبيخليهم يهاجروا من مكان للتاني، وده لأن معظم الحيوانات مابتحبش تواجد البشر معاهم في نفس المكان وده مش بس عند الحيوانات الأليفة، وحتى الحيوانات المفترسة مابتسلمش، لو تتبعت سيرة الذئاب هيكتشف إنهم في الماضي كانوا من أكثر الثدييات إنتشارًا في البرية، لكن بسبب اضطهاد البشر ليهم وبسبب اقتحامنا لأماكن معيشتهم، بدأ النطاق اللي بيتواجدوا فيه يقل بنسبة 90%، في وسط بقى النماذج دي كلها، القطط والكلاب لعبوها صح “ليه أبعد عن البشر لما ممكن أختلط معاهم وأعيش وسطهم وبالتالي هضمن تواجدي في معظم الأماكن على سطح الأرض، أي مكان فيه بشر بالتابعية هبقى موجود فيه وكمان هيبقى مُتاح قدامي مخزون ضخم من الغذاء الناتج عن بقايا الأطعمة بتاعهم”، وقد كان.

استئناس القطط

خلونا في البداية نحكي قصة استئناس القطط، ونعرف إزاي قدرت بذكاء إنها تقتحم بيئة البشر وتخليهم يعجبوا بيها جدًا، بل ويتمسكوا بيها كمان، القصة بتبدأ مع معرفة البشر للزراعة والإستقرار، في الوقت ده كان بيبقى فيه مخزون كبير من المحاصيل والحبوب، لكن للأسف كان في حيوانات مُتطفلة بتهجم على المحاصيل دي بإستمرار مثل الفئران أو الجرذان، واللي كانت بتسبب إزعاج شديد للمزارعين، ونفسهم يتخلصوا منها بأي شكل، في الوقت ده بدأوا يشوفوا حيوان غريب أشبه بالنمور لكنه أصغر شوية في الحجم، بيقرب برده من مخازن المحاصيل، بس قبل مايرفعوا عليه السلاح ويهاجموه زي مابيعملوا مع كل الحيوانات كالعادة، لاحظوا إنه لما بيدخل المخازن مابيضرش المحاصيل إطلاقًا ولكنه بيصطاد الفئران، وده كان أول موقف يجمع بين القطط البرية والبشر، واللي نالت إعجابهم جدًا، وعلشان كده كانوا بيتعمدوا إنهم مايخوفوهاش وبقوا بيقدمولهم الأطعمة كمان علشان يجذبوهم ويخلوهم يعيشوا معاهم في نفس المكان، القطط كانت كنز بالنسبة للبشر؛ وده لأنها بتحقق معادلة صعبة جدًا أولًا هي حيوان مفترس لكنها في نفس الوقت مابتئذيش البشر، وبتهاجم القوارض والمخلوقات الصغيرة فقط وفي نفس الوقت تحافظ على المحاصيل، وده على عكس الذئاب والثعالب والطيور الجارحة، واللي كانو بيهاجموا القوارض أو البشر على حدا سواء، وبالتالي كانت القطط هي الإختيار المثالي.

القطط والمصريين القدماء

علاقة القطط مع البشر تطورت مع مرور الوقت، وإعجابهم بيها بدأ يزيد أكتر، لدرجة إنهم بقوا حابين إنها تتواجد معاهم داخل المنازل كحيوان أليف، ومن الحاجات المدهشة جدًا إنهم اكتشفوا مقبرة قديمة في جزيرة قبرص، عمرها يتعدى الـ 9500 سنة، والمقبرة دي مدفون فيها طفل وقطة في نفس المكان، وده يأكد فكرة إن الناس في العصور القديمة كانوا فعلاً بيربوا القطط كحيوانات أليفة، وإن الطفل اللي في المقبرة ده كان في الغالب متعلق بالقطة بتاعته وعلشان كده دفنوها معاه.

بالإنتقال من قبرص لأفريقيا وتحديدًا لـمصر، فالمصريين القدماء كان ليهم بصمة غير عادية بخصوص استئناس القطط، لأنهم مش بس كانوا بيربوها وخلاص ولكنهم كانوا بيقدسوها، المصريين القدماء كانوا معجبين جدًا بالقطط وبصفاتها اللي زي الخصوبة والكبرياء والشراسة، وعلشان كده جسدوها طبقًا لمعتقداتهم بأنها أحد الآلهة، واللي تم تسميتها “باستت” المختصة بالحنان والوداعة، وكانوا بيمثلوها على هيئة جسد إمرأة ورأس قطة.

وعلشان كده كانوا بيكرموا القطط جدًا وبيهتموا بيها، لدرجة إنهم خصصوا مدينة كاملة علشان تكون مركز لتقديس القطط، واللي هي “بوباستيس Bubastis” أو تل بسطة الموجودة في مدينة الزقازيق حاليًا.

هوس المصريين القدماء بالقطط انتقل للعالم كله، والتجار الفينيقيين اللي كانوا بيزوروا مصر، أخدوا القطط منها وصدروها لأوروبا وأسيا، علشان يساعدوهم بإنهم يتخلصوا من الفئران، وبدأت القطط تنتقل من بلد لبلد عن طريق البحارة، لحد ما انتشرت في معظم بلدان العالم تقريبًا، ووصلت لهيئيتها الحالية، بقت أقل عدوانية تجاه الإنسان، وقدرت تتأقلم مع الأطعمة النباتية والنشويات، اللي بتتبقى من الأطعمة البشرية، لكنها بالرغم من كده مازالت محافظة على غريزة القتال، وبتقدر تصطاد الفئران والقوارض بكفاءة شديدة.

استئناس الكلاب

بالرغم من إن الكلاب أحد أكتر الحيوانات الآكلة للحوم إنتشارًا في البرية، إلا إنها كانت بتجد صعوبة شديدة في التنافس مع أكلات اللحوم اللي أكبر منها، زي الفهود والنمور وغيرهم، وكانت طول الوقت تتعرض للهجوم والمشاحنات، وعلشان كده على مدار آلاف السنين، كانت الكلاب البرية بتقرب من القرى والمدن الموجودة في نصف الكرة الشمالي، علشان تبحث عن بقايا الطعام، وفي الوقت ده السكان المحليين كانوا بيلاحظوا حاجة غريبة جدًا، وهي إن المكان اللي بيبقى موجود فيه كلاب الذئاب بتبعد عنه، ومش بس كده السكان المحليين لاحظوا كمان إن الكلاب ما بتهاجمش الأغنام والماشية بتاعتهم، وكمان مابتهاجمش البشر، وعلشان كده بدأوا يقدموا أطعمة للكلاب ويستقطبوهم علشان يجوا يعيشوا حوالين البيوت بتاعتهم، ومع مرور الوقت بدأ يظهر للكلاب دور في رعي الماشية وفي الحراسة والصيد وغيرها من المهام، وبدأت تبقى مصدر إلهام لثقافات كتير.

في حضارة بابل مثلاً كانوا بيصوروا الكلاب بأنها رمز الحماية والولاء واليقظة، وكانوا بيمثلوها أحيانًا بإنها إله الشفاء والطب طبقًا لمعتقداتهم، وفي الصين وكوريا واليابان، كانوا بيصوروها بأنها رمز الكرم والعطاء، وفي الأساطير الهندية والأوروبية، مثلوا الكلاب بأنها حارس بوابات العالم السفلي.

الحضارات دي بقى كلها تتكلم عن الكلاب، والمصريين القدماء يسكتوا أبدًا، المصريين القدماء كان منتشر في بيئتهم أحد أفراد عائلة الكلبيات وهو إبن “آوي Jackal”، وعلشان كده جسدوه طبقًا لمعتقداتهُم بإنه الإله “أنوبيس Anub” المسؤول عن التحنيط واللي كان على هيئة جسد رجل ورأس كلب، أو بالأحرى رأس ابن آوي، والنقش ده مشهور جدًا في منحوتات المقابر، وخصوصًا في مقبرة توت عنخ آمون.

النهاية

في النهاية الكلاب والقطط أصبحوا موجودين في المجتمعات البشرية بالكثرة دي لأن معدل تكاثرهم عالي جدًا، متوسط مدة الحمل عند الكلاب حوالي 60 يوم، وبتولد في المتوسط من أربع لـ خمس جراء صغيرين، على حسب نوع الكلب والبيئة اللي بيعيش فيها، ومتوسط مدة الحمل عند القطط برده حوالي 60 يوم وبتولد في المتوسط من 3 لـ أربع قطط، كل ده بجانب العوامل اللى ذكرناها، خلت أعداد القطط والكلاب تبقى في تزايد مستمر دونًا عن أي حيوان تاني.