قبل ظهور الإنترنت وانتشاره بالشكل الواسع ده، كان التلفزيون كان هو النافذة اللي بنبص من خلالها على العالم حوالينا، بنعرف الأخبار، وبنتفرج على البرامج، وكذلك الأفلام والمسلسلات، لكن ياترى هل سألت نفسك قبل كده هي منظومة التلفزيون دي بتشتغل إزاي، يعني إزاي مثلاً ماتش الكورة يبقى بيتلعب في الإستاد، ونشوفه في نفس الوقت على التلفزيون في البيت عندنا، وحتى البرامج والأفلام وغيرهم، إزاي الحاجات بتتنقل للتلفزيون بكل سهولة، وإزاي بضغطة زِر واحدة بنقدر نغير من قناة لقناة تانية خالص؟.

تمهيد لظهور التلفزيون

إننا نشوف الأماكن البعيدة ومعرفة الأحداث اللي بتحصل فيها، كان حلم بيراود البشر لـ آلاف السنين، الناس كانوا عايزين يعرفوا أخبار بعض ويعرفوا إيه اللي بيحصل في العالم حواليهم؛ وعلشان كده ظهرت إختراعات أولية بتؤدي الغرض ده زي (التلغراف) مثلاً اللي ظهر في بداية القرن الـ 19 واللي كان نقلة كبيرة في عالم الإتصالات وقتها، التلغراف كان عبارة عن جهاز بيكون متوصل بجهاز تاني من خلال مجموعة من الأسلاك، وكل جهاز منهم بيبقى عليه مجموعة من الأحرف أو الأزرار، حاجة كده أشبه بلوحة المفاتيح بتاعت الكمبيوتر، ولما بنضغط على أي حرف منهم بيتبعت نبضة كهربائية معينة وبتمشي خلال الأسلاك، وبتروح للجهاز التاني وبتترجم هناك على هيئة حرف مكتوب، والطريقة البسيطة دي كانت بتخلي الناس تقدر تبعت رسايل أو برقيات لبعض، حتى لو موجودين في بلدان مختلفة وبيفصل بينهم مسافات طويلة، والموضوع إتطور أكتر بعد كده وظهرت فكرة التيلفون الأرضي على يد المخترع الإيطالي “أنطونيو ميوتشي Antonio Meucci”، ومن بعده “ألكسندر جراهام بيل Alexander Graham Bell”.

التليفون الأرضي هو كمان كان عبارة عن أجهزة متصلة ببعضها بمجموعة من الأسلاك، لكن اللي كان بيميز الأجهزة دي هو إنه موجود جواها قطعة إسمها (القرص الكربوني)، والقطعة دي عبارة عن قرص موجود فيه حبات دقيقة من الكربون، بتهتز بطريقة معينة لما بتتعرض للصوت، والإهتزازات دي بتتحول لنبضات كهربائية بتمشي داخل الأسلاك، وبكدا إحنا قادرين نبعت رسايل لبعض، وكمان قادرين إننا نسمع أصوات بعض من على مسافات بعيدة، وبالرغم من إنها كانت بتوصَّل الناس ببعض فعلاً، إلا إنها وسائل تواصل جامدة ومحدودة.
ومن وهنا ظهر أحدث صيحات عالم التواصل، لعقود طويلة من الزمن، ألا وهو (التليفزيون)، البداية الحقيقة للتليفزيون ممكن نعتبر إنها كانت عند أحد عمال التلغراف في عام 1873م، العامل ده أثناء ما كان بيمد مجموعة من الأسلاك المصنوعة من معدن “السيلينيوم Selenium” لاحظ إن جزء معين من السلك، المقاومة بتاعته إتغيرت لسبب مجهول، ولما بحث شوية في الموضوع، اكتشف إن السبب هو إن الجزء ده من السلك كان متعرض للضوء بشكل مُكثف، والملاحظة البسيطة دي كانت نقلة كبيرة في تاريخ الفيزياء؛ لأن الشخص ده إكتشف خاصية “الموصلية الضوئية أو الـ Photoconductivity”، واللي بتعني إنه ممكن يتم تحويل موجات الضوء إلى نبضات كهربائية، والعكس صحيح، وده كان المدخل اللي دخل منه جهاز التلفزيون من أوسع أبوابه.

آلية عمل التلفزيون

بعد حوالي عشر سنوات من الواقعة دي، وتحديدًا في عام 1884م، قدر المخترع الألماني “بول نيبكو Paul Nipkow” إنه يصنع جهاز بيحول الصور أو اللقطات، اللي هي بين قوسين (ضوء)، بيحولها إلى نبضات كهربائية، وبعدين بياخد النبضات دي ويمشيها في الأسلاك ويحولها لضوء مرة تانية، وبتتعرض الصور ورا بعض بشكل سريع على قرص دوار إتعرف بعد كده باسم قرص نيبكو، وبتصنع في النهاية مشهد أقرب ما يكون لمقاطع الفيديو.
و”قرص نيبكو Nipkow disk” ده فِضل مُكون أساسي في أجهزة التلفزيون الأولى لسنوات عديدة، وبالرغم من تطور التليفزيونات بعد كده، إلا إن فكرة العمل كانت ثابتة، جُزء بيحوِّل الضوء لنبضات كهربية ويبعته في الأسلاك
وجزء بيحوِّل التيار الكهربي لضوء مرة تانيةK ,أخيرًا جهاز مسح علشان يقسم الصورة ويعرضها.

التلفاز اللاسلكي

لحد دلوقتي التلفزيون برده بيشتغل من خلال الأسلاك، يعني علشان نبعت صورة أو مقطع مرئي من جهاز إلى جهاز تاني، أو من محطة بث إلى محطة مختلفة، فلازم الجهازين يبقوا مُتصلين ببعض بشكل مباشر من خلال أسلاك التوصيل اللي بينهم، والحقيقة الموضوع ده مكنش عملي إطلاقًا، وخصوصًا لو عاوزين نمد خطوط تلفزيون بين مدينتين بُعاد عن بعض، أو حتى بين دولتين مختلفتين، الموضوع هيكون مرهق وفي غاية الصعوبة والتعقيد، وهنا بقى كان الحل السحري اللي سَهِّل علينا الموضوع تمامًا، ألا وهو البث اللاسلكي.
زي ما وضحنا من شوية، الضوء والكهرباء والمغناطيسية هم أوجه مختلفة لنفس العملة، ونظرًا لأن الضوء موجة كهرومغناطيسية، فإحنا ممكن نبعت الضوء للأماكن البعيدة على هيئة موجة كهرومغناطيسية بتسافر في الفراغ وبدون أي أسلاك، وبعدين نستقبل الموجة الكهرومغناطيسية دي من جهاز إستقبال ونحولها لضوء أو صورة مرئية مرة تانية.

وده بالظبط اللي حصل في 7 سبتمبر من عام 1927م، قِدر المُخترع الأمريكي “فيلو تايلور فارنزورث
Philo Taylor Farnsworth”، إنه يصمم نظام تلفزيون متكامل، من خلال الهوائي وبدون أي أسلاك، والنظام كان بيقدر ينقل صور متحركة من مكان إلى مكان تاني بعيد عنه، وبعدين تتعرض مباشرةً على الشاشة، وبجانب تايلور بدأ علماء تانيين يطوروا أكتر وأكتر في أنظمة التلفزيون، زي المهندس الإنجليزي “جون لوجي بيرد John Logie Baird”، والأمريكي “تشارلز فرانسيس جينكينز Charles Francis Jenkins”، والمخترع الياباني “كينجيرو تاكاياناغي Kenjiro Takayanagi”، وغيرهم، وبكده في المرحلة دي، التلفزيون تخلي تمامًا عن الأسلاك وبقى مبنى بشكل أساسي على فكرة إنتقال الموجات الكهرومغناطيسية في الفضاء.

ومع وجود تقنية الراديو اللي كان متعارف عليها أصلاً في الحقبة دي ف أصبح السيستم النهائي لنظام التلفزيون الهوائي كالتالي، عندنا (استوديو) أو المكان اللي بيتم إنتاج فيه المادة المرئية أو المسموعة، بعد كده المادة دي بيتم إرسالها لـ (برج إرسال) علشان يضخمها، والبرج ده بيكون عالي جدًا وموجود على مكان مرتفع، وبعد كده البرج العالي ده بيبث الموجات بتاعته في كل مكان حواليه.

وعلى الجاب الأخر بقى، المنازل اللي فيها التلفزيونات، بيكون موجود على السطح بتاعهم هوائي أو اللي كنا بنسميه زمان (إريال)، والإريال ده بيكون بمثابة جهاز استقبال، بيستقبل الموجات اللي جياله وبيوصلها للتلفزيون، وجوا التلفزيون بقى بتبدأ الموجات الكهرومغناطيسية تتحول لضوء وصوت، ومن خلال أجزاء إلكترونية معينة، بيحصل تزامن بين الضوء والصوت في نفس الثانية بالظبط، علشان نحصل في النهاية على مقطع فيديو طبيعي من اللي إحنا عارفينه.

عيوب النظام الهوائي

بالرغم من إن نظام البث الهوائي كان نظام ناجح جدًا وبيقدر يبث القنوات لكل الناس، إلا إن النظام ده كان فيه بعض العيوب، والعيب الأول هو المساحة اللي بيغطيها، لو فيه برج إرسال موجود في منطقة معينة، فهو للأسف ما بيقدرش يغذي غير محيط المنطقة الموجودة حواليه فقط، ولو فيه منطقة بعيدة أو نائية، فعلشان نغذيها بموجات التلفزيون لازم نبني برج إرسال جديد في المنطقة دي، ويكون متصل مع أبراج الإتصالات الأخرى.

ومش بس كده، كمان كان فيه عامل أخر مهم وهو العوائق والتضاريس الجغرافية، يعني لو فيه مبني عالي جدًا موجود في الطريق قدام الموجات اللي بيتم بثها من برج الإرسال، فـ للأسف المبني ده هيحجب الموجات عن كل المنطقة اللي وراه ومش هيوصلهم الإرسال بتاع التلفزيون، ونفس الشيء بينطبق على التضاريس الجغرافية الواعرة اللي زي الجبال والهضاب والصحاري وغيرهم، كل الحاجات دي بتشوش موجات الإرسال وبتحجبها، وعلشان كده كنا محتاجين وسيلة جديدة تطور أكتر من أنظمة البث والإستقبال.

البداية عند السوفيت

البداية لفكرة القنوات التلفزيونية الفضائية، بل وحرفيًا كل التطور التكنولوجيا اللي بنعيشه دلوقتي في أنظمة الإرسال والإستقبال، بيرجع ليوم 4 أكتوبر من عام 1957م لما الإتحاد السوفيتي أطلق أول قمر صناعي على الإطلاق، وهو القمر “سبوتنك 1 Sputnik 1″، وبالرغم من إن القمر ده كان الهدف الأساسي منه إنه يخدم الأغراض الحربية ويتم استخدامه في توجيه الصواريخ، إلا إنه كان سبب في طرح سؤال بديهي جدًا، ليه ما نستخدمش الأقمار الصناعية كبديل لـ أبراج البث العالية الموجودة على سطح الأرض؟، يعني بدل ما نحط جهاز البث على برج، نحطه على قمر صناعي، وبكده هنتغلب على العوائق الطبيعية اللي زي الجبال والهضاب، وهيبقى القمر قادر يغطي مساحة كبيرة جدًا جدًا من كوكب الأرض، وكمان مش هيحصل تشويش على موجات التلفزيون ومش هتختلط بالموجات الأرضية التانية، زي مثلًا اللاسلكي بتاع الشرطة؛ وده لأن الأقمار الصناعية هتكون بعيدة كل البُعد عن الحاجات دي.
وقد كان، تم الاستغناء عن أبراج البث الأرضي بشكل كبير، وحلت مكانها الأقمار الصناعية، وبقت المنظومة كالتالي، الأقمار الصناعية بيكون ليها مدار ثابت حوالين الأرض بتلف فيه، والقمر نفسه بيتحرك بنفس سرعة دوران الأرض؛ وده علشان يبقى القمر مكانه تقريبًا ثابت بالنسبة للمنطقة الجغرافية اللي بيغطيها ومايبعدش عنها، ومن الحاجات المُهمة بقى هي إن الأستوديو اللي بيصنع المواد المرئية والمسموعة ما بيبعتهاش مباشرةً للقمر الصناعي وبعدين القمر يعيد بثها للمستخدمين.

وبعد كدا تبدأ عملية البث، الأستوديو بيبعت المادة بتاعته لقمر صناعي وسيط بتردد مخفي محدش يعرفه، والقمر الوسيط ده بيبعت المادة لمركز معالجة أو إدراة، والمركز ده بقى وظيفته إنه يحط الإعلانات في أماكن معينة بعد المسلسلات مثلًا، ويحط لوجو القنوات والبرامج، وهكذا، حاجة كده أشبه بمكان بيعمل مونتاج للفيديوهات.
وبعد كده بيبدأ مركز المُعالج يبعت المادة مرة تانية لقمر صناعي جديد، وده القمر بقى اللي بيبقى مُتعارف عليه والناس معاها الترددات بتاعته، وبيستقبلوا بيه القنوات الفضائية من خلال أطباق الإستقبال أو (الدش).