واحد من أكتر الأسئلة الجدلية بين كتير من الناس، بل حتى وبين الباحثين، هو سؤال مين اللي اكتشف أمريكا الأول؟
لو أي حد فيكم عمل بحث بسيط على الإنترنت هيُفاجئ بكم الأسماء اللي بيُنسب لها الاكتشاف الأول، لكن ياترى مين المكتشف الحقيقي؟

كريستوفر كولومبوس

المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبس، هو صاحب الإدعاء الأشهر على الإطلاق بين كل الأسماء اللي بيعتقد إنها اكتشفت أمريكا، ورغم شهرة الإدعاء ده، إلا إن كولومبوس نفسه مكنش عنده النيه من الأساس إنه يلاقي أي أراضً جديدة، سواء بقى كانت أمريكا ولا غيرها، فالراجل من الأساس كان هدف رحلته سنة 1492 إنه يلاقي طريق جديد للهند بعيد عن الطرق اللي بيسيطر عليها المسلمين، فبعد الاتفاق مع الأسبان على تمويل رحلته؛ أبحر لناحية الغرب لحد ما وصل لجزر البهاما الموجودة قبل البر الرئيسي للأمريكتين، وقتها إعتقد إنه وصل للهند زي ما كان عايز، ومن هنا، جت تسمية الهنود الحمر اللي اشتهر بيها سكان أمريكا الأصليين.
والجدير بالذكر، إنه كريستوفر كولومبوس مات في 20 مايو سنة 1506 ميلادية، في حين إن أول خريطة ضمت الأمريكتين على إعتبار إنهم عالم جديد بصورة يقينية، كانت خريطة الألماني “مارتن فالدسيمولرMartin Waldseemuller”، اللي انتهى منها في سنة 1507.

يعنى في الحقيقة إن كولومبوس مات قبل مايعرف إن اللي لقاه ده كان أرض جديدة من الأصل، وعشان كده بيصعب جدًا الاتفاق مع الإدعاء ده اللي بيُنسب له الاكتشاف، ده غير إن أصحاب الإدعاء نفسهم معترفين إن اسم أمريكا هو إسم مشتق من الإيطالي أميرجو فسبوتشي، وهو الإيطالي التاني اللي جه بعد كولومبس، واللي قام بـ 3 رحلات ناحية الغرب برضه، كان أولها سنة 1499، وهو نفسه اللي خرج باستنتاج إتأكد منه فيما بعد إن إكتشاف كولومبوس مكانش طريق جديد للهند، لكنه بالتأكيد أرض جديدة ميعرفهاش الأوروبيين.

المسلمين

البحار المسلم أحمد محيى الدين بيري، الشهير بـ “بيري رايس Piri Reis”، هو ملاح ورسام خرائط وواحد من أمراء البحر المتوسط المعاصرين لكولومبوس، وبيري رايس هو وكتير من أفراد عائلته وأشهرهم عمه كمال رايس، كانوا أمراء البحر المتوسط، واللي بسببهم مكانش لا كولومبوس ولا غيره بيعرف يعدي للشرق.

والحقيقة إن بعض المصادر العربية بتُنسب اكتشاف الأمريكتين لبيري رايس قبل كولومبوس واميرجو، إلا إن برضه بعض المصادر بتؤكد إن خرائط بيري رايس اللي تضمنت الأمريكتين، كانت في تاريخ لاحق بعد خريطة “Martin Waldseemuller”، والراجح بعد البحث إن خرائط بيري رايس بدأت سنة 1513، وتم تضمينها مع بعض الخرائط التانية في كتابه المعروف بكتاب البحرية.

وسواء بقى بيري رايس كان قبل كولومبوس أو بعده، ففي كل الأحوال لا هو ولا كولومبوس أصحاب الدعوى الأقدم في اكتشاف الأمريكتين، وبعض المصادر بتقول إن وصول المسلمين للأمريكتين كان قبل كولومبوس بـ 200 سنة على الأقل، وغالبًا المقصود من رحلات المسلمين دي هي رحلات المسلمين الأفارقة من إمبراطورية مالي، واللي ازدهرت في الفترة دي واللي قدروا إنهم يعبروا المحيط الأطلسي ويوصلوا للأمريكتين، واللي بيدعم الفرضية دي عند أصحابها، هو العثور على عدد من التماثيل والهياكل العظمية والجماجم اللي بيعتقد إنها بتنتمى للأصل الافريقى بوضوح.
أما لو سبنا بقى قارة أفريقيا ورجعنا تاني لقارة آسيا، فهنلاقى برضه إن الملاح الصيني المسلم “شانج ها Zheng He”، واللي بيعتقد أنهم سبقوا كولومبوس قرابة القرن من الزمان، ففي خلال سنة 1405 خرج Zheng مع مجموعة كبيرة من رجالة في أسطول ضخم؛ بهدف إظهار قوة الصين وثقافتها، بالإضافة كمان للبحث عن الأراضي والكنوز، واللي بيدعم الافتراض الصيني ده، هو بعض الخرائط اللي تم العثور عليها من عهد أسرة “مينج Ming” الصينية، لكن برضه فيه بعض الآراء اللي بتعترض على الكلام ده وبتقول أن الخرائط اللي لقوها من عهد أسرة مينج مشكوك فيها ويعتقد إنها مزورة، وحتى رحلات مالي فيه آراء برضو بتعترض عليها وبتقول أن وجود بعض الآثار الأفريقية من الممكن تكون مجرد تشابه مع حضارات الأمريكتين من قبيل الصدفة مش أكتر، وبكدا يبقى أثبت حاجة في اكتشافات المسلمين للأمريكتين هي خريطة بيرى رايس.

الفايكنج

واحدة من أهم الإدعاءات المرشحة إنها تكون صحيحة، هو الإدعاء أن الفايكنج هما اللي اكتشفوا أمريكا، أصحاب الفرضية دي بيقولوا أن في الفترة ما بين 950 لـ 1000 ميلادية، وصل الفايكنج بقيادة زعيمهم “Leif Erickson”، للأطراف الشمالية من كندا بعد إبحارهم من أيسلندا وبعدين لأمريكا الشمالية.

ونظرية الفايكنج تحديدًا بتعتبر الوحيدة اللي شبه تم التأكد منها، ففي خلال سنة 1960، تم العثور على موقع أثري كامل في جزيرة “Newfoundland نيوفاوندلاند”، شرق كندا مليان بأسلحة ومعدات للفايكنج، لكن الرد على النظرية دي إن الفايكنج من الأساس كانوا مجموعة من الغزاة اللي بيعتمدوا على عمليات الإغارة والغزو، ومكنش عندهم أي إهتمام لتأسيس المستعمرات أو بناء الحضارة، يعني هما كانوا مجموعة من البشر مش في دماغهم الإكتشافات ورسم الخرائط والتجارة والحكاية دي كلها، إنما هم كانوا مجرد مجموعة من الهمج بيدوروا على أي عمران ينهبوه ويرجعوا على بلادهم، بالإضافة إلى إن الفايكنج كمان اقتصر تواجدهم بس على الأجزاء الشمالية من الأمريكتين، يعنى تقريبًا عاشوا وماتوا من غير ما يعرفوا إن فيه قارة إسمها أمريكا الجنوبية.

الرومان

على الرغم إنه مفيش أي سجلات رومانية إتكلمت عن أي إتصال بين الرومان والأمريكتين، إلا إن كميات من العملات المعدنية الرومانية والآثار اللي تم العثور عليها، خلت المؤرخين يضمنوا الرومان في قائمة المرشحين لاكتشاف العالم الجديد، لكن الفرضية دي بتعتبر من أضعف الفرضيات، وبيعتقد البعض إن الكنوز الرومانية اللي لقوها في أراضي العالم الجديد، من الممكن تكون لسفينة سواء رومانية أو من أي جهة تانية تاهت في المحيط ووصلت أخيرًا للأمريكتين من غير قصد.

وبيفترض المؤرخين إن الجماعات اللي وصلت للأراضي الأمريكية أقامت مجتمع ليها وعاشت في المكان بعد ما فقدوا الأمل لرحلة العودة، وبيستدل الباحثين كمان على الفرضية دي من نحت حجري تم العثور عليه، عبارة عن رأس لرجل أوروبي بلحية كثيفة على الطراز الروماني، وهو الأثر المعروف بإسم ” تيكاكسيك كاليكستلاهواكا “Tecaxic-Calixtlahuaca.

الأيرلنديين

أما الأيرلنديين فبرضه اشتركوا في إحتمالية إنهم يكونوا أصحاب السبق في اكتشاف أمريكا، فالرحلة اللي قام بها الراهب الأيرلندي “سان بريندان Saint Brendan”، خلال سنين حياته اللي امتدت من 484 إلى 577 ميلادية، هي واحدة من الرحلات الشهيرة اللي اتكلم عنها كتير من المؤرخين، وعلى الرغم من العدد الكبير اللي اتكلم عن الرحلة دي، إلا إنه مفيش ولا واحد من اللي اتكلموا قدر إنه يؤكد أو ينفي الرحلة، ومش معروف على وجه التحديد إذا كانت رحلة حقيقية ولا أسطورة من الأساطير.

الحضارات القديمة

برضه الحضارات القديمة كان لها نصيب من الادعاءات، ويمكن أقدم الإدعاءات دي على الإطلاق، هو الإدعاء اللي بيفترض أن المصريين القدماء بالتعاون مع أصدقاءهم الفينيقيين، هما اللي اكتشفوا أمريكا الأول، والافتراض كله بيقوم على التشابه الملحوظ لبعض حضارات الأمريكتين مع الحضارة المصرية القديمة، بالإضافة لبعض النقوش والرسومات والطقوس الدينية عند حضارات زي الأزتك والمايا وغيرهم.
بالإضافة بقى لأهم شئ على الإطلاق، وهو العثور على آثار من الكوكا والنيكوتين في المومياوات المصرية، وهي طبعًا النباتات اللي بتنمو فقط في القارة الأمريكية، واللي مكانش حد يعرفها قبل رحلة كولومبوس وبداية الهجرات للأمريكتين، إلا إن التفسير اللي اتقدم وبيخالف فكرة الإكتشاف، إنه بيعتقد أنه من الممكن تكون النباتات دي كانت موجودة في وادي النيل في فترة من الزمان، أو حتى من الممكن إن المومياوات تكون تعرضت لآثار من النباتات دي عن طريق المستكشفين وعمال الحفر وغيرهم، واستدلوا على صحة الافتراض ده بالعثور على شظايا من أوراق التبغ في بطن بعض المومياوات اللي كان تم فحصها قبل كده عن طريق فتح البطن.

الخلاصة

الحقيقة إن كل الأمثلة اللي اتكلمنا عنها بتمثل نماذج مختارة من عشرات من الادعاءات، تقريبًا كل الحضارات ادعت اكتشاف الأمريكتين قبل كولومبوس، بل إن كل حضارة بيبقى عندها مرشحين وتلاته بيعتقد كل واحد فيهم هو اللي اكتشف أمريكا الأول، ومسألة تعدد الادعاءات دي إن دلت على شئ، فهي بتدل على أن العالم الجديد والأرض البعيدة، كانوا قصص بيتداولها الناس بينهم وبين بعضهم على مر السنين، ومش مستبعد أبدًا إنه يكون البعض من القدماء وصلوا للعالم الجديد ورجعوا تاني، ولا شك إن حكاياتهم اتنقلت بين الأجيال وكانت قصة الأرض البعيدة معروفة، لكن بالتأكيد ونتيجة لضعف التوثيق؛ اتحول الموضوع لحكايات شعبية مش معروف إذا كانت صحيحة ولا أسطورية.
أما سبب عدم استمرار الرحلات بين العالم القديم والعالم الجديد، فالمعروف باتفاق الباحثين إن السكان الأصليين في الأمريكتين، وصلوا للأراضي ما بين 13 أو 15 ألف سنة، وكان وصولهم على الأغلب عن طريق مضيق بيرنج بين ألاسكا وآسيا.

والراجح إن الطريق ده في الماضي كان طريق يابس مفيش فيه فواصل مائية، وبفرض صحة النظرية دي، فالرأي الأكثر منطقية وحيادية من وجهة نظرنا، هو إن البشر عمومًا اكتشفوا الأمريكتين وأستراليا وخلاص.
الأرض كلها خُلقت واتقدر للإنسان السعي والبحث عن الرزق في كل مكان فيها، والبشر الأوائل كان طبيعتهم الترحال وعدم الاستقرار، وبالتأكيد في مرة من المرات وصلت بعض الجماعات للأمريكتين، وبالتأكيد برضه إنهم لقوا المكان المناسب للاستقرار، بعض الجماعات فضلت فيه لحد ما تم اكتشافهم مرة تانية في التاريخ الحديث، يعني من الأخر كدا، أول من اكتشف الأمريكتين هما سكان أمريكا الأصليين.