دايمًا لما بتحصل أي جريمة في أي مكان في العالم بنسمع جملة شهيرة جدًا بتقول “إحنا مستنيين نتايج الطب الشرعي”، وكإن نتايج الطب الشرعي لها الكلمة الأخيرة في كل شئ، وهي اللي بتحدد فلان هيتحاكم ولا لأ، وفلان سرق ولا ما سرقش، وغيرها من الاتهامات اللي الطب الشرعي قادر إنه يقول كلمة مسموعة فيها، لكن يا ترى الطب الشرعي بيعمل إيه عشان يبقى رأيه مهم للدرجة دي، وإزاي أصلًا بيقدر يكتشف الجرائم؟.

شرلوك هولمز

في عام 1867م، نشر الكاتب والطبيب الأسكتلندي Arthur Doyle مجموعة قصص بتدور حوالين شخصية بتُدعى شرلوك هولمز؛ المحقق الاستشاري اللي رجال الشرطة بيلجأوا له في أي قضية مُعقدة عشان يحلها ويجيب أخرها، وكان هولمز بيحل القضايا الجنائية بدقة كبيرة عن طريق استخدامه لشوية من مهارات التفكير المنطقي، وقدرته على ربط الأحداث، واكتشاف أدلة بسيطة جدًا اللي من الصعب ملاحظتها؛ واللي عن طريقها بيستنتج منها حل القضية بكل سهولة واحترافية.
شايف بقى اللي كان بيعمله هولمز دا كله، كان بيعمله برضو أطباء الطب الشرعي، لكنهم كانوا بيعملوه على الضيّق شوية؛ ودا لإن الفرع دا من العلوم كان ضعيف نسبيًا، وما عندوش الإمكانيات الكافية اللي تخليه علم يُعتمد عليه في أمور مصيرية زي القضايا الجنائية، وما كانش مُعتمد عليه نهائيًا، ولا حتى كان ينفع ناخد برأيه كدليل قاطع، وبلد زي الولايات المتحدة مثلًا ما اعترفتش بالطب الشرعي إلا في سنة 1959م، على الرغم من إنه كان موجود من قبل التاريخ دا بحوالي قرن ونص.

تحديد وقت الوفاة؟

في الفترة اللي اعترفت فيها الولايات المتحدة بالطب الشرعي كان الطب الشرعي فعليًا اتطور بشكل يخلي العالم كله يثق فيه ويقدر يعتمَد عليه، والسؤال هنا بقى، إزاي الطب الشرعي قدر يعمل دا، يعني إيه الخطوات اللي بيعملها عشان يقدر يكتشف الأمور الغامضة، وإزاي بيعرف يحدد الجرائم من عدمها أساسًا، أول ما بيتبلغ الطب الشرعي بوقوع جريمة قتل أول حاجة بيفكر فيها الأطباء هي تحديد وقت الوفاة؛ لإن بتحديد وقت وقوع الجريمة، وبتتبع خط سير المتوفى هيبقى جزء كبير من القضية شِبه اتحل، بس برضو يبقى السؤال، إزاي هنعرف وقت جريمة تمت وإحنا ما شوفناهاش أساسًا وهي بتحصل، ولا حتى عندنا أي فكرة عنها، هنا بقى الأطباء حرفيًا بيتقمصوا دور هولمز، ويبدأوا يفحصوا حاجات في الجثة.

أول فحص هو فحص تجمع الدم، وفي الفحص دا الطبيب الشرعي بيبقى عارف إن القلب واقف، وبالتالي الدم مش هيمشي في الجسم، وهيكون متجمع في الناحية اللي المتوفى متسكن عليها، ولو جينا حركنا جسم المتوفى هيتغير موضع الدم وهيتجمع في الجزء اللي ميّلناه عليه، ولو دا حصل يبقى الميت دا مات من مدة أقل من 12 ساعة؛ لإن بعد 12 ساعة الدم بينشف وخاصية تغيير مكانه دي ما بتبقاش موجودة، وبكدا إحنا بنكون حددنا إن المتوفى مات من أقل من 12 ساعة.

الخطوة التانية بقى أدق شوية، وهي فحص تصلب العضلات، الجسم عمومًا بيحتاج طاقة عشان يقدر يبسط عضلاته أو يخليها في حالة ارتخاء، ونظرًا لإن الميت جسمه ما بياخدش طاقة؛ فعضلاته بتبدأ من بعد ساعتين من موته إنها تتصلب، وجسمه بينشف وبيفضل على حاله لمدة 30 ساعة، فلو الجسم لسة عضلاته منبسطة؛ يبقى الميت دا مات في خلال ساعتين بس من دلوقتي.

أما الفَحص التالت، واللي بيعتبر الأدق هو فحص أو قياس درجة حرارة الجسم، في العادي جسم الميت بيفقد درجة ونص مئوية كل ساعة، والمفروض إن درجة حرارة الإنسان الطبيعي بتكون تقريبًا 37 درجة؛ فلو الطبيب الشرعي لقى إن جسم المتوفى مثلًا درجة حرارته 34 يبقى هو كدا مات من حوالي ساعتين، زائد كمان إن الطبيب بيراعي درجة حرارة الجو؛ لإن لو الجو برد دا بيفرق في سرعة فقد الجسم لدفئه.

وحتى إن في بعض الأوقات الطب الشرعي بيحلل أنواع البكتيريا أو أي ديدان ممكن تكون موجودة على جسم المتوفى عشان يعرفوا وقت وفاته.. وبعد الفحوصات دي كلها بيطلع لنا الطب الشرعي بجملته الشهيرة: المتوفى مات في حدود الساعة كذا.

المتوفّى مقتول ولّا منتحر؟

في أثناء تحديد وقت الوفاة، الأطباء بيكونوا بيحددوا حاجة كمان وهي هل المتوفى دا مقتول أساسًا وفي جريمة وكدا ولا لأ؛ لأن لو مفيش جريمة يبقى مش لازم نكشف عن الجاني ووجع الدماغ دا، ومن عند السؤال دا بيبدأ الأطباء إنهم يحللوا الجثة ويشرحوها ويتتبعوا أي علامات للمقاومة أو الخربشة أو الضرب أو الخنق، وبيتحققوا من عدم وجود أي مُخدر أو كحول أو أي نوع من أنواع السموم والجرعات الزايدة من الأدوية، ولو ما لاقوش حاجة من دي بيبدأوا يدوروا في المكان المحيط بالجثة، يمكن يلاقوا أي أداة تمت بيها الجريمة فيبدأوا يفحصوها ويتتبعوا الجاني من خلال تحليل البصمات والـDNA بتاعه؛ وعشان كدا دايمًا أول ما بتحصل جريمة بنلاقي البوليس حط شريط أصفر حوالين الموقع، أو شمع الشقة اللي حصل فيها الجريمة؛ عشان ما حدش يقدر يدخل ويغير مكان أي حاجة أو ياخد حاجة من مكانها، المهم إن الطب الشرعي بعد ما بيعمل كل الفحوصات دي بيبدأ يتتبع خط سير الضحية، ويفرغ كل الكاميرات المحيطة بالمكان اللي حصل فيه الجريمة يمكن يكون كان في حد كدا ولا كدا بيراقب الضحية؛ فيتحط في موضع اتهام.

جرائم اختفاء الضحية

في أوقات كتير بيتبلغ عن جرائم اختفاء، أو حد يقول إنه شاكك إن فلان اتقتل، وإنه دخل شقته ومن وقتها مظهرش، أو أي بلاغ من البلاغات اللي بيكون فيها اختفاء الضحية، والحقيقة إن الطب الشرعي بيلعب هنا دور كبير ودقيق جدًا في إنه يكشف عن وجود جريمة أصلًا من عدمها، ودا بيكون عن طريق إنه بيروح يفحص البيت اللي الناس شاكة إنه حصلت فيه جريمة بالفعل، وبعيدًا عن عملية تفريغ كاميرات المراقبة والتحقيق مع الجيران والكلام اللي بتعمله الشرطة دا كله، الطب الشرعي بيكون مهتم أكتر إنه يكشف عن وجود دم في المكان، حتى لو القاتل مسح الدم كويس جدًا، ومسح أداة الجريمة، وما فيش ولا نقطة دم حرفيًا في البيت، وعلى الرغم من إن دي تبان مهمة مستحيلة، إلا إنها بالنسبة للطب الشرعي مهمة سهلة لحد كبير.

ودا لإنهم باختبار بسيط جدًا بيقدروا يكتشفوا إن المكان دا كان عليه دم فعلًا واتمسح، ودا بيتم عن طريق إن الطبيب الشرعي بيجيب مركبين الفينول فثالين – Phenolphthalein وبيروكسيد الهيدروجين – Hydrogen peroxide، ويحطوهم على الأرض اللي هما شاكين إن فيه جريمة حصلت عليها، ولو مركب الفينول فثالين اتحول لونه للون الوردي يبقى فعلًا المكان دا عليه دم ممسوح، ودا لإن الدم بيحتوي على الهيموجلوبين، اللي بيعتبر عامل مساعد في التفاعل دا.

طريقة الفينول مش الطريقة الوحيدة لتتبّع آثار الدم؛ فيه مركبات تانية بيتم استخدامها واللي عن طريقها بيقدر الطب الشرعي يعرف يحدد إذا كان فيه جريمة قتل ولا لأ، دا غير كمان إنهم بيعرفوا الجريمة تمت بأنهي أداة من خلال نفس المركبات، لإنهم ببساطة لو لاقوا حاجة زي مفتاح الأنابيب مثلًا، أو السكاكين، أو أي آلة حادة أو تقيلة، ممكن يفحصوا لو عليها دم أو لأ، ولو لاقوا عليها دم يبقى غالبًا هيلاقوا بصمات وهكذا، بجانب بقى إنهم يقدروا يخمنوا جانب من سلوك القاتل، وهل بيعاني من اضطراب نفسي معين أو لأ من خلال بس تتبع الجريمة اللي عملها، وكل تصرف اتصرفه مع الضحيّة بيقدر الطب الشرعي يحدد الجانب النفسي للمجرم أوقات بيكون ضروري جدًا عشان الطب الشرعي يضيق على الشرطة دايرة البحث.

أخطاء الطب الشرعي

على الرغم من إن الطب الشرعي له فروع كتير وبيجمع ما بين علوم كتير، إلا إن الطب الشرعي ليه غلطات لا تُغتفر، ومجال حساس زي مجال الطب الشرعي كان من المفترض إنه يكون أدق مع بعض القضايا اللي بيحدد فيها مصير أشخاص؛ بل كمان أُسر بحالها.
في سنة 2015م، أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي دراسة نظر فيها في 268 حالة من القضايا الجنائية اللي تم استخدام أدلة الشعر والـDNA فيها لإدانة المشتبه فيه وكانت والمفاجأة إن الدراسة لاقت إن 257 حالة من القضايا اللي درسوها، واللي بيمثلوا 96% من العينة تم تحليلها من قِبَل الطب الشرعي بشكل خاطئ، ودي كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولو مش عارف إزاي الطب الشرعي ممكن يغلط في حاجة دقيقة زي تحليل البصمة الوراثية أو بصمة الإيد.

أحد أطباء الطب الشرعي وضحت إزاي ممكن إن واحد تكون له شَعرة في مسرح الجريمة من غير ما هو أساسًا يكون عمره راح المكان دا، يعني تخيل كدا لو أنت قعدت على كرسي ووقعت منك شعرة، وبعد كدا واحد جه قعد مكانك على نفس الكرسي، فالشعرة دي لزقت على هدومه، وبعد كدا هو مشي من المكان وراح ارتكب جريمة ووقعت الشعرة في مسرح الجريمة ده بالنسبة لموضوع الشعر، دا غير بقى إن الطب الشرعي لما بييجي يحدد بصمات الأصابع النتيجة النهائية بتكون من وجهة نظر الطبيب، يعني هو في الآخر ممكن يكون اختلط عليه الأمر، ومحللش البصمة بدقة عالية.
وعشان كدا بتقول دكتور Ruth إن الطب الشرعي محتاج نقلة وأدوات أكثر دقة من الأدوات الحالية، وإننا لحد دلوقتي ما عندناش البيانات والمعدات الكافية اللي تخلينا نعرف الشعراية المذكورة في التحقيق جت المكان دا إمتى وإزاي، بدل ما نسأل الشعراية دي بتاعة مين.